باختصار

الكلمة والنار
إعداد: العميد الركن حسن أيوب
مدير التوجيه

في العرف أنّ بعض المؤسسات يعمل في سرية وتكتّم، وبعضها الآخر ينشط في المعلن والمعروف، من دون تردّد أو حرج. لكن الواحدة في ذلك تأتي مكمّلة للأخرى في أي حال، فلا هذه تبذّر من غير خيرها، ولا تلك تحتكر ما ليس لها، والكل في النهاية يجمع الزرع فوق بيدر واحد.
والإعلام، في عنوان اسمه وفي معظم مضمونه، يصبو الى غاياته جميعاً وهو يُعلم ويُعلن ويَعرف ويُعرف على هوى ساسته، كائناً ما كان اختلاف الأساليب، وتنوّع الرسائل والغايات والأهداف. وفي علاقتي بالموضوع أقول إنني لم أُقم يوماً في صرح عمل إعلامي مباشر، إنما كان يستهويني أن أكون قريباً من أربابه لكي أرى كيف يعملون، وأعرف ما الذي يحرّكهم، وما الذي يرغبون تحريكه. كنت أعرف مدى تأثيره، وكنت أتمنى أن أجد نفسي محاوراً الفاعلين فيه، أتبادل معهم الرأي، وأقترح عليهم أن يتجنّبوا بعض الطروحات التي تنطلق من بين أقلامهم ماضية في اتجاهات مجهولة، قد يصدر عنها ضرر، بقصد أو من دون قصد، ويكون من الصعب محو آثارها.
أنا أعرف أنّ تلك هي حرية الكلمة التي تتميّز بها بلادنا على وجه الخصوص، لكنني أعرف ايضاً أنّ حرية الكلمة نفسها تسمح بمناقشة ما قيل في ظلها، خصوصاً إذا أدّى ذلك الى سوء ينتشر كالنار في غابة، حيث يصعب الإطفاء، أو يستحيل. وكما تتخطّى الكلمة النار في الخطورة أحياناً، فمن الممكن أن تتفوّق عليها في الفائدة، لو سعت الى تلك الفائدة، وآمنت بإنجازها. أليس في الإثنتين، على السواء، نور ودفء وهناء؟ وكلا الفاعلتين، الكلمة والنار، ألا تحتاجان الضبط و«الفرملة»، خصوصاً حين تنعطف الدروب بهما، وتسوء الرؤية ويلف الوجوه ضباب وغمام، أو حين تطلّ الحرائق، وتُجنّ البراكين، فلا هذا يلاحظ، ولا ذاك يرى، وتُباح الأشياء، ويخيّم الخطر؟
مقدّمتي هي رسالة أصدّر بها هذا اللقاء الذي أتيح لي وأنا أحطّ رحال خدمتي العسكرية في مديرية التوجيه في جيشنا، وهو لقاء حتّم عليّ ضمّ جهدي الى جهود عائلة عاملة ناجحة منتجة، تضيق خليتها، لكن رحلات النحل فيها تتسع لتشمل الوطن بأسره، لا بل، لتمتلكه وتحيطه بالسواعد، محبة وانتماء وولاء، وسعياً الى المحافظة عليه مبنى ومعنى، وقيماً إنسانية سامية.
قد أدخل مع زملائي الجدد في تفاصيل يومية عادية، هم أنفسهم لو كانوا في موقعي لاهتمّوا بها ونبّهوا اليها وشدّدوا على ضرورة وجودها، إلا أنني أنتظر أن يسيروا معي في رحاب القضايا الكبيرة، وأن يتلقّوا خطتي، ويعملوا برأيي في ما يتعلّق بها، تسهيلاً لانتقالنا جميعاً الى ما هو أهم وأمضى، الى مواصلة الطريق في التوجيه الوطني، وفي الإعلام العسكري، بزخم أشد وعزيمة أمضى، تصدّياً لأطماع عدوّنا الإسرائيلي، ووقوفاً بوجه مؤامراته على كياننا الإجتماعي برمّته، ومواجهةً لما يسوقه القدر الينا من الإرهاب القريب والبعيد، ومواصلةً لفتح الصفحات الجديدة مع الإعلاميين، خدمةً للإعلام بشكل عام، إعلامنا وإعلامهم إن صحّت التجزئة، مع الإحتفاظ بحزام الكلمة المسؤولة، واحتراماً للعلاقة الأبدية مع القارئ والمستمع والمشاهد، وخدمة للوطن.
لا حرج في أن تزيد الوعود عن حدودها المعقولة، ففي سعينا الى تحقيقها كاملة ضمانة لتحقيق معظمها، والطموح، في العادة، يجب أن يتخطّى الواقع، ويطرح شروطه عليه، ويدفعه الى الأمام. إن الطموح هو القوة السحرية التي تحيي الهمم وتشدّ العزائم، وتقرأ وتكتب... وتقف في الساحات وتعتلي المنابر.