موضوع الغلاف

اللواء اللوجستي: نموذج للإصرار على مواجهة الظروف
إعداد: ريما سليم ضوميط

في مواجهة الأزمات الاقتصادية الكبيرة نكون أمام خيارين: الإصرار على اجتراح الحلول ومواجهة الواقع الصعب أو الاستسلام والانهيار. والواضح أنّ جيشنا صمم على المواجهة بجميع الطرق والإمكانات، وهذا ما يتجلى من خلال مبادرات وإجراءات عديدة على صعيد القيادة كما الوحدات العسكرية. اللواء اللوجستي يشكّل واحدًا من النماذج في هذا المجال، فالضائقة الاقتصادية لم تكبله أو تعوقه عن أداء دوره الحيوي بالنسبة للجيش، وإنما كانت حافزًا لمزيد من الجهود المثمرة. وهذا ما أشار إليه قائد الجيش العماد جوزاف عون خلال زيارته الأخيرة للواء إذ أكد أنّه يواصل ابتكار الحلول الخلاقة في مواجهة الظروف.

تركزت جهود اللواء اللوجستي في مواجهة الأزمة على محورين: دعم صمود العسكريين ومساندتهم في هذه الظروف الصعبة، وتفعيل دور اللواء على صعيد إمداد الجيش باحتياجاته كافة. فالمعروف أنّ اللوجستية في الجيش هي بمثابة القلب للجسم، تمدّه باحتياجاته وفق خطط مدروسة، ولكي يستطيع القلب القيام بوظيفته ينبغي أن يكون هو بخير، لذلك كان العمل متوازيًا على المحورين اللذين سبق ذكرهما.

 

الثقة باللوجستية

«الإيمان بالنصر يستند إلى الثقة باللوجستية» عبارة تطالع زائر اللواء عند المدخل الرئيسي. فالتاريخ يفيدنا أنّ جيوشًا مهمة مُنيت بالخسارة في معارك حاسمة، وكان ذلك إلى حد كبير بسبب فشل اللوجستية في أداء دورها. في المقابل اشتهر قادة تاريخيون حققوا انتصارات عظيمة بأنّهم كانوا عباقرة في اللوجستية.

في الجيش اللبناني كان للواء اللوجستي دور مهم في المعارك والمواجهات التي خاضها الجيش، واليوم تتعاظم أهمية هذا الدور في ظل الأزمة الخانقـة التـي يرزح لبنـان تحـت وطأتهـا. فكيـف يتصـدى هذا اللواء لتداعيـات الأزمـة؟

شهد اللواء اللوجستي في الفترة الأخيرة جملة من المبادرات والخطوات التي انعكست إيجابًا على عسكرييه من جهة وعلى دوره ومسؤولياته حيال قطع الجيش من جهة أخرى. واللافت أنّ ما شهده هذا اللواء من تحديث وتطور لم يكلف موازنة الجيش أي مصاريف تذكر. فالثقة بالجيش والرغبة في دعمه تكفّلتا بتأمين الأجهزة والمعدات والمواد اللازمة عبر تقديمات من أفراد ومؤسسات، بينمـا تكفّلت سواعد العسكريين من مختلف الاختصاصات بالباقي.

 

مستوصف بأحدث التجهيزات

من عيادةٍ صغيرة قديمة، ذات تجهيزات متواضعة، بالكاد تستوعب عددًا قليلًا من المرضى إلى مستوصف حديث شامل، مؤهل لاستقبال ذوي الاحتياجات الخاصة، يستفيد من خدماته جميع العسكريين المقيمين في المنطقة مع عائلاتهم، ويستقبل يوميًا ما بين ٢٠٠ و٢٥٠ مريضًا.

بلغت كلفة التجهيز والتأهيل حوالى ٨٥٠ ألف دولار، يؤكّد قائد اللواء العميد الركن إبراهيم عبود، لكنّه يوضح في المقابل أنّ المؤسسة العسكرية لم تتكبد المصاريف المذكورة كونه تم الحصول على الأجهزة والآلات الطبية عن طريق التقديمات والهبات من أفراد ومؤسسات صديقة للجيش. من بين التجهيزات التي تم تقديمها، جهاز للتصوير الصوتي حديث ومتطور تتجاوز كلفته التسعين ألف دولار، ويمكن استخدامه لفحص القلب والفحوصات النسائية في الوقت عينه. كذلك سيتلقى المستوصف هبة هي عبارة عن آلة تصوير شعاعي بقيمة ٢٥٠ ألف دولار.

رئيسة المستوصف النقيب ندى الشوّا رافقتنا في جولةٍ شاهدنا خلالها الأقسام التي طالتها عملية التحديث: عيادة الأسنان تحوّلت إلى عيادة متطورة فيها كرسي حديث موصول إلى شاشة كمبيوتر، ما يمكّن الطبيب من تصوير اللثة والأسنان رقميًا في أثناء عمله، كما يمكن للمريض متابعة عمل الطبيب في حال رغب بذلك، مع الإشارة إلى أنّ سجلات المرضى باتت تؤلل وتحفظ في الحاسوب.

عملية التحديث طالت أيضًا عيادات تضم عدة اختصاصات، من بينها أمراض القلب، والأمراض الجرثومية، وطب الأطفال، والأمراض النسائية. كما تقدم العيادات خدمة تلقيح الأطفال وإعطاء اللقاح الخاص بالكوفيد ١٩.

من بين الأقسام التي استُحدثت أخيرًا، غرفة أشعة تم تجهيزها بالكامل، وزُوّدت آلة تصوير شعاعي. ومن المنتظر أن تزوّد قريبًا جهاز بانوراميك. كذلك، تم استحداث قسم طوارئ مجهز بجميع المستلزمات، وهناك أيضًا مختبر للدم تم تجهيزه بآلاتٍ حديثة، ويجري العمل على توظيف أربعة موظفين متخصصين. هناك أيضًا عيادة جراحة صغرى بإشراف طبيب جراح ومركز للعلاج الفيزيائي ما زال قيد التجهيز.

أما المستوصف فيضم صيدلية كانت في السابق غرفة صغيرة، تم توسيعها حديثًا، كما جرى تنظيم عملية تسليم الأدوية للمستفيدين بما يضمن عدم الاكتظاظ. وتم تعزيز الصيدلية بالأدوية وخصوصًا أدوية العلاج الدائم، ما أدى إلى ارتفاع عدد الوصفات التي تسلّم يوميًا من عشرين وصفة إلى ما يزيد عن٢٥٠. كذلك تم التنسيق مع مستوصف شكري غانم بحيث بات بالإمكان تأمين الأدوية غير المتوافرة مجانًا في الصيدلية، من هذا المستوصف وبيعها للمستفيدين بدلًا من تكبيدهم مشقة البحث عن الدواء.

تشير رئيسة القسم إلى مشروع مستقبلي يقضي بإنشاء غرفة جراحة ليوم واحد وهو حاليًا قيد الدرس.

 

معمل لمواد التنظيف والتعقيم

من بين الإنجازات المهمة في اللواء، إنشاء معمل لتصنيع مواد التنظيف والغسيل وصابون سائل لليدين وآخر للتعقيم، يقوم بتسليم كل قطع الجيش والنوادي العسكرية ومغسل اللوجستي، كما يسلم العسكريين مباشرة من خلال القطع.

 

خطة نقل شاملة

أيضًا في إطار سعيها لتخفيف الأعباء المادية عن العسكريين، تعمل قيادة الجيش بالتنسيق مع فوج النقل في اللواء اللوجستي على وضع خطة نقل، بموجبها يستطيع كل العسكريين الانتقال من منازلهم إلى مراكز خدمتهم العسكرية مجانًا. تهدف الخطة إلى استخدام الباصات الستين التي تسلمها الفوج ضمن خطوط سير ومحطات مختلفة، فهناك مثلًا خط سير من وادي خالد إلى ثكنة عرمان، وخط آخر من عرمان إلى شارل حلو، ومن تلك المحطة هناك باصات لنقل العسكريين إلى مختلف المناطق البعيدة. بمعنى آخر، تشمل الخطة تأمين خطوط سير للباصات العسكرية لنقل العسكريين مجانًا وبصورة دائمة من مختلف المناطق اللبنانية وإليها.

 

مغسل سيارات ومختبر للزيت

في اللواء اللوجستي منشأة جديدة لغسل السيارات وغيار الزيت يستفيد منها العسكريون من مختلف قطع الجيش، وهي تقدم خدماتها بأسعارٍ زهيدة جدًا، علمًا أنّ جودة الزيت مكفولة. تعود أرباح المغسل لإصلاح الآليات العسكرية وتأمين القطع اللازمة لها. ويسعى اللواء إلى تطوير عمل المغسل بحيث يؤهله لغيار فلاتر الزيت بأسعارٍ مخفضة.

في الإطار نفسه، أُنشئ في اللواء مختبر لفحص الزيوت وتم تزويده آلة لتكرير الزيوت هي هبة ألمانية ما زالت قيد التجربة حاليًا. ومن المتوقع أن يوفر هذا المختبر الكثير من المصاريف التي كان يتكبدها اللواء لفحص الزيوت والبنزين في مختبر الجامعة اللبنانية أو الأميركية.

 

مشغل فريد من نوعه في الشرق الأوسط

في موازاة العمل على تحسين ظروف العسكريين ومساندتهم في مواجهة الظروف الاقتصادية، ينشط العمل لزيادة قدرات اللواء اللوجستي، ما ينعكس مزيدًا من الفعالية في أداء الجيش بمختلف قطعه، ويوفر تكاليف باهظة. في هذا السياق يشكّل مشغل تصليح الكاميرات وأجهزة المراقبة نموذجًا.

ففي إطار مشروع وكالة DTRA الأميركية لدعم أفواج الحدود البرية، تم تزويد هذه الأفواج أجهزة مراقبة واتصالات وكاميرات حرارية ليلية ونهارية وغيرها من المعدات التي يحتاجونها في عملية مراقبة الحدود. في موازاة هذا الدعم، أنشئ في اللواء اللوجستي، بتقدمة أميركية وبريطانية مشتركة (بلغت حوالى المليون دولار)، مشغل فريد من نوعه على صعيد الشرق الأوسط، تم تجهيزه بأحدث المعدات، مهمته كشف الأعطال في الأجهزة المذكورة والتابعة لأفواج الحدود البرية، بالإضافة إلى استلام العتاد الذي يُقدم هبة من الـDTRA والكشف عليه ومن ثم توزيعه. على الرغم من أنّ المشغل ما زال في طور الإنشاء، ولم يكتمل عديده بعد، إلا أنّه يقوم بإصلاح الكاميرات وأجهزة المراقبة التي كانت ترسل في السابق إلى السويد لإصلاحها في عملية تستغرق من ستة إلى ثمانية أشهر، وقد بات من الممكن إصلاحها واختبارها ومن ثم إعادتها إلى الفوج ضمن مهلة أسبوع. والجدير بالذكر أنّ عناصر المشغل خضعوا لدورات تدريبية على يد فريق من الخبراء السويديين، شملت تفكيك المعدات وجمعها وكشف الأعطال وإصلاحها. وقد فوجئ فريق التدريب بقدرات العسكريين وكفاءتهم، كما أشاد بتعطشهم للمعرفة وسعيهم إلى التقدم.

 

مدرسة تقنية لتطوير الخبرات

لا يمكـن السعي إلى التطور من دون إعداد عناصر ذوي خبرة واختصاص في مجال عملهـم. وبحسـب العميـد الركـن عبود، فإنّ عمليـة النقـل في السابق كانت محصـورة بشاحنات الريـو (٥ طن و٢ طن ونصف)، أما اليـوم فقـد زُوّد الجيش آليات حديثة الصنع تعمل بواسطة أجهزة إلكترونية، ما استدعى تطوير خبرات العسكريين ومعلوماتهم في المجال التقني بهدف تمكينهم من إصلاح الآليات الحديثة. من هنا برزت فكرة إنشاء مدرسة تقنية، مهمتها إعداد دورات متخصصة للعسكريين بهدف تنمية مهاراتهم وقدراتهم العملية.

الفكرة التي كانت بمثابة حلم صعب المنال بسبب عدم توافر الأموال اللازمة، أصبحت واقعًا بفضل الجهود التي بذلت لتنفيذها، إذ تم تأمين المبنى والعمل مستمر لتوفير المقومات اللازمة.

بوشر بالمشروع بمساعدة الدولة الكندية، التي قدمت هبة بقيمة ٤٠٠ ألف دولار، كما أرسلت فريقًا تقنيًا يعمل على وضع برامج تدريبية حديثة. وهي أيضًا ستتولى عملية تجهيز المدرسة وإنشاء المشاغل اللازمة بحسب حاجة الجيش. بدورها، سترسل أميركا خبراء لتدريب العسكريين على تصليح شاحنات الأوشكوش. وستضم المدرسة قاعات تعليم، وناديًا للرتباء، وستصبح التجهيزات كاملة لتدريب العسكريين وتأهيلهم لمواكبة تطور الآليات التي تُسلّم للجيش.

 

حقل رماية ومشاريع مستقبلية

من بين الإنجازات الأخيرة في اللواء اللوجستي إنشاء حقل رماية بأهداف ثابتة ومتحركة في محيط الثكنة، وهو حاليًا في الوضع التجريبي بانتظار اعتماده من قبل مديرية التعليم، ما يؤمن للقطع والوحدات في المنطقة حقل رماية قريب.

جعبة اللواء اللوجستي مليئة بالمشاريع التي من شأنها زيادة الإنتاج وإغناء الخدمات المقدمة للعسكريين. ومن بين مشاريعه المستقبلية إنشاء مخازن حديثة بتمويل كندي، وإنشاء معمل إعادة تدوير مادة الكاوتشوك المستخرجة من دواليب الآليات المنفّاة والاستفادة منها في تجهيز ملاعب رياضية للجيش.

من يزور اللواء اللوجستي، يجد نفسه أمام مثال حي للإرادة التي لا تهزمها صعاب، وأمام إيمان لا يضعف بالرسالة التي يعتنقها جيشنا. بوركت السواعد القوية والإرادات الصلبة التي تبتكر كل يوم وسيلة جديدة للصمود معلنة أنّ الاستسلام غير موجود في قاموسها.

 

معرض

تحوّلت الباحة الداخلية للّواء إلى معرض للأسلحة القديمة، يضم بنادق معروضة بأناقة على الجدران داخل علب زجاجية، أمام كلٍّ منها كتيّب يحمل تاريخ صنعها والحروب التي استخدمت فيها.