اللامركزية الإدارية في لبنان: من العنوان الجامع إلى القانون الجامع؟

اللامركزية الإدارية في لبنان: من العنوان الجامع إلى القانون الجامع؟
إعداد: د. ريان عساف
أستاذة محاضرة في القانون الدولي – عضو اللجنة الخاصة اللامركزية الادارية – المسؤولة عن الشؤون القانونية سابقًا في رئاسة الجمهورية

المقدمة

اللامركزية الإدارية[1] هي نوع من التنظيم الإداري للدولة الموحّدة يقوم على نقل صلاحيات إدارية من الدولة المركزية إلى وحدات محلية منتخبة مباشرة من الشعب تتمتع بالاستقلالين الإداري والمالي.

على الرغم من شبه الإجماع حول اعتماد اللامركزية الإدارية ولاسيّما بعد ورود هذا البند في اتفاق الطائف، لم يقرّ قانون في هذا الاتجاه لغاية تاريخه. أين أصبح إقرار اللامركزية الإدارية بعد مرور حوالى 25 عامًا على اتفاق الطائف؟ سنعرض في هذه الدراسة مدى إمكان اعتماد المشروع قريبًا مع التوقّف على أسباب المطالبة باعتماده؛ ولكن لابدّ أولًا، وفي ظلّ المزج الذي يتمّ غالبًا بين اللامركزية وكل من مفهومين مختلفين تمامًا ألا وهما اللاحصرية والفدرالية، من الإضاءة على مفهوم اللامركزية الإدارية. وهنا من الضروري الابتعاد عن المغالطات والمزج بين هذه المفاهيم (لدى المواطنين وأيضًا بعض المسؤولين)، والتي تؤثّر سلبًا على اللامركزية وقد تكون في بعض الأحيان ساهمت بعدم الشروع في هذا الاصلاح.

البعض يمزج بين اللامركزية الإدارية والفدرالية (أو كما تسمى من قبل البعض اللامركزية السياسية). اللامركزية تختلف عن الفدرالية. بادئ ذي بدء، الفدرالية نظام سياسي أما اللامركزية فنظام إداري. الفدرالية مصدرها الدستور، وتقوم على توزيع للسلطات بين الوحدات الجغرافية. أما اللامركزية فمصدرها القانون وليس الدستور (وبالتالي ما يعطيه المشرّع بقانون يمكن أن يأخذه بقانون)، وتقوم على منح الوحدات المنتخبة محليًا والتي تتمتع بالاستقلال المالي والإداري، صلاحيات إدارية واسعة.

وعلى عكس اللاحصريّة[2] التي تقضي بتسيير مختلف إدارات الدولة مباشرة بواسطة موظفين تابعين للسلطة المركزيّة ومعيّنين من قبلها في المحافظات والأقضية[3]، تقوم اللامركزيّة الإداريّة على انتخاب هيئات محلّية مختلفة تتمتّع بالشخصيّة المعنويّة وبالتالي بالاستقلال المالي والإداري تدير شؤون الوحدة اللامركزية. بالواقع، اللاحصرية، لا تعدو كونها تمكين موظفين معيّنين (وليس أشخاص منتخبين) من قبل الإدارة المركزية في المحافظات والأقضية، من تقديم خدمات السلطة المركزية للمواطنين في أماكن سكنهم أو إقامتهم وبالتالي إعفائهم من التوجّه إلى العاصمة بيروت (مركز السلطة المركزية) من أجل الحصول على هذه الخدمات. يُدلى أحيانًا أنّ لبنان بحاجة إلى اللامركزية الإدارية لكي يتمكّن المواطن على سبيل المثال من الحصول على سجل عدلي أو إجراء معاينة الميكانيك أو القيام ببعض المعاملات في مكان إقامته. من الواضح أنّ هناك مزجًا في هذا الإطار بين اللامركزية واللاحصرية. فما يقصد به أعلاه ليس لامركزية وإنما لاحصرية. إتفاق الطائف من خلال اللامركزية أعطى اللبنانيين أكثر من مجرّد القيام بمعاملاتهم في وحدات جغرافية. لقد أعطاهم إمكان إدارة وحداتهم من خلال مجالس منتخبة. وتشمل إدارة الوحدات، على سبيل المثال لا الحصر، إمكان إقامة مشاريع ذات طابع إقتصادي، وإنتاج الطاقة وإنشاء الطرقات وصيانتها، فتؤمّن المياه والكهرباء ويتمّ الحدّ من زحمة السير من خلال مشاريع يضعها مجلس القضاء وإمكان اللجوء للشراكة بين القطاع العام والقطاع الخاص لتنفيذها[4].

وفي وقتٍ كان يُنظر إلى اللامركزية كمطلب لفئات معيّنة في البلد، أضحت اللامركزية الإدارية بعد إتفاق الطائف عنوانًا ومطلبًا لبنانيًا جامعًا (أولًا).  ولكن تبرز الحاجة اليوم إلى الانتقال من العنوان الجامع إلى القانون الجامع الذي تعتمد فيه اللامركزية ويُشرَع بتنفيذها (ثانيًا).

 

أولاً- اللامركزية الإدارية: العنوان الجامع

عدّة عوامل جعلت من اعتماد اللامركزية الإدارية عنوانًا جامعًا وحاجة ملحة. فنظريًا وبشكل عام من المتوافق عليه أنّ اللامركزيّة الإدارية تراعي خصوصيّة الحاجات المحلّية وتمايزها إذ إنها ترتكز على التمييز بين المصالح المحليّة والمصالح الوطنيّة، فتترك الحكومة المركزيّة قضية إدارة الشؤون المحليّة لهيئات منبثقة من الشعب في وحدات الإدارة المحلية. للمناطق حاجات تختلف من منطقة إلى أخرى، وأبناء هذه المناطق هم أدرى بحاجاتهم وأقدر على حلّ مشاكلهم من الموظفين الذين تعيّنهم الحكومة المركزية والذين يرتبطون بها مباشرةً، بتسلسل إداري هرمي، ويخضعون في ممارسة وظائفهم للروتين الإداري.

بالإضافة إلى ذلك، تؤمّن الديمقراطيّة في الإدارة؛ فهي نشأت في الأساس كوسيلة لتحقيق التنمية والتوسّع في اعتماد الديمقراطية على المستوى المحلّي. ولكي يكون دور المواطن فاعلاً في انتقاء الإدارة المحلية تقوم اللامركزية الإدارية على فكرة انتخاب الإدارة المحليّة من قبل المواطنين المقيمين ضمن النطاق الجغرافي للهيئة الإدارية المحلية، وبذلك تعتبر اللامركزية الإدارية الأكثر تطبيقًا للديمقراطية في الإدارة. في السياق ذاته، فإن من ضرورات تأمين الديمقراطيّة في الإدارة إعطاء المنتخَبين ليس فقط صلاحيّة وإنما إمكان ممارسة استقلالهم المالي.

بموازاة هذه العوامل، تعزّز اللامركزية الإدارية العلاقة بين المواطن والإدارة؛ فهي تعني إيجاد هيئات إدارية محلية تتولّى بعض المسائل الإدارية في جزء جغرافي محدود ضمن الدولة الواحدة بحيث لا تتعدّى سلطة الهيئة الإدارية اللامركزية حدودًا جغرافية يتأمّن معها قرب المواطن من الإدارة جغرافيًّا.

لكل هذه العوامل والأسباب، أُدرجت اللامركزية الإدارية تحت بند الإصلاحات في الطائف، واعتمدت كعنوان جامع ومعبرٍ نحو الانصهار الوطني الذي يشكّل هدفًا أساسيًا لا يمكن تحقيقه من دون السماح لكل فرد ومجموعة المشاركة بالإدارة بشكل فعّال، إذ إنّ شعور أي مجموعة بعدم القدرة على ذلك، يؤدّي إلى تأجيج العصبيّات الاجتماعية؛ ما يمنع من انفتاح هذه المجموعات بعضها على البعض الآخر، ويعوّق تواصلها وتفاعلها، كما تقتضي بذلك رسالة لبنان وجوهر صيغته الحضاريّة.

 

1- اللامركزية الإدارية: عنوان للإصلاح في اتفاق الطائف

منذ وثيقة الوفاق الوطني العام 1989، واللامركزية عنوان جاذب وحلم قابل للتطبيق ينتظر الكثير من اللبنانيين تحقيقه. ومنذ الطائف لم تعد اللامركزية الإدارية كما ذكرنا مطلبًا لفئة من اللبنانيين بل حاجة وطنية ملحة من أجل تعزيز المشاركة المحلية لجميع الفئات على تنوّعها. ففي الوثيقة، وتحت البند الثالث "الاصلاحات الأخرى"، ورد عنوان اللامركزية الإدارية. مع هذه الخطوة، لم يعد التطرّق إلى اللامركزية يثير الخوف من أن يتلازم تطبيقها أو أن يؤدّي في مرحلة ما إلى انعزال المجموعات اللبنانية وزيادة الشرخ بينها وبالتالي من أن تبعدنا عن مبادئ التعايش والانصهار الوطني التي ينص عليها الدستور. لقد أصبحت اللامركزية معبرًا نحو التنمية وتطوير الحياة الاقتصادية في المحافظات والأقضية، تترك أثرًا إيجابيًا في مختلف الوحدات من تطوير السياحة والاقتصاد والزراعة وغيرها وتنمية المجتمع ونشر التوعية الاجتماعية.

إلا أنه، وبدل أن ينبئ اعتمادها في الطائف بإقرارها سريعًا، ها هي البنود الإصلاحية في الاتفاق ولاسيّما اللامركزية الإدارية لم تأخذ طريقها نحو التطبيق، ومازالت موضع جدل وأخذ وردّ.

فعلى الرغم من أن اللامركزية الإدارية كانت موضع دراسات ومقالات وكتب عديدة من قبل باحثين متخصّصين وناشطين في المجتمع المدني طوال السنوات الماضية، إلّا أن هذا الاصلاح لم يدخل حيّز التنفيذ لغاية اليوم.

بموازاة هذه الدراسات، هناك عدّة مشاريع واقتراحات قوانين جرى تداولها، إلا أنّ أيًا منها لم يسلك دربه إلى الإقرار.

فقد تقدّم النائب أوغست باخوس العام 1995 باقتراح القانون الرامي إلى تعديل قانون التنظيم الإداري وهو اقتراح قانون التنظيم الإداري واللامركزية الإدارية كما عدّلته اللجنة الفرعية المنبثقة عن لجنة الإدارة والعدل النيابية المقدّم العام 1997. وقد أحالت الحكومة مشروع قانون اللامركزية الإدارية والتنظيم الإداري والبلديات والمختارين وإعادة تنظيم وزارة الداخلية المحال إلى مجلس النواب بالمرسوم الرقم 1066 تاريخ 6 آب 1999 (المقدّم من وزير الداخلية آنذاك ميشال المر). كما تقدّم النائب روبير غانم العام 2007 باقتراح قانون بشأن اللامركزية الإدارية تمّت مناقشته في لجنة الدفاع والبلديات في مجلس النواب خلال السنوات الأخيرة الماضية.

هذه المشاريع والاقتراحات جرى تداولها من دون أن تبلغ مرحلة إقرارها من قبل المجلس النيابي.

 

2- الخلفيّة الميثاقية التي تحكم وترعى اعتماد قانون اللامركزية الإدارية في لبنان

إنّ أي مشروع للامركزية الإدارية يجب أن يأتي متوافقًا مع المبادئ التي وردت في الدستور اللبناني ولاسيما في مقدّمته. فما هي هذه المبادئ التي تضمن ميثاقية القانون؟

يجب أن يأتي مشروع اللامركزية الإدارية متوافقًا مع المبادئ التي وردت في الفقرات "ز" "ط" و"ي" من مقدّمة الدستور والمادة الأولى منه.

الهدف الأساس من اعتماد اللامركزية الإدارية هو تحقيق الإنماء المتوازن بين مختلف المناطق. وقانون اللامركزية الإدارية الذي لا يؤمّن الانماء المتوازن فعليًّا، يكون قد ابتعد عن تحقيق غايته وخرق مقدّمة الدستور اللبناني الذي ينصّ في الفقرة "ز" منه أنّ "الإنماء المتوازن ثقافيًا واجتماعيًا واقتصاديًا ركن أساسي من أركان وحدة الدولة واستقرار النظام".

من جهة أخرى، فقد نصّت الفقرة "ط" من المقدمة، أنّ: "أرض لبنان أرض واحدة لكل اللبنانيين (...) فلا فرز للشعب على أساس أي انتماء كان ولا تجزئة ولا تقسيم ولا توطين". بموازاة هذه الفقرة، نصّت المادّة الأولى من الدستور على أنّ "لبنان دولة مستقلة ذات وحدة لا تتجزأ وسيادة تامة". بالتالي إنّ المشروع الذي يتمتّع بخلفية ميثاقية هو المشروع الذي يحافظ على وحدة الدولة بعيدًا من التقسيم، ويتجه إلى إدارة التنوّع ضمن الوحدة.

بالإضافة إلى ذلك، أي مشروع اللامركزية يجب أن يحافظ على العيش المشترك فيأتي بالتالي متوافقًا مع الفقرة "ي" من مقدّمة الدستور التي رفعت الشرعية عن أي سلطة تناقض ميثاق العيش المشترك.

لقد وضعت اللجنة الخاصة باللامركزية الإدارية مشروع قانون اللامركزية الإدارية[5] يحترم كل هذه المبادئ وأتى متوافقًا معها ومنسجمًا مع مفهوم اللامركزية.

 

ثانيًا- اللامركزية الإدارية: نحو القانون الجامع؟

على الرغم من أنّ البيانات الوزارية لحكومات عديدة منذ العام [6]2005 تضمّنت وجوب اعتماد اللامركزية الإدارية تطبيقًا للدستور، إلا أنّه ولأول مرّة، بعد مرور حوالى الخمسة وعشرين عامًا على اتفاق الطائف، وبعد أن ورد عنوان اللامركزية في خطاب القسم لرئيس الجمهورية ميشال سليمان المنتخب العام 2008، وبعد أن عبّر رئيس المجلس النيابي الأستاذ نبيه بري في الخطاب الذي ألقاه في جلسة انتخابه رئيسًا لمجلس النواب في 25/6/2009 عن أهميّة إنجاز قانون اللامركزية الإدارية، صدر قرار عن رئيس الحكومة اللبنانية آنذاك الأستاذ نجيب ميقاتي بالاتفاق مع رئيس الجمهورية، بتشكيل لجنة خاصة باللامركزية الإدارية مهمّتها وضع مسودّة مشروع قانون اللامركزية الإدارية[7].

1- تشكيل اللجنة بقرار من رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة

بتاريخ 7/11/2012 وبموجب قرار صادر عن رئيس الحكومة، تمّ تشكيل لجنة لإعداد مشروع قانون لتطبيق اللامركزية الإدارية. هذه اللجنة وللمرة الأولى بتاريخ لبنان، وضعت مسودّة مشروع قانون اللامركزية الإدارية. كما عقدت اللجنة 47 جلسة عمل في قصر بعبدا، ووضعت مشروعًا يقع في 147 مادة. وقد أنهت اللجنة عملها في شهر نيسان من العام 2014 وتمّ إطلاق المشروع في احتفال أقيم في القصر الجمهوري في بعبدا.

ومن منطلق أنّه حان وقت الانتقال من اللامركزية كعنوان جامع إلى المشروع الجامع، ومن مرحلة البحث باعتماد اللامركزية الإدارية إلى مرحلة تقويم تجربة اعتمادها، وبناء عليه، كيفيّة تطويرها من أجل تلبية حاجات اللبنانيين وتطلعاتهم؛ لكل هذه الأسباب أتى هذا المشروع "الرسمي" فخرق الجمود القائم منذ الطائف في موضوع اللامركزية. ركيزة المشروع، لامركزيّة إدارية حقيقيّة تعطي المجالس المحلّية الاستقلالية المالية والإدارية بكل ما للكلمة من معنى. لامركزيّة تضخّ نشاطًا في المناطق وتؤمّن المشاركة وترفع منسوب الديمقراطية والتمرّس عليها. لامركزية تخلق فرص عمل ومشاريع إنمائيّة فتكون طريقًا إلى الإنماء والاستقرار.

بالإضافة إلى كونه أتى ميثاقيًا ومتوافقًا مع الدستور اللبناني، اعتمد المشروع روحية النص المتعلّق باللامركزية في وثيقة الوفاق الوطني في شكل يلبّي مقتضيات العصر ومتطلباته من دون أن يحمل في طياته تضاربًا أو تعارضًا أو تداخلاً في الصلاحيات وفي الأدوار بين السلطتين المركزية واللامركزية. فتمّ تخطّي ترؤّس القائمقام لمجلس منتخب، كما تم تحويل دور الاتحادات البلدية إلى تعاون محدود في ما بين عدد من البلديات حيث تدعو الحاجة (intercommunalité) فلا تشكّل مستوىً لامركزيًا بحد ذاتها[8].

وفي المشروع حرصٌ على أن تحتفظ الدولة المركزية بحصرية الإمرة والصلاحية في مسائل الدفاع والنقد والخارجية والعدل والتشريع (...) وتقوم بعملية التنظيم والتقنين والتوزيع العادل للموارد ضمن المجتمع، وتراقب وتعمل على تصحيح كل اعوجاج وعلى محاسبة كل انحراف.

 

2- المبادىء الأساسية التي ارتكز عليها المشروع الموضوع من قبل اللجنة الخاصة باللامركزية الإدارية

من الضروري التوقّف عند المبادئ الأساسية التي بني عليها المشروع، ولاسيما أنّها حملت في طياتها العديد من الاصلاحات؛ كما واستعراض آلية انتخاب مجالس الأقضية (وهي الوحدة اللامركزية التي اعتمدها المشروع) وتشكيلها وصلاحياتها.

 

أ-المبادئ الأساسية "الإصلاحية" التي ارتكز عليها المشروع

وفق القانون (في مادته الأولى)، تعتمد الدولة اللبنانية نظامًا لامركزيًا موسّعًا على مستوى مجالس محلّية منتخبة تتمتّع بالشخصية المعنوية وبالإستقلالين الإداري والمالي وتمارس صلاحيات واسعة وتشمل  المجالس البلدية ومجالس الأقضية ومجلس مدينة بيروت. فيكون المشروع قد اعتمد القضاء[9] وحدة لامركزية على أن ينتخب مجلس في كل قضاء يعطى صلاحيات إدارية واسعة جدًا ومالية مستقلة مدعومة بواردات تجيز لمجلس القضاء الاضطلاع بالمهمات العديدة العائدة له. وتجدر الإشارة إلى أنّه لم يفرض المشروع ضرائب ورسوم جديدة (باستثناء الضريبة على الربح العقاري)، إنما أعيد توزيع استيفائها تبعًا لانتقال المهمات من المركز إلى الاقضية.

ألغى المشروع القائمقاميات ووظيفة القائمقام[10] ونقل صلاحيات الأخير إلى مجلس القضاء المنتخب. وقد أبقى على وظيفة المحافظ كصلة وصل بين المناطق والمركز (عبر اللاحصرية)، ووضع عددًا من صلاحيات المحافظ التنفيذية في يد مجلس القضاء المنتخب.

هذا وقد تمّ الحدّ في المشروع من الرقابة المسبقة، ورفع منسوب الشفافية من خلال آليات اطلاع إلزامية ورقابة شعبية ورقابة لاحقة قضائية وضوابط تنفيذية.

من أبرز الإصلاحات التي تضمّنها مشروع القانون، استبدال الصندوق البلدي المستقل بصندوق لامركزي[11] يراعي ضرورات الإنماء المتوازن، ويتمتع بالشخصية المعنوية وبالاستقلالين الإداري والمالي ويخضع لرقابة ديوان المحاسبة المؤخّرة، من دون أي رقابة مسبقة. يتولّى الإشراف على أعمال الصندوق مجلس أمناء منتدبين من مجالس الأقضية والبلديات لولاية محدّدة. يشكّل الصندوق الآلية الأساسية لتأمين ظروف تنموية متكافئة بين مختلف المناطق وردم الهوة تدريجًا بين المناطق الغنيّة والمناطق الفقيرة.

نصّ المشروع على أن تقسّم كتلة الأموال في الصندوق بنسبة 70% لمجالس الأقضية و30% للبلديات.

تقوم مديرية الخزينة والدين العام في وزارة المالية والمؤسسات العامة والخاصة والمختلطة والمصالح المستقلة بتحويل الأموال العائدة للصندوق التي تستوفيها لصالح الأقضية والبلديات، وذلك فصليًّا. ويوزّع مجلس الأمناء حصص الأقضية والبلديات من عائدات الصندوق مرة كل ستة أشهر. من المتوقّع أن تبلغ موازنة الصندوق السنوية ما يقارب 2% من مجموع الناتج المحلي، مقارنةً مع الصندوق البلدي المستقل الذي تشكّل موازنته 0،6% من الناتج المحلي، فيكون لبنان دخل إلى نادي الدول اللامركزية تمويليًا (حيث المعدّل العالمي هو 3%). مصادر تمويل الصندوق الأساسيّة ، هي 25% من الضريبة على القيمة المضافة؛ 10% من إجمالي فواتير الهاتف الخلوي؛ 25% من إيرادات الجمارك؛ 5% من مداخيل شركة اللوتو؛ و25% من رسوم الانتقال على التركات والوصايا[12].

نصّ المشروع، وبخطوة ملفتة، على أن تحدّد حصص الأقضية من إجمالي التسعين بالمئة العائدة لها وفق معدّلات المؤشرات التالية:

-مؤشر واقع التنمية (4/10). هذا المؤشر يتكوّن على سبيل المثال من الواقع الصحي (التغذية، وفيات الأطفال، المؤسّسات الاستشفائية)، الواقع التعليمي (عدد الأطفال الملتحقين بالمدارس..)، الواقع الخدماتي (البنى التحتية، الصرف الصحي، توصيلات المياه والكهرباء، شبكة الطرقات)، الواقع المهني (نسب المؤسّسات التجارية والصناعية والزراعية والسياحية، وقطاع تقنيات المعلوماتية والاتصالات، نسبة البطالة)، واقع أحوال المعيشة للأسر والأفراد. ويناط وضع هذا المؤشر بإدارة الإحصاء المركزي[13] بالتنسيق مع مدير عام الصندوق المركزي.

- مؤشر تحصيل الرسوم سنويًا (4/10)

- مؤشر عدد السكان المسجلين (1/10)

- مؤشر مساحة القضاء (1/10)

وتحدّد حصص البلديات من إجمالي الثلاثين بالمئة العائدة لها وفق الأسس الآتية:

- مؤشر عدد السكان المسجّلين (3/10)

- مؤشر عدد وحدات التكليف (3/10)

 - مؤشر تحصيل الرسوم سنويًا استنادًا إلى الحساب القطعي للبلديات (4/10).

ينص المشروع، على إنشاء هيئة مستقلّة خاصة بانتخابات مجالس الأقضية ومجلس مدينة بيروت. تتمتّع الهيئة بصلاحيات واسعة في مجال الإعداد لهذه الانتخابات والإشراف عليها بجميع مراحلها. بهذا، يتحقّق مطلب الهيئة المستقلة للانتخابات، التي طال انتظارها في قانون الانتخابات النيابية، والتي لم تقرّ لغاية تاريخه، فأتى ضمن إطار اللامركزية الإدارية بانتظار إقراره على مستوى انتخاب أعضاء مجلس النواب.

خصّص المشروع فصلاً كاملاً لموضوع الشراكة بين القطاعين العام والخاص. وتأتي هذه الخطوة في إطار الحرص على الإنماء المحلّي وبالتالي المساهمة بتحقيق الإنماء المتوازن المنصوص عنه في الدستور اللبناني[14].

لحظ المشروع استحداث أجهزة متخصّصة دائمة تعمل بشكلٍ متكاملٍ وتراكمي على توثيق ودراسة وتحليل المعطيات والأرقام والديناميات المرتبطة باللامركزية والحوكمة المحلّية ونشرها ومناقشتها في سبيل تطويرها. هذه الأجهزة هي الجهاز الإحصائي، جهاز الحوكمة المحلية (الذي يعمل انطلاقًا من النتائج والخلاصات الإحصائية، على دراسة أداء السلطات اللامركزية واستخلاص النتائج منها في سبيل تحديد الاحتياجات وإعداد الموارد البشرية وتنمية طاقاتها وقدراتها)، وجهاز المعلوماتية (مهمّته تطوير تكنولوجيا المعلومات على مستوى القضاء، مع ما تقتضيه من خطط وموارد).

وقد أنشأ مشروع القانون، وزارة الإدارة المحلية، لتتولّى المساهمة في تطبيق أحكام قانون اللامركزية، ومعهد مركزي يتولّى إعداد العاملين والشرطة في مجالس الأقضية وتدريبهم.

لقد تضمّن المشروع مادة جوهريّة، تضمن تعزيز اللاحصرية بموازاة اعتماده اللامركزيّة. في الواقع من الضروري التنبّه ألّا يؤدّي العمل على اعتماد اللامركزية الإدارية إلى إهمال العمل على تطوير السلطة المركزيّة وتفعيل أجهزة الرقابة، لأنّ من شروط نجاح اللامركزيّة الإدارية وجود دولة مركزيّة قويّة تدعم اللامركزيّة. فقد نصّ منذ المادة الأولى، على أنّ الجمهورية اللبنانية دولة موحّدة ذات سلطة مركزية تتمثّل في المناطق وفق نظام اللاحصرية المنصوص عليه في القانون. وقد نصّت المادة الثالثة على ما يلي:

"تسهيلا لخدمة المواطنين، تعمل الحكومة، من خلال أطر اللاحصرية، على تأمين الخدمات في المناطق، باستثناء ما يدخل ضمن اختصاص مجالس الأقضية والبلديات، وبما لا يتعارض مع صلاحيات هذه الأخيرة. ولهذه الغاية:

- تتمثّل جميع إدارات الدولة في الأقضية، على أعلى مستوى ممكن، لتسهيل معاملات المواطنين وتلبية حاجاتهم المحلية التي لا تدخل ضمن اختصاص الإدارة المحلية.

- تضع الحكومة خطة لتطوير الإدارات الخدماتية ومكننتها واعتماد نظم الحكومة الإلكترونية (e-government).

- تضع الحكومة خطة شاملة لتحديث الإدارة العامة وتعزيز قدرات الموظفين عبر برامج إعداد وتدريب وتأهيل مستدام.

على الحكومة أن تنجز الخطط والمهمات أعلاه وتضعها حيّز التنفيذ في مهلة أقصاها ثلاث سنوات من تاريخ صدور هذا القانون".

 

ب - آلية انتخاب مجالس الأقضية وتشكيلها وصلاحياتها

كما سبق وأشرنا، نصّ القانون على اعتماد القضاء وحدة لامركزية (المادة الأولى والثانية من المشروع). إن اختيار القضاء يأتي في سياق طبيعي لما للقضاء من شرعية تاريخية، كما في سياق براغماتي نظرًا لما قد يشكّل الدخول في إعادة النظر في التقسيم الإداري من إعاقة لاعتماد مشروع اللامركزية في هذه المرحلة. أما بالنسبة لمحافظة عكار المستحدثة العام 2003 فقد اقترحت اللجنة تقسيمها إلى ثلاثة أقضية (حلبا، ببنين، القبيات) ومحافظة بعلبك الهرمل إلى خمسة أقضية (بعلبك، شمسطار، اللبوة، الهرمل، دير الأحمر).

يدير شؤون القضاء مجلس قضاء يقوم ضمن نطاقه بممارسة صلاحيات عديدة نصّ عليها القانون وسوف نضيء عليها في متن هذه الدراسة.

 

● تشكيل مجالس الأقضية

مجالس الأقضية مؤلّفة من هيئة عامة ومجلس إدارة. في ما يتعلّق بالهيئة العامة ينتخب أعضاؤها بالاقتراع المباشر وفق النظام الأكثري في كلّ من المدن والقرى ضمن القضاء الواحد. وتتمثّل المدن والقرى وفق شطور محدّدة في القانون؛ ما يضمن تمثيلاً صحيحًا. كل مدينة أو قرية يكون عدد أهاليها المسجلّين فيها من شخص واحد إلى 5000 شخص، تتمثّل في الهيئة العامة بعضو واحد. المدينة أو القرية التي يكون عدد أهاليها المسجّلين من ١٠٠٠ إلى 1٠،000 شخص تتمثّل بعضوين ومن 10،00٠ إلى 20،000 شخص بثلاثة أعضاء. ولكلّ شطر إضافي مكتمل من عشرة آلاف شخص عضو إضافي.

وانسجامًا مع مبدأ المساواة المنصوص عليه في الدستور، خصّ المشروع السكان، وهم الأشخاص من غير المسجّلين والقاطنين فعليًا في مدينة أو قرية معيّنة ويثبتون هذا السكن الفعلي خارج قضاء مكان قيدهم لمدّة ست سنوات من دون انقطاع مسدّدين الرسوم والضرائب البلدية المتوجبة، أن يمارسوا حقّ الاقتراع لممثّلين عنهم من السكان يترشحون على مستوى القضاء.

أما مجلس الإدارة الذي ينبثق عن الهيئة العامة فهو مؤلّف من اثني عشر عضوًا، ينتخبون من قبل الهيئة العامة على أساس النظام النسبي واللائحة المقفلة، المكتملة أو غير المكتملة.

وقد تحسّب المشروع للانتقادات التي عادةً ما توجّه للنظام النسبي لما قد يسبّبه من تعطيل لآلية اتخاذ القرارات داخل المجلس نتيجة تواجد اتجاهات سياسية عدة داخل المجلس، فنصّ المشروع على أنّه في حال حصول إحدى اللوائح على الأكثرية المطلقة وما فوق من أصوات المقترعين، تتوزّع المقاعد على اللوائح نسبيًّا. أما في حال عدم حصول إحدى اللوائح على أكثرية مطلقة من أصوات المقترعين، تعطى اللائحة التي حصلت على النسبة الأكبر من الأصوات 51% من مقاعد مجلس الإدارة، وتُوزّع المقاعد المتبقية على اللوائح الأخرى وفق النسب التي نالتها هذه اللوائح.

يضمن هذا التوجّه حسن سير العمل داخل المجلس بالإضافة إلى تمثيل عدة توجهات داخل الهيئة العامة في مجلس الإدارة.

لكل لبناني أو لبنانية أكمل السن المحدّدة في الدستور أن يمارس حقّ الاقتراع شرط أن يكون مقيّدًا في لوائح الناخبين في الدائرة الانتخابية. وقد تمّ اقتراح خفض سن الاقتراع إلى 18 عامًا.

 

● المرشح

لكل لبناني أو لبنانية أتمّ 21 سنة أن يترشّح لعضوية مجلس القضاء إذا كان مقيّدًا في قائمة الناخبين في الدائرة الانتخابية على مستوى القرى والبلدات والمدن، أو في قائمة السكان على مستوى القضاء.

وقد نصّ المشروع على أنّ شرط الشهادة الجامعية هو شرط أساسي للترشّح إلى عضوية مجالس الإدارة في مجالس الأقضية؛ وذلك نظرًا للصلاحيات الواسعة التي يتمتّع بها المجلس والتي تستلزم كفاءات وخبرات معيّنة.

ولابد من الإشارة إلى أنّ المشروع حرص على تعزيز مشاركة الشباب ودورهم فنصّ في خطوة لافتة، في المادة 18 منه، على أنّه يفوز بالانتخاب لعضوية الهيئة العامة، في كل دائرة، المرشح الذي ينال العدد الأكبر من أصوات المقترعين، وإذا تساوت الأصوات يفوز الأصغر سنًّا.

 

● الكوتا الجندرية

لقد عزّز المشروع دور المرأة ومشاركتها من خلال اعتماد الكوتا الجندرية. فلحظ المشروع تطبيق الكوتا الجندرية على مستوى توزيع المقاعد داخل الهيئة العامة، وذلك وفق الآتي: في حال كان عدد مقاعد الهيئة العامة في الدائرة المعنية مقعدًا واحدًا، ألّا تطبّق الكوتا؛ وفي حال كان عدد المقاعد وترًا (رقم غير مزدوج) يعطى عدد مقاعد متساوٍ لكل من الجنسين زائد واحد لأيٍ منهما؛ وفي حال كان عدد المقاعد زوجًا توزّع المقاعد مناصفةً بين الجنسين. وقد حدّدت مدة تطبيق الكوتا الجندرية بأربع دورات إنتخابية اعتبارًا من تاريخ صدور القانون.

أما على مستوى مجلس الإدارة فيجب ألّا يقل عدد أعضاء أحد الجنسين عن 30% من مجموع المقاعد التي يتألف منها المجلس قانونًا.

وبطبيعة الحال، يطبّق مبدأ الكوتا الجندرية، عند إعلان النتائج، ضمن حدود ما يتوافر من مرشحين من كلا الجنسين.

 

● صلاحيات مجلس القضاء

إنّ تقويم أي قانون للامركزية الإدارية، يمرّ حكمًا بمستوى الصلاحيات الممنوحة للوحدات المحلية ومداها. ففي صلب أي اعتماد للامركزية، منح هذه الوحدات المنتخبة صلاحيات إدارية واسعة لتتمكّن من إدارة المنطقة أي القضاء في المشروع موضوع الدراسة.

لقد منح مجلس إدارة القضاء الذي يتولّى السلطة التنفيذية في مجلس القضاء، صلاحيات واسعة في المشروع عدّدتها المادة 55 من المشروع بإسهاب؛ أهمّها:

- وضع خطة استراتيجية وتعديلها لتنمية القضاء (وعرضها على الهيئة العامة للموافقة عليها)، وإعداد الدراسات اللازمة لذلك.

- تخطيط أشغال وتنفيذها وتطوير البنى التحتية بما فيها السدود والبحيرات ومجاري الأنهر وإنتاج الطاقة، والمشاريع الخدماتية و/أو الانمائية و/أو الاستثمارية، وإدارتها مباشرة أو بواسطة الغير.

- إقامة مشاريع إنتاجية و/أو استثمارية لها طبيعة اقتصادية وذات منفعة عامة، تشمل: الدراسات، والتصاميم، ووضع دفتر الشروط، والإنشاء، والإدارة، والتطوير، والترميم، والتأهيل، والتجهيز، والصيانة.

- حماية البيئة والثروة الحرجية بالتنسيق مع البلديات المعنية واتخاذ التدابير اللازمة لهذه الغاية.

- وضع خطة للتنمية السياحية على مستوى القضاء وتنسيق المبادرات العامة والخاصة في هذا المجال، وتعزيز الإعلام السياحي.

- وضع خطة للتنمية الثقافية وحماية التراث والإرث الثقافي والآثار بعد استطلاع رأي الإدارات المختصة.

- المساهمة في تطوير تكنولوجيا المعلومات على مستوى القضاء.

- تخطيط الطرق الواقعة ضمن نطاق القضاء وإنشائها وتقويمها وتوسيعها وصيانتها، باستثناء الطرق الدولية والطرق المحلية الواقعة ضمن نطاق بلدية واحدة.

- إنشاء الحدائق والساحات العامة والملاعب والمجمّعات الثقافية والرياضية والترفيهية.

- وضع التصاميم العائدة للقضاء والمخطّط التوجيهي العام بالتعاون مع المديرية العامة للتنظيم المدني وبعد موافقة البلديات، كلّ ضمن نطاق القضاء.

- إقتراح تعديل الخطة الشاملة لترتيب الأراضي ضمن نطاق القضاء.

- إنشاء الأجهزة المختصّة لتمكين مجلس القضاء من ممارسة المهمات الموكلة إليه (على سبيل المثال جهاز السلامة المرورية وجهاز الشراكة بين القطاعين العام والخاص ...).

بالإضافة إلى هذه الصلاحيات، ينص المشروع على أنّه لمجلس الإدارة أن يقدّم توصياته في المواضيع ذات المصلحة العامة للقضاء والتي تخرج عن اختصاصه.

قرارات مجلس الادارة نافذة بذاتها دونما حاجة لأي تصديق أو موافقة من أي مرجع كان، باستثناء القرارات المتعلّقة بمقتضيات الأمن الوطني وبحماية المواقع الأثرية وبالمخططات التوجيهية العامة والتصاميم التفصيليّة ونظام البناء والإفراز التابعين لها، لكامل القضاء أو لجزء منه. في هذه الحالات تحال قرارات مجلس الإدارة مباشرة إلى المرجع المختص لإبداء الرأي الذي عليه إبداء رأيه خلال فترة زمنية محدّدة.

أما الهيئة العامة، التي تتولّى انتخاب رئيس ونائب رئيس وأعضاء مجلس الإدارة الذي يستمدّ شرعيّته التمثيلية منها، فتشارك في إدارة شؤون القضاء من خلال مصادقتها على القرارات الأساسية التي يتخذها مجلس الإدارة. بالإضافة إلى ذلك، تمارس الهيئة العامة دورًا رقابيًا على مجلس الإدارة  ولاسيما من خلال طرحها الثقة بمجلس الإدارة أو برئيسه أو بنائب الرئيس.

وللهيئة العامة أن تشكّل لجانًا إستشارية متخصصة لإبداء الرأي وتقدّم الاقتراحات والتوصيات لكل من الهيئة العامة ومجلس الإدارة.

بموازاة الحرص على منح مجالس الأقضية صلاحيات إداريّة واسعة، عالج المشروع موضوع تأمين الموارد الماليّة اللازمة لتمكين المجلس من ممارسة صلاحياته.

 

● مالية مجالس الأقضية

لقد جرى نقل صلاحيات ومهمات واسعة من السلطة المركزية إلى مجالس الأقضية. وهذا الأمر يستتبع تأمين الموارد المالية اللازمة لممارسة هذه الصلاحيات.

تمّ رفع نسبة إنفاق الإدارات المحلية (بلديات وأقضية) من إجمالي إنفاق الحكومة المركزية إلى حدود 25% كحدّ أدنى؛ في الوقت الذي لا تتعدّى نسبة إنفاق الإدارات المحلية المحصورة بالبلديات واتحاداتها الـ7% من نسبة الانفاق المركزي، وهي نسبة اتضح من الممارسة أنّها غير كافية.

يتم تأمين 40% من هذا المبلغ من خلال الصندوق اللامركزي و60% منه من خلال الضرائب المباشرة وغير المباشرة والرسوم وموارد أخرى. تستوفي مجالس الأقضية، بصورة مباشرة، لبعض الضرائب والرسوم التي تستوفيها خزينة الدولة حاضرًا، وذلك وفق انتقال مهمات وصلاحيات من الأخيرة إلى الأولى.

تجدر الإشارة إلى أنّ المشروع عدّد في المادة 78 منه واردات القضاء، ونذكر منها على سبيل المثال لا الحصر:

 - مداخيل المشاريع التي يستثمرها القضاء مباشرةً، وحصّته من المشاريع التي يشارك في استثمارها.

- 20% من جداول التكليف العائدة لضريبة الدخل بالنسبة إلى المكلّفين المسجّلين ضمن القضاء.

- 50% من رسوم التسجيل الإداري بالنسبة إلى العقارات الواقعة ضمن نطاق القضاء.

- الضريبة على الربح العقاري في حال التفرّغ عن عقار غير مبني (التي استحدثها مشروع القانون).

 

● الرقابة على مجالس الأقضية

من منطلق أنّه لا يمكن منح صلاحيات من دون فرض رقابة على ممارسة هذه الصلاحيات، نصّ المشروع؛ بالإضافة إلى الرقابة الشعبية التي يمارسها الشعب مباشرةً من خلال انتخاب الهيئة العامة والرقابة الداخلية التي تتمثل بحقّ الهيئة العامة في طرح الثقة بمجلس الإدارة كاملاً أو برئيس المجلس أو بنائبه أو بأحد أعضائه أو من خلال إحالة أي من أعضاء مجلس الإدارة على الهيئة التأديبية الخاصة بمجالس الأقضية؛ نصّ المشروع على رقابة للسلطة المركزية وقدرتها على حل مجالس إدارة الأقضية، في حال مخالفة مجلس إدارة القضاء أحكام الدستور، على أن يعلّل مرسوم الحل الذي يتخذ في مجلس الوزراء ويبقى قابلاً للطعن أمام مجلس شورى الدولة.

 

● الوضع المميَّز لمدينة بيروت

اعتبرت اللجنة أنّ التفكير في تطبيق اللامركزية الإدارية في مدينة بيروت تحكمه مبادئ ومعطيات أساسية يجب احترامها والانطلاق منها للتوصّل إلى طرح صيغة تلائم دور العاصمة وموقعها ورمزيّتها على المستوى الوطني من ناحية أولى، على ألا يتعارض ذلك جوهريًا مع المبادئ والمنطلقات والمعايير اللامركزية المعتمدة في باقي المناطق من ناحية ثانية[15]. وقد اعتبرت أنّ أي حلّ يجب أن ينطلق من ضرورة الحفاظ على وحدة العاصمة الجغرافية وتطابق الإطار الجغرافي للبلدية والمحافظة (التي لا أقضية لها)، تأمين المشاركة الفعليّة لجميع أبناء العاصمة (من مسجّلين وسكّان) على مستوى التمثيل وفي عمليّة اتخاذ القرارات، ومراعاة موقع محافظ مدينة بيروت وصلاحياته.

في المقابل يدير شؤون مدينة بيروت مجلس يسمّى "مجلس مدينة بيروت" (الموازي لمجلس القضاء في سائر المناطق) يتألف من هيئة عامة ومن مجلس إدارة، من دون تقسيم العاصمة، فيعبّر المجلس في تكوينه عن تلك الوحدة، مع مراعاة التنوّع القائم في المدينة وضرورة أن ينسحب تمثيلاً على مستوى المجلس.

ولهذه الغاية، يلحظ مشروع القانون انتخاب عدد محدّد من الممثلين على مستوى كل حي من أحياء بيروت التاريخية الإثني عشر[16] يجتمعون في مجلس مدينة بيروت، فيشعر الجميع أنهم جزء من المعادلة من دون أن يخرق هذا النظام وحدة العاصمة. وفور انتخابه، يحلّ مجلس مدينة بيروت محلّ بلدية بيروت.

تنتخب كل دائرة خمسة ممثلين عنها في الهيئة العامة بالاقتراع العام المباشر من بين المسجّلين المقيّدين في سجلاّت النفوس العائدة للدائرة المعنية المستوفين شروط الترشّح، كما ينتخب السكّان في هذه الدائرة ممثلاً واحدًا عنهم. بالتالي، فإن الهيئة العامة تتألّف من 72 عضوًا.

أما مجلس إدارة مدينة بيروت، فيتألف من إثني عشر عضوًا، يتمثل فيه كل حي بعضو واحد، ويعتبر حكمًا فائزًا بعضوية مجلس الإدارة عن كل دائرة المرشّح الذي يحصل على العدد الأكبر من أصوات المقترعين فيها.

تكون كامل الصلاحية والمسؤولية التنفيذية للسلطة اللامركزية المنتخبة، فيما يحتفظ المحافظ، بصفته ممثلاً للسلطة المركزية (اللاحصرية)، بحقّ حضور إجتماعات مجلس الإدارة (دون التصويت) والاطلاع على أعماله وطلب إعادة النظر بقراراته بكتاب معلّل، وبحق طرح المواضيع على جدول أعمال مجلس الإدارة للمناقشة.

بعد أن أنهت اللجنة الخاصة باللامركزية عملها وأكملت مهمّتها وقدّمت المشروع الذي وضعته مرفقًا بالتقرير إلى رئاسة مجلس الوزراء، يُنتظر أن يتمّ إدراج المشروع على جدول أعمال مجلس الوزراء، لمناقشته وإقراره وتحويله إلى مجلس النواب، بموجب المادة 65 من الدستور، هذا وتحتاج المواضيع الأساسية إلى موافقة ثلثي عدد أعضاء الحكومة المحدّد في مرسوم تشكيلها. وتعتبر مواضيع أساسية: "...الخطط الإنمائية الشاملة والطويلة المدى،...، إعادة النظر في التقسيم الإداري...".

بالتالي، يحتاج مشروع قانون اللامركزية الإدارية إلى موافقة ثلثي عدد أعضاء مجلس الوزراء لإقراره من قبل الحكومة. أما في مجلس النواب، وفق المادة 34 من الدستور، يكون النصاب الأكثرية من الأعضاء الذين يؤلّفونه، ويتخذ القرار بغالبية الأصوات.

يبقى أن نأمل أن تتوافر الإرادة الجامعة لاعتماد المشروع فيقرّ في مجلس الوزراء ومجلس النواب الذين تقع على عاتقهما مسؤولية أساسيّة.

 

الهوامش

[1]-     حول اللامركزية الادارية في لبنان يراجع: د. خالد قباني، "اللامركزية ومسألة تطبيقها في لبنان"، منشورات عويدات، 1982؛ "المركزية واللامركزية والمشاركة الشعبية"، سلسلة الشأن العام في قضايا الناس – حاجات وأبحاث تخطيط واستشراف- وقائع المؤتمر التاسع المنعقد في دير سيدة الجبل فتوح كسروان تاريخ 15⁄3⁄1996، منشورات جامعة سيدة اللويزة 1996؛ "اللامركزية في لبنان: الاشكالية والتطبيق"، 1996، المركز اللبناني للدراسات.

 

[2]-     حول اللاحصرية والمركزية في لبنان، يراجع د. خالد قباني، "المركزية واللامركزية والمشاركة الشعبية"، ضمن كتاب "المركزية واللامركزية والمشاركة الشعبية"، المذكور أعلاه، ص. 103؛ وللكاتب نفسه، "مؤشرات ودرجة المركزية واللامركزية في النظام الإداري اللبناني"، ضمن كتاب"اللامركزية في لبنان: الاشكالية والتطبيق"، المذكور أعلاه، ص. 69.

 

[3]-     يتطرّق الدكتور خالد قباني في مداخلته "مؤشرات ودرجة المركزية واللامركزية في النظام الإداري اللبناني"، المذكور أعلاه، إلى الإدارة المحلية في وجهها المركزي وفي وجهها اللامركزي، ويعتبر أنّ البلديات هي إحدى التطبيقات العملية لمبدأ الإدارة المحلية أو اللامركزية الإدارية؛ والمحافظات والأقضية تُعدّ إحدى التطبيقات العمليّة للإدارة المركزية على الصعيد الاقليمي والمحلي، لمبدأ المركزية النسبيّة أو اللاحصرية الإدارية.

 

[4]-     يراجع أدناه، القسم الثاني من الدراسة.

 

[5]-     المشروع الموضوع من قبل اللجنة الخاصة باللامركزية الإدارية المشكلة بموجب قرار صادر عن رئيس مجلس الوزراء بتاريخ 7⁄11⁄2012.  يمكن الاطلاع على المشروع على الموقع الالكتروني الخاص به:

 www.decentralization-lb.org

 

[6]-     ورد في خطاب القسم للرئيس سليمان: "إن الإنماء المتوازن، ركن أساسي من أركان وحدة الدولة، واستقرار النظام، ونرى في تطبيق اللامركزية الإدارية الموسّعة، عنصرًا مهمًا لهذا الإنماء، لرفع الغبن عنه، وإصلاح التفاوت الاجتماعي والاقتصادي والثقافي بين المناطق".

 

[7]-     تألّفت اللجنة من كل من: الوزير السابق زياد بارود (رئيسًا)، الوزير السابق سامي منقارة، الأستاذ ريمون مدلج، د. ريان عساف، الأستاذ عطالله غشام، د. نهى الغصيني، السيد خليل الحجل، د. كرم كرم، د. سامي عطالله، د.عثمان دلّول الذي توفاه الله خلال عمل اللجنة، وساهم القاضي زياد أيوب في جانب من جلسات اللجنة.

 

[8]-     المادة 141 من المشروع تنصّ على أنّه: "خلال مهلة سنة على الأكثر من انتخاب مجلس القضاء، تلغى اتحادات البلديات القائمة في القضاء، والمنصوص عليها في الفصل السابع من المرسوم الاشتراعي رقم 118 تاريخ 30⁄6⁄1977...". وتنصّ المادة 140 من المشروع على أنّه "يجوز لأي بلدية أو قضاء أن يقوم بمشاريع بالاشتراك مع بلديات وأقضية أخرى و⁄أو مع أي طرف من القطاع العام و⁄أو مع القطاع الخاص بمختلف مؤسساته و⁄أو الجمعيات والمنظمات غير الحكومية و⁄أو المنظمات الدولية، ...".

 

[9]-     تمّ الابقاء على التقسيم الإداري الحالي للأقضية.

 

[10]-    المادة 132 من المشروع: "فور انتخاب مجالس الأقضية المستحدثة ... تلغى وظيفة القائمقام، وكذلك القائمقاميات وأجهزتها".

 

[11]-    الباب السابع من القانون. المادة 89 وما يليها.

 

[12]-    مراجعة التقرير المرفق بالقانون، حول الصندوق اللامركزي ولاسيما آلية توزيع الأموال والمؤشرات المعتمدة.

 

[13]-    الجهاز الاحصائي، من خلال تعاونه المباشر بشكل أساس مع إدارة الإحصاء المركزي ومع الصندوق اللامركزي والمؤسسات العامة والخاصة، يقوم بجمع جميع المعلومات والأرقام ذات الصلة وتحليلها وفي ذلك تعزيز لحق الوصول إلى المعلومات.

 

[14]-    خصّص المشروع الباب الثامن للشراكة بين القطاع العام والقطاع الخاص. وتجدر الإشارة في هذا الاطار، إلى أنّ قانون الشراكة بين القطاعين العام والخاص لم يُقرّ لغاية تاريخه في لبنان.

 

[15]- يراجع التقرير المرفق بالمشروع، ص. 48.

 

[16]-    الأحياء الاثني عشر هي التالية: الأشرفية، الرميل، الصيفي، الباشورة، المدوّر، المرفأ، رأس بيروت، ميناء الحصن، دار المريسة، المزرعة، المصيطبة، زقاق البلاط.

 

Administrative decentralization in Lebanon: from a common title to a common law? Shedding the light on the draft law of administrative decentralization

In the Document of National Accord, the title “Administrative Decentralization” is mentioned under clause 3 “Other reforms”. Since that time, this title has become a national common demand. Even though since 2005 the ministerial statements of several governments have included the necessity to adopt the concept of administrative decentralization in conformity with the Constitution, this reform wasn’t implemented up until this day. On 7/11/2012 and for the first time after 25 years since the Taef agreement, the Lebanese Prime Minister, in agreement with the President of the Republic took the decision of forming a committee charged with putting forward a draft law of administrative decentralization. This article sheds light on this project as to the possibility of shifting in the near future from a common title to a common law at the level of adopting administrative decentralization.

La décentralisation administrative au Liban: d’un titre commun à une loi commune? La mise en valeur du projet de loi sur la décentralisation administrative

Dans le pacte de l’accord national, et comme dispose l’article 3 «les autres réformes», le titre de la décentralisation administrative a été mentionné, et depuis, son adoption fut un titre et une demande nationale unanime. Cependant, malgré les différentes déclarations ministérielles, issues depuis l’année 2005 et qui ont mis l’accent sur la nécessité d’adopter la décentralisation administrative appliquant ainsi les dispositions de la Constitution, cette réforme n’est toujours pas entrée en vigueur. Le 7/11/2012, et pour la première fois après environ 25 années de l’accord de Taef, une décision fut prise par le Premier Ministre, en concertations avec le Président de la République, de former un comité ayant la mission de mettre un avant- projet de loi concernant la décentralisation administrative. Cet article met l’accent sur ce projet au niveau de l’adoption de la décentralisation administrative d’un titre commun à une loi commune.