في ثكناتنا

الكليّة الحربيّة قبيل وداع الضباط المتخرّجين
إعداد: باسكال معوض بو مارون

رجال وهامات شامخة إلى العلى... إلى العلم

في أتون النار المشتعلة، يصقل المعدن الأصيل ليخرج ذهبًا خالصًا من الشوائب. وفي الكليّة الحربية «كور» يصهر الشباب طوال ثلاث سنوات فيتخرّجون منه رجالًا ينضحون عنفوانًا وإباء...
قبيل الأوّل من آب زرنا الكليّة الحربيّة التي كانت تستعد لوداع تلامذة الضباط. لا احتفال كبير ولا سيوف تنتظر الفرسان، وإنّما رجال بمعنويات عالية وهامات شامخة إلى العلى... إلى العلم.

 

قادة للأيام الآتية
خلال زيارتنا صرح الرجولة التقينا قائد الكليّة الحربية بالوكالة العميد الركن بطرس جبرائيل الذي تحدّث عن أوضاع الكليّة وطلابها، بمناسبة اقتراب تخريج تلامذة ضباط السنة الثالثة، فقال: «لقد وضعت القيادة نصب أعينها أن هؤلاء الرجال سيكونون قادة المستقبل، وسوف تلقى على عاتقهم المهمات الجسـام، خصوصًا في ظل الأجواء والظروف الأمنية السائدة في المنطقة».
وأضاف أنّ «قيادة الكليّة الحربيّة وملاكها التدريبي يركّزان الجهود على تنشئة المتدربين وفق منهاج تدريبي شاق وطويل على مدى سنوات ثلاث. وهم يتلقون العلوم العسكرية والعلوم العامة بالإضافة إلى التدريب الرياضي. ويخضع التلامذة الضباط لاختبارات عمليّة وخطيّة في مختلف مواد الدراسة، ويتم تصنيفهم وفق نتائج هذه الاختبارات في كل سنة تمهيدًا للتصنيف النهائي عن السنوات الثلاث، حيث توضع الأسماء بالترتيب على مراسيم الترقية».
وأشار العميد الركن جبرائيل إلى أنّ «تلامذة قوى البحر والجو يتابعون السنة الأولى من دراستهم في الكلية الحربية وباقي سنوات الدراسة في مدرستي القوات البحرية والقوات الجوية، كما يمكن انتدابهم لدورات دراسية في الخارج ويتم تصنيفهم وترقيتهم وفق أنظمة هذه الدورات».
كما لفت إلى أنّ «الأعوام الدراسية الثلاثة في الكليّة تختتم بمخيمات تدريبية تجري في نهايتها تمارين سير مختلفة المسافات (السنة الأولى 50 كلم والثانية 75 كلم)، أما السنة الثالثة، فيتخلّل مخيمها التدريبي مناورة بالذخيرة الحيّة على صعيد لفيف فرعي مع رمايات بالمدفعية والدبابات وبمشاركة مختلف أسلحة الجيش من مدرعات وطيران وهندسة. وفي ختام المخيّم يُنفذ المتخرّجون تمرين سير لمسافة 100 كلم. بعد صدور نتائج الامتحانات يقام في الكليّة احتفال يحضره ضبّاطها وذلك قبل يوم واحد من التخريج النهائي، وهذا الاحتفال تقليد سنوي يترأسه قائد الكلية الذي يسلّم الشهادات للتلامذة الناجحين (إجازة جامعية في العلوم العسكرية) تمهيدًا لتسلّمهم لاحقًا السيوف والنجوم رسميًا». أما في الظروف الراهنة وفي ظل غياب رئيس للجمهورية، يضيف العميد الركن جبرائيل، فسوف يتم تسليم السيوف من دون احتفال رسمي بانتظار انتخاب رئيس للجمهورية، إذ ذاك تقرّر القيادة الوقت المناسب لإقامة احتفال وفق التقاليد المرعية.
وأضاف العميد الركن جبرائيل أنّ «مهمة الكليّة الحربية الأساسيّة تقضي بتنشئة وتعليم وتدريب وتأهيل تلامذة الضباط لتسلّم إمرة فصيلة في القوات المسلّحة، وامتلاك مؤهلات أساسيّة تخوّل كلًا منهم أن يكون ضابط ميدان مؤمنًا بعقيدته العسكرية، يعرف عدوّه جيدًا ويتقن مهمته في الوحدات وأن يكون أيضًا مربيًا قريبًا من رجاله، فيعرف قدراتهم وإمكاناتهم ويساعدهم على تجاوز الصعوبات والقيام بالواجبات».
وفي ختام لقائنا به أشار العميد جبرائيل إلى أن «للكليّة الحربية رؤية للتطوير ضمن الإمكانات المتوافرة وهناك خطة على 3 محاور: التدريب، اللوجستية والأمن. فعلى صعيد التدريب نسعى باستمرار لتطوير المناهج والبرامج بما يتناسب مع تقدّم العلم العسكري والتطوّر التكنولوجي ومقتضيات المهمات المرتقبة.
ومن الناحية اللوجستية نسعى حاليًا لإنشاء مبنى جديد لنادي ضباط الكليّة وصالة تدريب رياضية وبيت للتلميذ، وتجهيزها لاستيعاب أعداد التلامذة المتزايدة وتأمين طلباتهم وحاجاتهم.
أما أمنيًا فثمّة خطّة تمّ تنفيذ بعض بنودها، والعمل جارٍ لتنفيذ البنود الأخرى بغية الوصول إلى تغطية أمنية شاملة في محيط هذا الصرح التعليمي الكبير».
 

الفخر لهم
ما هو أثر عدم إقامة حفل تخريج رسمي للتلامذة الضبّاط؟
النقيب فادي بعقليني (آمر وحدة تدريب في السنة الثالثة) اعتبر أن تعب السنوات الثلاث أثمر نتائج مشرّفة. وأكّد أنّ معنويات تلامذة الضباط المتخرّجين عالية، وأنّ التنشئة التي تلقوها تشكّل درعًا منيعة أمام الخيبات العابرة. وحثّ النقيب بعقليني التلامذة على المضيّ قدمًا في حياتهم العسكرية، لأنّهم وصلوا إلى ذروة نجاحهم، وكل الباقي ليس إلا شكليات يمكن التعويض عنها، فالفخر لهم وليعتزّوا بنجاحهم ومستوياتهم العالية.

 

تجربة موفّقة
النقيب رشاد فيّاض (مدرب إختصاص مدفعية) يقرّ بأنّ «تعب السنوات الثلاث كان من المفترض أن يتوّج باحتفال رسمي كما هي العادة»، لكنه رأى في الوقت نفسه أن هذه التجربة هي بداية موفّقة لحياة الضابط، فهي امتحان لقدرته على التأقلم وعلى مجابهة أي صعوبات أو مشاكل تعترضه خلال مسيرته العسكرية. إذ لا ينبغي أن يؤثّر أي حدث طارئ، مهما كان صعبًا، على معنويات الضابط، وبالتالي على حسن أدائه لوظيفته الحسّاسة والمتميّزة.

 

المهمّ والأهمّ
الملازم المتخرّج ماريو ليشا لم ينكر أن الاحتفال الرسمي حدث ينتظره الجميع وذكرى جميلة لا تُنسى، لكن الأهم هو الانخراط في الحياة العسكرية الحقيقية والخدمة الفعليّة، ومساندة رفاقنا في السلاح، وخدمة وطننا الذي يحتاجنا في كل وقت؛ ويضيف أن وداع الكليّة سيكون صعبًا بسبب الألفة التي ربطت في ما بيننا، والتي سوف تشكّل رصيدًا من الذكريات لكلّ منّا.

 

خدمة الوطن هي الهدف
«الحياة العسكريّة حافلة بالصعوبات، هذه الحقيقة يدركها العسكري جيّدًا وينطلق منها طوال مسيرته» كما يقول الملازم المتخرّج حسن حميّه، ويضيف: «أنهينا أول مفصل أساسي، ومن بعدها الحياة العمليّة وخدمة الوطن والشعب، وهي الهدف الأكبر والأسمى الذي كنا ننتظره؛ ولو كانت فرحتنا منقوصة قليلًا بسبب غياب الحفل الرسمي».
ويختـم قائلًا: «لنا ذكريات لا تُنسى في كل زاوية من زوايا هذه الكليّة حيث كانت لنا أوقات حلوة وأخرى صعبة، أمّا اليوم فقد حان وقت الفراق الصعب».

 

القيم الوطنية مقدّسة
من جهته يرى الملازم المتخرّج جورج وردان أنّ الحياة تُكمِل مسيرتها وفرحة النجاح هي نفسها في قلوبنا مع الإحتفال أو من دونه. الكليّة الحربية غيّرت حياتنا بشكل جذري وتعلّمنا على مقاعدها المبادئ والقيم الوطنية المقدّسة. عشنا معًا أحلى الأوقات وأصعبها... «معنوياتنا عالية لو شو ما صار».

 

شرف لا توازيه كنوز العالم
«حلمت بصورة لي مع رئيس الجمهورية يسلّمني سيف الرجولة كتلك الموجودة في منزل كل ضابط»، يقول الملازم المتخرّج حسام صوّان، «لكن فرحي بتخرّجي ضابطًا لا يوازيه شيء، وهو شرف لا أستبدله بكنوز العالم». ويضيف: «أيّامنا في الكليّة على الرغم من قساوتها أحيانًا كانت أوقاتًا جميلة. الكليّة «جمعتنا معًا كالإخوة»؛ الفترة الأولى كانت الأصعب بسبب انتقالنا من الحياة المدنية إلى الحياة العسكرية؛ لكنّ مدربينا زوّدونا لاحقًا جرعات من المعنويات جعلتنا نجابه بصلابة أي مشكلة تعترض طريقنا، ونذلل الصعوبات مهما كان نوعها».

 

حصل من قبل
إن سابقة عدم تسليم رئيس الجمهورية السيوف لتلامذة ضبّاط السنة الثالثة في الكليّة الحربية خلال حفل تخريجهم، حصلت في الماضي القريب مرتين متتاليتين؛ الأولى خلال العدوان الإسرائيلي على لبنان في تمّوز 2006 ولدواع أمنية، حين استعيض عن حفل التخريج بتسليم الشهادات للضباط الجدد.
أما العام 2007 ونتيجة الفراغ الرئاسي الذي حصل آنذاك فلم يتم توقيع مرسوم ترقية الضباط الجدد واضطر هؤلاء للالتحاق بالقطع التي شُكّلوا إليها برتبة مؤهل أول مع نجمة بيضاء. بعدها وخلال تخريج دفعة العام 2008 جرى إلحاقهم برفاقهم وتخرّجوا متسلمين سيوفهم من رئيس الجمهورية آنذاك العماد ميشال سليمان الذي وقّع مراسيم الترقية.


 

265 سيف شرف وتضحية ووفاء

هذا العام تخرّج 265 من الكليّة الحربيّة ضباطًا ملازمين بسيوف الشرف والتضحية والوفاء وتوزّعوا كما يأتي:
- أمن داخلي وأمن عام وأمن دولة وجمارك: 84 ضابطًا.
- قوات برّية: 174 ضابطًا.
- قوات بحرية: ضابط واحد.
- قوات جوّية: 6 ضباط.


 

شعار الكليّة وتاريخها

اليد التي تقبض على كتلة النار تدلّ على إرادة التضحية وتحمّل المشقات والمصاعب مهما بلغت في سبيل الحصول على المعرفة، هذا هو شعار الكلية الحربية.
أما نشأة المدرسة الحربية فتعود إلى عهد الإنتداب الفرنسي العام 1921 في دمشق بهدف إعداد ضباط من اللبنانيين والسوريين.
والعام 1932 انتقلت الى حمص، وفي آب 1945، وإثر تسلّم الجيش اللبناني من قبل السلطات اللبنانية، أنشئت «مدرسة الضباط» في بلدة كوسبا في الكورة.
وفي تشرين الأول من العام 1946 تمّ نقلها مؤقتًا الى بعبدا لتستقر نهائيَا في 14 تشرين الثاني مــن العــام 1946 في ثكنــة شــكــري غاـنم - الفياضية.
وفي الحادي والثلاثين من كانون الأول 1951 دشّن رئيس الجمهورية الأبنية الجديدة التي يقيم فيها التلامذة واستبدل اسم «مدرسة الضباط» بــ «المدرسة الحربية»، ثم أصبحت العام 2011 «الكليّة الحربية».