العوافي يا وطن

اللواء السادس
إعداد: تريز منصور

العميد الركن ميشال هيدموس
الجيش إستعاد هيبة الدولة في الجنوب وعزّز ثقة المواطنين به


بعد ثلاثة عقود من الانتظار، انتشر الجيش اللبناني في الجنوب. ففي 17 آب من العام الماضي تحقق حلم طالما انتظره الجنوبيون الذين هلّلوا وزغردوا واستقبلوا العسكريين بالورد والأرز، فقد عاد ربّ المنزل.
عام مضى على الانتشار، الجيش يمارس مهامه المختلفة، والمواطنون يتفاعلون معه مقدرين تضحياته متعاونين إلى أقصى حد.
اللواء السادس من بين الألوية الأربعة التي انتشرت في المناطق الحدودية، وقد تمركز في خراج بلدة عيتيت - قانا، وعزّز انتشاره في قطاع يمتد من دير قانون النهر حتى رأس الناقورة غرباً، ومن رأس الناقورة اللبونة مروحين عيتا الشعب إلى رميش جنوباً، عين إبل دير عامص شرقاً إلى عيتيت دير قانون النهر شمالاً.
تدخل بلدة قانا، تشعر بالرهبة، فاسم البلدة ارتبط بصورة المجازر البشعة التي ارتكبتها فيها إسرائيل، ولكن سرعان ما ترى شعاع الأمل ينبثق من البيوت التي نفضت عنها غبار الموت وبدأت تعيد تأهيل نفسها، وقد كانت للجيش مساهمة في هذا المجال.
آليات عسكرية تمرّ من هنا وهناك، حواجز ثابتة وظرفية على طول الطريق، تبعث فيك روح الافتخار بهذا الجيش، ولا يسعك سوى ترداد عبارة «الله يحميكن».


معنويات جد مرتفعة
في موقع قيادة اللواء السادس في خراج بلدة عيتيت - قانا، الحركة لا تهدأ، والجميع ينفّذ المهام الموكلة اليه، بحماسة واضحة ومعنويات عالية تفوق كل وصف. قائد اللواء العميد الركن ميشال هيدموس يؤكد لنا «أن معنويات العسكر جد مرتفعة وأنهم يؤدون الواجب من دون تذمّر أو كلل».
ويقول: «مهمتنا هنا حفظ الأمن، التصدي للعدو الإسرائيلي منع عمليات تهريب الأشخاص والبضائع، نزع القنابل العنقودية (بلغ عددها 5222) والقنابل غير المنفجرة وذخائر مختلفة (1150) من الحقول والبساتين إضافة إلى الألغام المضادة للآليات وصواريخ (عدد 3).
ويقوم اللواء بإطفاء الحرائق وبمساعدة الأهالي وبتوفير الأمن في أثناء قيام نشاطات إجتماعية ودينية وثقافية ضمن القطاع».
وأضاف: «يعالج اللواء السادس أية حادثة تتعرض لها دوريات قوات الطوارئ الدولية، حيث يتم الاتصال بواسطة جهاز الارتباط.

 

مهمة صعبة
• ماذا تغير منذ عام إلى اليوم في الجنوب؟

- الأمر الأبرز والأهم هو عودة هيبة الدولة ومفهومها إلى المنطقة، التي غاب عنها الجيش زهاء ثلاثين عاماً. هذه المهمة صعبة للغاية، خصوصاً أن المواطنين إعتادوا على الفوضى في ظل الميليشيات والاحتلال، فخلال هذه العقود نشأت أجيال بأكملها لم تتعرف إلى أنظمة الدولة الإدارية. مثلاً: قانونية تسجيل السيارات، مخالفات السير، النظام العام، الخلافات العقارية التي كانت تعالج بطريقة عشائرية. ولا بدّ هنا من الاشارة إلى أن مخافر قوى الأمن الداخلي كانت موجودة في هذه المناطق ولكن بأعداد قليلة (3 مخافر).
في بداية الأمر، اكتفينا بالتدقيق بالسيارات ولكن من دون توقيفها، مع التحذير بضرورة تسوية أوضاعها القانونية. بعد ستة أشهر بدأنا بتوقيف بعض السيارات المخالفة، أما اليوم فيتم توقيف السيارات المخالفة كلها.
ان حل هذه المشاكل يحتاج إلى الوقت والأخذ بعين الإعتبار، الظروف المأسوية التي مرّ بها أهالي المنطقة من مجازر وتهجير ونكبات لكن القانون بدأ يأخذ مجراه في هذه القرى، والمشاكل الداخلية التي كانت تعالج عشائرياً كما ذكرنا، بدأت تحل بتوقيف الطرفين وتسليمهم الى السلطات المختصة.


الثقة تعززت
وأضاف العميد الركن هيدموس: «إستقبل أهالي هذه القرى والبلدات الجيش بالترحاب والزغاريد، قدموا له التسهيلات كافة من ناحية تأمين المراكز والمساكن والكهرباء والماء... أو من ناحية مواد البناء والآليات الهندسية. مع ذلك اعترضتنا بعض الصعوبات الناجمة عن الواقع الصعب في هذه المنطقة. أمّا اليوم فقد أصبحت العلاقة إيجابية جداً. أدرك الجميع أن الجيش هو عنصر أمن وأمان لكل اللبنانيين على حد سواء.
وبعد أحداث نهر البارد والإعتداء، كبر الدعم المعنوي للجيش وأيقن الجميع، أنه قوة لا يستهان بها، ويمكنه توفير الأمن للجميع وهو مستعد للدفاع عن الحدود بالوسائل المتوافرة لديه. وقد جسّد هذا الاستعداد بتصدي اللواء الحادي عشر للعدو في مارون الرأس منذ بضعة أشهر.
وعن شعور العسكريين حيال رفاقهم الذين يقاتلون في نهر البارد قال: «جميعهم يرغبون في القتال إلى جانب رفاقهم علماً أن هناك مجموعات صغيرة من اللواء السادس تشارك».
وأكد أنه منذ عام ولغاية اليوم، «لم نتلقَ أي سلاح جديد، مما طلبته القيادة لزيادة القدرة الدفاعية ضد العدو الإسرائيلي». وفي المقابل طمأن الشعب، أن الجيش مصمم على تأدية المهام الموكلة إليه بكل حزم، وبما يتوافر لديه من إمكانات ووسائل.

 

قلوبنا في نهر البارد
من خراج عيتيت - قانا توجهنا صعوداً نحو بلدة قانا، وصلنا إلى مركز الكتيبة 64، استقبلنا الضباط والعسكريون بكل ترحاب وفرح. رئيس الفرعين الثاني والثالث وضابط أمن الكتيبة 64 المقدم عصام محفوظ بادرنا بالترحاب مؤكداً لنا أن «أرواحنا وقلوبنا جميعاً مع رفاقنا في نهر البارد. إن المهمة التي يقوم بها الجيش اليوم هامة جداً، وهو يؤدي دوره الطبيعي على كامل تراب الوطن، وهو جاهز للتصدي للعدو في أية لحظة. واستشهد بتحذير جاء على لسان أحد الخبراء البريطانيين الذي اعتبر أن الجيش يحقق البطولات في نهر البارد وهو متسلّح بالمعنويات العالية وبالإيمان الكبير بوطنه، فإذا تمّ تسليحه، فسيشكل خطراً على الدولة الإسرائيلية».
وتابعنا سيرنا إلى حيث التقينا آمر السرية 631 في الكتيبة 63 النقيب روبير الدويهي الذي أشار إلى أن المهام الأساسية الموكلة اليهم في هذه المنطقة، هي حفظ الأمن ونزع الألغام ومساعدة الأهالي عند الطلب، هذا بالاضافة إلى وضع نقاط مراقبة لحفظ أمن قوات الطوارئ، أمام مراكز عملهم. وهذه التدابير اتخذت في الآونة الأخيرة.

 

بعيد عن العين بعيد عن القلب
عن إنطباعات الأهالي وتعاونهم مع الجيش اللبناني قال النقيب الدويهي: «الفترة الأولى من الإنتشار كانت صعبة، الأهالي في هذه المنطقة لم يعتادوا على الجيش ولا على النظام. وكما يقول المثل «البعيد عن العين بعيد عن القلب». فما كان منا إلا أن خطونا الخطوة الأولى صوبهم، حاولنا تعزيز الثقة بيننا، وأفسحنا المجال للتعبير عّما يخالجهم من مشاعر ومخاوف، تقرّبنا منهم ليتعرفوا علينا، ليدركوا أننا منهم ولهم، ولا نبغي سوى الحفاظ على أمن عائلاتهم وبيوتهم وأرزاقهم وسيادة بلادهم وتعزيز العيش المشترك والإرادة الوطنية الجامعة. وهكذا تفاعل المواطنون معنا، المتحفظ والمرحّب بوجودنا على حدٍّ سواء، خصوصاً بعد عملية التصدي للإعتداءات الإسرائيلية التي قام بها اللواء الحادي عشر في بلدة مارون الراس. كما وأن أحداث نهر البارد قرّبت الأهالي من الجيش، ورفعت نسبة التعاون معه. أحد المخلّين بالأمن سلّم نفسه تلقائياً للجيش، وهذا دليل ثقة».
أخيراً أشار إلى رغبة العديد من المواطنين بالإنضمام إلى صفوف الجيش والقتال إلى جانب العسكريين.
وأخيراً تمنى لرفاقه في نهر البارد القوة والصبر والنصر والسلامة.
وإذ نحيي المعاون الاول أنطوان إبراهيم (الكتيبة 64) ونسأله عن إنطباعاته عن الخدمة في هذه المنطقة، يبدي ارتياحه للثقة الموجودة بين الجيش والأهالي، والتعاطف الذي يشعر به العسكريون. لكنه يردف: كل مشاعرنا اليوم مع رفاقنا في نهر البارد، أحييهم وادعو إلى الله كي يحميهم ويردّهم إلى عائلاتهم سالمين، متعافين، أبطال، يرفعون رأس الجيش ولبنان عالياً».
على أحد الحواجز الثابتة في قانا التقينا الرقيب الأول عامر وهبي من السرية 631 الذي عبّر عن شعوره قائلاً: «إننا ننفذ الأوامر المعطاة لنا ونقوم بمهامنا في هذه المنطقة الحزينة المدمّرة. لم نكن نتوقع أن يستقبلنا أهلها المعذبون بالحفاوة والترحاب. لقد حمّلتنا هذه المحبة العارمة مسؤولية كبيرة تجاه هذا الشعب الذي عانى طويلاً من الاعتداءات الإسرائيلية على مدى عقود من الزمن. نحن اليوم هنا لخدمة هذا الشعب الطيّب ولحمايته ولمواجهة كل إعتداءات العدو».

تصوير: راشيل تابت