تحية لها

الكابتن رولا حطيط: كما على الأرض كذلك في الجوّ!

جميلة هي حين تحلّق في السماء عاليًا، تجوب الكرة الأرضية وتتنقل بين بلدانها، بابتسامتها الواثقة وذكائها وصلابتها. هي أنثى وهي زوجة وأم تطهو وتدرّس وتُنشئ أبناءً متفوّقين... وهي امرأة سبّاقة وطليعية تقود طائرة! إنّها الكابتن رولا حطيط التي لمع اسمها في عالم الطيران لتصبح المرأة الأولى والوحيدة في لبنان التي تقود طائرة.

 

أخذتها الصدفة إلى مكان مختلف عن تخطيطها، وبدأت مسيرتها التي تخطّت الـ25 عامًا في شركة طيران الشرق الأوسط MEA بتحدٍّ! غادرت بلدتها الجنوبية الدوير والتحقت بالجامعة الأميركية في بيروت لتتابع تحصيلها العلمي في اختصاص الرياضيات، ولكن... تغيّر مسار مستقبلها حين سخر زميل لها من إعلان حاجة «الميدل إيست» إلى طيّارين ذكور وإناث، قائلًا: «يطلبون فتيات وهنَّ أصلًا لا يُجدن قيادة السيارات»!

 

التحدي
واجهته وقررت خوض التحدي يومًا ما. خضعت ورفيقها ذاته للامتحان، و«ها أنا اليوم بعد 25 سنة أقود طائرة وهو لا».
العقبة الأولى كانت معارضة أهلها لخوضها هذه التجربة، فكان دخولها إلى عالم الطيران أشبه بمهمّة مستحيلة. ولكنّ إصرارها وتهديدها بترك مقاعد الدراسة دفعهم إلى القبول بالأمر الواقع والاستسلام لرغبتها.
نسألها: هل أنتِ سعيدة بمهنتك؟ فتجيب بلا تردّد: «هي المهنة الأجمل على الإطلاق، ولو عادت بي الأيام لما اخترت إلّا أن أكون قبطان طيران». وتتابع حديثها بشغفٍ عن مهنتها وكأنّها نعمة أغدقها الله عليها: «يُقال إنّ من يحبّه الله يريه دنياه، فكيف الحال إذا كنت أرى دنيا ربّي وفوق كل ذلك أحصل على راتب مقابل هذا العمل؟».


حسنات وسيئات
لمهنة الطيران كما لأي مهنة أخرى حسناتها وسيئاتها. من جهتها تنعم رولا بالوحدة التي تشكّل أمرًا سلبيًا بالنسبة لمعظم الناس، فتجلس مع نفسها في غرفة صغيرة معزولة(مقصورة القيادة)، أمامها السماء وروائعها، شروق الشمس وغروبها، وتحتها الأرض والطبيعة... تستمتع بمشاهدة لوحة الخالق وكل ما لم يشوّهه الإنسان، فتنعم بالصفاء الذهني والتأمل. وتستمتع أيضًا بروعة السفر والتعرّف إلى بلدان وحضارات وثقافات جديدة، فضلًا عن المردود المادي الجيد لهذه الوظيفة كونها تحتّم مستوًى عاليًا من المخاطر.
في مقابل حسنات هذه الوظيفة، تشتاق رولا إلى دفء بيتها وعائلتها، إلى تحديد روتين أيامها والشعور بالاستقرار، وهو أمر لا تؤمّنه وظيفتها. «لا نعرف آحادًا ولا أعيادًا، ولا ليلًا ولا نهارًا... قد تمرّ أعياد أبنائي من دون أن أكون موجودة إلى جانبهم فأحتفل معهم باتصال هاتفي أو فيديو، وربما هذا الأمر هو ما يجعلهم غير راغبين في خوض هذه التجربة».

 

راهنوا على استسلامي!
هل واجهتك صعوبات خلال سعيك إلى ممارسة عملك؟
تجيب رولا: «كل ما يقوم به الإنسان في الحياة فيه صعوبات، فكيف الحال حين أكون عينة Prototype ينتظر الجميع نجاحها أو فشلها؟ لذا بالطبع تكون الصعوبات للفتاة في هذه المهنة أكبر من تلك التي يواجهها الشاب، وأكبر دليل على ذلك هو الفرق في امتحانات الترقية التي خضعنا لها أنا وزوجي في الوقت نفسه. فقد اكتشفت في ما بعد أنّ المسائل التي كانوا يطرحونها عليه بسيطة جدًا أمام الفرضيات والمشاكل التي قد تحصل على الطائرة والتي كانت تُطرح عليّ. كانوا يراهنون على استسلامي كامرأة أو شعوري بالضعف والانهيار أمام الصعوبات والمشاكل، وهذا ما لم يحصل».
أمّا عن الصعوبات التي تواجهها في مهنتها تحديدًا، فتفنّدها ضمن ثلاثة أنواع: الطقس وهو أمر تتخطّاه بالخبرة والمعدات المخصصة لذلك، والمشاكل أو الأعطال التقنية وتواجهها أيضًا بالخبرة والامتحانات التأهيلية الدورية التي يخضع لها كل طيار (كل 6 أشهر) والتي تحضّره لأي نوع من الأعطال التي قد تطرأ على متن الطائرة.
أما النوع الأخير، وهو الأصعب بالنسبة إليها، فيتمثل بالمشاكل المتعلقة بالركاب (عارض صحي، شجار...). هذا النوع من المشاكل يقلقها لأنّه يتطلب بناء العلاقات مع الناس الذين تختلف شخصياتهم وردود أفعالهم، وليس هناك معايير محددة للتعامل معهم.
في مقابل ذلك، «أصعب ما يمكن أن يواجهه الإنسان في الحياة هو كسب ثقة مَن حوله»، وهو ما عملت رولا جاهدةً لبلوغه مع زملائها في العمل منذ بدأت كمساعدة طيار وحتى احتلالها منصب قائد طيارة. وفي هذا الإطار، واجهت أيضًا ردود فعل الركاب كونها امرأة تقود طائرة. في البداية كان معظمهم يرتعب ويتردّد في الصعود على متن الطائرة، «يا ما سمعت الله يستر القبطان امرأة»، وكثيرون نزلوا عن متن الطائرة. لكن اليوم وبعد 10 سنوات على القيادة، يصعب التعبير عن مدى فخري حين يعبّر الكثيرون من الركاب إنّهم يثقون بي: «طالمـا أنـتِ القبطـان فنحـن مرتاحون».
ربما بدأ المجتمع اليوم يتقبّل أكثر فكرة دخول المرأة في معتركات المهن الذكورية، تضيف رولا، «فقد استطاعت أن تظهر قدرتها على النجاح في المجالات كافة». والأكيد بالنسبة إليها هو أنّ نجاحها سيتبلور حين تشجّع نساء أخريات على خوض هذه التجربة، وليس من خلال أن تكون المرأة الوحيدة التي تخوضها. الأهم هو أن توسّع المرأة آفاقها وتكون جاهزة لاقتناص الفرص، فتسعى وراء أحلامها لتحقيقها.

 

تجربة الجيش
تجربة الجيش بإفساحه المجال للإناث بقيادة الطوافات الحربية، تعتبرها القبطان رولا حطيط خطوة إيجابية جدًا، مبنية على الوعي والانفتاح وتقبّل وجود العنصر النسائي في مجال الطيران الحربي، هنَّ اللواتي أثبتنَ أنفسهنَّ. أن يعطي جيشنا الفرص لكل فئات المجتمع اللبناني ذكورًا وإناثًا، هو أمر مشجّع جدًّا برأيها.