آفاق العلوم

الكائنات والمنتجات المعدلة وراثيًا
إعداد: باسكال معوض بو مارون

الضرورة لا تلغي الخطر

الجدل العالمي حول تقنية التعديل الجيني أو الهندسة الوراثية، لم يتوقف منذ سنوات، وقد تضاربت الآراء بين محلل ومحرم ومتحفّظ، وبين مطالب بمزيد من الدرس في المختبرات، ومتحمّس للاستثمار في الأسواق: فما هي هذه التقنية وما هي خاطرها وأهدافها؟

 

الكائنات المعدلة وراثيًا
الكائنات المعدلة وراثيًا (OGM) هي الحيوانات والنباتات التي تم تعديل مادتها الوراثية من أجل تطوير صفات مفيدة أو مطلوبة فيها تلبية لحاجات البشرية. ومن المعروف أن التقنيات المستخدمة لتنفيذ التعديل الوراثي وتقنيات الهندسة الوراثية، تستخدم تكنولوجيا الحمض النووي لخلق مجموعة جديدة من الجينات من خلال الجمع بين جزيئات الحمض النووي من مصادر مختلفة.
إذًا الكائنات المعدّلة وراثيًا، هي كائنات تمّ تغيير جيناتها بالطرق البيوتكنولوجية الحديثة، حيث تنقل جينات منتقاة من جسم معين إلى جسم آخر من النوع نفسه، أو من وإلى أجسام من أنواع مختلفة، ممّا يمنح الكائن الجديد جينات معدّلة أو جديدة.
هنالك فرق بين «التأصيل» التقليدي والهندسة الوراثية، فالأول يعتمد التلقيح أو نقل الجينات بين نبتتين من الصنف نفسه أو بين صنفين قريبين. فهو مثلًا ينقل جينات من نبتة أرز إلى نبتة أرز أخرى، ولكن لا يمكنه أن ينقل الجينات من زهرة النرجس لنبتة الأرز، كما هو الحال في الهندسة الوراثية، والتي تسمح أيضًا بنقل صفات وراثية من النبات للحيوان وبالعكس.
كانت البكتيريا أول الكائنات الحيّة التي تمّ تعديلها وراثيًا في المختبر وذلك بسبب بساطتها جينيًا، تمّ تكوين أول بكتيريا معدّلة العام 1973، وكانت هذه الأخيرة عبارة عن بكتيريا قولونية متوافرة تعمل على تقديم جينة السالمونيللا الخارجية، ما أدّى إلى إثارة مخاوف في المجتمع العلمي بخصوص المخاطر المحتملة التي قد تسببها الهندسة الوراثية.

 

أهداف التعديل
تدعي شركات الهندسة الحيوية بأن تقنياتها مفيدة وجوهرية للغاية لإطعام دول العالم الثالث، وتخفيف القلق بشأن الأمن الغذائي، وحماية البيئة وتحسين جودة الغذاء، وتوفير محاصيل مقاومة للجفاف والمبيدات العشبية، إلا أن منظمات المجتمع المدني والكثير من العلماء بالإضافة الى الرأي العام يشعرون بالقلق إزاء آثارها على صحة الإنسان والبيئة وتوافر الطعام.
تستخدم الكائنات المعدلة وراثيًا في الأبحاث الحيوية والطبية وإنتاج الأدوية الصيدلانية والعلاجات التجريبية، ومنها إنتاج الإنسولين البشري للمرضى الذين يعانون من السكري وغير القادرين على انتاج ما يكفي من هذه المادة. في هذه الحالة تستخدم جينات الثدييات مثل الأغنام والماعز مع الجينات البشرية فتلعب دور «برنامج» يحتوي على المعلومات الوراثية اللازمة لانتاج الإنسولين.
وأصبح إنشاء أعضاء جديدة ممكنًا بفضل الهندسة الوراثية، حيث يتمّ تجديد أنسجة جديدة باستخدام محقن الأنسجة، فينمو العضو المطلوب ويتطوّر ليصبح جاهزًا لعملية الزرع داخل الجسم البشري. وفي الزراعة يتم استخدام التعديل الوراثي لزيادة إنتاج المحاصيل، ومكافحة الآفات، وإدارة الأعشاب الضارة.
لقد وضعت 60 دولة، حتى الآن، أنواعًا مختلفة من القيود والحظر على استيراد الكائنات الحية المعدلة وراثيًا إنطلاقًا من سلامة الأغذية والأمن الغذائي. هذا التوجّه يندرج في إطار مبدأ الوقاية الذي أقرّه الاتحاد الأوروبي منذ العام 2001 والمعروف باسم «مبدأ الحيطة» الذي يحدّ ويحظر بيع الكائنات المحورة وراثيًا واستخدامها، لما تطرحه من مخاطر صحيّة خطيرة على البشر والبيئة.
 

القوانين
أقرّت دول كثيرة وضع علامات واضحة على السلع التي تحتوي على الكائنات المعدلة وراثيًا، بما يوفر معلومات للمستهلكين عما إذا كان الطعام الذي يتناولونه معدلاً أو إذا كان قد تم تغييره وراثيًا. وفي أوروبا يجب وضع عبارة «منتج معدل وراثيًا على لصاقة أي منتج تمّ تعديل 1% على الأقل من صفاته الوراثية، وكذلك الحال بالنسبة للمنتجات التي صدرت عن كائنات معدّلة وراثيًا.

 

مخاطر المنتجات المعدلة وراثيًا
لقد أظهرت بعض الدراسات الحديثة وجود مخاطر سرطانية لم تكن مكتشفة في الغذاء المعدّل وراثيًا، مما حفّز المجتمع العلمي ودولاً أوروبية على إجراء دراسات معمقة وطويلة الأمد لمعرفة انعكاسات هذا التلاعب الوراثي على الإنسان والحيوان والنبات. في العموم، يخشى من أن تؤدي الجينات المعدّلة بعد استهلاكها إلى إفراز مواد سامة أو مواد تسبب حساسية لدى الإنسان، والتعديلات غير المتوقعة التي تحدث في جينة الكائنات الحية هي إحدى أكبر أسباب القلق بين العلماء بشأن المسألة برمتها.
إن القيّمين على إدارة الأغذية والعقاقير لم يوافقوا على استهلاك الحيوانات التي يتم تعديلها وراثيًا، ولا يريدون أن تصبح هذه الكائنات جزءًا من السلسلة الغذائية، فنشاط استنساخ الحيوانات يؤدي إلى تشوهات في وقت الولادة، وكثير من هذه الحيوانات يموت في حين انها لا تزال شابة. كذلك فإن الجينات الموجودة في المحاصيل المعدلة وراثيًا لا تكافح الآفات فقط بل إنها تقتل الحشرات مثل النحل، والخنافس، وبالتالي فهي تضرّ بالتنوّع البيولوجي.

 

بروتوكول قرطاجنة حول السلامة الإحيائية

تبنى مؤتمر أطراف الاتفاقية المتعلقة بالتنوع الحيوي الذي عقد في مونريال، كندا العام 2000 اتفاقية إضافية عرفت ببروتوكول قرطاجنة المتعلّق بالسلامة الإحيائية، وهي أول اتفاقية دولية تهدف إلى تنظيم حركة الكائنات المعدلة وراثيًا.
يتوخّى البروتوكول المساهمة في ضمان مستوى ملائم من الحماية في مجال أمان نقل واستخدام الكائنات الحية المحورة الناشئة عن التكنولوجيا الإحيائية الحديثة، التي يمكن ان تترتب عليها آثار ضارة على حفظ واستدامة استخدام التنوع البيولوجي، مع مراعاة المخاطر على صحة الإنسان أيضًا ومع التركيز بصفة خاصة على النقل عبر الحدود.
تضمّن البروتوكول اتفاقية لضمان توافر المعلومات الضرورية للدول لتمكينها من الوصول لقرارات قبل الموافقة على استيراد هذه الكائنات. بالإضافة الى ذلك نص البروتوكول على إجراءات احترازية تمكن الحكومات من حظر استيراد نوع معين من الكائنات المعدلة وراثيًا عبر حدودها. وتقوم الحكومات بمراجعة فاعلية البروتوكول وإجراءاته مرة كل خمسة أعوام.


مبدأ الوقاية في لبنان

التقت مجموعة من الجمعيات المدنية في لبنان وزير الزراعة حسين الحاج حسن منذ أسابيع وسلّمته كتابًا تطالب فيه بوضع التشريعات الضرورية لحماية لبنان من الانتشار السريع للكائنات المعدلة جينيًا، مقترحة عليه مشروع قانون لتنظيم هذا الموضوع تطبيقًا لمبدأ الحماية والوقاية.
وكان لبنان قد صادق العام 2008، على بروتوكول قرطاجنة بشأن السلامة الإحيائية الذي يهدف إلى ضبط نقل وتداول واستخدام الكائنات المعدّلة جينياً. وأحالت بعدها وزارة البيئة القانون إلى مجلس النواب الذي ما زال يناقشه.
ولا يزال الجدل قائمًا في لبنان حول ما اذا كنا نستطيع ان نطبّق هذه الشروط التي فشلت بلدان متقدمة في مراقبتها، ما يدفع كثيرين إلى المطالبة بأن ينصّ القانون المنشود على المنع الكلي للبذور والأغذية معًا، تطبيقًا لمبدأ الوقاية.
ويهدف الكتاب إلى وضع قانون ينظّم كل ما يتعلق بهذه الكائنات المعدّلة جينيًا، من المكوّنات الغذائية، والبذور والأعلاف والإضافات والخمائر والكائنات الحيّة الدقيقة والنباتات الحيّة والحيوانات، والمركّبات الفيروسية والبكتيرية والهرمونية، وكل ما يستخدم كأغذية أو في الزراعة والقطاعات الصناعية الأخرى (الأدوية باستثناء مستحضرات التجميل).
وتضمن المشروع مادة تنصّ على وضع علامة إلزامية على جميع السلع والمواد الغذائية، والمنتجات والأعلاف الحيوانية التي تحتوي على الكائنات المعدلة وراثيًا. وفي حالة الأغذية المعلّبة التي تحتوي على الكائنات المعدلة وراثيًا، يجب وضع علامة تحذير واسعة وموحّدة للسوق اللبناني، تكون مرئية على الغلاف ويجب أن لا تقل نسبتها عن 20% من مساحة الملصق الموجود على العبوة، على أن تكون كل الشعارات واضحة بشكل بارز وواضح للقراءة باللغات العربية والفرنسية والإنكليزية.