نشاطات القيادة

القيادة كرّمت 74 شهيداً ارتفعوا في ساحة البطولة والفداء
إعداد: جان دارك أبي ياغي

العماد سليمان: دماؤهم الزكية عنوان لإرادة الصمود والحياة  

 

برعاية وحضور قائد الجيش العماد ميشال سليمان، أقيم في باحة وزارة الدفاع في اليرزة احتفال تكريمي لسبعة وأربعين شهيداً من الجيش سقطوا خلال الحرب الاسرائيلية الأخيرة على لبنان. حضر الاحتفال الى جانب ذوي الشهداء،  معالي وزير الداخلية والبلديات بالوكالة الدكتور أحمد فتفت، والمدراء العامون لقوى الأمن الداخلي والأمن العام وأمن الدولة بالوكالة، وممثلون عن قوات الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان ولجنة مراقبة الهدنة، وعدد من كبار ضباط قيادة الجيش والملحقين العسكريين العرب والأجانب.

 

ازاحة الستار وكلمة  

بعد تمركز القوى المشاركة في الأمكنة المخصصة لها، وصل قائد الجيش العماد ميشال سليمان فعزفت له موسيقى الجيش بقيادة النقيب أبولو سكر معزوفة القائد. وبعد أن استعرض القوى المشاركة، توجّه الى النصب التذكاري للشهداء وأزاح الستار عنه ووضع إكليلاً من الزهر، بعدها عزفت موسيقى الجيش لحن الموتى والنشيد الوطني ونشيد الشهداء، ووقف الجميع دقيقة صمت على أرواح الشهداء.

 

ثم ألقى العماد سليمان كلمة بالمناسبة قال فيها:
معالي الوزير
عائلات الشهداء الأبرار

أيها الحفل الكريم
إنها لمدعاة فخر واعتزاز وشرف عظيم للمؤسسة العسكرية، أن نلتقي معاً في هذا اليوم المرفَل بالكبرياء والفخار، لتكريم كوكبة جديدة من شهدائنا الأبرار، الذين ارتفعوا بالأمس القريب في ساح البطولة والفداء، التزاماً منهم الواجب العسكري المقدس ودفاعاً عن سيادة الوطن وكرامة أبنائه، فأضحوا في ضمير الوطن والجيش، القدوة والمثال في الإقدام والشجاعة، ونكران الذات والعطاء بلا حدود حتى الشهادة.

لطالما أيقنا جميعاً أن الأوطان لا تبنى وتصان إلاّ بالبذل والتضحيات، وبإرادة الرجال الأشداء المخلصين لمبادئهم وقيمهم، وخبرنا أن الحرية الرخيصة لا تعمِّر، والاستقلال المجاني لا يدوم، وأنه لا معنى لربيع إن لم يولد من رحم معاناة الشتاء، فبدماء الشهداء يحيا الوطن وكلما كثرت القرابين على مذبحه ازداد قوة ومنعة وشموخاً.
من صلب هذه القناعة الراسخة انبرى شهداؤنا للدفاع عن لبنان، مواجهين بصلابة إيمانهم وعزمهم غدر العدو الإسرائيلي وآلته الهمجية التي لا تعرف في قاموسها سوى لغة الموت والقتل والدمار، ومتصدين أيضاً لذلك العدو النائم الخفي، أعني الألغام والقنابل العنقودية، التي زرعتها يد الإجرام نفسها في رحاب أرضنا المعطاء، فكان قدرهم الاستشهاد وهم يقتلعون أشواك هذا العدو من جسم وطنهم الجريح، لينالوا شرف الشهادة ذوداً عن سلامة أهلهم واخوتهم في المواطنية.

 

أيها الحضور الكريم
ثقوا بأن دماء الشهداء من عسكريين ومقاومين ومدنيين، التي سالت وامتزجت معاً على امتداد ساحات الوطن في مواجهة العدوان، هي أمانة في أعناقنا لن نفرط بها، نحفظها من خلال تمسكنا بوحدة الجيش والوطن، وممانعتنا لكل أشكال الفتن والتطرف والتجاذبات، وصوننا لمسيرة التضحيات التي لم يتردد شهداؤنا يوماً في ركوب مخاطرها، وعبر التصدي للعدو الإسرائيلي لمنعه من انتهاك سيادتنا بما يتوافر لدينا من قدرات وإمكانات، وبما نحن موعودون به لتعزيز إرادة القتال لدينا التي لن تهون أبداً. هذه الدماء الزكية ستشكل حجر الزاوية في بنيان الوطن المتين، العصي على العواصف والمحن، وستظل عنواناً مشرقاً لإرادة الصمود والحياة، والتشبث بقوة الحق ومقارعة الباطل، وستستمر مشاعل وضاءة يهتدى بها على طريق الأجيال. تأكدوا بأن جيشكم سيبقى على عهده، يجسد بثوابته وأدائه وقيمه وتقاليده العريقة، صورة زاهية عن نموذج لبنان الفريد بفسيفسائه المتناسقة المتكاملة، حيث يتجلى فيه التنوع جسماً متماسكاً متحداً بالهوية والأرض والتاريخ، تحت راية المواطنية السليمة، أساس وجود الكيان وقوة استمراره وضمانة مستقبله.

لقد ظن العدو الإسرائيلي في حربه الأخيرة على لبنان أنه يستطيع اخضاع شعبه والنيل من وحدته وإبعاد الجيش عن مهامه الوطنية، لكن مآربه الخبيثة باءت بالفشل وتكسرت على صخرة وحدة اللبنانيين وتضامنهم واحتضانهم لإخوتهم في الوجود والمصير، والتفافهم حول جيشهم ودعمهم اللامحدود لدوره الوطني وهو ينتشر في موقعه الطبيعي على تخوم الوطن في الجنوب، دفاعاً عن أرضه وشعبه ومقدساته.

 

أيها الأخوة الأعزاء
إن حضور عائلات الشهداء بيننا اليوم، يضفي على هذا اللقاء مزيداً من الإكبار والإجلال، فنِعم الأمهات اللواتي أنشأن فلذات أكبادهن على حب الوطن، والآباء الذين زرعوا في حقوله تلك البذور الخيّرة، ونعم الأخوة والأخوات والزوجات والأبناء الذين تشاركوا بكل سعة صدرٍ ورحابة قلبٍ في اقتسام الجراح والألم وأعباء الحياة.
شكراً لكم أيها الأهل، فأنتم ظل وجوه شهدائنا، وأثرهم الطيب في نفوسنا، وجذورنا ومواسم عزّنا التي لن تهجرنا أبداً، واعلموا أن الجيش سيبقى دائماً إلى جانبكم، عضداً لكم في أيام الشدة والصعاب، وسيبقى على العهد والوعد أميناً على إرثه العسكري والوطني، حافظاً لتضحيات أبطاله، وفياً لدماء شهدائه.
عشتم - عاش الجيش - عاش لبنان

 

كلمة ذوي الشهداء

الملازم الأول المتقاعد جان حرفوش والد الرائد الشهيد روجيه حرفوش ، القى كلمة ذوي الشهداء وجاء فيها:
من أجل وطن الحرية والقداسة والجمال.
من أجل كرامة شعب ملأ التاريخ حضارة وأمجاداً وبطولات.
من أجل أن تبقى جبالنا شامخة بكبرياء رجالها، وسهولنا معطاءة بعزم أبنائها، وبحرنا مطمئناً بهمم حُماته.
من أجل خلود أرزنا وسؤدد علمنا وعنفوان جيشنا المفدى.
من أجل كل ذلك، اختار أحباؤنا من نحتفي بتكريمهم اليوم، طريق التضحية والشهادة، وآثروا وقفة العز والبطولة، مقدمين أرواحهم قرابين طاهرة على مذبح الوطن.

باستشهادكم يا أخلص بني البشر، عرفنا بحق، معنى التضحية والشهادة، فاختبرنا مرارة الألم والجراح، نعبّر عنها ببلاغة الصمت حيناً، وبأصواتنا المتهدّجة بحرقة الفراق، أو بكلماتنا المكتوبة بدم القلب أحياناً، لكن مع ذلك لن نهون ولن نهان، وسنظل أقوياء أشداء، طالما لنا اخوة في الجيش والوطن، يحملون في ضمائرهم ووجدانهم، آمالكم وأحلامكم، ويسترخصون كل التضحيات في سبيل لبنان. فقدنا الأخوة والأبناء ورفاق العمر، وهم يلبون نداء الواجب الذي نذروا حياتهم في سبيله وأقسموا عليه يمين الولاء، مواجهين بجباههم المرفوعة وعيونهم الشاخصة للعلى، غدر العدو الإسرائيلي المشبع بالحقد والكراهية، هذا العدو الذي ظن أنه بحربه على لبنان، يستطيع تقطيع أوصاله وإخضاع شعبه، لكنه تناسى بأن شعباً على صورة طائر الفينيق، يستولد النور من لدن الظلام والحياة من قلب الرماد، لا يمكن أن يهزم ولن يكتب له إلا الانتصار في نهاية المطاف.

نؤكد لكم، حضرة العماد قائد الجيش، ولجميع أفراد المؤسسة العسكرية الكريمة، أننا سنبقى أوفياء لمبادئ شهدائنا، نسير على خطاهم، ونعلّم أولادنا قيم الجيش والمواطنية السليمة، ونحثهم باستمرار على الانضواء تحت رايته إلى جانب رفاقهم، كما كان آباؤهم، لتبقى ساحات الوطن ملأى بالرجال الأبطال، وعروقه تنبض بدماء أبنائه الأحرار. ختاماً باسم ذوي الشهداء، نشكر قيادة الجيش على مبادرتها الطيبة، واهتمامها اللافت، ووقوفها الدائم إلى جانبنا، ومقدرين عالياً ما لمسناه من محبة تثلج الصدور وتزرع الأمل والرجاء في النفوس. فعهداً نقطعه أمامكم، بأن نبقى جزءاً من هذه المؤسسة الكريمة، جنوداً في خدمتها وخدمة وطننا الحبيب لبنان. بعد إلقاء الكلمات، قدم العماد قائد الجيش الى ذوي الشهداء دروعاً تذكارية وفاءً للشهداء وتقديراً لتضحياتهم في سبيل الوطن، وكتيبات تناولت مسيرة حياتهم العسكرية. وفي الختام جرى عرض التحية بمشاركة فصائل من مختلف وحدات الجيش وأسلحته، كما كان لقاء للملحقين العسكريين العرب والأجانب مع العماد قائد الجيش في مكتبه، ولقاء لعائلات الضباط الشهداء مع نائب رئيس الأركان للعديد في مكتبه، ولقاء لعائلات العسكريين الشهداء (رتباء وأفراد) مع رئيس جهاز شؤون العسكريين القدامى في أركان الجيش للعديد في مقصف مبنى قيادة الجيش.

 

حكاية نُصب

بعد الاحتفال، إلتقينا مصمم ومنفذ فكرة النصب التذكاري للشهداء الفنان هلال أبو قنصول الذي تحدث عن عمله التجريدي. يقول الفنان هلال، أن المجسم يرمز الى جنديين: الأول في أسفل النصب ويحمل في يده إكليلاً من الغار رمزاً للشهادة والتضحية، والثاني يحمل في يده بندقية ترمز الى الدفاع عن الوطن والكرامة، والقسم الأعلى من النصب يرمز الى علم البلاد. وإذا أردنا أن نقرأ العمل الفني بشكل متكامل فمعناه: بالشهادة وبالسلاح يبقى علم لبنان مرفرفاً في الأعالي. أما بالنسبة للمواصفات الفنية لنصب شهداء الجيش فهو مصنوع من حجر ال "Travertino" الصناعي وقد ركز على قاعدة من حجر الغرانيت، ويبلغ طوله 3,60 متراً (مع القاعدة) و2,60 متراً (بدون القاعدة)، وقد استغرق انجازه شهراً كاملاً. تجدر الإشارة الى أن هذا العمل الفني هو الثلاثين للفنان هلال أبو قنصول في سلسلة الأعمال التي أنجزها للمؤسسة العسكرية والموزعة في أماكن عسكرية مختلفة.