مؤتمرات

المؤتمر الإقليمي الثامن
إعداد: باسكال معوّض بومارون

الاستقرار والتنمية في الدول العربية والشرق الأوسط

 

برعاية رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، نظّم مركز البحوث والدراسات الاستراتيجية في الجيش اللبناني المؤتمر الإقليمي الثامن بعنوان: «دعم الاستقرار والتنمية في الدول العربية ومنطقة الشرق الأوسط». عشية المؤتمر أقيم في النادي العسكري المركزي - المنارة، حفل استقبال وافتتاح حضره وزير الدولة لشؤون رئاسة الجمهورية بيار رفّول ممثلًا العماد ميشال عون، والنائب قاسم هاشم ممثلًا رئيس مجلس النواب نبيه بري، ووزير الاتصالات النائب جمال الجرّاح ممثلًا رئيس الحكومة سعد الحريري، وقائد الجيش العماد جوزاف عون. كما حضرت فاعليات المؤتمر وشخصيات وطنية ودبلوماسية وعسكرية، إضافة إلى باحثين وأكاديميين من لبنان وبلدان عربية وإقليمية ودولية، ومنظّمات محلية وعالمية.

 

الوزير رفّول
كلمة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ألقاها ممثّله الوزير بيار رفّول مستهلًا بالقول: إنّ المنطقة العربية الغنية بثرواتها وطاقاتها ومواردها تعيش أسوأ مراحلها: حروب واقتتال وإرهاب وتدمير ممنهج للمجتمع والدولة.
إنّ هذا الواقع المؤلم الذي نعيشه منذ سنوات يدفعنا إلى التحرّك بجدّية للنهوض بمنطقتنا من الدرك الذي وصلت إليه، إلى مرحلة متقدّمة من الازدهار، ولا سبيل إلى ذلك سوى: بالمحافطة على التنوّع المجتمعي عبر تعزيز الوحدة الوطنية التي تعتبر العمود الفقري للاستقرار المستدام لحماية لبنان من أزمات مدفوعة من الخارج، أو التهويل عليه باعتداءات عسكرية لسلب حقوقنا النفطية من مياهنا البحرية. إنّ قوة لبنان تكمن في قوة أبنائه واتّحادهم لصون الاستقرار، وهو البلد العربي الوحيد الذي هزم الإرهاب بقوة جيشه الباسل وشعبه المقاوم، وهزم إسرائيل، فانهارت مقولة «لبنان قوي بضعفه»...
وأضاف: على المنطقة العربية أن تحذو النهج اللبناني بتحصين الوحدة الوطنية داخل كل دولة... وإذ أشار إلى مطالبة لبنان بعودة النازحين السوريين إلى ديارهم بشكلٍ آمن وبكرامة كي لا يكونوا عرضة للاستغلال من أيّة جهة أو منطقة إرهابية، وكي يبنوا وطنهم من جديد، أكّد أنّ التنمية تبقى التحدّي الحقيقي... معتبرًا أنّها تتطلّب تطوير الزراعة والصناعة، ما يؤمّن النمو الحقيقي بخلق فرص العمل وتحفيز الاستثمار وإرساء العدالة الاجتماعية وتطوير البنى التحتية والاستفادة من التكنولوجيا الحديثة...
وختم بالقول: إنّ الثورات العربية قد انبثقت من رحم شرائح اجتماعية مهمّشة، ومن الشباب الذي انبرى في الساحات العامة مدافعًا عن حريته وكرامته ولقمة عيشه، ما يؤكّد لنا أهمية معادلة «الاستقرار والتنمية»...

 

العماد عون
من جهته، ألقى قائد الجيش كلمة قال فيها: «يحظى الجيش اللبناني هذا العام، وللمرة الثامنة على التوالي، بشرف استضافة حلقة جديدة ضمن سلسلة حلقات المؤتمر الإقليمي الخاص بالشرق الأوسط، الذي يلتئم بحضور ألمع المفكرين والباحثين في لبنان والمنطقة والعالم، لتسليط الضوء على الاستقرار والتنمية في الشرق الأوسط، في وقت تتجاذبه رياح الفتن والأزمات ولا تزال آفاق الحلول السياسية ضبابية».
وأشار إلى أنّ الأقدار شاءت أن تكون هذه المنطقة عقدة مواصلات جغرافية، وساحة تتصادم فيها الإديولوجيات والتناقضات الفكرية والمصالح الدولية، إلى حدّ بات يبدو معه عنوان «الاستقرار والتنمية» مطلبًا صعب المنال. وإذا كان غبار الحرب ما زال متصاعدًا في منطقتنا، فحريّ بنا أن نبحث في سبل التنمية والاستقرار إلى جانب مسعانا الدائم لمجابهة الأخطار المتفلّتة من حولنا، وإنّه لمن الضروري أن تتعاون اليد التي تضرب الإرهاب وتدمّره مع اليد التي تبني وتزرع، بل إنّ التنمية المستدامة، بما تتضمّنه من محو آثار الفقر والجهل والبطالة، قد تكون أكثر فاعلية من السلاح التقليدي في مقارعة الإرهاب».
وأضاف القائد: «لقد عاهدت المؤسسة العسكرية أبناء وطنها على صون الاستقرار، وهو إنجازٌ ثمين لم يستمرّ إلا بما زرعه أفراد هذه المؤسسة من دمائهم الزكية وأرواحهم الطاهرة. لذا فإنّنا كلبنانيين، وتحديدًا كعسكريين، مدركون لموقع الاستقرار في بنيان الوطن: إنّه الركن الثابت الذي تشيّد عليه المجتمعات والحضارات، فلنضع نصب أعيننا هذا الهدف النبيل، ولنتعاون في اجتراح الحلول والوسائل الكفيلة بتحقيقها.
لقد بدرت من العدو الإسرائيلي في الآونة الأخيرة كما تعلمون عدة تهديدات وممارسات خطيرة تطال حق لبنان الثابت في ثروته النفطية وتحديدًا تلك الواقعة في البلوك الرقم «9»، بالإضافة إلى محاولته إقامة جدار عازل على الحدود الجنوبية قد يمرّ في أراضٍ لبنانية. وإنّني من على هذا المنبر أؤكّد مجددًا اليوم رفضنا القاطع إقدام العدو الإسرائيلي على المسّ بسيادة لبنان وبحقّه المقدس في استثمار جميع موارده الاقتصادية، ولن يوفّر الجيش وسيلة متاحة للتصدّي لأيّ عدوان إسرائيلي، مهما كلّفه ذلك من أثمان وتضحيات».
ولفت العماد عون إلى أنّه وبموازاة هذا الاستعداد، فإنّ الجيش سيكون حازمًا في إنهاء أيّ محاولة داخلية لزعزعة السلم الأهلي، وإثارة غبار الفتنة، ولن يسمح إطلاقًا بعودة عقارب الساعة إلى الوراء، وبتحوّل الاختلاف السياسي الذي هو من صلب نظامنا الديموقراطي إلى فوضى يسعى إليها البعض لنسف الإنجازات الوطنية الكبرى التي تحقّقت على أيدي اللبنانيين، وعلى أيدي شهدائنا وجنودنا الأبطال في أكثر من موقعة ومعركة مفصلية.
وقال: «إنّ رسالة لبنان هي رسالة العيش المشترك والانفتاح والحوار بين الثقافات، وهي رسالة نبتغي تعميمها عبر هذا المؤتمر كما كان الحال مع سابقاته، عساها تكون نقطة مضيئة في الظلام الدامس الذي يلفّ عدة بلدان من المنطقة، وتسهم في رفع المعاناة عن العديد من الدول المجاورة، التي لا تزال ترزح تحت وطأة الأزمات والأحداث المتوالية».
وختم قائلًا: «أتوجّه بخالص الشكر إلى فخامة رئيس الجمهورية الذي شرّفنا برعايته للمؤتمر، وإلى مركز البحوث والدراسات الاستراتيجية الذي تولّى تنظيم المؤتمر، كما أحيّي السادة المشاركين، متمنّيًا للجميع التوفيق والوصول إلى نتائج مثمرة تعود بالخير على لبنان والمنطقة».

 

العميد الركن أبي فرّاج
عرض رئيس اللجنة العامة للمؤتمر العميد الركن فادي أبي فرّاج في كلمة الافتتاح برنامج المؤتمر وفعالياته وأهميته على صعيد منطقة الشرق الأوسط، لافتًا إلى «أنّ العالم يعيش مرحلة تحوّلات كبيرة قد تصل إلى تغيير الكثير من مفاهيم العقود الاجتماعية السابقة، وقد ساهمت عدّة عوامل بذلك، من أهمها الثورة الرقمية التي طوّرت مختلف قطاعات الانتاج والخدمات، حتى أحدثت تغييرًا لم يرَ العالم مثيلًا له من قبل. وتحت ضغط المعلوماتية والعولمة في القرن الواحد والعشرين، تشابكت هذه العوامل لتجعل المنافسة عنصرًا أساسيًا لكل نشاط اقتصادي مهما كان وحيثما وُجد».
وأضاف: «تتمثّل إحدى الإشكاليات التي يتمحور حولها المؤتمر بسؤال مهم: هل الاقتصاد في خدمة السياسة أم السياسة في خدمة الاقتصاد؟ عمليًا يترابط الاقتصاد والسياسة إلى حد بعيد. ولهذا يتطلّب الازدهار الاقتصادي أمنًا اجتماعيًا متينًا في أي بلد من بلدان العالم، والأمن الاجتماعي يتطلّب بدوره تنمية اقتصادية مستدامة. فالاستثمار في الأمن هو تعزيزٌ للنهوض الاقتصادي، وهو عاملٌ حاسم في نشوء تكامل أمني – إنمائي – إجتماعي. هذا من دون إغفال المسألة البيئية التي هي من أبرز التحدّيات في هذا القرن، كون العلاقة الجدلية بين البيئة والتنمية تعني أحيانًا أولويّة خلق النمو على حساب الأثر البيئي أو العكس، ما يستدعي إيجاد علاقة متوازنة بين البيئة والتنمية، إلى جانب الاهتمام بالبُعدين الاقتصادي والاجتماعي».
وأوضح: «إنّ انعقاد المؤتمر الإقليمي الثامن برعاية فخامة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون لهو دليل ثقة عالية أُلقيت على عاتق مركز البحوث والدراسات الاستراتيجية في الجيش اللبناني، نتقاسمها مع نخبة من الباحثين ورجال الفكر من لبنان والبلدان العربية والدول الصديقة. وإننا نترجم هذه الثقة دفعًا وبحثًا في العمق، لبلورة صورة فكرية ناصعة مشبعة بالابداع، وإصدار توصيات قابلة للاستثمار من قبل صنّاع القرار على المستويات المحلية والاقليمية والدولية»...

 

انطلاق أعمال المؤتمر
بدأت أعمال المؤتمر رسميًا في فندق مونرو في عين المريسة في حضور عضو المجلس العسكري اللواء الركن جورج شريم، ممثلًا قائد الجيش اللبناني العماد جوزاف عون، وشخصيات دبلوماسية وأمنية وقنصلية وعسكرية لبنانية وعربية وأجنبية وممثلين عن المنظّمات الدولية العاملة في الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان.
وقد لفت العميد الركن أبي فرّاج في كلمته إلى توزّع الجلسات الحوارية على ثلاث مجموعات هي: «التعايش السلمي والتنمية المجتمعية»، «استراتيجيات التنمية الاقتصادية»، و«أنظمة الحكم ومستقبل المسار الديموقراطي في المنطقة».

 

سلامة
تحدّث حاكم مصرف لبنان رياض سلامة فقال: «إنّ الاستثمار في القطاع الخاص ودعم نشاطاته هو المفتاح الأهم لتحفيز عملية النموّ الاقتصادي وتحقيق التنمية المستدامة، لما للقطاع الخاص من دور كبير في تحقيق التنمية الشاملة للمجتمعات على مستوى الانتاجية وخلق فرص العمل والحد من الفقر، فالقطاع الخاص هو المساهم الأساسي والفعّال في بناء القدرات والمهارات وتوجيهها نحو الإنتاج والابتكار والتجديد».
وأشار سلامة إلى أنّ مصرف لبنان قد سعى من خلال تشجيع القروض السكنية والاستهلاكية، إلى تأمين التمويل الذي سيعيد تكوين الطبقة الوسطى، وهي أساس الاستقرار الذي يحتاج إليه الاقتصاد اللبناني، مضيفًا: «إنّنا مستمرّون في مقارباتنا غير التقليدية بالتعاون مع المصارف، لتحفيز مختلف القطاعات الاقتصادية وتحسين القدرة التنافسية للقطاعات التي تتعاطى مع الخارج، ونبذل جهودًا بشكلٍ خاص ومن خلال القروض المدعومة لاتّخاذ مبادرات بيئية وتشجيع استخدام الطاقة البديلة، نظرًا إلى الوفورات الكبيرة التي تحقّقها في المستقبل على صعيد المواطن والمؤسسات، وبالتالي المجتمع والاقتصاد».
ولفت إلى سعي المصرف «إلى تأسيس البيئة الصحيحة التي تسمح للبنان بأن يكون مواكبًا للتطوّرات العالمية، وتسمح للّبناني بالاستفادة من قطاعه المالي في أعماله وحياته اليومية في آن معًا، مؤكّدًا أنّ الاقتصاد لا يمكن أن ينمو من دون قطاعٍ مالي سليم يؤمّن التسليف، ومن دون ليرة لبنانية مستقرّة تؤمّن الثقة، وتؤدي باستقرارها إلى التعاطي المالي بفوائد مقبولة... وفي هذا الاطار، أدخلنا المعايير العالمية لتطبّق في قطاعنا»...
وختم الحاكم سلامة بالقول: «ما يهمّنا هو الحفاظ على أجواء تسمح بالمزيد من النمو وتدعيم الثقة والحدّ من ارتفاع الفوائد، ولكي يتحقّق ذلك، نحن بحاجة إلى خفض تدريجيّ في عجز الموازنة مقارنة بالناتج المحلي»...

 

لازاريني
المنسّق المقيم لأنشطة الأمم المتحدة ومنسّق الشؤون الإنسانية في لبنان فيليب لازاريني، أكّد انّه مع دخول الأزمة السورية عامها الثامن، «لا يزال لبنان في طليعة الدول المتأثرة بالأزمة السورية، وهو ما يعوّق النمو الاقتصادي ومسارات التنمية».
واعتبر أنّ «تركيز المؤتمر على الترابط بين التنمية والاستقرار، يلتقي مع مقاربة الأمم المتّحدة للوضع في لبنان، والتي تقوم على ثلاثة ركائز، السلام والأمن، الاستقرار السياسي، والتنمية الاقتصادية – الاجتماعية. وأشار إلى أنّ لبنان تلقّى منذ بدء الازمة السورية مساعدات إنسانية بقيمة 6 مليارات دولار، وقد استفاد من هذه المساعدات اللاجئون السوريون والمجتمعات المضيفة على حد سواء، ولكن هذا الدعم السخي لم يكن كافيًا لتلبية جميع الحاجات ولم يمنع ازدياد مظاهر الهشاشة والضعف في لبنان. فالتوتر بين المجتمعات المضيفة والنازحين يتصاعد داخل المجتمعات نفسها، في ظل المنافسة الحادة على فرص العمل في الوظائف التي لا تتطلّب مهارات عالية».
وختم لازاريني قائلًا: «لقد وصلنا إلى نتيجة مفادها بأنّ التدخّل الإنساني لا يكفي وحده لقلب الموجة، بل يجب أن يتكامل مع الجهود لتحقيق التنمية وبناء السلام. نحتاج أن نعمل معًا من أجل وقف الانحدار الاقتصادي بالاستثمار في قطاعات إنتاجية رئيسية وتحديث البنى التحتية للبنان، وتشجيع الإصلاحات البنيوية الرئيسية».

 

كومار جا
من جهته لفت المدير الإقليمي لمنطقة الشرق الاوسط في البنك الدولي الدكتور ساروج كومار جا، إلى عدم إمكان تحقيق تنمية من دون استقرار والعكس صحيح، بدليل أنّ ملياري شخص يعيشون في بلدانٍ تشهد فيها التنمية ركودًا بسبب الهشاشة والنزاعات والعنف، متوقعًا أن تبلغ نسبة فقراء العالم الذين يعيشون في ظروف غير مستقرّة أو في أوضاع متضرّرة من الصراعات، نحو 46 في المئة، خصوصًا وأنّ الأمن ضروري وأساسي جدًا لبلوغ المعوزين والأشخاص الأكثر حرمانًا لنيل حاجتهم في الحياة.
وقال الدكتور كومار جا: «نحن في حاجة إلى الأمن، وهنا تُلقى مسؤولية كبيرة على أكتاف جيوشنا، والأمن هو المسؤول عن صون التنمية. فإيجاد الحلول الملائمة للمشاكل الاقتصادية والسياسية والأمنية التي تعوّق التنمية وتوقِع الدول الضعيفة في فخ العنف، يحتاج إلى تعزيز دور المؤسسات الوطنية، الجيوش بصورة خاصة، وتحسين الحوكمة من خلال إعطاء الأولوية لمصالح مواطنينا».

 

الحكيم
في مداخلته, ركّز وكيل الأمين العام للأمم المتحدة، والأمين التنفيذي للّجنة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (الإسكوا) الدكتور محمد علي الحكيم على الأبعاد المتداخلة للاستقرار والتنمية، مُنطلقًا من خطة التنمية المستدامة للعام 2030، كإطار لتحقيق التنمية والاستقرار وتعزيز المسار الديمقراطي، مشددًا على التعايش السلمي مدخلًا لتحقيق التنمية المجتمعية التي تشكّل أساس التنمية الاقتصادية المستدامة.
وعرّج الحكيم على التحدّيات الماثلة أمام تنفيذ خطة 2030 في الدول العربية، من تراجع دور الدبلوماسية المتعددة الأطراف في حلّ النزاعات، وتصاعد نفوذ التيارات الانعزالية المتطرّفة والأصولية في بلدان الشمال والجنوب، إلى تأثير النزاعات المسلّحة وحالات عدم الاستقرار في الدول العربية وعمليات مكافحة الإرهاب على عملية التنمية.
وأشار الحكيم إلى أنّ «الإسكوا» تقترح لمعالجة تحدّيات الأمن والسلام والتحوّل السياسي والمؤسّساتي والتحدّيات الاقتصادية والاجتماعية، تعزيز قدرة الدول الأعضاء على معالجة الأسباب الجذرية للنزاعات، وتحليل أثرها على التنمية والتخفيف من تداعياتها الجانبية وتطوير آليات وطنية وإقليمية للتصدّي لآثارها غير المباشرة والطويلة الأمد، وتسهيل قيام منابر حوار تقنية دائمة، وطنية وإقليمية تجمع الشركاء في التنمية لدعم عملية بناء السلام بعد النزاع، وتعزيز القدرات الوطنية والاقليمية للتخفيف من آثار الاحتلال الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني والمنطقة العربية.
 

لاسن
بدورها رأت رئيسة بعثة الاتحاد الأوروبي في لبنان السفيرة كريستينا لاسن أنّ «عدم الإستقرار بات العرف السائد في المنطقة في العقد الاخير، وأنّ الاتحاد الاوروبي يرى تلازمًا بين مسارَي التنمية والاستقرار، وهذا ما خلُصنا اليه في استراتيجية الاتحاد الأوروبي للسياسة الخارجية في العام 2016.
وأشارت إلى أنّ الاتحاد الأوروبي يعتبر «أنّ الأمن لا يمكن مقاربته من دون الاستثمار الواسع في منع النزاعات وتحديد الجذور الرئيسية لعدم الاستقرار، مع تحفيز النمو، وإيجاد فرص عمل»، مُوضحةً «أنّ الاتحاد يُدرك أنّ لا أمن مستدام في الإتحاد الأوروبي من دون سلام في دول الجوار».
وذكّرت السفيرة لاسن بأنّ الاتحاد الأوروبي، وقبل الأزمة السورية، «وقّع اتفاقية الشراكة مع لبنان في العام 2006، وقد قرر تعزيز تعاونه معه في أربعة مجالات، وهي الأمن ومواجهة الإرهاب، والحوكمة وسيادة القانون، والنمو الاقتصادي وخلق فرص عمل، والهجرة».
ولفتت السفيرة إلى أنّ تحقيق تقدم في هذه المجالات الأربعة يساهم في تحقيق الاستقرار والتنمية في لبنان، وهذا سيكون محور المؤتمرات الثلاثة المرتقبة في باريس وروما وبروكسل، مشددةً على أنّ تجديد الحكومة اللبنانية التزام سياسة النأي بالنفس من شأنه تعزيز الاستقرار في منطقة تغرق بالصراعات، لأنّ استقرار لبنان ذو أهمية جوهرية وأساسية. وقالت: «نحن ندعم الجيش اللبناني، ونتفادى الراديكالية ونعمل على مواجهة الإرهاب ومناهضته ونشجّع على سيادة القانون ونؤيد القانون الانتخابي، واعتماد إجراء الإنتخابات النيابية هذا العام».
وختمت: «نتطلّع إلى المخطط التوجيهي للاستثمارات الذي ستقدمه الحكومة في مؤتمر باريس، وأجدّد التأكيد أنّ الاتحاد الأوروبي كان سبّاقًا في مساندة لبنان وكل دول الجوار التي استضافت اللاجئين ولم يغفل النازحين داخل سوريا، ولكن وحده الحل السياسي يمكن أن ينهي المأساة في سوريا».
بعدها انطلقت جلسات المناقشات الثلاث لمجموعات العمل المشكّلة في إطار المحاور الثلاث المعتمدة: «التعايش السلمي والتنمية المجتمعية» بإدارة الدكتور وليد عربيد، «استراتيجيات التنمية الاقتصادية» بإدارة الدكتور فريد شعبان، و«أنظمة الحكم ومستقبل المسار الديموقراطي في المنطقة» بإدارة الدكتور كميل حبيب، وامتدت هذه المناقشات طوال أيام المؤتمر الثلاث.

 

التوصيات

• مجموعة العمل الأولى:
عالجت مجموعة العمل الأولى «التعايش السلمي والتنمية المجتمعية». وكانت أبرز توصياتها وفق الآتي:
- العمل على التصدّي للجماعات الأصولية ذات النزعة التكفيرية، ومنع تغليب مصالح القوى الإنفصالية على حساب الوحدة الوطنية الجامعة، وذلك عبر التشجيع على بناء «دولة الحق» المرتكزة على احترام حقوق الإنسان كما وردت في المعاهدات الدولية.
- مكافحة الفساد عبر وضع آليات شفافة للحوكمة الرشيدة وفق المعايير الدولية.
- ترسيخ الأسس القانونية للتعايش السلمي بدءًا من الدستور ومرورًا بالقوانين والأنظمة بحيث يقتضي تكييفها مع حاجات المجتمع.
- دعم الاستقرار في المنطقة العربية عبر تعزيز الحريات العامة والانصهار الوطني بين مختلف مكوّنات المجتمع.
- تعزيز التبادل الأكاديمي والعلمي بين دول المنطقة من أجل تأسيس نظام إقليمي ثقافي أكاديمي مشترك بين الدول الصديقة.
- توحيد الجهود لإيجاد حلول للنزاعات والأزمات في المنطقة عبر نشر ثقافة السلام والوسائل البديلة لحل النزاعات مثل المفاوضات، الوساطة، الصلح والتحكيم.
- الحرص على دعم الجيوش الوطنية في البلدان العربية كمرجع أساسي لحماية السلم الأهلي.
- وضع استراتيجية إقليمية دولية لمواجهة أزمات اللجوء والنزوح...
 

• مجموعة العمل الثانية:
بحثت مجموعة العمل الثانية في «استراتيجيات التنمية الاقتصادية»، وانتهت إلى:
- التأكيد على أهمية الاستقرار السياسي والأمني مع صيانة الحريات العامة والديمقراطية، وتحييد المصالح الاقتصادية المشتركة للشعوب العربية عن الخلافات السياسية.
- ضرورة اجتياز محنة الفوضى التي عمّت بعض البلدان العربية وإيلاء أهمية خاصة للدول التي تعاني من النزاعات وتداعيات الأزمات الأمنية الإقليمية والاقتصادية والمالية العالمية والكوارث الطبيعية.
- رفع القدرة الإنتاجية والتنافسية للصناعات الوطنية وتشجيع التصدير والاستهلاك المستدام وأولوية ربط استهلاك الإنتاج المحلي بالإنتماء الوطني.
- رفع كفاءة استخدام الطاقة وترشيد أنماط استهلاكها، وتشجيع الصناعة الخضراء ومعالجة النفايات الصلبة والسائلة عبر إعادة التدوير وتوليد الطاقة منها.
- تحسين إدارة الموارد المائية العربية والإقليمية المستدامة وتنميتها، والحفاظ عليها...
- تطوير البنية التحتية لدعم الاقتصاد المعرفي... والانتقال إلى الحكومة الإلكترونية، وتطوير قطاع الاتصالات لتسهيل الخدمات الإنتاجية.
- العمل على تخفيف تداعيات تغيير المناخ، وإنشاء صناديق سيادية لدعم مشروعات الاستثمار التنموية، وتنمية المؤسسات المتناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة، كمحرّكٍ للتنمية المحلية وخلق فرص العمل...
- دعم القطاعات الإنتاجية وإعادة احياء الراكدة منها، ومعالجة الموازنات العامة لتنتقل من الإنفاق الريعي إلى الإنتاجي، والإستثمار في البنى التحتية والمشروعات العامة، بهدف تخفيض العجز في الموازنات العامة وميزان المدفوعات.
- انتهاج مبدأ الشراكة بين القطاعين العام والخاص والمجتمع المدني...
- مكافحة الفساد وتفعيل أجهزة الرقابة وإنفاذ القانون، وتجريم كل أوجه النشاط الاقتصادي غير الشرعي...
- العمل على وضع استراتيجيات وطنية لتنفيذ أهداف التنمية المستدامة... واعتماد استراتيجية عملية جيو – اقتصادية لتحقيق التنمية العربية الشاملة، تقوم على التوفيق بين الموارد الطبيعية والمالية لبعض الدول العربية، وبين الموارد البشرية لدول عربية أخرى...

 

• مجموعة العمل الثالثة:
أبرز توصيات مجموعة العمل الثالثة التي عملت على محور «أنظمة الحكم ومستقبل المسار الديموقراطي في المنطقة»، تضمّنت:
- التأكيد على الدولة المدنية والمواطنة الكاملة القائمة على الحرية والمساواة والعدالة واحترام التعددية.
- عدم الاستسلام للمعوّقات التي تجمّد حركية المجتمع وابتكار آليات دستورية لتعزيز التنمية، وتفعيل دور المجالس الدستورية...
- العمل على زيادة الوعي في آليات عمل المنظمات الإقليمية والدولية.
- التأكيد على حق لبنان في بسط سيادته كاملة بما في ذلك ثرواته الطبيعية والدفاع عنها بالوسائل المشروعة.
- التأكيد على حق الشعوب العربية في معالجة قضاياها بمنأى عن أيّ تدخّل خارجي والدعوة إلى حلّها بالحوار والتفاهم.
- تفعيل الشراكة الأورو – متوسطية لتعزيز التنمية والتوصل إلى الاستقرار.
- تعزيز دور المرأة في كل مجالات الشأن العام وبخاصة في الحياة السياسية والاقتصادية...

 

اختتام المؤتمر
اختتمت أعمال المؤتمر بحفل تكريم للجهات الراعية للمؤتمر، حضره نائب رئيس الأركان للعديد العميد الركن خليل يحيى ممثلًا قائد الجيش العماد جوزاف عون، وممثلون عن هذه الجهات، وهي: ملتقى التأثير المدني وجمعية مصارف لبنان وفرنسبنك وغرفة التجارة والصناعة والزراعة في بيروت وجبل لبنان ومعهد باسل فليحان المالي والاقتصادي وشركة طيران الشرق الأوسط. كما حضر مسؤولو مراكز الدراسات والأبحاث والفاعليات التي شاركت في المؤتمر، وشخصيات إعلامية وفكرية وثقافية.
وقد ألقى العميد الركن أبي فرّاج كلمة شكر فيها الجهات الراعية للمؤتمر وجميع المشاركين في أعماله والذين أسهموا في إنجاحه. وقدم العميد الركن خليل يحي باسم قائد الجيش العماد جوزاف عون، دروعًا تذكارية للرعاة الماليين لهذا المؤتمر عربون شكر وتقدير.