قضايا إقليمية

اللاجئون بين التوطيــــن وحق العودة
إعداد: إحسان مرتضى
باحث في الشؤون الإسرائيلية

كانت قضية اللاجئين الفلسطينيين المنتزعين من أرضهم عنوة منذ العام 1948 بشكل خاص، ولا تزال، احدى أهم العوامل المؤثرة في تشكيل المعالم السياسية للشرق الأوسط. والجدير بالذكر أن هذه القضية مثبتة في البند 13 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي ينص على حق أي فرد في ترك بلاده والعودة إليها. كما وان قرارات مؤتمر جنيف المنعقد عام 1949 تنص على تحريم «التهجير القسري للأفراد أو المجموعات بغض النظر عن الدوافع». ويضمن مبدأ تقرير المصير حق كل انسان بالامتلاك والعيش في بلاده. وقد تبنت الأمم المتحدة قراراً في هذا الخصوص عام 1947. ومنذ العام 1969 تم تطبيق هذا المبدأ على حالة الشعب الفلسطيني والاعتراف بـ«شرعية نضال الشعب الفلسطيني من أجل تقرير المصير والتحرر». وفي العام 1974 تبنت الأمم المتحدة قراراً يقضي بتأكيد «حق الفلسطينيين غير القابل للتصرف في العودة إلى منازلهم وممتلكاتهم التي تم تشريدهم واقتلاعهم منها والمناداة بعودتهم».
وينص القانون الدولي أن لا الاحتلال ولا السيادة يلغيان حق الملكية الفردية، ناهيك بأن القانون ذاته لا يمنح الاحتلال السيادة على الأرض بسبب عدم شرعيته. ومعروف أن «ادارة أرض اسرائيل» تدير حالياً أراضي اللاجئين وممتلكاتهم، باعتبارها حقاً لهم وبغض النظر عمن يمتلك السيادة عليها ومهما تقادم الزمن، وعليه فالفلسطينيون مؤهلون لممارسة حقهم في العودة إلى ممتلكاتهم وديارهم المغتصبة. إلا أنه على الرغم من كل هذه الحقوق والحقائق الواضحة، يجمع الاسرائيليون بأغلبيتهم الساحقة على ضرورة التخلص من مشكلة اللاجئين وتصديرها إلى خارج فلسطين وتوطينهم في أي مكان ما عدا وطنهم حفاظاً على «نقاء الدولة اليهودية».
ولا يختلف في قليل أو كثير موقف الاحزاب السياسية والدينية عن بعضها البعض، فهناك ما يشبه التوحد في الموقف على مسألة منع اللاجئين الفلسطينيين من ممارسة حق العودة والتعويض، خصوصاً لاجئي 1948، لأن هؤلاء يمثلون في نظر الإسرائيليين سرطاناً خطراً أو قنبلة موقوتة في نقاء الوطن اليهودي وصفاء العرق المميز والمختار. ومعلوم أن اسرائيل رفضت ولا تزال ترفض مجرد التعاطي مع القرار 194 الذي ينص على حق العودة والتعويض على اللاجئين الفلسطينيين الذين شرّدوا عام 1948 بالرغم من أن هذا الرفض مبني على أعمدة واهية انهار أحدها على أيدي المؤرخين الاسرائيليين، الذين فضحوا الذريعة الرسمية الإسرائيلية القائلة بأن «اللاجئين الفلسطينيين قد تركوا منازلهم باختيارهم أو تلبية لنداء الهيئة العربية العليا أو استناداً إلى دعوة الدول العربية لهم بالمغادرة».
اثر انهيار هذه الذريعة، تركز الطرح الاسرائيلي الرسمي على مقولة تزعم أن القرارين 242 338 هما مرجعية كافة قضايا الوضع النهائي ومن ضمنها قضية اللاجئين. فقد أكد رئيس وزراء اسرائيل السابق ايهود باراك أن تل ابيب تتمسك بالقرار 242 في ما يتصل باللاجئين بدلاً عن القرار 194. وهناك اصرار اسرائيلي دائم على رفض التعاطي مع هذا القرار الأخير الذي لا يرى فيه الاسرائيليون سوى ذريعة لتدمير دولتهم.
أما رئيس وزراء اسرائيل الاسبق بنيامين نتنياهو فيزعم في كتابه «مكان تحت الشمس» بأنه قد حصل تبادل سكاني كنتيجة طبيعية للحروب وللطرد الذي تعرّض له اليهود من بلدان عربية كانوا يقطنونها. وباستخدام هذه الأكذوبة بوسع اسرائيل رفض قرار العودة والتعويض من دون أن تشعر بعقدة ذنب بسبب سلبها شعباً آخر أرضه وحقوقه. كذلك الأمر بالنسبة إلى زعيم حزب العمل ورئيس الحكومة الإسرائيلية الأسبق شمعون بيريس في كتابه «الشرق الأوسط الجديد»، الذي يحذر من خطورة العودة إلى الخارطة الديموغرافية القديمة في اسرائيل لا سيما على ضوء التكاثر السكاني المتزايد في صفوف «عرب اسرائيل». من هنا يركز قادة المشروع الصهيوني على أهمية تجزئة وتفتيت الشعب الفلسطيني ودمجه في البنى الاجتماعية والاقتصادية للدول المضيفة، وهي سوريا والأردن ولبنان والعراق. كما وان هؤلاء يلجأون إلى توليفات باطلة للقرارات الدولية الخاصة بقضية اللاجئين، خارج اطار تفسير الأمم المتحدة المرتكز على القانون الدولي الانساني وحقوق الانسان وحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره. وطبقاً لما توافر من معلومات حول مفاوضات كامب ديفيد بزعامة الرئيس الأميركي السابق بيل كلينتون بشأن قضية اللاجئين، فإن الاسرائيليين ضغطوا للوصول إلى تفاهم يقوم على عدة نقاط أهمها:
- تبدي اسرائيل أسفها لما حل باللاجئين الفلسطينيين من مآسٍ مع التأكيد على أنها لا تتحمل أية مسؤولية قانونية أو أخلاقية عن أوضاعهم المزرية في المنفى.
- يتشكل بقرار من المجتمع الدولي صندوق لتغطية نفقات حل قضية اللاجئين انسانياً.
- تعلن الامم المتحدة حل وكالة الغوث (الاونروا) وانهاء خدماتها.
- تعلن اسرائيل استعدادها لاستقبال فئة محددة من اللاجئين الفلسطينيين وعلى دفعات من باب لم الشمل، وعلى قاعدة أن هذا الاستقبال يعتبر تطبيقاً للقرار 194 القاضي بالعودة والتعويض.
- يتم توطين اللاجئين حيث هم مقيمون أو نقلهم إلى دولة ثالثة.
أما بالنسبة إلى الفترة التي تسلم فيها الرئيس جورج بوش الابن السلطة في الولايات المتحدة، فيمكن الإشارة إلى موقفين بارزين: الأول، ورد في خطاب الرئيس بتاريخ 24/6/2002 والذي عبر فيه عن «رؤية» للحل حيث جرى الحديث عن «محنة اللاجئين» ومن دون الإشارة إلى القرار 194 أو إلى حق العودة. والثاني جاء في شكل خطة الطريق التي تجاهلت قضية اللاجئين جملة وتفصيلاً وإحالتها إلى مفاوضات الحل الدائم. الأمر الذي شكل تراجعاً خطيراً عن «تفاهمات» كامب ديفيد المشار إليها آنفاً، وجعل من قضية اللاجئين موضوعاً تفاوضياً بين اسرائيل والدولة الفلسطينية المفترضة وليس منظمة التحرير، وبالتالي فهذا يعني أن القضية لم تعد قضية فلسطينية بحتة، بل صارت قضية اقليمية تعني الدولة الفلسطينية وسائر الدول المضيفة للاجئين، الأمر الذي يحوّل هؤلاء إلى مجرّد تجمعات بشرية لاجئة، لا وطن لها ولا حق لها بالعودة إلى هذا الوطن، ويصبح الحل الحتمي البديل هو التوطين أو التهجير.
باختصار يمكن القول إن حل «خارطة الطريق» بخصوص قضية اللاجئين الفلسطينيين، انما يقوم على مبدأ مقايضة مزعومة بين حق العودة واقامة الدولة الفلسطينية. وهي مقايضة بين الحقوق الفلسطينية نفسها وليس بين حقوق فلسطينية «وأخرى اسرائيلية» اذا صح التعبير.