ملف العدد

اللواء الثاني: رجاله يدٌ واحدة وشهداؤه افتدوا لبنان

 

الملازم سمعان سحب رفاقه تحت النيران وسار على دربهم أبيًا

دقت ساعة الحسم، وها هم رجال الوطن متأهبون. أرواحهم ليست ملكهم. فالتضحية هي أسمى علامات الشرف التي تميز الجندي، والجيش برهن في كل الأحداث أنه أهل لحمل شعار الشرف والتضحية والوفاء.

 

بداية المعركة
الكتيبة 23 في اللواء الثاني إحدى القطع التي شاركت في معركة بحنين، الجميع يؤكدون أنهم كانوا جاهزين لمواجهة الخطر الإرهابي الذي يرسم لمنطقة عكار وجوارها، مخططات مشبوهة ترمي إلى ضرب الجيش والعمل على خطف بعض العسكريين من أجل الضغط على المؤسسة العسكرية.
يقول ضابط من الكتيبة: تلقينا الأوامر لمعالجة الوضع بعد أن أفدنا أن آلية للّواء تعرّضت لإطلاق نار على جسر لبنان الأخضر، فجهزنا سرية تدخل بالملالات وتوجّهنا بأربع آليات للسرية 232 بإمرة الشهيد البطل النقيب الهبر. عند وصولنا كان المسلّحون قد أوقفوا باصًا لنقل الركاب وأنزلوا منه بعض العسكريين وخطفوهم. تعرّضنا لإطلاق نار كثيف، فردّينا على المصادر وشكّلنا حول المكان منطقة دفاع دائري بالملالات. وفرّ المسلّحون نحو البساتين واحتمى بعضهم داخل أفران لبنان الأخضر. همّنا الاول كان تحرير المخطوفين العسكريين، ولدى محاولتنا اقتحام المكان تعرّضنا لقذيفة آر. بي. جي. حيث استشهد معنا الجندي محمد ياسين وأصيب خمسة عناصر، وبعد عمليات كرّ وفرّ استطعنا تحرير العسكريين.

 

بماذا تختلف هذه المعركة عن سواها؟
يقول الضابط: هذه المرة اختلفت استراتيجية المعركة، فأنت تقاتل عدوًا مجهولاً، الاصعب كان أننا تعرضنا لإطلاق نار من داخل منازل المدنيين الذين استخدمهم المسلّحون كدروع بشرية. كانت الرؤية صعبة بالنسبة إلينا، بينما استطاع الإرهابيون التخفي في البساتين، وكانوا يتحركون بشكل سهل داخل البيوت. وبالتالي لم تكن عملية تحديد الأهداف سهلة، ولكن سلاح الجو ساعدنا، فلاحقنا المسلّحين في الأحراج واجبرناهم على التراجع إلى مناطق أخرى ما سهل علينا ضربهم، فأوقعنا في صفوفهم خسائر وأوقفنا العديد منهم.
استطاع عسكريونا النفاذ إلى داخل أفران لبنان الأخضر الذي كان من أشد المحاور سخونة، أعطيت الأمر بالحسم الذي لا بد منه، واوصيتهم بالصبر والثبات، فالمعركة معركتنا ولن نخسرها. المعنويات كانت مرتفعة في صفوف العسكريين، الذين خاضوا اشتباكات مباشرة وضارية مع المسلّحين.

 

عندما تخرج الروح لتقاتل قبل الساعدين...
الشهادة واجب مقدس، لكن ما الذي يشعر به العسكري لحظة مشاهدته زميله وهو يستشهد أمام عينيه؟
يرد الضابط على هذا السؤال قائلاً: الشهيد النقيب جهاد الهبر كان مندفعًا وكان عسكريوه يحبونه ويبادلونه الاحترام، وكان قياديًا من الدرجة الأولى يحترم عمله ويخلص له، إنه صديقي ورفيق سلاحي، كان خبر استشهاده صدمة لي ولكن علينا أن نتعإلى على الجراح من أجل إنجاح المهمة. الجرح واحد وكلنا مشاريع شهداء. لا أستطيع وصف المشهد. عندما ترى رفيقك يستشهد امامك يتملكك اندفاع غريب وتشعر أن روحك تخرج من جسدك لتقاتل قبل يديك، الشهادة وخصوصًا بالنسبة إلى الجندي أمر سامٍ جدًا.
ويضيف: عندما استشهد الملازم سمعان كانت الصدمة كبيرة، فهو الذي تخرّج حديثًا من الكلية الحربية، كان صلبًا مندفعًا. ولدى تقديمنا واجب العزاء شاهدنا العزيمة في عيون والده، فالوالد عسكري في الجيش. وقد قال لنا إن ابنه افتدى الجيش ليحيا لبنان، أما والدته فقد عانقتنا فردًا فردًا بكل فخر على الرغم من الغصة التي تعتصر قلبها. من جهتنا قلنا لها جميعًا: كلنا سمعان...

 

رفيقك: أبوك، وأمك، وأخوك
هنا يعقّب أحد العسكريين بالقول: «زميلك وصديقك الذي تشاركه جميع أمورك في السراء والضراء يصبح من دون علمك أباك وأمك وأخاك. في الثكنة نتقاسم «الحلوة والمرة» نفرح معًا ونحزن معًا، فرفقة السلاح أمتن من أي علاقة أخرى.
أحد الجنود عايش اللحظة الصعبة بكل معانيها فقد استشهد رفيقه أمام عينيه واستشهد رئيسه. إنه لأمر صعب أن تحافظ على رباطة جأشك عندما تفقد عزيزًا أو أخًا وهذا الجندي فقد الرفيق «الأخ» والقائد «الأب». يقول والدمعة في عينه: «كنا في عملية دهم لأحد مخيمات اللاجئين السوريين، وكنا حضيرة واحدة، شعرت بحركة غريبة، وبعد دقائق تعرّضنا لاطلاق نار كثيف وتم رميّ القنابل باتجاه آلية تابعة لفرع المخابرات، عمدنا إلى المساندة بالنار، واستشهد معنا النقيب الهبر والرقيب سلهب والجندي الحلاني. ولدى محاولتنا سحب الشهداء تعرّضنا لاطلاق نار من الفرن. كان الملازم سمعان رحمه الله مصرًا على سحب الشهداء، وكأنه كان يعرف أنه سيستشهد. قلت له: «سيدنا ما تقرّب خطر كبير». فردّ قائلاً: «يمكن حدا بعدو عايش أو مجروح من رفقاتنا»... وكانت لحظة الشهادة.
خلال عملية سحب الشهداء ساندتنا وحدة من المغاوير فاستشهد عنصر منها، وكانت النيران الغزيرة والقنابل تنهمر علينا من كل زاوية. أود أن أقول كلمة أخيرة إلى رفاقي الشهداء: لن أنساكم ودماؤكم أمانة في أعناقنا.


ما بعد المعركة
يخبرنا آمر السرية 231 أن عمليات الدهم مستمرة والتوقيفات مستمرة، والعسكريون في جهوزية تامة في أي وقت، وهم يخضعون دائمًا للدورات من أجل الحفاظ على الروحية القتالية وخوض أي معركة محتملة.
اللواء الثاني كما سواه من وحدات الجيش سيبقى العين الساهرة لرد أي عمل عدواني يطال كرامة لبنان وجيشه، ولن تزعزعنا رياح الفتن والإرهاب. والجيش عاصٍ على الإرهابيين التكفيريين بتماسك رجاله وحكمة قيادته.