مؤتمرات

المؤتمر الإقليمي الثاني لمركز البحوث والدراسات الاستراتيجية في الجيش اللبناني
إعداد: روجينا خليل الشختورة

عشرات الباحثين يناقشون التحولات الجيوسياسية والإقتصادية والأمنية في الشرق الأوسط


برعاية العماد جان قهوجي، نظّم مركز البحوث والدراسات الاستراتيجية في الجيش اللبناني، المؤتمر الإقليمي الثاني حول «الشرق الأوسط ما بعد 2011 - التحولات الجيوسياسية والاقتصادية والأمنية» والذي عقد في فندق مونرو واستمرّت أعماله من 28 ولغاية 31 آذار 2012.
سبق جلسات العمل حفل استقبال للمشاركين تخلّلته كلمات لوزير الدفاع الوطني وقائد الجيش، ورئيس اللجنة المنظّمة للمؤتمر، بينما تضمّن افتتاح أعمال المؤتمر كلمات لرئيس الحكومة وممثل أمين عام جامعة الدول العربية وأمينها العام السابق ومدير NESA.

 

الرئيس ميقاتي: العنف لن يقدّم حلولاً
رئيس الحكومة نجيب ميقاتي رحّب في مستهلّ كلمته بالمشاركين وشكر مركز البحوث والدراسات الإستراتيجية في الجيش اللبناني، «الذي يتولى رصد الظواهر والتحولات المهمة في منطقتنا وتحليلها لترقب مدى تأثيرها على وطننا، تمهيدًا لدرء الانعكاسات السلبية المتأتية عنها، وهو بذلك يثبت أن جيشنا الوطني الذي يحافظ على الدولة والكيان اللبناني والنظام الديموقراطي البرلماني ويدافع عن تراب الوطن ويصون حدوده، إلى جانب رعايته للسلم الأهلي وحماية الحريات العامة والخاصة، بتوجيه من السلطة السياسية، يولي الجانب البحثي الأهمية اللازمة لاستشراف المستقبل تمهيدًا لاتخاذ القرارات المناسبة».
وأضاف: «لانعقاد المؤتمر أهمية خاصة لأنه يتزامن مع ما تشهده منطقتنا العربية من تحولات ترجمت تبدلات في عدد من البلدان العربية، جاء بعضها مكلفًا على الصعيدين الانساني والاقتصادي، فيما كان الوضع مختلفًا نسبيًا في بلدان أخرى، كنا نتمنى لو حصلت التحولات فيها دونما إراقة للدماء ودونما استهداف للقدرات التنموية والاقتصادية...».
وقال: «إن مسؤولية كبرى تقع على القيمين على الأنظمة الجديدة التي تكونت ، تتمثل في التركيز على ابراز التأثيرات الايجابية للتغيير الذي حصل، بالتزامن مع ضرورة تبديد القلق الذي نشأ بفعل تحريك عصبيات قبلية او اتنية او دينية ، سرعان ما عزف البعد الطائفي على اوتارها، ما احدث فتنة في هذه الدولة او تلك، ومشاريع حرب اهلية في دول أخرى. لقد كان بالإمكان تفادي النتائج السلبية لتحرك شعوب بعض دول المنطقة لو تم ادراك الابعاد الحقيقية لانتفاضة هذه الشعوب والشروع في حوار هادىء ومسؤول يفضي إلى إجراءات توافقية...».
وقال: «إن التجربة اللبنانية في الحوار والاتفاق... تشكل نموذجًا يحتذى، ذلك أن العنف مهما اشتد وتنوع، لن يقدم حلولا مستدامة، بل يؤسس لمزيد من التباعد والتقاتل وتدمير الذات، ويفسح في المجال امام تنامي ظواهر لا تأتلف مع توق الشعوب إلى الحرية والتعددية والتنوع...».
وأردف: «إن لبنان الذي شكل عبر التاريخ مساحة للالتقاء يصلح لأن يكون النموذج الأمثل للاقتداء به...»، لكن «ذلك لا يعفينا من أن نستلهم بدورنا طموحات شعبنا وأن نعمل على إستكمال تطبيق هذا النظام الذي توافقنا عليه في الطائف ومن ثم تحديثه في ضوء الممارسة لتصحيح ما يلزم تصحيحه، وتعزيز دور الجيش اللبناني والقوى الامنية كافة...».
وقال: «لقد كان موقف لبنان مما يجري من حولنا، واضحًا وثابتًا، في احترام توق الشعوب الشقيقة إلى الحرية وإلى اعتماد النظام الذي يحقق امانيها، من دون التدخل مطلقًا في الشؤون الداخلية لهذه الدول والشعوب لأننا نتمنى لها ما نتمناه لوطننا من استقرار وازدهار وهناء، ولن ينجح احد في استدراجنا الى تبديل موقفنا بالنأي عن النفس، كما لن تؤثر الضغوط التي يمكن أن تمارس علينا، سياسيًا وأمنيًا واقتصاديًا، في دفعنا الى مواقف وخطوات تعرض للخطر وحدة اللبنانيين والثوابت التي ارستها مواثيق الامم المتحدة وجامعة الدول العربية... وإن التوجهات التي نعمل في هديها، هي التي جعلت قرارنا النأي بالنفس عما يجري في سوريا التي نتمنى لها كل الخير والاستقرار والخروج من محنتها موحدة بأرضها وشعبها، وقادرة على استعادة دورها الى جانب شقيقاتها الدول العربية ولا سيما في مواجهة العدو الاسرائيلي...». وأضاف: «لا يجوز أن يغيب عن بالنا في غمرة ما يجري من أحداث، أن الهدف الأسمى الذي يجب أن تسعى اليه الدول العربية الشقيقة هو نصرة قضايانا العادلة وفي مقدمها القضية الفلسطينية وحق الشعب الفلسطيني في قيام دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف، تطبيقًا لقرارات الشرعية الدولية ذات الصلة ولمبادرة السلام العربية التي لا نزال نتمسك بها اطارا للسلام العادل والشامل والدائم...».

 

الوزير غصن: الإصلاح الحقيقي ينبع من إرادة الشعب
وزير الدفاع الوطني فايز غصن استهلّ كلمته بالإشارة إلى أنّ الساحة اللبنانية تشهد في الآونة الأخيرة تطورات وأحداثًا، تعكس الانقسام الداخلي، ما يستوجب المزيد من التيقظ والتحسب والتواصل تلافيًا للتداعيات السلبية الممكنة لحالة التوتر والعنف التي يشهدها محيطنا الجغرافي. وقال: «بداية، كان هناك تحرّكات عبرت عن مطالب الشعب واحتجاجات تنادي بالرغيف والحرية والعدالة الاجتماعية، لكن سياسات بعض الدول الكبرى استغلت هذه التظاهرات والاحتجاجات لتلبية مآربها وتحقيق مصالحها في المنطقة. ومن هنا أهمية العودة الى قراءة الاحداث، ودراسة القضايا العربية العالقة وتفهم مجريات سياساتها، وخلفياتها وأبعادها.
فهذه السياسة، واستنادًا الى المتغيرات الجديدة، باتت تحتاج الى التغيير والسعي الى وضع أسس سليمة تشكل المدماك الاول في بناء دول ديمقراطية قائمة على العدالة الاجتماعية وعلى حق المشاركة في القرار، ومرتكزة الى الحرية التي تنص عليها الدساتير وتصونها القوانين.
إن المجتمعات المتقدمة هي تلك التي تعتمد في بنيانها على أسس صلبة، والأساس الصلب يبدأ من الاستقرار السياسي والاجتماعي ولا يمكن ان تقوم أسس الاستقرار، ما لم يكن بدوره مبنيًا على المشاركة بين الدولة والمجتمع المدني ومؤسساته...».
واعتبر أن «الإصلاح الحقيقي لا يستورد، إنما ينبع من إرادة الشعب ويبنى بأيدي أبنائه، ولعلنا بأمس الحاجة اليوم إلى تكثيف الجهود والتضامن والتحاور بحثًا عن بلورة إرادة عربية ذاتية قوية ومتينة...».
ودعا إلى «تطوير رؤيتنا للإصلاح الديمقراطي الذي بات يشكل حاجة للدول والحكومات والشعوب... وطمأنة شعوبنا الى المستقبل...».
كما شدّد على ضرورة «ألاّ ننسى أن علينا العمل على اعادة تصويب بوصلتنا وإعادة توجيهها إلى القضية المركزية، إلى فلسطين المغتصبة...».
وقال: «إن لبنان جزء من العالم العربي، وليس بمنأى في المطلق عما يحصل حوله، وإن كانت السياسة التي اعتمدها مكنته من إبعاد نفسه إلى حد ما عن تداعيات ما يحصل حوله، إلا أن الإنقسام السياسي الحاصل يجب أن ينطلق من ضرورة تضييق رقعة الإختلاف وتقريب وجهات النظر حول الكثير من المسائل، وصولاً إلى ايجاد الحلول المنتجة والبنّاءة...».
وختم الوزير غصن بالقول: «لا يسعنا إلا أن ننبّه إلى خطورة اللعب بأمن الوطن ونؤكد أن الجيش اللبناني سوف يكون بالمرصاد لكل من تسوّل له نفسه العبث بالاستقرار الداخلي، وندعو الجميع إلى اعتماد سياسة اليد الممدودة، فلبنان لجميع ابنائه، ولبنان يحتاج إليهم جميعًا...».

 

العماد قهوجي: إلغاء الآخر يرتب أثمانًا باهظة على الأجيال
قائد الجيش العماد جان قهوجي رحّب في مستهلّ كلمته بالحضور وقال: «بفضل التقدم الهائل في مجالات الاتصالات والمواصلات والتكنولوجيا على اختلاف أنواعها، أضحت مسألة انتقال المعرفة والاطلاع على الأحداث والنشاطات والتطورات، في متناول معظم سكان العالم، إن لم نقل في متناول الجميع. وفي غمرة ذلك كله، تبدو منطقة الشرق الأوسط وبخاصة المنطقة العربية، من أكثر مناطق العالم تأثرًا بهذا الواقع ايجابًا وسلبًا على السواء، نظرًا إلى كونها في موقع المتلقي من جهة، ولجسامة الأزمات التي تعصف بها من جهة أخرى، ويمكن إيجاز أسباب هذه الأزمات بالآتي:
أولاً: استمرار الصراع العربي - الاسرائيلي نتيجة مواصلة العدو الاسرائيلي رفضه شروط السلام الشامل والعادل...
ثانيًا: ظاهرة الارهاب التي تضرب العديد من بلدان المنطقة والتي تشكل عائقا أمام تحقيق الاستقرار العام، ومواكبة التطور المنشود.
ثالثًا: البنية الاجتماعية والاقتصادية المعقدة، والمتمثلة بالزيادة السكانية المطردة، وعدم التوازن بين الحاجة والانتاج، وهذا ما يؤدي الى التفاوت الطبقي الحاد وارتفاع نسب الجهل والفقر والبطالة، والى تشكيل بيئة حاضنة لممارسة العنف والخروج على القانون.
رابعًا: عدم فعالية خطط السلطات الحكومية وسياساتها وسوء تنظيم الثروة، واستشراء الفساد في الادارات العامة، نتيجة غياب المساءلة والمحاسبة الى حد كبير.
خامسًا: عدم توافر الديمقراطية والحريات العامة بالشكل المناسب، وهذا ما يتسبب بالانغلاق وتراجع المبادرة الفردية والبطء في مجاراة التقدم، وفي كثير من الأحيان يؤدي الى حصول اضطرابات واندلاع ثورات واسعة.
سادسًا: التدخلات الخارجية والنزاع الدولي على ثروات المنطقة».
وأضاف قائلاً: «ينعقد مؤتمرنا اليوم، وسط مخاض عسير تمر به المنطقة العربية، عنوانه نضال الشعوب في سبيل تحقيق الديمقراطية والعدالة الاجتماعية الشاملة. لكنه من المؤسف أن يترافق هذا المطلب الذي نعتبره حقًا ثابتًا ومقدسًا للشعوب، مع اختلاط في المفاهيم والقناعات، وسيل من الدماء وخسائر مادية هائلة، وأن تسود لغة الشطب وإلغاء الآخر وإطلاق الأحكام المسبقة على النوايا، بديلا من لغة الانفتاح والحوار والمصالحة، الأمر الذي من شأنه أن يترك جرحًا عميقًا بين أبناء الوطن الواحد، ويرتب أثمانًا باهظة على الأجيال اللاحقة. وفي الإطار عينه نرى أن تحقيق مطلب الديمقراطية وعلى أهميته، يجب أن يتزامن مع معالجة أسباب المشاكل التي ذكرت آنفًا، وإلا تعرضت المنطقة من جديد لدورات متتالية من العنف والفوضى تحت مسميات وشعارات مختلفة».
وأضاف قائلاً: «لقد أولت قيادة الجيش هذا المؤتمر كما سابقه اهتمامًا خاصًا، انطلاقًا من التمسك بمبدأ التضامن العربي، ومن دور لبنان، كمصهر للحضارات والثقافات، ونموذج للديمقراطية والحريات العامة...
وكذلك انطلاقًا من موقع الجيش اللبناني الذي يعكس ببنيته ودوره الوطني الجامع، وحدة الوطن وإرادة شعبه بأطيافه وفئاته، علّنا من خلال هذه المبادرة نضيء شمعة وسط الظلام الدامس، ونسهم ولو بالقدر اليسير في إجلاء الضباب عن المشهد العربي، وتوجيه البوصلة الى الاتجاه الصحيح، عبر الوصول الى الحلول الموضوعية والتوصيات اللازمة...».

 

السفير الصلح: التجربة اللبنانية ما تزال سبّاقة ورائدة
السفير عبد الرحمن الصلح ألقى كلمة الأمين العام للجامعة العربية، فأشار في البداية إلى أنّ ملامح الثورات العربية تشابهت في بدايتها من حيث تأكيد سلمية الحدث، والمطالبة بإحداث تغييرات جذرية في النظم السياسية، وتحقيق إصلاحات صادقة تحقق للمواطن ما يتطلع إليه من حياة كريمة وآمنة، إلا أن تلك الملامح سرعان ما اختلفت من قطر عربي الى آخر، وفق اختلاف حدة ردات فعل النظم الحاكمة على تلك التحركات الشعبية...».
وتناول الدور الوطني للجيوش العربية، التي عليها مسؤولية صون الأوطان وتوفير الحماية لمواطنيها، ومصالحهم وممتلكاتهم. وفي هذا الإطار، أشاد بالدور الهام الذي «اضطلع به الجيش اللبناني في الحفاظ على استقرار لبنان وأمنه ووحدته الوطنية، حيث لا تزال التجربة اللبنانية سباقة ورائدة في مجال حماية الحقوق والحريات لجميع اللبنانيين على اختلاف مشاربهم وانتماءاتهم».
وإذ تطرق إلى القضايا المحورية التي يتناولها المؤتمر، قدّم بعض الملاحظات ومنها:
«أولاً: إن التيارات الدينية التي تمكنت من الحفاظ على بناها التنظيمية في ظل الأنظمة القمعية السابقة حققت نجاحات كبيرة في الإنتخابات، بخلاف الجماعات المنافسة من الإتجاهات القومية واليسارية والليبرالية والتي بدت أقل قدرة على التنظيم والحشد. وفي ظل التوجه نحو الديموقراطية وتعزيز الحقوق السياسية للمواطنين، فمن الواجب أن تعمل القوى الدينية على تبديد المخاوف، باعتبار أن فعل القيادة وتحمل المسؤولية هو من صميم الإلتزام الديني والأخلاقي والإنساني.
ثانيًا: انّ تسارع وتيرة الأحداث التي يشهدها بعض الدول العربية ينبىء بتحولات متسارعة بشأن النظرة العامة لمفهوم الدولة الحديثة، وفي ظل الأوضاع السياسية والإقتصادية الراهنة، لا بد من التقريب بين إرادات الشعوب والحكومات، من أجل تمهيد الأرضية اللازمة للحوار الوطني ومعالجة الإختلالات والإختلافات، وخصوصا في القضايا التي تمس الحياة اليومية للمواطن العادي.
ثالثًا: إن العالم أجمع يقف في حالة ترقب لما ستسفر عنه التطورات الراهنة في المنطقة، ومن غير المستبعد أن تعكف القوى الدولية على صوغ سياسات لها تجاه المنطقة تتواءم والمتغيرات الجارية، بما في ذلك محاولات التدخل وتحريف مسار الحراك الشعبي بما يخدم مصالحها، وهو ما يوجب علينا الإنتباه الى المخططات التي تحاك ضد الأمة العربية، ورفض أي محاولات للتدخل الخارجي في شؤوننا الداخلية، والوقوف بحزم أمام محاولات الهيمنة الأجنبية على البلدان العربية من خلال أجواء طائفية ومذهبية تنخر الجسم العربي وتهدد وحدة أوطانه.
رابعًا: إننا لعلى يقين بأن الشعوب العربية، التواقة الآن الى الديموقراطية، قد أدركت بوعيها الصادق أن لا فصل ولا انفصال بين حرية الوطن وحرية المواطن، فهذه الشعوب المناضلة التي تشغلها حاليا قضاياها الداخلية الوطنية، لن تسمح باستباحة الأراضي العربية، ولن تتهاون في مواجهة أي تدخلات خارجية مغرضة».

 

موسى: النفط ليس أهم من الإنسان العربي
الأمين العام السابق للجامعة العربية الدكتور عمرو موسى اعتبر أن «الربيع العربي إنما هو تغير مناخي، بكل ما يعنيه هذا التغير من مضامين ثورية هي جزء من حركة التاريخ الى الأمام».
وقال «إنّ لحركة التاريخ قوة، قوة تغير الواقع وتهزمه وتدفعه نحو المستقبل...»، و«إن التغيير في العالم العربي ليس مجرد إبدال نظام بنظام، وهو لا يعني إدخال الدين في السياسة والسياسة في الدين... بل أن ننتقل من جو الديكتاتورية الى آفاق الديموقراطية، انتقالاً رسميًا ودستوريًا وفكريًا وثقافيًا، وأن نتهيأ لنعيش في بيئة سياسية مختلفة، بيئة حرة، وأن نحمل معول التغيير والإصلاح في مؤسسات الحكم وفي طريقة إدارة ملفات المجتمع...».
ورأى أنه «من البدهي أن يضع التغيير بلادنا على طريق التنمية الحقيقية والمستدامة بعيدًا من الهدر والفساد والخمول والتراجع.»
ولفت موسى الى «أنه في ظل هذه التحولات لا بد من أمور أساسيّة أبرزها قيام نظام عربي جديد ونظام أمني جديد في الشرق الأوسط...». واعتبر أن «الأوان آن ليتفهم العالم وتفهم القوى الرئيسة أن النفط على أهميته ليس أهم من الإنسان العربي وحياته ومستقبله، وان الشرق الأوسط لا يمكن ولا يصح أن يستمر على أساس حماية المصالح النفطية وأمن دولة واحدة، فحياة المواطن العربي وحقوقه بدأت تأخذ مكانها ومكانتها، هذا هو جوهر التغيير لمن يريد أن يفهم حقيقة ما هو جار في منطقة الشرق الأوسط»، مؤكدًا أن «الشرق الأوسط سيكون مختلفًا عما كان عليه سابقًا، ولن يخضع لمجرد سياسات تقليدية تفرض عليه، فالإنسان العربي يتغير والشعوب العربية تتغير، وآمالها تتسع وسوف تفرض وضعا جديدا مختلفًا».
وإذ نوه موسى «بدور لبنان وإسهاماته في الحضارة الإنسانية والحضارة العربية»، رأى انه «مرشح اليوم للمساهمة في عملية التغيير العربية».

 

لاروكو: المبادرة العربية مازالت طريقًا سويًا للأمن والسلام
تناول مدير مركز الشرق الأدنى وجنوب آسيا للدراسات الاستراتيجية جايمس لاروكو التحديات التي تواجهها شعوب الشرق الأوسط ودوله، لافتًا إلى أن «الشعوب تعرف ما الذي ترفضه ولكنها لا تعرف ما هي عليه الآن». وتطرق إلى ما تطمح إليه الشعوب «التي تريد التحرر من القمع والعجز السياسي والإستغلال الإقتصادي والفساد».
وإذ رأى أن «الشرق الأوسط ما بعد العام 2011 مبحر في طريق طويل للتحول»، لفت إلى أن «هناك فرصة غير مسبوقة للزعماء في المنطقة للتحرك الآن، من خلال معالجتهم ثلاثة مطالب رئيسة هي: الحرية من اجل السلام والأمن، الحرية من أجل الحقوق والكرامة، والحرية من أجل الفرصة الإقتصادية».
واعتبر أن «من أهم التحديات تحقيق السلام في المنطقة وضمان الأمن المتبادل، لأنه هو الأساس لبناء بيئة مؤاتية تستطيع تأمين الإزدهار». وقال: «ليس هذا هو الوقت المناسب لوضع السلام والأمن على الرف، وهذا ما يقوم به الآن الزعماء في المنطقة وفي العالم، مما سيشكل خطرًا عليهم».
وأكد انه «لن يكون هناك أمن إقليمي بدون سلام شامل، ولن يكون هناك سلام شامل بدون إطار أمن إقليمي»، لافتًا أن «هذا الإطار سيقدم للقادة مجالا للتحرك الاستراتيجي، خصوصا في وقت الأزمات...».
واعتبر «في الذكرى العاشرة لمبادرة السلام العربية، والتي أطلقت من بيروت أن هذه المبادرة ما زالت تشكل الطريق السوي لتحقيق الأمن الإقليمي والسلام الشامل على حد سواء».
وفي ما يتعلّق «بالحرية من أجل الحقوق والكرامة»، قال: «إن خيار الحرية يأتي عادة من خلال الإنتخابات»، واعتبر أن «حكم الأغلبية لا يعني حماية حقوق الأقليات وكرامتهم»، معربًا عن خشيته «في هذه المرحلة الإنتقالية التي بدأت تأخذ مكانها في المنطقة، أن تداس حقوق الأقليات وكرامتهم».
أما في ما خصّ النقطة الثالثة وهي «الحرية من أجل الفرصة الإقتصادية» فرأى أنه «من الضروري أن تضع كل دولة تمر بمرحلة إنتقالية سياسات اقتصادية تساهم في توزيع الثروة، لا توزيع الفقر على الشعب، وذلك بوضع آليات للتأكد من أن التجار والمستثمرين، سواء المحليين منهم أو الأجانب، لديهم الحماية والحوافز اللازمة للقيام بمشاريعهم».

 

العميد الركن حماده: إشكاليات الثورات وآفاقها
رئيس اللجنة المنظمة للمؤتمر، مدير التعليم العميد الركن خالد حماده رحب بالمشاركين وقال: «منذ سنةٍ تماماً وفي هذا المكان بالذات انعقد مؤتمرنا الأول ليناقش قضايا الأقليّات والأصوليّات والأمن على ضوء الحراك والغليان الشعبي اللذين كنّا نشهد بداياتهما في أكثر من بلدٍ عربي...».
وتناول الإشكاليات المطروحة على الثورات الجارية أو التي يمكن أن تجري، فتساءل:
• هل تنجح الثورات العربية في إنتاج أنظمة ديمقراطية حقيقية قادرة على استيعاب التنوّع الديني والإثني الموجود وتأمين المشاركـة السياسيـة وإرسـاء مفهوم المواطنة؟ وما هي المعايير الضامنة لذلك؟
• هل تساهم استعادة المجتمعات العربية لحيويتها ومبادرتها في استثمار إمكاناتها والتحوّل إلى مجتمعات غنيّة، مثقّفة وقادرة على تشكيل مرجعية عربية تستعيد الدور الإستراتيجي الذي تمليه دول إقليمية حالياً؟ وهنا لا بد من التساؤل بقلق عن مجموعة محدّدات بعد الإنهيارات التي شهدتها الاصطفافات والمنظومات السابقة:
- ما هي نقاط القوّة التي ستشكّل مركز الثقل في العالم العربي: هل هي القوّة العسكرية، الدخل القومي، المستوى الصناعي أو التقني، النفط، وكيف يمكن بناؤها؟
- على ماذا سيبنى المفهوم المستقبلي للعروبة؟
- ماذا تعني الهوية العربية وما هي محدّدات هذا الانتماء؟ ما هي التحدّيات المطروحة وما هو الموقف من صراع الأقطاب المطروح على المنطقة العربية؟
- كيف يمكن بناء منظومة قيم تتناسب مع ثقافتنا، وما هي المحدّدات المجتمعية والسياسية لهذه المنظومة؟
- هل ما يزال الصراع العربي الإسرائيلي هو القضية الأساسية، وما هو الدور المستقبلي الذي ستؤديه الجامعة العربية في هذا المجال؟
هذه أسئلة مطروحة على هذا المؤتمر، ربما نرسم معًا ومن خلال مقاربات متخصّصة ومسؤولة خارطة طريق لتحدّيات مستقبلية مطروحة على عالمنا العربي وعلى كلّ لقاءٍ عربي وإقليمي...


وصول المشاركين وحفل الاستقبال
حضر حفل استقبال المشاركين وزير الدفاع الوطني الأستاذ فايز غصن ممثلاً كلاً من: فخامة رئيس الجمهورية ودولة رئيس مجلس النواب ودولة رئيس مجلس الوزراء، كما حضره قائد الجيش العماد جان قهوجي، وممثل أمين عام جامعة الدول العربية السفير عبد الرحمن الصلح والأمين العام السابق لجامعة الدول العربية الدكتور عمرو موسى، ومدير مركز الشرق الادنى وجنوب آسيا للدراسات الاستراتيجية الاميركية السفير جيمس لاروكو، وقائد قوات الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان اللواء باولو سيرا، إلى المشاركين (حوالى مئة باحث وأكاديمي من لبنان والدول العربية وتركيا وإيران وقبرص والولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة)، وعدد كبير من الشخصيات الدبلوماسية والقضائية والأكاديمية والإعلامية والأمنية.

 

أعمال المؤتمر
افتتح أعمال المؤتمر رئيس الحكومة نجيب ميقاتي في حضور الأمين العام السابق لجامعة الدول العربية عمرو موسى، مدير مركز الشرق الأدنى وجنوب آسيا للدراسات الاستراتيجية الأميركية السفير جايمس لاروكو، ممثل الأمين العام لجامعة الدول العربية نبيل العربي، الأمين العام المساعد للجامعة السفير عبدالرحمن الصلح، النائب جان اوغاسبيان، النائب السابق طلال الساحلي وعدد كبير من الخبراء والباحثين في مراكز دراسات عربية وأجنبية.    

 

الجلسات
ناقش المؤتمر على مدى ثلاثة أيام، وضمن أربع مجموعات عمل، عدة محاور وذلك وفق الآتي:
- المجموعة الأولى ناقشت موضوع الإسلاميين في السلطة وأبرز نتائج الربيع العربي. أدار نقاشات المجموعة الدكتور كريم الحجاج من مركز NESA وكانت مداخلات لكل من الدكتور أندريه زاكي ستيفانوس (المدير العام للمنظمة الإنجيلية القبطية، من مصر) والدكتور فهد الحارثي (مدير مركز أسبار للدراسات والبحث والمعلومات، من المملكة العربية السعودية).
- المجموعة الثانية ناقشت، بإدارة الدكتور بول سالم مدير مركز كارنيغي الشرق الأوسط في لبنان، موضوع الجامعة العربية والمنظمات الدولية، والمعايير المعتمدة في إدارة التغييرات السياسية في العالم. أما المحاضران فكانا الدكتور ألكسي بوريوفيتش بودتسيروب من روسيا، والدكتور خير الدين حسيب (من مركز دراسات الوحدة العربية، لبنان).
- المجموعة الثالثة ناقشت موضوع «العالم العربي على ضوء المتغيرات الراهنة: التداعيات على الإقتصاد والأمن الإقليميين ومستقبل الصراع العربي - الاسرائيلي». مدير المجموعة اللواء خالد البوعينين (رئيس مؤسسة الشرق الأدنى والخليج للتحليل العسكري INEGMA، من الإمارات العربية المتحدة)، والمتكلّمان الدكتور سترلينغ جنسن (من مركز NESA) والسيّد سليمان سنسوي (رئيس المركز التركي - الآسيوي للدراسات الاستراتيجية TASAM، من تركيا).
- المجموعة الرابعة ناقشت موضوع «النظام السياسي في لبنان الذي يقوم على علاقة تعاقدية بين مجموعات ثقافية متنوعة ويستمد شرعيته من العيش المشترك، وإمكان تعميم النموذج اللبناني على المجتمعات العربية». أدار لقاءات المجموعة السفير عبداللـه بو حبيب (مدير مركز عصام فارس للشؤون اللبنانية، من لبنان)، وتحدثت فيها الآنسة آجنس فافيه (موفدة وزارة الدفاع للشؤون الاستراتيجية، من فرنسا)، والدكتور سعود المولى (أستاذ علم الاجتماع السياسي، من الجامعة اللبنانية).

 

التوصيات
خلصت أعمال المؤتمر إلى خروج كل مجموعة بجملة من التوصيات، أبرزها:


1- المجموعة الأولى:
- شبه إجماع على أن قضية الأقليات تمثل تحديًا جوهريًا يواجه العالم العربي لا مجال لإنكاره، إلا ان ضرورة التعامل بجدية باتت أكثر إلحاحًا بعد الثورات العربية وصعود التيار الاسلامي.
- توافق على أن مفهوم الأقلية لا يقتصر على الأقلية الدينية فقط، بل يجب أن يتسع ليشمل الأقليات الاثنية والعرقية، المرأة، الخصوصية الثقافية، وحتى الاقلية السياسية متمثلة بشكل عام في التيار الليبرالي او العلماني الذي وجد نفسه بأشكال مختلفة مهمشًا في مواجهة الزخم السياسي للاسلاميين.
- إن مفهوم الاقلية لا يمكن ان يكون مدخلًا لإنكار ان من يطلق عليهم هذا الوصف يمثلون مكونًا أصيلاً من النسيج الوطني، فهم ليسوا دخلاء او غرباء.
- إن الدولة هي الضامن الأساسي الذي يتعين التركيز عليه.
- التوافق على أن البعدين الاقليمي والدولي حاضران بقوة في المشهد السياسي للمنطقة وسيكون لهما تأثير بالغ الاهمية لا بد من التعاطي معه.


2- المجموعة الثانية:
- إعادة صوغ ميثاق جامعة الدول العربية والمؤسسات التابعة لها بما يتوافق مع التطورات العربية والدولية وتطلعات الشعوب العربية وبما يتناسب مع الاجيال القادمة بحيث تصبح الجامعة ممثلة للحكومات والشعوب العربية ايضًا، وانشاء «مجلس للسلم والامن العربي» يتولى مهمات رعاية الامن والسلم في الدول العربية وحل النزاعات التي تنشأ بينها وايجاد آلية للعمل على حماية المدنيين عند الضرورة.
- تفعيل معاهدة الدفاع العربي المشترك وإيجاد آليات تمكن الجامعة العربية من تنفيذ مقرراتها، وإحياء مشروع «محكمة العدل العربية» والاجهزة التحكيمية وانشاء جهاز تحقيق قضائي (ارابدجاست).
- توجيه الاقتصاد العربي والثروة العربية بما يخدم مصلحة الشعوب العربية وقضاياها وزيادة رأسمال المؤسسات الاقتصادية العربية والمعونات المالية وتفعيلها...
- تفعيل «السوق العربية المشتركة» و«مجلس الوحدة الاقتصادية» وايلاء اهمية للتنمية الاقتصادية المتوازنة والمستدامة... والعمل على تحقيق حرية انتقال رأس المال والمواطنين العرب بين الدول العربية.
- تعزيز قيم الحريات العامة وإنشاء أمانة عامة مساعدة للمجتمع المدني العربي وحقوق الانسان تعمل على تعزيز التواصل مع جميع شرائح هذا المجتمع...


3- المجموعة الثالثة:
- إرساء معايير دولية في تطبيق الديموقراطية في ظل غياب نظام ديموقراطي نموذجي متكامل يحتذى في العالم.
 - في موضوع الصراع العربي الاسرائيلي من المؤكد قانونيًا أن الاتفاقيات الدولية المعقودة بين الدول لا تتبدل مع تبدل الانظمة.
- الإقرار بأن الإعلام بمفهومه الأوسع اسهم بالاشتراك مع المؤثرات التعليمية والتثقيفية في صنع الوعي ولاسيما لدى جيل الشباب.


4- المجموعة الرابعة:
- إن لبنان يحتضن تنوعًا مجتمعيًا مثل غالبية الدول العربية، وهو يعكس تجربة من التعايش بين المجموعات المختلفة التي كان خيارها أن تعيش معًا من ضمن الوحدة، وهذه التجربة التي تجسّدت من خلال مشاركة المجموعات في السلطة تستحق الاستفادة منها من قبل الدول العربية.
- إن تجربة التنوع والتعدد واحترام الاختلاف والحق في الاختلاف، ينبغي أن ترتقي إلى مستوى المشاركة السياسية المتوازنة في نظام تعددي وخصوصًا لجهة تأمين صحة التمثيل السياسي وديموقراطية تداول السلطة في نظام برلماني. وهذه التجربة تتطلب إقامة دولة فعالة وكفوءة، والمسألة لا تتعلق بتطبيق التجربة اللبنانية في الدول العربية وإنما بالاعتراف بأن التنوع هو غنى وبأن الاعتراف به هو الطريق الى الوحدة اذا ما أحسنت إدارته من خلال المشاركة في النظام السياسي، وعكس ذلك هو ديكتاتورية الاكثرية او الاقلية.
- إنّ التجربة اللبنانية أمّنت حريات واسعة كانت مفقودة في الانظمة العربية السلطوية على مدى عقود وهذه الحرية لم يستفد منها اللبنانيون فقط بل العرب ايضًا.


اختتام المؤتمر
اختتم المؤتمر بتكريم رعاته ومموّليه ووسائل الاعلام، في حضور عضو المجلس العسكري اللواء الركن نقولا مزهر ممثلاً قائد الجيش العماد جان قهوجي، وممثلين عن مركز الشرق الأدنى وجنوب آسيا للدراسات الاستراتيجية، بنك الموارد، جمعية مصارف لبنان، شركة طيران الشرق الأوسط، مركز الشرق الأدنى والخليج للتحليل العسكري، جمعية العزم والسعادة، نقابة المحررين، تلفزيونات: لبنان، المنار، الجديد، أو.تي.في، الجزيرة، الوكالة الوطنية للاعلام، جريدة الشرق وجريدة الانوار.
وألقى رئيس اللجنة المنظمة للمؤتمر العميد الركن خالد حمادة كلمة أشار فيها إلى أهمية نتائج المؤتمر، ورأى أن مساحة الحوار التي أتاحها الجيش اللبناني امام المفكرين من العالم العربي والدول الصديقة هي سمة مشرقة نريد تعميمها، لانها السبيل الوحيد للخروج من حالات التشنج على مختلف المستويات وإرساء الاستقرار والطمأنينة، متمنيًا ان تكون الساحات كلها مساحات للحوار، مستفيدة في هذا الاطار من النموذج اللبناني.
بعدها سلّمـت الدروع للمكرّميـن وانتقل الجميع لتبادل الأنخـاب في حفل كوكتيل.