تربية وطفولة

الكتاب سبيل المعرفة الأكيد - فلنقرأ لأولادنا منذ أشهرهم الأولى
إعداد: ريما سليم ضومط

تروي الكاتبة الأميركية ليان رالف أنها التقت يوماً في دار للمسنين إمرأة مقعدة تبلغ من العمر مئة عام، تقرأ أسبوعياً كتاباً واحداً على الأقل.
وتقول الكاتبة إنها دهشت كثيراً للموضوع، لكن العجوز شرحت لها الأمر ببساطة شديدة قائلة: «إن سنّي ووضعي الصحي لا يسمحان لي بالإنتقال الى أبعد من بوابة دار العجزة على كرسي نقّال. ولكنني حين أقرأ كتاباً، فإنني أنتقل حيثما شئت، وفي أي وقت أشاء، من دون طلب المساعدة من أحد!».
القراءة، هذه اللذة الممتعة والمفيدة التي حرمتنا إياها وسائل التكنولوجيا المتطوّرة، بات من الضروري أن نعيد لها اعتبارها، وأن ننقل عدوى شغفنا القديم بها الى الأجيال القادمة، وهو أمر لا يتم إلا بالقراءة لأولادنا مراراً وتكراراً. ولكن ماذا نقرأ لهم وكيف نختار موضوعاتنا؟ كيف ننمّي لديهم حب المطالعة؟
أسئلة تجيب عليها السيدة رندة الحسن المتخصصة في التربية والأدب الإنكليزي.

 

لماذا أقرأ لأولادي؟
• نلاحظ إلحاحاً شديداً من قبل المعلمين والمربين للعودة الى المطالعة والقراءة للجيل الناشئ. فما الفائدة التي يجنيها أولادنا حين نقرأ لهم؟
- القراءة أولاً هي هدية محبة يقدّمها الأهل الى أولادهم، مضمونها وقت ممتع ومفيد تشارك فيه الأسرة مجتمعة، وقيمتها تزداد يوماً بعد يوم على عكس الهدايا المادية التي تفنى بمرور الزمن.
للقراءة بصوتٍ عالٍ فوائد جمّة، من بينها إكتساب الولد المهارات اللغوية وازدياد إلمامه بالمفردات، مما يساعده على القراءة والكتابة بمفرده في ما بعد، ويخلق لديه حب الكلمة المقروءة والمحكية. كما تساهم قراءة القصص للأطفال في تنمية مخيلتهم وتوسيع آفاقهم الفكرية، إضافة الى تطوير نموّهم الإجتماعي، كونها تقدّم لهم نماذج سلوكية متنوعة وتعرض كيفية التصرف في مواقف مختلفة. وهي أيضاً وسيلة فعّالة في إيصال المبادئ الأخلاقية الى المستمعين الصغار وغرسها في عقولهم وضمائرهم.
كذلك تنقلنا قراءة الكتب والقصص الى عوالم أخرى لنتعرّف الى حضارات متنوعة وأعراق مختلفة، فتصقل معرفة الأولاد وتغني مخزونهم الفكري.

 

متى أقرأ؟
• في أي مرحلة من طفولة الأولاد ينبغي على الأهل مباشرة القراءة لهم؟
- نحن ننصح الأهل أن يباشروا القراءة لأطفالهم منذ الأشهر الأولى، وذلك للأسباب نفسها التي تدفعهم الى التحادث معهم، ومن بينها طمأنة الطفل وتسليته، وتنمية العلاقة الحميمة بين الطرفين. والمعلوم أن الطفل البالغ من العمر أشهراً قليلة قادر على النظر الى الصور، وسماع الصوت، وتمييز الأشكال المختلفة.
من هنا ننصح الأهل باتخاذ أولى الخطوات في تعليم الطفل اللغة عبر عرضهم كتباً تحمل صوراً مختلفة، ومن ثم تكرار أسماء الأشكال الموجودة في الصور، وبهذه الطريقة ترتبط في ذهن الطفل الكلمة بالصورة التي تمثّلها.
مع ازدياد نمو الطفل تزداد ايضاً فوائد القراءة لتصبح مصدراً للإلهام والإعلام والتفسير، ومنبعاً للإطلاع والمعرفة، ووسيلة لخلق تسلسل في الأفكار، وقدرة على التحليل.
والأهم أننا عندما نقرأ لأطفالنا في سن مبكرة، فإننا نعوّد عقولهم على ربط القراءة بالشعور بالفرح والطمأنينة والحنان الذي يخلّفه وجودهم بالقرب من والديهم (أو أحدهما) وتمضية وقت سعيد معاً في أثناء المطالعة.

 

الرابط المتين
• هل يفترض بالأهل مواصلة القراءة للأولاد الذين باتوا قادرين على القراءة بمفردهم؟
- من الضروري أن تستمر عملية القراءة للأولاد حتى أواخر المرحلة التكميلية، في سن الرابعة عشرة تقريباً. وهو العمر الذي تتساوى فيه قدرة الولد على القراءة مع قدرته على الإستيعاب السمعي. فالأولاد قبل هذه المرحلة يملكون القدرة الذهنية على الإستيعاب بشكل أفضل من خلال السمع، لأن القراءة لفترة طويلة قد تودي بهم الى الضجر، فيخسرون بذلك القدرة على التركيز.
والأهم أننا حين نقرأ لأولادنا كتباً تفوق بمستواها اللغوي قدرتهم على قراءتها بسلاسة، فإننا نساعدهم على الإرتقاء بتفكيرهم الى مستوى يعجزون عن الوصول اليه بمفردهم.
وهناك ايضاً نقطة هامة تدفعنا الى مواصلة القراءة للأولاد في مختلف الأعمار، وهي الحفاظ على الرابط الأسري المتين الذي نبنيه معهم من خلال المطالعة معاً والغوص في عالم المعرفة.

 

أي كتاب؟
• كيف يمكن للأهل إنتقاء الكتب المناسبة لأولادهم؟

- في اختيارنا للكتب، يجب مراعاة عامل السن، فنختار مثلاً الكتب ذات الصور الكبيرة والكلمات القليلة والمتكررة للأطفال ما دون عمر المدرسة وحتى سنوات الدراسة الأولى. في المرحلة التالية، يمكن الإنتقال الى الكتب المخصصة للقرّاء الجدد، ومن بعدها يرتفع المستوى اللغوي للكتاب تباعاً كلما ازدادت المهارات اللغوية للطفل.
وعلى صعيد نوعية الكتب، فهي ترتبط بالذوق الشخصي لكل طفل. وعلى الأهل أن يعرضوا على أولادهم أنواعاً مختلفة من الكتب بأسلوب مشابه لتقديم الطعام، فالوجبة التي يرفضها الطفل اليوم يمكن أن يحبّها ويطالب بها في الغد.
وهنا لا بد من الإشارة الى أن نوعية القراءة هي أكثر أهمية من نوع الكتاب. فالقراءة السريعة مثلاً غير محبّذة على الإطلاق، والمطلوب في المقابل قراءة فعّالة تمكّن الولد من المشاركة وتحوّل عملية المطالعة الى متعة حقيقية. ومن بين الأساليب المعتمدة لقراءة فعّالة التوقّف في أثناء القراءة وطرح الأسئلة التي تشكّل تحدياً فكرياً للولد، كأن يُطلب اليه التنبوء بما سيحصل لاحقاً في الرواية، أو حتى تأليف نهاية مغايرة للقصة، أو ربما تحليل الدافع وراء عمل قام به بطل القصة، الى غيرها من الأسئلة التي تبقي الولد في حالة ذهنية ناشطة طوال فترة المطالعة.

 

إختيار اللغة
• هل يؤثر عامل اللغة على القراءة؟
- للأهل مطلق الصلاحية في اختيار لغة الكتاب عربياً كان أم أجنبياً. فالمهم تمرين أذن الطفل المستمع على التقاط مفردات جديدة واستخدامها في المكان المناسب. ومتى اكتسب هذه المهارة يصبح من السهل ترجمة الكلمات والنصوص الى لغات أخرى في ما بعد.
هنا لا بد من الإشارة الى أهمية التوقّف بين مقطع وآخر، عند القراءة في لغة يجهلها الطفل، وشرح المفردات أو الجمل غير المفهومة.

 

• في عصر الإنترنت، سرقت الشبكة العالمية القسم الأكبر من الجمهور القارئ. فهل القراءة على شاشة الكمبيوتر توازي قراءة الكتاب؟

- أثبتت الدراسات أن القراءة في الكتب أكثر فائدة من القراءة عبر شبكة الإنترنت، ذلك أن غنى الأخيرة في المعلومات والمعارف هو سيف ذو حدين، إذ أنها لوفرة معلوماتها تعرّض القارئ للهو والتشتت في المواضيع من دون القدرة على التركيز على موضوع محدد.
بالإضافة الى ذلك، فإن الجلوس أمام شاشة الكمبيوتر غير صحي، إذ يعرّض النظر للضغط الشديد، كما يسبّب آلاماً في الرقبة والظهر.

 

• هل من نصائح أخيرة للأهل؟

- من واجباتنا كأهل تزويد أولادنا بأدوات النجاح في الحياة. ولما كانت المعرفة أداة أكيدة للنجاح، ولما كان الكتاب السبيل الأول للمعرفة، يجدر بنا السعي لغرس حب المطالعة في نفوس أولادنا ليمتلكوا بذلك سلاحاً يمكّنهم من النجاح والتقدّم باستمرار.

 

كيف نربّي أولادنا على حب المطالعة
الرغبة في القراءة لا تولد بين ليلة وضحاها. فاكتساب هذه المهارة يتطلّب جهداً من قبل الأهل ومتابعة حتى بعد تمكّن الولد من القراءة بمفرده. بعض الخطوات التي يمكن للأهل اتخاذها لتنمية حب المطالعة لدى أولادهم هي الآتية:
• القراءة لهم على الأقل مرة واحدة يومياً.
• مرافقتهم الى المكتبات لاختيار الكتب التي تناسب أذواقهم، واحترام اختيارهم مع توجيههم عند الضرورة بطريقة لبقة.
• إنشاء مكتبة صغيرة في المنزل تضم كتباً من مختلف الأنواع واللغات.
• تشجيع الأولاد الأكبر سناً بالقراءة لأخوتهم الصغار، وجعل وقت القراءة متعة عائلية.
• تشجيع الأطفال صغار السن على قراءة الملصقات على علب الطعام أو الإعلانات على الطرقات.