صحة ووقاية

اللقاحات وقاية ضرورية للصغار وأحياناً للكبار أيضاً
إعداد: الدكتورة ندى الخوري

أطفالنا بهجة حياتنا وزينة حاضرنا وأمل مستقبلنا, والعناية بهم من أوجب واجباتنا كالغذاء والكساء والمسكن, ولا سيما في ما يتعلق بالأمور الصحية وضرورة تجنيبهم كل مسببات الأمراض التي تقضي سنوياً على ما يقارب الخمسة ملايين طفل في العالم (حسب إحصاءات 1997). ويمكن تفادي الكثير من هذه الأمراض بواسطة التلقيح, لذلك عمدت المنظمة العالمية للصحة OMS)) الى تنظيم سياسة تلقيح شاملة لحماية الأطفال والكبار من الأمراض الفتّاكة المعدية, والقضاء عليها, خصوصاً في الدول النامية, ويُقدّر عدد جرعات اللقاحات التي تعطى في العالم, بخمسين جرعة في الثانية الواحدة.

 

المناعة وأنواع اللقاحات

أول من اكتشف اللقاح ضد الجدري, هو ادوار جينير عام 1796, وفي عام 1886 اكتشف لويس باستور اللقاح ضد الكلب, وأجرى تجاربه على الحيوان أولاً, حتى أثبت بالتجربة والإختبار علم المناعة عند الإنسان وحقيقة الأمراض المعدية وكيفية الوقاية منها, بحقن الجسم بجراثيم مخففة تكسبه المناعة ضد المرض والحماية منه. وتوالت على مدى قرن ونيّف التجارب والإختبارات وتم اكتشاف سائر اللقاحات: ضد السل عام 1892 والتيفوئيد عام 1896 والشاهوق عام 1923 والكزاز والخانوق والزكام عام 1936. وقد تمّ أول تلقيح فعلي ضد الشلل والشاهوق والخانوق في فرنسا عام 1955 وضد الحصبة عام 1958 وضد النكاف (أبو كعيب) والحصبة الألمانية عام 1969 والتهاب الكبد B عام 1976.
بفضـل هذا النظـام الصحـي العالمـي الشامـل والمستمـر تم القـضاء على أمراض كثيرة منها مرض الجدري الذي قضي عليه كلياً في أيار 1980, ومن المتوقع قريباً القضاء على مرض الحصبة, كما أن العام 2001 كان أُعلن عام القضاء التام على مرض الشلل عند الأطفال.
مع تطوّر العلم تطوّر علم الوقاية والمناعة وتركيب اللقاحات المتنوّعة التي تحمي الأجسام من الأمراض. ويتألف جهاز المناعة في جسم الإنسان من نوعين للخلايا الدفاعية. بفضل هذا يستطيع الجسم الدفاع عن نفسه كلما تعرّض لجرثومة المرض الذي كان قد ألمّ به سابقاً, لذلك لا يصاب الجسم إلا مرة واحدة بالمرض الذي يسمى “موسمياً”.
أما اللقـاح فهـو ينشط الخلايا التي تمكّن الجسم من تفادي المرض. وهنا تبرز أهمية وضرورة هذا اللقاح إذ أنه يعطي الجسم مناعة مكتسبة تحميه من المرض. وقد تطوّرت طرق تحضير اللقاحات بتطوّر العلم, فبعد أن كان بعضها يستخرج من مصل دم المصاب بالداء Sérum)) أصبحت تصنّع عن طريق الجينات Génie Génétique)) وأفضل مثل على ذلك لقاح التهاب الكبد الفيروسي B, وبهذه الطريقة تلتغي كل احتمالات العدوى من الأمراض “المصلية”. يمكننا تمييز خمسة أصناف من اللقاحات:
1-­ اللقاح الجرثومي المعطّل ضد أمراض الشاهوق والتيفوئيد والكوليرا.
2-­ اللقاح المستخرج من إفرازات الجرثومة, ضد مرضي الخانوق والكزاز.
3-­ اللقاح المركّب من غشاء الجرثومة, ضد التهاب السحايا Méningite à HIB)) وضد التيفوئيد Vi)).
4-­ اللـقاح الفيروسي المخفف, ضد الجدري والشلل OPV)) وجدري الماء والحمّى الصفراء والحصبة والحصبة الألمانية والنكاف (أبو كعيب).
5-­ اللقـاح الفـيروسي المعطّل, ضـد الشـلل IPV)) والزكـام والكـلب والصفـيرة نـوع ب.

بعـد هذا العـرض الموجـز للمـناعة ولأنواع اللـقاحات, يبقى السؤال المطـروح, وهـو الأهــم بالنسـبة لنا, ما هي أهمـية التلقيـح وما مـدى إلزامـيـتـه؟ ومتى يجـب إعطــاء كل مـن اللـقـاحــات؟
تنصح المنظـمة العالمية للصـحة, لا بل تشـدد, على إتبـاع برنامج تلقـيح عالمي موحـد, والإلتـزام به, مع إمكانية تعديله حسب مقتضى البيئة وحاجة البلد. وقد أخذت بعين الإعتبار العمر الأنسب لإعطاء الطفل أي لقاح ونسبة تجاوب جسمه معه, ومدى قدرته على تلـقي أنـواع اللـقاحات التي تختلف بإختلاف البلدان وتأثير البيئة المحيطة بالطـفل, مع الإنتباه الشديد الى خـطورة المرض في عمر معـين؛ فالشـلل والحصـبة والشاهوق هي من الأمراض الخطـيرة على الأطـفال وخاصـة الرضّع منهـم, ولا سيما في البلـدان النامـية, ما يقـتـضي التلـقـيح المبكّر ضـدهـا قبـل فـوات الأوان.

 

اللقاحات الإلزامية

اللقاحات الإلزامية في لبنان هي الآتية:

ومن المفضّل أن يضاف الى هذه اللائحة الإلزامية لقاحات أخرى مثل لقاح التيفوئيد ولقاح الصفيرة بعد عمر السنتين, ولقاح السل في حال وجود موجة وبائية ولقاح جدري الماء بعد عمر 8 سنوات وغيرها... تبعاً لوضع الفرد.
واللقاح ليس للأطفال فحسب بل للكبار والمسنين والمسافرين وذوي الأمراض المزمنة, وأصحاب بعض الأعمال التي تستوجب لقاحات إضافية معينة.
إن تطبيق اللقاح يشكل إحدى مهمات أطباء الأطفال والصحة العامة وأطباء المدارس والمؤسسات العامة.

 

لماذا نبدأ اللقاح في عمر الشهرين؟

يتمتع الطفل عند ولادته بمناعة مكتسبة من أمه أثناء فترة الحمل تحميه من أمراض معدية عديدة, وتستمر هذه المناعة طوال مدة إرضاعه, وتلقيحه في عمر الشهرين يقوّي مناعته الخاصة تدريجياً لغاية عمر 6 أشهر حين تخفّ مناعته المكتسبة من أمه.

 

ما هي اللقاحات الضرورية للأم قبل الزواج؟

إذا لم تصب الأم بالأمراض الموسمية التالية: الحصبة, الحصبة الألمانية, وجدري الماء, أي أنها لم تكتسب المناعة الطبيعية ضدّها يجب أن تتلقى اللقاحات المضادة لهذه الأمراض قبل الحمل بثلاثة أشهر على الاقل حتى تكتسب المناعة الضرورية لها وللجنين.

 

ما هي أهمية الإلتزام بالجرعات التذكيرية؟

مع الإلتزام بالجدول اللقاحي تعطي الجرعات التذكيرية دعماً قوياً لتنشيط المناعة, وعلينا التقيد بالفترة الزمنية التي تفصل بين الجرعات, خاصة تذكير لقاح الكزاز والشلل الذي يعطى كل عشر سنوات بعد سن العشرين. وهنا تجدر الإشارة الى أن اللقاح ضد الكزاز يجب أن يكون إلزامياً عند الجميع وفي كل الأعمار لأن هذا المرض ليس موسمياً, فهو ناتج عن فيروس يدخل الجسم عبر جرح ملوث أو أدوات جراحية ملوثة ويسبب تشنجاً في عضلات الجسم وقد يؤدي الى الوفاة. ويعتبر الكزاز مرضاً خطيراً وهو كثير الإنتشار ويصيب مختلف الأعمار ويجب التلقيح ضدّه والإلتزام بالجرعات التذكيرية كل عشر سنوات بعد سن العشرين, وهذا ما ننساه غالباً, خاصة للعاملين في الحدائق, والنساء الحوامل اللواتي إذا كن ملقحات ضد هذا المرض يعطين مولدهن الجديد حماية مهمة. والإبرة ضد الكزاز Tétumen)) التي يحقن بها المصاب الجريح تؤمن له الحماية من المرض مدة 6 أشهر فقط, بينما اللقاح ضد هذا المرض يؤمن الحماية منه مدة عشر سنوات على الأقل.
إذا أردنا التحدث عن كل الأمراض التي يمكن تفاديها بواسطة اللقاحات يطول بنا الحديث لذلك اكتفينا بذكر أخطرها وكيفية الحماية منها, ويبقى الطبيب المرجع الوحيد للتأكد من طريقة وسلامة إعطاء اللقاح وعدم وجود أسباب مانعة لإعطائه, مع التأكيد على صدق القول المأثور: “درهم وقاية خير من قنطار علاج” وجميع اللقاحات وقايات.