مصطلحات

القيادة والإدارة بين المتأصّل والمكتسب فوارق وقدرات
إعداد: المقدم الركن ظافر مراد

يقف المرء أحيانًا مندهشًا ومعجبًا أمام قدرة شخص ما وقوّته في التأثير على الآخرين، سواء كان ذلك في المجتمع بشكل عام، أو في مجال العمل بشكل خاص، ويتساءل عن سرّ هذه القدرة وعن العوامل التي تجعل من الشخص قائدًا ناجحًا أو مديرًا متميزًا، وأيضًا عن الفرق بين مفهومي القيادة والإدارة. ومرد هذا التساؤل إلى رغبة كل شخص بالتفوق والتميز في هذا المجال، لأن تطبيق هذين المفهومين لم يعد يقتصر حاليًا على الأعمال فحسب، بل شمل كل مجالات الحياة وشؤونها. فالقيادة لا تطبّق فقط في المجالات العسكرية، كما أنّ الإدارة لا تطبق فقط في مجالات العمل. لكن ما هو المفهوم الأكثر شمولية والذي يحتوي الآخر، القيادة أم الإدارة ؟


وضوح وغموض
في الواقع، إنّ القدرة والمهارة في الإدارة لا تحمل الكثير من الالتباس، كونها تسير في مجال محدد وواضح ضمن إطار وظيفي مادي أكثر منه معنوي، بينما مفهوم القيادة يحمل الكثير من الغموض والتساؤل. والكلام عن القيادة يتطلب وجود عوامل أربعة هي: القائد، المرؤوسون، الاتصال والحالة أو المهمة التي تمارس فيها القيادة. ولا بدّ أن نشير إلى أنّ الحالة ومدى جديتها وصعوباتها ومخاطرها، هي التي تثبّت نظرة المرؤوسين إلى قائدهم وترسي تقديرهم واحترامهم له، حيث يتم تحقيق الهدف بأقل خسائر ممكنة، وبالتالي فإمّا أن يثبت القائد جدارته، أو يفشل في تنفيذ المهمة ويتكبّد خسائر مادية ومعنوية بدون جدوى.

 

تعريفات
إن القادة التاريخيين هم الأجدر بتعريف القيادة، ليس فقط بسبب تمرّسهم وخبرتهم في المعارك، بل أيضًا بسبب ملامستهم نواحي القوة والضعف في شخصياتهم وشخصيات أعدائهم. وفي ما يلي آراء بعض القادة الذين تركوا بصماتهم في كتابة التاريخ:
• بسمارك عرّف القيادة على أنّها: «قدوة، توجيه، إرشاد، قدرة، أخلاق، معرفة وخصوصًا تضحية».
• الجنرال أيزنهاور عرّفها بأنها: «التخلّي عن حبّ الذات، الثبات، التواضع، الاتقان، الاقناع وصفاء التفكير».
• الجنرال فوش رأى أنها «فنّ جعل الهدف الشخصي مثالًا للآخرين».
• الجنرال مونتغمري قال: «إنّها فنّ التأثير على الرجال».
• الإمبراطور نابوليون بونابرت، تبنّى نظرة متعالية بقوله «لا نقود إلاّ من نفوقهم».

 

مفهوم القيادة
في استعراض هذه الآراء وتحليلها، نلاحظ أن مفهوم القيادة مرتبط بظروف ومراحل ممارستها. فالقيادة عند بسمارك وآيزنهاور مرتبطة بالمثالية والأخلاق والتضحية، مع إشارة متواضعة الى أهمية المعرفة، بينما هي عند فوش ومونتغمري فن التأثير على الآخرين، في إشارة الى المهارة والحنكة في ممارستها. ويلفتنا تعريف فوش الذي يحمل في طياته شيئًا من حب الذات والمكر لتحقيق الهدف الشخصي. أما مونتغمري فكان أكثر بساطة حين اعتبر أنّها فقط القدرة على التأثير في الآخرين.
ويعتبر تعريف نابوليون بونابرت للقيادة الأكثر دلالة على طبيعة شخصيته، فهو يشير بطريقة غير مباشرة إلى تفوّقه على الآخرين، مؤكدًا أن التفوق ضرورة لتسلّم زمام القيادة، وعلى الرغم من أنه لم يذكر نواحي ومجالات التفوق المطلوبة، إلا أننا نستنتج أنه قصد التفوق في المعرفة وقوة الشخصية وربما القوة الجسدية. وخلفيات نظرته إلى القيادة تستند إلى تجاربه المتلاحقة والحروب التي قادها والمعاناة والصعوبات التي واجهها، والتي أرست في ذهنه تميّزه كشخص متفوّق بالمطلق.

 

تعريف القيادة
عرّفت قيادة الجيش اللبناني القيادة في كتاب المصطلحات العسكرية، وجاء التعريف وفق الآتي:
«القيادة هي السلطة التي يمارسها القائد العسكري على مرؤوسيه، بمقتضى رتبته أو وظيفته وفق أحكام القوانين والأنظمة والتعليمات. ويعتبر القائد مسؤولًا عن كلّ ما تقوم به وحدته أو تحجم عن القيام به، وهذه المسؤولية هي نهائية ولا يمكن تفويضها. كما يتحمّل مسؤوليّة استعمال الوسائل الموضوعة بتصرّفه لتحقيق الإفادة القصوى، ومسؤولية المحافظة على معنويّات العديد وانضباطه وتدريبه».

 

المكتسب والمتأصّل
بقي الاختلاف بين القيادة والإدارة موضوعًا ملتبسًا في عصرنا الحالي، حيث اختلط هذان المفهومان وتداخلا بسبب الحاجة لكليهما في الكثير من النشاطات والوظائف والمسؤوليات. فهناك حالات وظروف تستدعي أن يكون القائد العسكري مديرًا، وحالات أخرى تستدعي من المدير أن يكون قائدًا. وعلى الرغم من وجود الكثير من النظريات ووجهات النظر في هذا المجال، إلا أنها جميعها لم تحدد أوجه الاختلاف بشكل واضح، مع أنها بمعظمها تجتمع على رأي يقول بأنّ الإدارة هي علم مكتسب، بينما القيادة هي صفة شخصية متأصلة في الإنسان منذ ولادته.

 

بين القائد و...المدير
من وجهة نظر شخصية، لعل أبرز ما يُظهر الفرق بين الإدارة والقيادة هو الاعتبارات الآتية:
• المدير له قوة الموقع الرسمية، بينما القائد له قوة التأثير الشخصية.
• صفات المدير بمعظمها مكتسبة، بينما صفات القائد بمعظمها تخلق معه.
• المدير دائمًا وراء مكتبه، بينما القائد دائمًا في المقدمة.
• المدير حاجة وظيفية مادية لمؤسسة أو شركة، القائد حاجة نفسية وإنسانية لمجموعة إجتماعية أو عسكرية.
• المدير يمارس دوره في إطار تنظيمي قانوني محدد، له طابع الجمود والرتابة، حيث أن القوانين والتعليمات تغطي جميع الجوانب المطلوبة لحسن سير الإدارة، بينما القائد يمارس دوره في إطار مرن له بعد إنساني أرقى من القوانين والتعليمات التي تعجز أن تكون دليلاً صالحًا لقيادة جريئة وحكيمة.
• المدير يستطيع تحفيز المرؤوسين بإغراءات مادية وربما معنوية، بينما القائد الناجح يفجّر في المرؤوسين طاقات وجدانية وسامية تتخطى المادة، وتصل بهم إلى حد القبول بالموت في سبيل تحقيق الهدف.
• المدير يُعيَّن ويُفرض على المجموعة، بينما القائد تختاره المجموعة وتقبل به.
في كلمة أخيرة، إن التاريخ لم يأت على ذكر مدراء ناجحين، بل ذكر قادة عظامًا كانت الحياة بالنسبة إليهم وقفة شجاعة وشموخ وبطولة.