انت وصحتك

الكولستيرول مرض العصر وكل العصور
إعداد: رويدا السمرا وريمــا سلـيــم

سببه النهم وعدواه الحمية الغذائية والإرادة الحديدية

إذا لم تكن تملك إرادة قوية, فلن تتملكك الرغبة في قراءة هذه الشهادة الحية, المؤلمة بوقائعها والمفرحة بنتائجها...
وإذا كان وزنك يفوق الحد الأقصى المقبول, فلا “تخفف” من وطأة التبعات التي يمكن أن تترتب عن هذا الوزن الزائد, بل “زد” معلوماتك الصحية وتجنّب الوقوع في ما لا تحمد عقباه...
وإذا كنت تعيش لكي تأكل ولست تأكل لكي تعيش, فعلى الأقل, حاول تجنّب المأكولات التي تضرّ بصحتك وتسيء الى حياتك...
وأما إذا كنت ممن يرغبون في الإستمرار بحياتهم بشكل هانئ وصحي وصحيح, فلا تتردد في التهام هذه الوجبة التي نقدمها لك عبر هذه السطور, علّها تغذي عقلك السليم لكي يبقى جسمك سليماً معافىً, خالياً ­ على الأقل ­ من الأمراض التي باستطاعتنا أن نبعدها عنّا ونتلافى الإصابة بها.
والعبرة في من يتعظ!

 

غياب مؤلم

كان أبي في غمرة الحديث مع بائع للسيارات, عندما صرعته أزمة قلبية حادّة, لم تترك له الوقت الكافي ليصل حياً الى المستشفى, وكان حينها في السابعة والستين من عمره.
وقد تسبب لي موت والدي المفاجئ, بصدمة رهيبة. مع ذلك فقد انتظرت لأصبح في سن الثالثة والخمسين, حتى أتّعظ مما سمعته من طبيبي, عن إمكانية تعرّضي أنا أيضاً لحادث مماثل.
كنت أزن اثنين وثمانين كيلوغراماً (يبلغ طولي 1.83 متراً), وكنت أكثر نسبياً من شرب الكحول, لكني لطالما اعتبرت الأمر عادياً, لا سيما وإني لم أشعر يوماً بأي عارض صحي مقلق, كذلك كنت ابتعد عن التدخين وأقوم ببعض التمارين الرياضية بشكل منتظم.
وفي أحد الأيام, سألت الطبيب, وقد شاهدته يعقد حاجبيه بعدما فحص ضغط دمي وكانت النتيجة 16/10.5:
­ هل هذا جيد أم سيء؟
وكان سؤالي يفضح جهلي آنذاك لكلّ ما يتعلق بالموضوع.
فردّ الطبيب بالقول:
­ هل سبق أن توفي أحد أفراد عائلتك بأزمة قلبية أو بسبب تصلب في الشرايين؟
وبدا عليه القلق عندما ذكرت له والدي, فطلب مني فحوصات للدم.
­ أريد التأكد من نسبة الكولستيرول في دمك ليس إلاّ.
وعُدت لزيارة الطبيب بعد خمسة عشر يوماً, وكانت نتائج فحص الدم مأساوية: نسبة الكولستيرول, ثلاثة غرامات ونصف, علماً أن المعدّل الطبيعي هو أقل من الغرامين. وإذا أضفنا هذه النسبة المرتفعة الى ارتفاع ضغط الدم, أصبحت إمكانية تعرّضي لأزمة في القلب أو الشرايين, كبيرة جداً!
­ هناك أدوية لتخفيض نسبة الكولستيرول, وأيضاً ارتفاع الضغط ­ تابع الطبيب ­ لكنك متى بدأت العلاج بها, لا يعود بإمكانك الإستغناء عنها.
­ أوليس هناك حلٌ آخر؟ قلت.
­ يمكنك أن تحصل على نتائج جيدة, إذا اتبعت حمية خاصة. ولكن لا بد أن تعلم أن ذلك يتطلب إرادة قوية. يجب أن تخفف قبل كل شيء من استهلاك الكحول, كما يجب أن تخفّض وزنك بشكل ملحوظ, وتكثر من أكل السمك.

 

مواجهة التحدي

كان قراري في تلك اللحظة, مواجهة التحدي. فغادرت عيادة الطبيب بخطى حثيثة واثقة, أحمل في جيبي لائحة بحمية الطعام الجديدة, وكلّي عزم وتصميم على إتباع نظام غذائي صحي وسليم. وعدت الى المنزل, وكنت قد باشرت بقراءة اللائحة بالممنوعات, عدما بدأت أتراجع عن قراري شيئاً فشيئاً. كانت اللائحة لا تنتهي: من الحظر على الأملاح والدهون المشبعة, الى الإمتناع عن البطاطا المقلية والزبدة والمقانق والحلويات والشوكولاته والجبنة, الى الإبتعاد عن السكاكر والشيبس والكحول... وكنت, كلما تقدّمت في القراءة, كلما شعرت بالإستياء والغبن. فالتقنين كان يطال حتى اللحوم الحمراء, التي ىُسمح بها بكمية محدودة للغاية, أما الحليب فيجب أن يكون هو الآخر خالياً من الدسم. والتالي كان أعظم: لا يُسمح بتناول أكثر من نصف زجاجة من الخمر يومياً! وهنا بدأت أتساءل فعلاً عن مدى قدرتي على تحمّل هذا الظلم والحرمان. وكنت على وشك أن أغيّر رأيي, فاتبع طريق العلاج بالأدوية, عندما تذكّرت والدي الذي غدرني بموته المفاجئ.

لا نعيش لكي نأكل بل نأكل لكي نعيش!

كانت النصائح تنهال عليّ من قبل الأهل والأصحاب: إشرب الشاي بدل القهوة, مارس الرياضة, إفعل هذا ولا تفعل ذاك... وأصبحت وليمة الغداء الأسبوعية, وهي تقليد عريق في عائلتنا, تقتصر على وجبة طعام خفيفة. فاستُبدل لحم البقر المشوي وفخذ الخروف المحشي, بلحم الدجاج الأبيض مع البطاطا والخضار المسلوقة. أما التحلية فكانت عبارة عن قطعة من الفاكهة, كذلك اقتصر المشروب على المياه المعدنية فقط!
أما الترويقة اليومية فكانت تتألّف من فنجان من القهوة الخالية من الكافيين وقطعة من السمك. وكانت وجبة الظهر تقتصر في أغلب الأحيان على سمك السردين وسلطة البندورة مع البصل. وكانت المشكلة في الدعوات التي أتلقاها لتناول الطعام في الخارج, إذ لم يكن باستطاعتي حتى أن آكل طبقاً من البيتزا, بسبب إحتوائه على الجبنة. لكن معنوياتي كانت مرتفعة على الرغم من كل ذلك. وبدأت أتعرّف على أنواع جديدة من الأطعمة مثل “السوشي”, الطبق الياباني الذي يعتمد على السمك النيء والذي أحببته كثيراً. كذلك كنت أكثر من تناول المعجنات والسلطات وأشرب ليترات من مغلي الأعشاب. لكن أصعب ما في الأمر كان إقلاعي عن شرب الكحول: كنت أحاول الإكتفاء بكأسين في اليوم ولكن من دون جدوى, إذ كنت كلّما بدأت بالشرب لا أتمكن من التوقّف, ووجدت الحلّ لهذه البداية الصعبة, فكنت أتناول الكحول ثلاث مرات في الأسبوع لا أكثر, ولا أحتسي إلا الخمر فقط.

 

التجربة أكبر برهان

بعد ستة أشهر, أجريت فحصاً آخر لضغط الدم وكانت النتيجة 16/9.2. وسألت الطبيــب هذه المرة عن معنى هذين الرقمين, للتعرّف أكثر على هذا الموضوع الذي بدأ يثير إهتمامي. فأجابني بأن الأول يشير الى الضغط الذي يمارسه الدم على جدار الشرايين, مباشرة بعد انقباض عضلة القلب وتدفّق الدم الى الجسم, ويسمى الضغط الإنقباضي, أما الرقم الثاني فهو ضغط الدم على الشرايين, عندما يكون القلب في حالة إسترخاء بين نبضتين, وهذا ما يسمى بالضغط الإنبساطي. ويستقر متوسط الضغط الإنقباضي الطبيعي عندالشباب, على الـ12 وهو يميل الى الإرتفاع مع تقدم العمر. أما متوسط الضغط الإنبساطي فهو 8. وإذا ارتفع الضغط عموماً عن 14/9 تسبب بأضرار في الأوعية الدموية وفي القلب والكليتين.
وأجريت بعد ستة أشهر, فحصاً جديداً لمستوى الكولستيرول في الدم, وتبين أنه كان منخفضاً ولكن ليس بالقدر المطلوب. لكن ذلك لم يردعني عن القرار الذي إتخذته, لا سيما وأن ضغط الدم عندي كان قد استقر على 13/8, الأمر الذي كان يشجعني على المثابرة في إتباع الحمية الغذائية الجديدة.
وبعد سنتين, وكان عمري قد أصبح خمسة وخمسين عاماً, انخفضت كمية الكولستيرول في دمي الى المعدّل الطبيعي, واستقرّ وزني على السبعين كيلوغراماً.
هل أنا اليوم بحال أفضل؟ بكل تأكيد. هل يستحق ما أنا عليه الآن, كل هذا الجهد والعناء؟ نعم وبدون أي شك. هل افتقد لبعض أصناف الطعام؟ نعم كثيراً, مثل السومون المدخّن, البيض المقلي, البسكوت الذي أحبه... وأخيراً, هناك سؤال لا يزال يطرح كل يوم: هل سأبقى مثابراً على جهودي هذه؟ آمل ذلك وبقوة. فأنا لا أريد أن أسير على خطى والدي الذي توفي باكراً. إني أفكر به كل يوم وافتقد إليه كثيراً, ولا أريد أبداً أن يشعر ولداي بالألم الذي أحسست به عندما تركنا أبي ورحل, ومن شأن هذا أن يعطي معنىً لكل تضحياتي.

عن: Sélection -Juin 2002