محاضرات وندوات

الكلية الحربية تستضيف الوزير قرم في محاضرة حول «الظاهرة الطائفية في تاريخ لبنان»
إعداد: جان دارك أبي ياغي

في إطار خطة التعليم والتدريب للعام 2012 ألقى الوزير السابق الدكتور جورج قرم محاضرة بعنوان «الظاهرة الطائفية في تاريخ لبنان»، وذلك في الكلية الحربية، وفي حضور مسيّر أعمالها العميد الركن شربل الفغالي ممثلاً قائد الجيش العماد جان قهوجي، وعدد من الضباط وتلامذة ضباط الكلية.

 

خطورة الطائفية
بداية النشيد الوطني اللبناني، ثم كلمة تعريف عن الموضوع من رئيس قسم الدروس والعمليات العقيد الركن صلاح جانبين قال فيها: «إنّ تعدد الأديان والطوائف في لبنان هو نعمة خصّنا الله بها، إنما إدارة المجتمع على أساس طائفي، أو استخدام الدين والطائفة في التجاذبات والصراعات الطبقية والسياسية لقوى داخلية وخارجية ذات مصالح خاصة بها هو المشكلة»... ثم أعطى الكلام للوزير السابق الدكتور جورج قرم الذي استهلّ حديثه بشكر القيّمين على الكلية الحربية لدعوته والسماح له بالتوجّه إلى النخبة في الجيش اللبناني الذي نفتخر به ونحيي تضحياته.

 

المارد!
بداية، عرّف الدكتور قرم الطائفية بـ«المارد» واعتبرها المسؤولة عن هجرة خيرة شباب لبنان إلى الخارج ومصدر قلق لكل اللبنانيين أكثر مما هي مصدر إطمئنان. فالبعض يظن أننا بدون النظام الطائفي في خطر، بينما هذا النظام هو الذي يتسبب بالخطر.
سعى الدكتور قرم خلال محاضرته إلى تفكيك ظاهرة الطائفية: كيف تكوّنت؟ كيف نشأت؟ مع العلم أنها ظاهرة حديثة العهد تعود إلى القرن التاسع عشر. وركّز على ثلاثة محاور:
- تحليل الظاهرة الطائفية أو ماهية الطائفة.
- كيفية نشوء الظاهرة الطائفية والنظام الطائفي في لبنان عبر تاريخ لبنان الحديث.
- ما هي الشروط التي يجب أن تتوافر لتجاوز النظام الطائفي من دون التسبب بمزيد من الخوف لدى أبناء الطوائف.

 

المعنى الأسطوري للطوائف
اعتبر الدكتور قرم أن الموضوع معقّد للغاية نظرًا إلى الخلاف السائد حول كتابة تاريخ لبنان، والروايات المتناقضة حوله وهي بمعظمها سياسية ذاتية أسطورية الطابع، تتطوّر بحسب مراجع كل من الطوائف. وقد بالغ البعض إلى حدّ تصوّر الطوائف شبه قوميات وهذا خطير للغاية. لأنّ الطوائف إذا كانت شبه قوميات فلا يمكنها بناء وطن. من هنا ضرورة تفكيك المعنى الأسطوري للطوائف.
وأضاف أن الطائفة جسم اجتماعي مغلق على ذاته، تسوده عصبية كبرى بين أبناء كل طائفة، مع العلم أنهم يتشابهون في الأهواء، في التصرّف، وفي المزاج السياسي... والإنسان الذي تصبح الطائفة العنوان الوحيد لانتمائه يصبح كالآلة، لا يملك حرية فكرية. وهذه الرؤية تنقض العيش المشترك المبني على تقاسم اللغة ذاتها، الأدب ذاته، أساليب الفن ذاتها (مثلاً السيدة فيروز هي لكل الطوائف)...

 

لبنان يشبه الشجرة
نتيجة هذا المفهوم الأسطوري، استعرض الدكتور قرم سلسلة «كليشهات» عن لبنان الذي خلص  إلى تشبيهه بالشجرة، كل طائفة هي غصن من أغصانها، أما قاعدتها فهي واحدة. وتساءل: ما هي الطائفة؟
إذا أخذنا الدين المسيحي، نحن كنائس ولسنا طوائف. ومفهوم الكنيسة هو انفتاح وليس انغلاق. ككنائس إختلفنا لاهوتيًا على طبيعة المسيح، ولم يكن الخلاف عِرقيًا أو لغويًا. مع العلم أنّ هذه التباينات  اللاهوتية في الماضي كانت تؤدي أحيانًا إلى حروب...
في الدين الإسلامي، هناك مذاهب تفسير في القرآن الكريم وهي مذاهب لاهوتية سياسية حول نظام الحكم، ومن هم أهل لتولّيه.
هنا، عاد الدكتور قرم إلى التراث العربي - العثماني الذي كان يستعمل كلمة «ملّة» بدلاً من كلمة «طائفة». من هنا، إذا أردنا أن نخفف الوجه الأسطوري للطائفة فلنستبدلها بـ «كنائس» و«مذاهب» أو «ملل».
في المفهوم اللبناني، إنّ الطوائف هي كنائس ومذاهب إسلامية تطيّفت، أي صار لها إطار مؤسساتي يُلزم أبناءها ثقافة معينة. فكيف حدثت عملية التطييف في لبنان؟

 

جذور الطائفية
تعود هذه الظاهرة إلى القرن التاسع عشر عندما اشتدّ الصراع على طريق الهند بين الإنكليز من جهة والفرنسيين من جهة أخرى للهيمنة على البحر المتوسط. هنا يمكن الحديث عن لبنانَين: في جبل لبنان لم يكن النظام الطائفي هو السائد إنما نظام المقاطعة والصراع على النفوذ، أما في لبنان الساحلي فكان نظام الملل هو السائد وهو نظام عثماني فرض المساواة بين المسلمين وغير المسلمين مع المحافظة على امتيازات الطوائف أو الملل...
وتطرّق الدكتور قرم إلى فتنة 1840 التي نشأ عنها نظام القائمقاميتين واعتبره أول تكريس للطائفية فكان هناك قائمقامية  درزية وقائمقامية مارونية. إلا أنّ هذا النظام سرعان ما انهار وأدّى إلى مجازر 1860.
والعام 1862 كان أول مجلس تمثيلي تمثّل فيه اللبنانيون بشكل طائفي، وقد اعتبره أول بوادر الحياة الديمقراطية في لبنان. إلا أنّ التمثيل الطائفي في حالة لبنان ليس تقدمًا ديمقراطيًا إنما عرقلة للطائفة نحو أي تقدم ديمقراطي صحيح. ومع مجيء المندوب السامي الفرنسي إلى لبنان العام 1936، كرّس الطائفية بدلاً من أن يؤسس لنظام علماني، بقرار حمل الرقم 60 ما زالت مفاعيله سارية إلى اليوم وهو الدستور الحالي للبلاد. فكان ما سُمي بالطوائف التاريخية التي بلغ عددها اليوم 18 طائفة، وهي أجسام وسيطة بين الدولة والمواطن، وبنتيجة ذلك، تبعت مؤسسات الطوائف القانون العام وليس القانون المدني الخاص.

 

«نفيان لا يصنعان وطنًا»
وانتقل الدكتور قرم إلى الميثاق الوطني الذي وفّق بين الخيالات الطائفية التي تطوّرت ونص على أن لبنان ذو وجه عربي (لا شرق ولا غرب). فتخلّى الموارنة عن حماية فرنسا ودعا المسلمون إلى عدم الإندماج في كيان عربي واسع، وهنا استشهد بمقولة الصحافي جورج نقاش الشهيرة: «نفيان لا يصنعان وطنًا».
كما تناول عهد الرئيس فؤاد شهاب الذي شهد إصلاحات إقتصادية واجتماعية مهمة، معتبرًا أنه أسّس لعدالة طائفية واسعة لكنّه لم يسع إلى تجاوز النظام الطائفي. فكانت مباراة التقدم إلى مجلس الخدمة المدنية تقوم على أساس نظام «الكوتا».
أما قمة التطوّر الطائفي برأيه فكانت مع إتفاق الطائف الذي نقل صلاحيات رئيس الجمهورية إلى مجلس الوزراء مجتمعًا، ووزع المراكز في الدولة حصصًا على الطوائف وزعمائها. وقد عكست هذه الترتيبات الطائفية أهمية القوى الإقليمية والدولية واحتماء كل طائفة بها.
كما نص اتفاق الطائف على الديمقراطية التوافقية التي تعتمدها مجتمعات ذات إختلافات كبيرة بين سكّانها كسويسرا وبلجيكا مثلاً (لغات وحضارات وثقافات مختلفة)، بينما في لبنان نطرح السؤال: التوافق بين مَن ومَن؟

 

العلمانية هي المخرج
عن كيفية تجاوز النظام الطائفي، شدد الدكتور جورج قرم على ضرورة تغيير النصوص. فمن الضروري تغيير القرار 60 الذي يجعل من الطوائف جسمًا وسيطًا بين الدولة والمواطن. ولتجاوز الخوف الطائفي، لا بدّ من الإبقاء على نسبة التوازن بين المسلمين والمسيحيين، والعمل على توعية الشباب خصوصًا لإطاحة هذا المارد المتحكّم في حياتنا الفردية الذي إسمه الطائفة.
وختم الدكتور قرم بأنّ العلمانية هي المخرج للجميع. وطالب أن يعود لبنان إلى الدور الذي أداه في أواخر القرن التاسع عشر أيام النهضة العربية التي ساهم بها، كما ساهم فيها التفكير الليبرالي...
في الختام، ألقى العميد الركن شربل الفغالي كلمة شكر فيها باسم قائد الجيش الدكتور قرم، وقدّم له درع الكليـة الحربية تقديرًا ووفاء.


العقم وأسبابه وعلاجه في محاضرة
ألقت الدكتورة ليال أبي زيد محاضرة في قصر الأونيسكو في حضور الملازم ندى الشوا من الطبابة العسكرية وعدد كبير من المهتمين.
موضوع المحاضرة كان مشكلة العقم وأسبابها وطرق علاجها، وقد انطلقت الدكتورة أبي زيد من تعريف العقم أولاً لتعرض من ثم أسبابه المختلفة عند كل من المرأة والرجل والتي تكون عضوية أحيانًا ونفسية أحيانًا أخرى، بينما تظل نسبة منها مجهولة. وإذ أشارت إلى ظروف قد تؤدي إلى العقم، حدّدت العلاج المعتمد في كل من الحالات.