تربية وطفولة

اللغة ثروة فكيف نساعد الطفل على اكتسابها؟
إعداد: كارلا حداد - ماري حصري

دورها يتخطى التواصل إلى تكوين الفكر وتحفيز الإبداع

الطفل بنية جسدية تحتاج إلى الغذاء كي تنمو، وبنية عقلية تحتاج إلى اللغة والعلم كي تتبلور.
تتطور شخصية الطفل فينتقل من مرحلة التمحور حول الذات والإدراك السطحي، إلى مرحلة الموضوعية وإدراك العلاقة بينه وبين الراشدين وبينه وبين اللغة. وهذا التطوّر لا يتحقق بشكل تلقائي بل من خلال التدريب على النطق الذي يتم اكتسابه عبر عدة مراحل.
الدكتور أنطوان طعمة أستاذ في كلية التربية - الجامعة اللبنانية (اختصاص تربية)، تحدث الينا عن تطور اللغة عند الطفل وعن دور كل من الأهل والمدرسة في هذا المجال.

 

المرحلة الجنينية
تبدأ مرحلة اكتساب اللغة عند الطفل بحسب الدكتور طعمة قبل الولادة أي في المرحلة الجنينية، والجنين يتفاعل مع لغة الأم ومع نغمات صوتها، يميّز بينه وبين أصوات ولغات أخرى ويبدأ بإختزان الأصوات بالإصغاء إليها، فالطفل قبل أن يكون مرسل لغة هو متلقي لغة، وصوت أمه يشعره بالارتياح والرضى.

 

الاستعداد للتعبير اللفظي
بعد المرحلة الجنينية أي عند الولادة تأتي مرحلة الصراخ، والصراخ هو أول تجلٍٍ للصوت الذي يشكّل المادة الأساسية للكلام واللغة. وفي هذه المرحلة يبدأ الولد «بالمكاغاة والمناغاة» وبالاستعداد للتعبير باللغة، وهنا تبرز بحسب الدكتور طعمة أهمية تفاعل الأهل والمحيط مع الطفل والتكلم إليه، خصوصاً أنه لا يلتقط الكلمات صحيحة، وعليهم دائماً التصحيح له ولفظ الكلمات كاملة وواضحة لئلا يعتاد على النطق بكلمات ناقصة ومشوّهة.
في هذه المرحلة يتم التمييز بين اللغة الخاصة بالطفل وبين لغة المجتمع المحيط به، ومن المهم أن ينتقل من لغته الخاصة إلى لغة محيطه.

 

الكلمة الأولى
بعد مرحلة المناغاة واختزان لغة الأم والمحيط، يبدأ الولد بلفظ الكلمات فيعبر من خلال رمز لغوي مفرد. وتكون كلماته الأولى مختصرة وناقصة، وتسميته للأشياء والأشخاص والأفعال خاصة به.
في عمر السنة والنصف تقريباً ينتقل الطفل إلى مرحلة ربط كلمتين الواحدة بالاخرى وهي الأهم في نمو الطفل اللغوي، إذ تشكل المدخل للغة الحقيقية التي يبدأ فيها الطفل بالتعبير بالجُمَل. ولفت الدكتور إلى أنّ هناك أطفالاً متقدّمين في نموّهم اللغوي قد يصلون إلى مرحلة الجملة قبل بلوغهم السنة والنصف، في حين أن هناك من يتأخرون إلى ما بعد هذا العمر.
فقد يعبر بعض الأولاد بواسطة الاشارة أو الرسم أو الرقص قبل الكلام، بينما يعاني آخرون إعاقة في السمع أو في النطق. ومن العوامل التي تؤثر في تقـدّم القـدرة على الكلام: تواصـل الأهــل مع الطفـل بالتكـلم إليه، إسمـاعه الاغاني... «فلا يكفـي إعطاء الولد الحيـاة بل يجـب إعطـاؤه أيـضاً الثقافة والتواصل».

 

دور الحضانة
في هذه المرحلة ينتقل الطفل إلى الحضانة التي لفت الدكتور طعمة إلى أنها تدفع بالولد إلى التواصل مع المجتمع فيعي أنه عضو وفرد فيه، عليه الاستماع إلى الآخرين والتعبير لهم، كما يساعده هذا الواقع على الانتقال من لغته الخاصة إلى لغة مجتمعه.
وهنا أشار الدكتور طعمة الى أهمية دور الجد والجدة في تنمية اللغة عند الطفل، إذ أنهم يملكون الوقت للإهتمام به، إلى الصبر والخبرة، كما أن الطفل يصغي اليهم، ويتواصل معهم ويرغب بالاستماع إلى قصصهم.


الانتقال إلى المدرسة
بعد الحضانة ينتقل الولد إلى المدرسة حيث ينفتح على محيط أوسع من منزله، يبني صداقات ويتعرّف إلى معلمته التي تشكل بالنسبة إليه وجهاً آخراً لأمه. كما يتعلم الولد المشاركة، يكتشف كل ما كان يجهله، يبدي سهولة في التعلّم وسط المجموعة ويكتسب القراءة، الكتابة، الحساب، الخطّ، لغات أجنبية، وبعض المهارات كترتيب كتبه، والوقوف في الصف، والطاعة، والاصغاء، والاستئذان...
وشدّد الدكتور طعمة على أهمية إبقاء الطفل في وسط يتكلم اللغة السليمة لتنمية سلوكه اللغوي، بالاضافة إلى أهمية الإقبال على القراءة والمطالعة، والتعبير الشفوي والمحادثة والكتابة.

 

معوقات النطق
في ما يختصّ بالتأخر عن النطق وبعيوب الكلام وسبل معالجتها، أوضح الدكتور طعمة أن هناك ثلاثة أنواع من الإعاقات والتعثرات. الإعاقة الأولى هي فيزيولوجية، وتكون في السمع وفي النطق أو في كليهما، لذلك يجب أن تكون الأم متيقظة جداً لاكتشاف أي خلل لدى طفلها. وفي هذه الحالة يمكن اللجوء إلى إختصاصي (مقوّم النطق) كما يمكن للأهل والمعلمة مساعدة الطفل الذي يعاني خللاً سمعياً أو لفظياً.
الإعاقة الثانية هي تكوينية، كالخجل مثلاً ويمكن معالجتها في المنزل وفي المدرسة بتعزيز ثقة الولد بنفسه وتوفير الاحترام له. وقد تكون هذه الإعاقة مرتبطة بخوف ما أو بحاجة إلى العاطفة والتعبير، أما إذا تحولت هذه الحالة إلى مرض فلا بد من استشارة طبيب نفسي.
الإعاقة الثالثة نفسية، حيث أن هناك بعض الأولاد الذين يرفضون الكلام أو يتعثرون به أو يخلطون بين الكلمات بسبب ظروف إجتماعية أو نفسية، والبعض الآخر يرفض الكلام للفت الأنظار، وهنا أيضاً تضطلع المدرسة بدور هام في انتشال الطفل من هذه المشاكل بالاضافة إلى استشارة طبيب نفسي.
في هذا السياق لفت الدكتور طعمة إلى ضرورة التمييز بين الاعاقة التي يمكن معالجتها بواسطة مختص وبين تلك التي تحتاج إلى مساعدة المدرسة وهذه مهمة المرشد النفسي التربوي الذي يجب أن يكون موجوداً في المدارس كافة.

 

اللغة الأم والتعدد اللغوي
يشدد الدكتور طعمة على أهمية اللغة العربية وأهمية البدء بتعليمها للطفل في لبنان فهي «لغته الأم»، من جهة أخرى أثبتت الأبحاث أن الولد يستطيع تعلّم أكثر من لغةٍ خلال الطفولة الأمر الذي يصبح أكثر صعوبة في سن المراهقة، لذلك يجب تنظيم اللغات وعدم الخلط في ما بينها بتوزيعها بين الاهل بشكل سليم.
إذاً يستطيع الطفل تعلم أكثر من لغة في الطفولة شرط أن تؤمن له الظروف الطبيعية والقويمة، ولفت طعمة إلى أن الذين يتعلّمون العربية ثم الفرنسية ثم الإنكليزية يشعرون بارتياح وسهولة أكبر.

 

اللغة «ثروة»
في النهاية ختم الدكتور أنطوان طعمة بالتشديد على ضرورة تنمية ملكة اللغة عند الأولاد، خصوصاً «اللغة الأم». ولفت إلى أن التعبير اللغوي عند الطفل يكون على مستويات، تراوح بين الحد الأدنى والحد الممتاز. لذلك دعا الأهل إلى مساعدة أولادهم للتميُّز في التعبير، فإذا اكتفوا بالحد الأدنى ينمو الطفل بلغة محدودة.
أخيراً وصف الدكتور اللغة بالثروة، فهي ليست فقط أداة إتصال بل أداة لتكوين الفكر وأداة إبداع، مؤكداً أن تنمية هذه الملكة عند الولد تنمي قدرته على فهم ما بين السطور، فهم الكلام الصادق من الكاذب، الكلام المستقيم من الكلام المتلاعب والكلام الواضح من الكلام المقتبس.

 

من الأشهر الأولى إلى ما بعد البلوغ
إن القدرة على اكتساب اللغة عند الطفل تكون في قمة نشاطها قبل السنة وتستمر إلى ما بعد سن البلوغ. وجلُّ الكلمات التي يكتسبها الطفل قبل ولوجه المدرسة هي ذات مدلولات حسية، ومرتبطة به ارتباطاً وثيقاً كالوسط الذي يعيش فيه.


عوامل مؤثرة

العوامل المؤثرة في النمو اللغوي وتعلّم الكلام:
 

• الجنس: فقد لوحظ أن الإناث يتفوقنَ على الذكور في كل جوانب اللغة، فيتكلمّن بشكل أسرع وهنّ أكثر تساؤلاً وأحسن نطقاً.
 

• الذكاء: تعتبر اللغة مظهراً من مظاهر نمو القدرة العقلية العامة والطفل الذكي يتكلم مبكراً بالنسبة إلى الطفل الأقل ذكاءً.
 

• المحيط الإجتماعي: يعتبر المحيط الإجتماعي بسماته الثقافية والإقتصادية من أهم العوامل المؤثرة على تعلم النطق والكلام لدى الطفل، حيث أن النمو اللغوي يتأثر بالخبرات وباختلاط الطفل بالراشدين في أثناء مراحل نمو السلوك اللغوي.
 

• العوامل الجسدية: ومنها سلامة جهاز الكلام واضطراباته وكذلك كفاءة الحواس ولا سيّما السمع.
 

• وسائل الإعلام: تؤدي وسائل الإعلام من إذاعة وتلفزيون دور المثير المنبه لغوياً ما يساعد على النمو اللغوي السليم.
 

• الوظائف العليا للدماغ: كالذاكرة والإدراك وتحقيق الذات.


اللغة من فم العاملات الأجنبيات
تعطي العاملات الأجنبيات الطفل، اللغة مشوّهة، فقيرة وناقصة إذا لم تكن تتقنها، ما يؤثر سلباً على نموّه اللغوي، خصوصاً عندما تحل مكان الأم.

• الأسرة: وهنا يبرز دور الوالدين في تلقين الطفل وتعليمه والتكلم إليه كما أنّ وجود أطفال آخرين مع الطفل في الأسرة يسهّل نمو سلوكه اللغوي.