اقتصاد ومال

اللقمة المرّة باتت أكثر مرارة
إعداد: تريز منصور

452 قرية لبنانية تعتاش من زراعة التبغ

 

دخلت شتلة التبغ لبنان في عهد الأمير فخر الدين، لتصبح مورد رزق آلاف العائلات في الأرياف، حيث تشكّل الزراعة عصب الحياة إقتصادياً واجتماعياً.
زراعة التبغ عرفها الجنوبيون أولاً وشكّلت واحدة من الروابط القوية التي حافظت على التصاقهم بأرضهم في أقسى الظروف. في ما بعد انتقلت هذه الزراعة الى مناطق أخرى، بحيث تنتشر اليوم في البقاع والشمال وجبل لبنان ويعتاش منها المواطنون في أكثر من 452 بلدة وقرية.
يصنّف الإنتاج الوطني من التبغ في المرتبة السادسة من حجم المبيعات في الأسواق المحلية، وتشكّل موازنة الريجي 2.55 من حجم موازنة الدولة.
هذه الزراعة مدعومة من الدولة، ذلك أن مجلس الوزراء هو من يحدد الأسعار، ويشتري المحصول بواسطة الريجي التي تقوم بتصنيع قسم منه وتصدير القسم الآخر.
غير أن استقرار الأسعار على أقل من 12 ألف ليرة لبنانية للكيلوغرام الجيد من التبغ (كسعر وسطي) منذ العام 1996، يجعل صمود هذا القطاع أمراً صعباً في ظل ارتفاع أسعار السلع كافة.
كيف تطوّرت زراعة التبغ في لبنان؟
ما هي المشاكل التي يعانيها هذا القطاع؟
أين تكمن أهميته وما هي التدابير المتخذة لتحسينه واستمراريته؟ الى ما هنالك من أسئلة عديدة حملتها مجلة «الجيش» الى رئيس ومدير عام الريجي المهندس ناصيف سقلاوي.

 

من أيام فخر الدين
• كيف تطوّرت زراعة التبغ في لبنان وما هو واقعها اليوم؟

- بدأت زراعة التبغ في عهد الأمير فخر الدين، ومع وضع لبنان تحت الإنتداب، أدرك الفرنسيون أهمية هذا القطاع، فشجّعوا هذه الزراعة في الأرياف البعيدة لا سيما في المناطق غير المروية. تمرّ زراعة شتلة التبغ بمراحل طويلة، وتستمر على مدى أشهر السنة الإثني عشر. تبدأ المراحل الأولى بإعداد المشاتل في شهر آذار مع ما تتطلبه من عناية وبيوت بلاستيكية وأسمدة وأدوية، لتبدأ مع شهر أيار ورشة نقل النبتة من المشاتل وغرسها في الأرض، ما يقتضي توافر يد عاملة تقوم بزراعة الشتول واحدة واحدة بعد إعداد الأرض بشكل ملائم. من ثم تأتي عملية الري التي تتيح نمو الشتول وثبات جذورها بالأرض.
مع بداية الصيف تبدأ عملية قطف أوراق التبغ، التي تنقل الى أماكن معدّة لذلك، أو الى المنازل، ليبدأ شكّها ورقة ورقة ومن ثم تجفيفها وتوضيبها بانتظار بدء الريجي بتسلّم المحصول.
طرأ على هذه الزراعة تحسن كبير، كماً ونوعاً منذ العام 1993، حيث اعتمدت منهجية جديدة للنهوض بهذا القطاع الى المستوى المطلوب، وذلك عبر تشجيعها وتطويرها لمواجهة الأوضاع المستجدة. وقد تنامت زراعة التبغ والتنباك بشكل متسارع فاق المتوقع.
زراعة التبغ في لبنان قديمة بدأت أولاً في الجنوب، وانتقلت حديثاً الى مناطق أخرى كالبقاع وعكار. رخص زراعة التبغ كانت في السابق (منذ الإستقلال) محصورة بالمحظوظين وأصحاب النفوذ في القرى والبلدات حيث يملك الواحد من هؤلاء عشرات الرخص لعشرات البلدات، يقوم بتأجيرها للمزارعين، الذين لا يستطيعون في نهاية موسمهم الزراعي، سداد ديونهم المتراكمة التي استدانوها حتى حصاد الموسم.
وأضاف المهندس سقلاوي قائلاً: انطلاقاً من تلك المعاناة، قامت الإدارة الجديدة بدءاً من العام 1993، باعتماد مشروع تنظيمي يربط منح اذن زراعة التبغ بجملة من الشروط، منها أن يكون صاحب الرخصة مقيماً في بلدته، وأن يكون ربّ أسرة ومزارعاً فعلياً، وبذلك أتيح للمزارعين الحصول على التراخيص التي كان يملك 60 في المئة منها خمسة في المئة من أصحاب النفوذ.
لقد انتهجت الإدارة سياسة تحولية باتجاه نسج علاقة مختلفة بينها وبين المزارعين، تُبنى على أساس التكامل معهم لا على أساس استغلالهم. كذلك اعتمدت الأسعار التشجيعية، وأعطيت التراخيص لمستحقيها وبشكل متساوٍ، مع إعطاء المزارعين حق الإعتراض لدى لجان التخمين.

 

شتلة الصمود
أولت الإدارة منذ تسلّمها مهامها العام 1993 المناطق المحتلة في الجنوب وتلك المحاذية لها اهتماماً خاصاً، فلعبت شتلة التبغ دوراً رئيساً في الصمود ومقاومة التطبيع الإقتصادي مع العدو الإسرائيلي.  
العام 1994 تعاونت الإدارة مع نقابات مزارعي التبغ، فكرّمت المزارعين الأوائل بغية تشجيعهم وذلك في مركز الريجي - الحدث. تطوّرت الفكرة بدعوة من نقابات مزارعي التبغ، وأقيمت مهرجانات تكريمية في بعلبك وعكار وصور والزهراني والنبطية برعاية دولة رئيس مجلس النواب الأستاذ نبيه بري.
وعن المجالات الرئيسة لعمل إدارة حصر التبغ والتنباك، قال سقلاوي إنها تشكل الإدارة والصناعة، والزراعة، والتجارة. ومن أولوياتها تطوير الصناعة الوطنية وتحديثها، وصولاً الى تصنيع بعض الماركات العالمية. ولفت الى اعتماد المكننة في مواكبة كل النشاطات المتعلقة بهذا القطاع، علماً أن إدارة حصر التبغ والتنباك كانت في طليعة المؤسسات التي اعتمدت المكننة منذ العام 1963.
وأكد المهندس سقلاوي أن التجارة هي عصب الإدارة المالي والمورد الوحيد لتغطية المتطلبات لورشة إعادة تأهيل الإدارة المستمرة، ولتغطية تكاليف دعم المحصول ونفقات الأجراء ومدفوعات الخزينة والجمارك... ونظراً الى أهمية التجارة في أعمال الإدارة فقد تمّ اتباع سياسة مدروسة ومرنة تتلاءم مع متطلبات السوق، حيث أنها ساهمت في استعادة المبادرة واستطاعت تحقيق أرقام عالية في مبيعات المنتجات التبغية.


• ما هي الأصناف المزروعة؟
- إن الأصناف المزروعة عديدة ومتنوعة أبرزها تبغ شرقي (سعدى 6) وتبغ بري بلدي، وتبغ شبه شرقي، الى التنباك (سعدى 33).

 

مشاكل القطاع وأهميته
• ما هي المناطق التي تتركز فيها هذه الزراعة؟

- تتوزع الأراضي المزروعة بالتبغ في المناطق على الشكل الآتي:
- في الجنوب 192 قرية، في الشمال 91 قرية، وفي البقاع 114 قرية. ويعمل في هذا القطاع نحو 25000 مزارع.


• ماذا عن المشاكل التي يعانيها القطاع وهل تأثرت هذه الزراعة بالتغيير المناخي؟ وهل حصل المزارعون على تعويضات خسائر حرب تموز؟
- أدى التمدّد العمراني الى انحسار وتضاؤل الأراضي الزراعية، يضاف الى ذلك انتشار القنابل العنقودية في الحقول، وعدم عودة بعض المزارعين الى منازلهم وحقولهم، نتيجة الدمار الذي سببته الإعتداءات الإسرائيلية، وظاهرة إغتراب الشباب وعدم رغبته بالعمل في الزراعة، وكذلك غلاء الأسمدة والمبيدات الزراعية، كل هذه العوامل تؤثر سلباً على هذا القطاع. من جهة أخرى من المؤكد أن انحباس المطر أو تأخره، وكذلك تقلبات الطقس بين الليل والنهار أو الحرارة والبرودة بشكل مفاجئ، كل ذلك يساهم في انتشار أمراض التبغ والحشرات الضارة. وفي هذا الإطار فإن مرض «الميليديو» أو «البياض الزغبي» ضرب حقول التبغ بنسبة 15 في المئة من قطاع زراعة التبغ في المناطق الساحلية في الجنوب في هذه الفترة، ما يزيد من أعباء كلفة الزراعة وتراجع الإنتاج. أضرار هذا المرض لا تقتصر على شتول التبغ بل تتعداها لتطال مزروعات أخرى، أما أسبابه فتعود الى رطوبة الأرض الناتجة عن تساقط المطر المتأخر في أوقات لا تتلاءم مع طبيعة الزراعة البعلية.
وأشار الى أن إدارة الريجي أمّنت العلاج لهذا المرض لجميع المتضررين مجاناً.
أما في ما يخص التعويضات عن خسائر حرب تموز فقال: أرسلنا جميع اللوائح الى الهيئة العليا للإغاثة، لكن المزارعين لم يحصلوا على تعويضات.


• ما هو سعر التبغ والتنباك ووفق أية معايير يتطوّر؟
- يحدد سعر شراء التبغ والتنباك وفقاً لجودته فهو يصنّف في ثلاث فئات: الجيد والوسط والمتدني. وتحدد الأسعار وزارة المال سنوياً، وهي ما زالت مستقرة على حالها منذ عدة سنوات (1996).


• أين تكمن أهمية هذا القطاع ولا سيما بالنسبة الى أهالي الجنوب، وماذا يشكّل حجمه بالنسبة الى الإقتصاد الوطني؟
- يستفيد من قطاع التبغ والتنباك أكثر من 25 ألف عائلة موزّعة في المناطق اللبنانية كافة. ويصنّف الإنتاج الوطني من التبغ في المرتبة السادسة من حجم المبيعات في الأسواق المحلية. كما تشكّل موازنة الريجي 2.55 من موازنة الدولة.
تكمن أهمية هذا القطاع في أنه ساهم في تثبيت المزارعين في أرضهم، خصوصاً أهالي الجنوب، علماً أن هذا القطاع تعثّر بسبب سياسة الأمر الواقع التي فرضتها إسرائيل على أهالي القرى المتاخمة للشريط الحدودي، بحيث انخفض عدد مزارعي الجنوب الى 300 مزارع.
العام 1993، عملنا على تشجيع هذا القطاع لمساعدة أهالي الجنوب وتثبيتهم في أرضهم.
في هذا الإطار اتخذت سلسلة من الإجراءات، ركّزت على زراعة التبغ والتنباك باعتبارها الزراعة الأنسب للأهالي نظراً الى خبرتهم الطويلة والى كونها زراعة بعلية لا تعتمد على المياه الوفيرة. ولقد وضعت الحكومة أسعاراً تشجيعية للمزارعين مع إلغاء الضوابط بالنسبة الى المساحة، كما هو الحال في المناطق الأخرى. وبالتالي فقد استعادت آلاف العائلات هذه الزراعة، ليصل العدد الى نحو خمسة آلاف عائلة، ولقد وصل الإنتاج الى مليونين ونصف مليون كيلو في بعض الأحيان. فعدد العائلات في بلدة رميش مثلاً يصل الى 980 عائلة ويتجاوز ثمن محاصيلها الأربعة مليارات وأربعمائة مليون ليرة لبنانية. أما بلدة تولين فيبلغ عدد عائلاتها العاملة في هذا القطاع نحو 385 عائلة. أما ثمن المحاصيل في منطقة الجنوب ككل فقد بلغ نحو 48 مليار ليرة لبنانية العام 2008. أما دعم الدولة لمحصول التبغ في المناطق الجنوبية والبقاعية والشمالية، فبلغ من العام 1994 الى العام 2007، 403.397.000 مليون دولار أميركي.
وأوضح قائلاً: إن إعادة النظر في توزيع التراخيص بحيث أصبحت أكثر عدالة ساهم في نمو هذا القطاع. وقد يتجاوز العشر دونمات لكبار المزارعين ورفع سقفها لدى صغارهم من دونم الى خمس دونمات.

 

الإنتاج الأفضل
• ما هي المناطق المشهورة بالإنتاج الجيد، وما هي المواصفات؟

- إن أهم المناطق المشهورة بالإنتاج الجيد، هي تلك التي تقع في قضاءي بنت جبيل ومرجعيون، حيث طبيعة الأرض والمناخ والخبرة الطويلة، جميعها عناصر تساعد على أفضل الإنتاج، وبمواصفات ممتازة. والتبغ شرقي غير المروي يزرع فقط في لبنان وتركيا وبعض مناطق البلقان، وهو من أجود أنواع التبغ عالمياً، يدخل في تركيبة السيجارة بنسبة لا تتجاوز 8 - 12 في المئة، ويتم تصديره الى الشركات العالمية الأميركية والأوروبية، التي يستورد منها لبنان المصنوعات التبغية.


• كيف تحدد الريجي كمية الإنتاج بالنسبة الى الأراضي المزروعة؟
- إن مجلس الوزراء هو من يحدد سقف الإنتاج الإجمالي في المناطق: في الجنوب، 5 ملايين و200 ألف كلغ (تبغ). وفي البقاع مليون و800 ألف كلغ (تبغ). أما حصة الشمال فتبلغ مليوناً و600 ألف كلغ (1.400 كلغ تنباك و200 ألف تبغ).


• هل إن تأمين البذور يتمّ على عاتق المزارعين، أم على عاتق الشركة؟
- وفق التقاليد اللبنانية فإن المزارع هو من يؤصل البذور، لكن إدارة الريجي تقدّم البذور التي يتمّ تكاثرها في حقلي السعديات وكفر صارون في الكورة.


• ما هو حجم الكمية المصنّعة في لبنان ووفق أية معايير؟ وما هي المشاكل على هذا الصعيد؟
- بدأ التصنيع في إدارة حصر التبغ والتنباك في الحدث أواسط الخسمينيات عبر تصنيع سيجارة ذات نكهة شرقية على أنواعها، تبدأ من صنف «إكسترا»، «نوع أول»، الى «طاتلي».
وفي أواسط السبعينيات، تمّ إطلاق سيجارة «سيدرز» «Cedars» بقياس 100 ملم و80 ملم إضافة الى سيجارة «بيبلوس» «Byblos» بقياس 80 ملم. يغطي المصنع الحالي اليوم طاقة إنتاجية سنوية تبلغ حوالى 480 مليون سيجارة بدوام عمل واحد وحوالى 750 مليون سيجارة سنوياً بدوامي عمل.
تعاني الصناعة اللبنانية قدم معداتها في قسمي اللف والتحضير، مما يشكّل عائقاً أمام إمكان ارتقائها الى المواصفات العالمية المطلوبة، خصوصاً في ما يخص نسبة القطران والنيكوتين في الصناعات التبغية، بالرغم من أن إدارة الحصر لم تترك أية مناسبة أو اقتراح إلا ورفعته للمضي قدماً، في تطوير عملية التصنيع من دون أن تحظى اقتراحاتها بالموافقة المرجوة.

 

زراعة لم تعد مدعومة...
رئيس اتحاد نقابات العاملين في زراعة التبغ والتنباك في لبنان ونقيب مزارعي التبغ في الجنوب السيد حسن فقيه، تحدث عن معاناة مزارعي هذا القطاع. وقال: «إن دور النقابة حماية أعضائها ومتابعة قضاياهم ونقلها الى المسؤولين. وهي تحرص على الحضور في أثناء عملية تسليم الإنتاج حرصاً منها على مصلحة المزارعين، ولا سيما أن المزاجية تسود أحياناً أحكام بعض مراقبي الريجي لجهة تحديد الأسعار. وقد سعت النقابة وما زالت من أجل تعديل أسعار التبغ، التي لم يجر تعديلها منذ العام 1996. إن السعر الوسطي هو 11.500 ألف ليرة للكلغ، يومها كان سعر شوال السماد 15 ألف ليرة لبنانية، بينما سعره أصبح اليوم 50 دولاراً، في حين ظل سعر التبغ على حاله. وإزاء هذا الواقع تعتبر النقابة أن هذه الزراعة لم تعد مدعومة، نظراً الى التفاوت الحاد بين ارتفاع كلفة المعيشة والسلع الإستهلاكية كافة وبين أسعار التبغ.
لقد قامت النقابة بعدة زيارات للمسؤولين المعنيين، لحثّّهم على رفع السعر، ولكننا نصطدم دائماً بإمكانات الخزينة المحدودة وبعدم قدرتها على تحمّل المزيد من الأعباء.
كذلك رفعت النقابة توصية الى مجلس الوزراء، تطالب فيها برفع كمية الإنتاج التبغي من 8 ملايين كلغ في كل لبنان الى عشرة ملايين، وذلك في الجلسة التي عقدت عشية التحرير في الجنوب، ولكن للأسف لم يأخذ المجلس هذه التوصية بعين الإعتبار، التي كان من شأنها سد حاجة مئات العائلات التي تعتمد على هذه الزراعة.
أما في ما خص الضمان الصحي، فأوضح السيد فقيه أنه «من أولويات النقابة تأمين الضمان الصحي لمزارعي التبغ، لكن الملف ما زال في مجلس الوزراء منذ العام 2000».
وعن تعويضات أضرار حرب تموز قال: أعددنا ملفاً شاملاً عن الأضرار التي أصابت القطاع الزراعي، وخصوصاً قطاع التبغ الذي أصيب بأضرار مباشرة مادية وبشرية، حيث بلغ عدد الإصابات 3600 إصابة موزعة بين شهيد وجريح، ورفعناه الى مجلس الوزراء، ولكن للأسف لم نتلق أية تعويضات لغاية الآن، باستثناء ما أعطي لصيادي الأسماك.
وأضاف السيد فقيه: من أهم ما حقّقته النقابة زيادة عدد التراخيص للمزارعين، إضافة الى تكريم المزارعين الذين يقدّمون أفضل إنتاج، وهؤلاء يحصلون على مولدات كبيرة لرش المياه كمكافأة، علماً أن ذلك يتم بالتعاون مع الريجي. وطالب السيد فقيه الدولة بإنشاء السدود والبحيرات، كي يتمكن المزارع من العناية بأرضه، وكي يستبدل زراعته بزراعة أخرى، إذا دعت الحاجة الى ذلك. ودعا الدولة ايضاً الى إنشاء هيئة زراعية وطنية عليا، تعالج قضايا الزراعة في لبنان، كي تتمكن من مواجهة الإستحقاقات التي ترتبها الإتفاقيات الدولية المستقبلية كالغات وغيرها، مع ما ينجم عنها من رفع الدعم وفتح الحدود.

 

الى من تشكو همومك يا مزارع...
يشكو السيد حسن أيوب (الجنوب) من عدم توافر الضمان الصحي للعاملين في زراعة التبغ، الى غياب الدعم في ما يتعلق بالأسمدة والمبيدات، وعدم وجود مصادر للري.
أيوب واحد من عشرات آلاف الجنوبيين الذين ساهمت شتلة التبغ في تثبيتهم في أراضيهم على الرغم من قساوة الظروف ومرارة اللقمة. وهو يقول إن هذه الزراعة لم تعد قادرة على تأمين اللقمة للعاملين فيها، علماً أن أفراد العائلة جميعهم يعملون فيها توفيراً لكلفة اليد العاملة. فسعر الكيلوغرام ثبت منذ العام 1996 على نحو 11 ألف ليرة، بينما ارتفعت كلفة إيجار الأرض وفلاحتها كما أسعار الأسمدة وغير ذلك. أما التعويضات عن خسائر حرب تموز فما زالت حبراً على ورق...
بدوره يشكو المزارع محمد حايك من المشاكل نفسها واصفاً الأوضاع الصعبة التي يعيشها مزارعو التبغ مع عدم تعديل الأسعار على الرغم من الغلاء الذي أصاب السلع كافة. وأضاف الى ما يشكو منه أيوب شكوى أخرى: لقد خفضوا نسبة معدل الإنتاج المفترض للدونم، من 150 كلغ الى 100 كلغ. ويقول: مزارع التبغ يعمل على امتداد أيام السنة، مقابل لا شيء.

 

اللقمة المرّة
«الدخان موسمه 14 شهراً ولقمته مرّة» هذا لسان حال مزارعي التبغ جميعهم. فالعمل في الموسم يظل متواصلاً طوال السنة، وقبل أن يبدأ تسليم الموسم الى الريجي يكون العمل في الموسم الآخر على قدم وساق.
وإذا كانت الريجي قد حدّدت معدل الإنتاج بـ100 كلغ للدونم الواحد، فهذا يعني أن مزارعاً يملك رخصة لزراعة خمسة دونمات ينتج 500 كلغ سنوياً. وقياساً على معدل الأسعار يكون مجموع ما يحصّله سنوياً أقل من ستة ملايين ليرة، علماً أن موسماً كهذا يتطلّب عمل عائلة بمعدل 5 أشخاص. هذا من دون احتساب أي كلفة (حراثة الأرض وتثليمها، أسمدة، ري...). لكن المدخول المتدني ليس السبب الوحيد لوصف اللقمة المحصّلة من زراعة التبغ بالمرّة، فأوراق التبغ تفرز مادة لزجة سوداء شديدة المرورة تلتصق بالأيدي وتصعب إزالتها، وكثيراً ما يضطر العاملون في القطاف والشك الى تناول شيء من الطعام من دون أن يتسنى لهم تنظيف أيديهم جيداً، ما يجعل المرّ جزءاً من اللقمة.

 تصوير: راشيل تابت