حكايات النار

القوات الجوية
إعداد: جان دارك أبي ياغي

معركة القيادة والسيطرة

 

بالنسبة إلى القوات الجوية، بدأت معركة «فجر الجرود» يوم وضعت جبهتها تحت مجهر المراقبة الدائمة منذ العام 2015. هذه المراقبة وفّرت بنكًا من المعلومات حول أماكن تمركز المسلّحين، مخازن ذخيرتهم، الدشم، مصادر المياه، والطرقات التي يسلكونها...). هذا البنك تمّ استثماره عند بدء المعركة.

 

12 ألف ساعة طيران واستطلاع
خلال هاتين السنتين، نفّذت القوات الجوية حوالى 12 ألف ساعة طيران واستطلاع وتصوير جوي، وهو رقم كبير جدًا قياسًا بالقدرات المتوافرة، وقد استغرق تحليل مضمون الصور الملتقطة ساعات طويلة.
استنادًا إلى هذه المعلومات، وضعت قيادة الجبهة خطة المعركة وأهدافها، بالتنسيق بين مختلف القوى البرية والجوية. العميد الركن الطيار زياد هيكل الذي تسلّم قيادة القوات الجوية قبل شهرين من انطلاق المعركة في 19 آب 2017، يستعرض مسار العمل الذي قامت به هذه القوات بدءًا من العام 2014، فيقول: آنذاك (2014) كان السلاح المتوافر مقتصرًا على طائرة الـCessna المجهّزة بسلاح موجّه بواسطة الليزر، وبمقدورها أن تحمل صاروخين من نوع Hell Fire، وكان كل ما لدينا منها 20 صاروخًا. هذه المعطيات تغيرت بعد آب 2014، إذ تسلّم الجيش كمية من الصواريخ ساعدت في تأمين قدرة نارية إضافية.
في مرحلة لاحقة، بدأت القوات الجوية باستعمال طوافات الـ Gazelle القتالية، وطوافات الـ Puma، ما ساعد في تأمين قدرة نارية جديدة كانت القوات الجوية بأمسّ الحاجة إليها.
ويشير العميد الركن هيكل إلى أن مسار معركة الجيش اللبناني ضدّ «داعش» يقسّم إلى ثلاث مراحل: في المرحلة الأولى تمّ تثبيت الهجوم على تخوم القرى الحدودية لمنع «داعش» من التسلل إلى الداخل. وركّزت المرحلة الثانية على الخلايا النائمة في الداخل، وكانت المرحلة الثالثة تحرير الأرض من العدو.
في جميع هذه المراحل، كان دور القوات الجوية بالإضافة إلى المراقبة على مدار 24 ساعة، تأمين الدعم المباشر للقوى الصديقة على الأرض. مع بدء المرحلة الأخيرة تابعت ما كانت قد بدأته في العام 2014، ولكن بوتيرة أسرع من السابق، إذ ارتفع عدد طائرات الاستطلاع (3 طائرات في الجو بدلاً من اثنتين)، وبدأت تنفيذ الخطة المرسومة.
اقتضت الخطة أن تقدّم القوات الجوية الدعم الجوي العام والدعم الجوي القريب. عالج الدعم الجوي العام، الذي كان قد بدأ قبل أسابيع من اندلاع المعركة، أهداف العدوّ (مراكز التجمّع، ومراكز التخزين، المراكز القتالية الأمامية والخلفية، وسائل النقل، الأسلحة الإجمالية المتوسطة والثقيلة وبخاصة المضادة للطائرات).
نجم الخطة المعتمدة كان قذائف الـCopper Head التي تتسلل، موجَّهة بواسطة الليزر، داخل خطوط العدوّ نحو الهدف المطلوب، ثابتًا كان أو متحركًا. ومع العلم أن كتب الشرح المرفقة مع هذا النوع من القذائف تقول إن نسبة الإصابة التي تحققها لا تتخطّى الـ30 %، حققت الطريقة الجديدة التي اتبعها الجيش نسبة إصابة تخطت الـ 90%، باستخدام طائرات الليزر.

 

تقنية أثبتت فعاليتها
لقد كان الجيش اللبناني أول جيش في العالم يستعمل هذه الطريقة باعتراف قادة عسكريين أميركيين ذهلوا لدقة الإصابات التي تحققت، كما أعادوا النظر في هذه التقنية وطلبوا دراسة فحواها من جديد. وقد اعترفوا بأنّ الإرادة الصلبة التي يتمتّع بها الجيش اللبناني لم يلمسوها عند أي جيش آخر، وعبّروا عن إعجابهم حيال الابتكار الذي حوّل طوافات الإخلاء إلى طوافات قتالية بعد أن كانت خارج الخدمة منذ سنين.
ويضيف قائلًا: لضمان النجاح، أجرت القوات الجوية تجربة ميدانية قبل أسابيع من المعركة، فجاء التنفيذ دقيقًا وأدّى إلى تدمير العدوّ وشلّ حركته وإحباط معنوياته. كانوا يصرخون: «الجيش عم يشوينا شوي».
أثبتت هذه التقنية فاعليتها وسرّعت في حسم المعركة بأقل خسائر ممكنة وذلك بشهادة قائد الجيش العماد عون خلال الزيارة التي قام بها إلى رئيس الجمهورية يرافقه قادة الوحدات التي شاركت في المعركة. فعندما شرح للرئيس مسار المعركة ركّز على أن نقطة التحوّل فيها كانت ابتكار طرق معالجة جديدة لقتال المجموعات المسلّحة، والتنسيق الدقيق ما بين القوات الجوية ووحدات القتال.

 

بالأرقام
استخدم الجيش قوة نارية هائلة، ونفّذت القوات الجوية (خلال 7 أيام) 141 ساعة طيران دعم جوي شاركت فيه طائرات الـ Cessna والطوافات التي استعملت للرماية أمام الأهداف مع تقدّم القوات الصديقة في الليل كما في النهار. وتابع العميد الركن هيكل قائلًا: استخدمنا صواريخ Hell Fire وقذائف Copper Head، خصوصًا في اليوم الذي سبق استسلام الإرهابيين (33 قذيفة Copper Head خلال ساعة ونصف الساعة)، ما أدّى إلى تدمير مراكز العدوّ الثابتة بالكامل.
وأخيرًا أشار قائد القوات الجوية إلى العملية النوعية التي قامت بها الطائرات قبل يوم واحد من المعركة، إذ استهدفت مركز الاتصالات التابع للعدو على أعلى تلة احتلها (2400 م)، وهي تلة «حليمة قاره»، ودمّره بالكامل. ثم تابع العمل وفق الخطة، لذلك، يمكن اعتبار «فجر الجرود» معركة القيادة والسيطرة.