ملف العدد

المؤتمر الطبي العسكري الأول
إعداد: ندين البلعة

العماد سليمان:إنجازات المؤسسة العسكرية شعاع أمل وسط الظلام الحالك


لا مهادنة مع الإرهاب والمتربصين شراً بأمن الوطن واستقراره

عسكريون ومدنيون قوّموا الأداء الطبي خلال معارك نهر البارد:
تجربة جديدة في ظروف قاسية والخبرات المكتسبة كثيرة

 

20 أيار 2007 تاريخ أصبح فيه للغدر قاعدة وتنظيم في لبنان. ولكن قرار قيادة الجيش كان واضحاً: استسلام المعتدين أو الحسم العسكري وفق المعايير والمعاهدات الدولية...
حرب شوارع وزواريب فُرضت على جيشنا، حتّمت في صفوفه إصابات كثيرة من شهداء وجرحى... من هنا اضطلعت الطبابة العسكرية وبالتعاون مع الطبابة المدنية، بدور هام وبارز في نجاة الكثير من العسكريين وتقديم الدعم للمقاتلين خلال معركتهم.
يوم السبت 19 نيسان 2008، برعاية قائد الجيش العماد ميشال سليمان وحضوره، وبالتنسيق بين الجيش وعدد من المستشفيات الجامعية، أقيم في الفندق العسكري المركزي «مونرو» المؤتمر الطبي العسكري الأول الخاص بتقييم هذه التجربة التي خاضتها الطبابة العسكرية في أحداث نهر البارد.
شارك في المؤتمر الى جانب رئيس الطبابة العسكرية العميد الطبيب نديم العاكوم، عدد كبير من الأطباء العسكريين والمدنيين، وممثلون عن المؤسسات الصحية والجمعيات الإنسانية وشركات الأدوية والمعدات الطبية.


كلمة العماد سليمان افتتاحاً
افتتح العماد سليمان المؤتمر بكلمة تناول فيها أهمية دور الطبابة العسكرية منوهاً بأدائها خلال معركة نهر البارد، وبالوقفة الوطنية المسؤولة للجسم الطبي اللبناني. واعتبر العماد سليمان أن الإنجازات التي حققتها المؤسسة العسكرية على أكثر من صعيد تبرز كشعاع أمل وسط الظلام الحالك.
استهل العماد سليمان كلمته بالقول: في كل زمان ومكان، تبدو كلمة الصحة، الكلمة الأكثر انتشاراً بين بني البشر جماعات وأفراداً، والأكثر شيوعاً في لقاءاتهم وأحاديثهم اليومية، وتكاد رسالة الطب تتماهى مع رسالة الجندية في الأداء والمسؤوليات والأهداف، وتتلاقى وإياها على الكثير من المبادئ والمثل الانسانية والأخلاقية العليا، بحيث تجعل من المنضوين تحت لوائها، على استعداد دائم للبذل والعطاء، والتفاني في خدمة حياة المواطن والسهر على سلامته وراحته. وإنه لشرف رفيع للطبابة العسكرية أن تعتنق هاتين الرسالتين في آن واحد، مختصرة بذلك قيم التضحية والوفاء والالتزام، والمعاني الحقيقية لوجود الوطن والانسان.
وأضاف قائلاً:
إن وجود طبابة عسكرية فاعلة من حيث الامكانات والكفاءات والخبرات، يعتبر عاملاً رئيساً من عوامل بناء الجيش وتطوره في أوقات السلم، وعاملاً رئيساً في رفع مستوى جهوزية الوحدات وتعزيز قدراتها القتالية في أوقات الحرب، وفي كلا الحالتين فإن الرعاية الصحية السليمة للأفراد، تنعكس إيجاباً على أوضاعهم الجسدية والفكرية والنفسية والاجتماعية، وبالتالي على أدائهم الوظيفي وقيامهم بمختلف الواجبات المنوطة بهم.
وفي الوقت الذي نتطلع فيه الى بناء مستشفى عسكري نموذجي يليق بتضحيات العسكريين وعائلاتهم، تثبت الطبابة العسكرية على الرغم من تواضع إمكاناتها، مسؤولية وكفاءة عاليتين في الحفاظ على سلامة الجيش وأفراده، وذلك من خلال استنادها الى عدد من المعايير والضوابط، يأتي في طليعتها، حسن التنظيم الإدارة، والتركيز على التخصص، والتزام شروط الصحة العالمية، والمواكبة المستمرة للتقدم العلمي والتقني، والمشاركة في الندوات والمؤتمرات، والتواصل والتعاون مع المستشفيات والمراكز الطبية، داخل الوطن وخارجه، بغية الاستفادة من التجارب والخبرات والاكتشافات الحديثة في مجال الطب، إضافة الى الإستثمار الأقصى للتجهيزات والوسائل والقدرات المتوافرة. وبفضل كل ذلك أصبحت الطبابة توفر العناية الصحية لشريحة واسعة من المجتمع اللبناني، تضم مئات الآلاف من العسكريين وأفراد عائلاتهم، الأمر الذي أسهم في تلبية قسم كبير من حاجة اللبنانيين، والتخفيف من الأعباء المادية الملقاة على عاتق الدولة في ظل الظروف الصعبة التي يمر بها الوطن.
واستطرد العماد سليمان بالقول:
إن إقامة اليوم الطبي العسكري الأول، بهدف تقييم أداء الطبابة العسكرية في أحداث مخيم نهر البارد، هي خطوة في الاتجاه الصحيح، نعوّل عليها الكثير للإضاءة على ما تحقق من إنجازات، وتحديد مكامن القوة والخلل والصعوبات المعترضة، خصوصاً وأن هذه الأحداث التي حصلت في ظروف قاسية، تعتبر نموذجاً مهماً في مجال عمل الطب العسكري، لجهة القدرة على التدخل والاسعاف الميداني والاخلاء، ولجهة معالجة الاصابات وإجراء العمليات الجراحية على اختلاف درجاتها، وتأمين الرعاية الصحية اللائقة للمعوقين. وفي مراجعة موضوعية لتلك الأحداث، نستطيع القول إن الطبابة العسكرية قد نجحت في اجتياز هذه التجربة بنجاح، إن كان من حيث تميز تدخلها في الميدان، أو من حيث تمكنها من معالجة عدد كبير من الجرحى باهتمام كامل وحرفية عالية. وهنا لا بد من التنويه بالوقفة الوطنية المسؤولة للجسم الطبي اللبناني الذي أبدى تضامناً شاملاً مع المؤسسة العسكرية، وجنّد طاقاته وجهوده في مساندتها، ما أسهم في رفع معنويات عناصرها، وتعزيز مقومات صمودهم، وترسيخ ثقتهم بتحقيق النصر والنجاح.
وتناول العماد سليمان الأوضاع الراهنة في البلاد، فقال:
لا شك بأن أكثر ما يصبو إليه اللبنانيون في هذه المرحلة الدقيقة من تاريخهم، هو الانعتاق من الأزمات السياسية المتلاحقة، وعودة المؤسسات الدستورية لممارسة دورها الوطني الفاعل، فالاستقرار السياسي المستند الى الارادة الوطنية الجامعية، والى صيغة العيش المشترك التي تحضن كل المواطنين وتكفل حقوق الجميع، هو المدخل الوحيد لإطلاق عجلة النهوض الاقتصادي والانمائي في البلاد، والشروع ببناء دولة القانون والعدالة والمساواة، دولة الرعاية الاجتماعية، التي تضع في سلّم أولوياتها معالجة مشاكل الاستشفاء والفقر والبطالة والهجرة، بما يؤدي الى ترسيخ ثقة الشعب بحاضره ومستقبله.
وفي غمار ما يواجهه الوطن من مخاطر وتحديات، تبرز الإنجازات التي حققتها المؤسسة العسكرية على أكثر من صعيد، كشعاع أمل وسط الظلام الحالك، حتى باتت هذه المؤسسة محط إجماع اللبنانيين، وموضع ثقتهم بخلاص قريب من الواقع المريض الذي تعانيه البلاد. ومن على هذا المنبر الكريم أؤكد لكم الآن أكثر من أي وقت مضى إصرار الجيش على متابعة تنفيذ مهامه الوطنية، قوياً منيعاً محصناً أمام التجاذبات السياسية وحالة الشرذمة والانقسام التي تعتري ساحتنا الداخلية، ولن يسمح لأي كان النيل من وحدة الوطن ومسيرة سلمه الأهلي، وضرب مكتسبات شعبه التي دفع ثمنها غالياً في الماضي القريب والبعيد.
كونوا على ثقة تامة، لا تفريط بدماء الشهداء وتضحيات الجرحى والمعوقين، ولا إذعان لمخططات العدو الاسرائيلي وأعماله الاجرامية، ولا مهادنة مع الارهاب والمتربصين شراً بأمن الوطن واستقراره، ولن تستطيع أيادي الفتنة والفوضى ثني الجيش عن التمسك بحقه الثابت والنهائي في الدفاع عن الأرض والحفاظ على السيادة الكاملة والكرامة الوطنية، مهما اشتدت الصعاب وغلت التضحيات.
وختاماً وجه العماد سليمان تحية شكر وتقدير الى قيادة الطبابة العسكرية وممثلي المؤسسات الصحية والى كل من أسهم في إقامة هذا المؤتمر وإنجاحه، فليكن لقاؤنا اليوم، حافزاً لمزيد من الجهد والعطاء، على طريق لبنان الرسالة والحضارة والتاريخ، لبنان القوي الحر المستقل.

 

اللوجستية الطبية
تناوب المحاضرون على تقديم مداخلاتهم في عدة حلقات، ركّزت كل منها على جانب من جوانب العمل الطبي خلال معارك نهر البارد. فعرض المحاضرون آليات العمل التي اتبعت وقوّموا النتائج واستخلصوا منها العبر.
الحلقة الأولى أدارها العقيد الطبيب جان عنداري وتضمنت ثلاث محاضرات.
المحاضرة الأولى كانت للرائد الصيدلي جان مكرزل الذي تناول عمليات التموين بالأدوية والمواد والمعدات الطبية، معتبراً أن الإخفاق في السيطرة على هذا التموين يؤدي حتماً الى فشل الجهاز الطبي. وبعد أن شرح آليات التموين التي اعتمدت، تناول الوقاية الصحية والمعالجة الوقائية وشدّد على نقاط أساسية في هذا المجال هي:
• تقدير المخاطر البيئية والعملانية (الترصد الوبائي).
• تحديد التدابير لتخفيف هذه المخاطر وتطبيقها.
• إعطاء التوجيهات عن الأدوية الوقائية للحفاظ على صحة العسكريين.
• متابعة الإجراءات الوقائية وتحسينها.
وفي ما خص النتائج قال:
كان التموين الطبي متواصلاً والتنسيق بين مختلف أجهزة الطبابة جيداً بحيث لم يحصل أي نقص بالأدوية أو المواد الطبية لدى المفارز داخل المخيم ولدى المستوصفات والمستشفيات الميدانية المتاخمة للمخيم. كما حدّت إجراءات الوقاية وعملية رش المبيدات من تفاقم الأمراض وتكاثرها، بحيث انخفض عدد المصابين يومياً ما بين 60 و70٪ بعد أول أسبوع من التدابير الوقائية.

 

الإسناد الطبي التكتي
عن كيفية تقديم العناية الطبية والإسناد الطبي العسكري، قدّم المقدم الطبيب قره بت جيوقجيان، رئيس قسم الطوارئ في المستشفى العسكري المركزي شرحاً حول عمل الرعائل الطبية:
ففي المرحلة الأولى من المعركة تمّ تركيز رعيل طبي في كل مركز كتيبة أو فوج وعلى تماس مع القوات الصديقة، وتمركز خلفه الرعيل الثاني بينما تمّ تركيز الرعيل الطبي الثالث في منطقة ببنين في مبنى الزراعة حيث تمركز الطاقم الطبي والجراحي الميداني. واعتبرت المستشفيات المدنية في محافظة الشمال مع طبابة المنطقة ضمن الرعيل الطبي الرابع. بينما تشكل الرعيل الطبي الخامس من المستشفى العسكري المركزي والمستشفيات المدنية في بيروت وجبل لبنان. أما مراكز الفرز فكانت ثلاثة وقد انتشرت بين العبدة وأفران لبنان الأخضر.
وفي المرحلة الثانية من الهجوم (المخيم القديم)، بقي الرعيل الطبي الأول مواكباً للوحدات العسكرية المهاجمة، أما على صعيد الرعيل الثاني فتمّ استحداث مركزي فرز جديدين.
وبالإضافة الى الرعيل الطبي الثالث في مركز الزراعة - ببنين، تم تركيز الطاقم الجراحي الميداني في أقرب مستشفى مدني الى المخيم القديم وهو مستشفى الخير.
وعرض المحاضر عمل الطاقم الطبي وطريقة تنفيذ الإخلاء الطبي من رعيل الى آخر وصولاً الى تثبيت وضع المصاب ومن ثم نقله الى المستشفيات المدنية في حلبا؛ وقد تم استحداث مهبط للطوافات قرب مستشفى معن اليوسف للقيام بالإخلاء الطبي الجوي الى مستشفيات بيروت وجبل لبنان.
وفي المرحلة الثانية (المخيم القديم) اعتمدت الطريقة نفسها (الإخلاء من رعيل الى آخر). وقد تم استحداث مهبط للطوافات بجانب مستشفى الخير للقيام بالإخلاء الطبي الجوي من المستشفى الميداني الى المستشفى العسكري المركزي والمستشفيات المدنية خارج محافظة الشمال.
وأضاف قائلاً:
للمرة الأولى، تم اعتماد مبدأ الساعة الذهبية وتطبيقه من قبل المسعفين الميدانيين الموجودين مع الرعيل الأول في مهمة نهر البارد؛ والمقصود بالساعة الذهبية الوقت الضروري الأقصى لمساعفة المصاب وإنعاشه وإخلائه. وللمرة الأولى أيضاً تم اعتماد آلية صحية خاصة بالفرز والمعالجة الميدانية، مقسمة الى ثلاث غرف: الغرفة الأولى تستعمل لفرز المصابين، والغرفة الثانية لإجراء العمليات الجراحية الصغيرة ولوقف النزيف والقيام بتدابير الإنعاش. أما الغرفة الثالثة فتستعمل لمراقبة المصاب لعدة ساعات. وبالإمكان توضيب هذه الآلية خلال ساعتين والإنتقال الى مركز آخر لتقوم بالوظيفة نفسها.

 

الإخلاء الطبي
النقيب الطبيب هيثم عبد الرحمن تطرّق الى الدور الهام للإخلاء الطبي خلال معركة نهر البارد والذي تجلّت فعاليته من خلال:
• القدرة على التدخل الفوري لتقديم العلاج (وهنا يظهر دور الفرز الطبي).
• السرعة في التنفيذ.
• حسن اختيار وسائل النقل.
• نوعية الإخلاء.
• التزام مبدأ الساعة الذهبية.
وشرح عمليات الفرز الطبي، فقال:
قسم الفرز الطبي المصابين الى أربع فئات بحسب خطورة كل حالة وأثرها على الحياة والأطراف وبحسب أولوية التدخل للبدء بالعلاج، وهي على الشكل الآتي:
• فورية (مثلاً: النزيف الحاد، الصدمة...).
• مؤجلة (مثلاً: الكسور المستقرة، الجروح السطحية...).
• بسيطة (مثلاً: الرضوض والخدوش...).
• المتوقع وفاتها (مثلاً: إصابات الرأس مع خروج جزء من الدماغ...).
ووفقاً لكل حالة تتعين أولويات النقل والإخلاء. أما وسائل النقل التي تم اعتمادها خلال المعركة فهي الآليات العسكرية ثم سيارات الإسعاف المجهزة. وقد حقق اللواء الطبي أيضاً نجاحاً كبيراً في القيام بالإخلاء الجوي بواسطة الطوافات العسكرية.

 

الجراحة والتخدير في الميدان
أدار العقيد الطبيب جهاد حمدان الحلقة الثانية التي تضمنت أربع محاضرات كان أولها «الجراحة في الميدان» والتي ألقاها النقيب الطبيب فهد عبدالله.
وفي المحاضرة الثانية شرح المقدم الطبيب جوزف عشراوي عملية التخدير التي تتم بطريقتين مختلفتين: التخدير العام والتخدير الموضعي (تخدير الأطراف)، متناولاً إيجابيات هذا الأخير الذي أثبت فعاليته خصوصاً في المرحلة الأولى من المعركة، حيث كان عدد كبير من الإصابات في الأطراف، وكان له مردود إيجابي على المديين القصير الطويل. وأشار المحاضر الى دراسة تجرى في المستشفى العسكري المركزي لإيجاد آلية متكاملة لتخدير الأطراف، بحيث تتزامن مع العملية الجراحية وتؤمن للمصاب مرحلة أطول من دون ألم.

 
إدارة الإخلاء الطبي
شرح الرائد الصيدلي نبيل ناصيف الظروف الصعبة التي رافقت عمل الوحدات والمفارز: صعوبة التحرك، بيئة ملوثة، انتشار للجثث المهترئة، الألغام والمتفجرات، غبار ودخان كثيف، خطر نيران عدوة بالإضافة الى الإمكانات المحدودة وعدم معرفة بقعة العمليات. وهذا ما يؤكد مدى الصعوبة التي اعترضت عمل الوحدات المشاركة في المعارك بما فيها المفارز الطبية وتالياً إدارة الإخلاء الصحي.
ولخّص الرائد ناصيف آلية عمل إدارة الإخلاء الصحي طوال فترة الأحداث واعتبر تباعاً أن أسباب النجاح تعود الى:
• التنسيق المتواصل بين المعنيين.
• متابعة دقيقة ومواكبة عمليات الفرز والإخلاء.
• إشراف مباشر على عمل المستشفيات الميدانية والمفارز الطبية المتمركزة في محيط المخيم.
• خطة إخلاء صحي شاملة من خلال مشاركة القوات الجوية، الصليب الأحمر اللبناني والمستشفيات المدنية المتخصصة.
• اعتبار المعلومات والتفاصيل عن شكل الإصابات أساساً ملزماً لتحديد الوسيلة والطريقة، وتالياً المستشفى المناسب.
• اعتبار السرعة في الإخلاء أولوية مطلقة وتصنيف بعض هذه الإخلاءات بالصعبة والدقيقة.
• استحداث مهابط للطوافات في المستشفى الميداني ومستشفيات مدنية متخصصة تم اعتمادها لإخلاء الجرحى اليها.
• تصنيف المستشفيات المدنية بحسب تخصصها.
• الجهوزية العالية التي رافقت مراحل الإخلاء الصحي الجوي كافة (160 عملية إخلاء جوي 23 منها ليلاً للمرة الأولى وفي ظروف أمنية خطرة جداً وأكثر من 1500 إخلاء صحي بري).
وأورد المحاضر ختاماً بعض الإحصاءات عن الإصابات والجرحى ونوعية الإصابات وأماكن معالجتهم وطرق الإخلاء الصحي.

 

الطوافات
المحاضرة الأخيرة في هذه الحلقة كانت للدكتور أسعد رزق والدكتور عدنان عودة (من مستشفى رزق) وقد استعرضا الدور الفعال الذي أدّته طوافات الجيش اللبناني خلال حرب نهر البارد بنقل المصابين بالسرعة المطلوبة، ما أتاح إنقاذ العديد منهم في الوقت المناسب.
وقد ساهم في ذلك وجود مهبط للطوافات على سطح المستشفى المهيأ خصيصاً والمنشأ لهذه الغاية، ما يسمح بإيصال المصابين بأقل من دقيقة واحد الى غرف العمليات ووحدات الإنعاش.
كما تمّ استعراض عينات عن بعض الإصابات البالغة الناتجة عن الألغام والشظايا على أنواعها والتي عولجت في مستشفى رزق.
وأشارت المداخلـة الى ضرورة إجراء العمل الجراحي للمصاب في مركز متخصص ومنذ البداية إذا كانت حاله تسمح بذلك، تحاشياً للمضاعفات وتوفيراً للجهد... وتم التشديد على عدم إضاعة الوقت الثمين وعلى كفاءة الفريق الطبي المولج بفرز الإصابات وتحويلها الى المراكز الصحية المناسبة.
وأخيراً أبدى الدكتور أسعد رزق إعجابه وإعجاب أطباء المستشفى بالمعنويات العالية للمصابين واستعدادهم اللامحدود للتضحية في سبيل الوطن.

 

نهر البارد... من الإنقاذ الى العلاج
الحلقة الثالثة أدارها العقيد الصيدلي روبير بجاني وكانت ضمنها أربع محاضرات.
تطرق الدكتور أنطوان الزغبي رئيس قسم الطوارئ في مستشفى أوتيل ديو الى موضوع التنسيق مع الطبابة العسكرية من لحظة الإصابة الى حين الفرز ثم النقل الجوي أو البري. فأشار الى الدور المهم الذي أدّته الطوافات العسكرية في عملية الإخلاء إذ أن 75٪ من المصابين نقلوا جواً.
وعن المصابين الذين تمت معالجتهم في مستشفى أوتيل ديو، قال إن عددهم 109 كانت إصابات معظمهم خطرة وقد شكّلت السرعة في النقل عاملاً هاماً في نجاتهم.
كما ظهرت السرعة في المعالجة وإجراء  العمليات الجراحية اللازمة (83٪ من الجرحى المنقولين جواً أجريت لهم جراحة فورية: 75٪ عمليات في أقل من ساعة و3٪ في أقل من نصف ساعة) والمضاعفات كانت محدودة.
وقدّم الدكتور الزغبي دراسة حول واقع المصابين الذين عولجوا:
• 10٪ استشهدوا بعد المعالجة أو خلالها.
• 23٪ حولوا الى مراكز تأهيل.
• 67٪ غادروا الى مراكزهم أو منازلهم.
وقال إن هذه النسب بالمقارنة مع النسب المماثلة خلال معارك الجيش الأميركي في العراق، تبين مدى فعالية المعالجة التي قدّمتها الطبابة العسكرية والمؤسسات الطبية المدنية من الإخلاء الى الفرز الى المعالجة.

 

إصابات الصدر والشرايين
قدّم الدكتور جورج تادي، رئيس قسم القلب والشرايين في مستشفى المشرق - بيروت إحصاءات وصوراً لبعض الحالات الجراحية التي وصلت الى المستشفى، بالإضافة الى طريقة علاجها، وتوصل الى خلاصات منها:
• صعوبة التعاطي مع إصابات الرصاص والقنابل والشظايا خصوصاً وأن هذه الإصابات معرضة لخطر الإلتهاب الشديد.
• أثبتت الخبرة الطبية في معركة نهر البارد أن استعمال الطوافة العسكرية والتواصل مع المسؤول العسكري في إدارة غرفة العمليات كان ممتازاً وساعد في إنقاذ العديد من الجرحى. كما لم يكن هناك أي حالة وفاة مردها مضيعة الوقت.
• نسبة نجاح العملية للمصابين بإصابات مباشرة في الشرايين والصدر تقوم أولاً على وجود شخص خبير طبي في غرفة إدارة عمليات الإخلاء لكي يستطيع القيام بأمرين مهمين:
الأول، إرسال الجريح الى المستشفى والقسم الإختصاصي المناسب. والثاني، التأكد بشكل جذري أن غرفة العمليات والطاقم الجراحي في هذا المستشفى سيكونان في جهوزية كاملة عند وصول الطوافة والجريح.
الى ذلك استخلص الدكتور تادي جملة من التدابير الطبية الواجب اتخاذها في حالة إصابة الصدر والشرايين، وذلك وفقاً للخبرة التي نتجت عن معالجة العسكريين الذين أصيبوا في نهر البارد.

 

معالجة المصابين بحروق
الدكتور جورج غنيمة (مستشفى اللبناني  الجعيتاوي - مركز الحروق) شرح كيف تمت عملية التنسيق لنقل المصابين بحروق. وقال إن الإصابات تنوعت ولكنها بأغلبها نتجت عن حروق حرارية؛ 30٪ كانوا مصابين بشظايا والقليل منهم لزمه لاحقاً جراحة ترميمية. وقد تمت معالجة عدد كبير من المصابين بحروق، و17٪ منهم كانت إصابتهم من الدرجة الثانية أو الثالثة وعلى مساحة أكثر من 20٪ من الجسم. واعتبر غنيمة أن هذه الحالات تؤكد أهمية المستشفيات المدنية المتخصصة والدعم الذي قدّمته للجيش في معركته.


إصابات العظم
النقيب الطبيب واتشي كورتيان تناول خصوصية الكسور الناتجة عن أعمال حربية التي بجب أن تُعالج بشكل طارئ عبر إعطاء المريض مضادات حيوية، وتنظيف الجرح بالإضافة الى تثبيت الكسر بواسطة جهاز تثبيت خارجي لتفادي إلتهاب العظم.
وتمّ عرض حالة مريضين مصابين بطلق ناري في عظمة الفخذ، أحدهما عولج في البداية في مستشفى مدني بجهاز تثبيت داخلي، ما أدى الى التهاب الجرح واستوجب إجراء عدة عمليات جراحية لتنظيف الالتهابات ولتسهيل التحام العظم مع مدة استشفاء طويلة ونقاهة لأكثر من عشرة أشهر.
أما الثاني فعولج في المستشفى العسكري المركزي بواسطة جهاز تثبيت خارجي، وقد شفي من دون أي مضاعفات مع مدة إستشفاء قصيرة، أما النقاهة فلم تتخطَ السبعة أشهر.

 

متلازمة نهر البارد
الحلقة الرابعة أدارها العقيد الطبيب محمد الجمال، وتناول المحاضرون خلالها الإصابات المرضية ومعدل الوفيات، بالإضافة الى الظاهرة الأهم وهي الوباء الذي انتشر في بقعة المعركة والإضطرابات النفسية التي نتجت عن ظروف المعركة.
وقد عرض النقيب الطبيب علي اسماعيل لمراحل انتـشار هذا الوباء خلال المعركة وعوارضها والتشخيصات وتطوره وكيفية معالجته، فأوضح:
في أواخر الأسبوع الثاني من شهر تموز 2007، وحين كان الجيش يواصل المعركة ضد الإرهاب في الجزء القديم من مخيم نهر البارد، وفي ظل عوامل مناخية وبيئية سيئة للغاية، بدأ عدد من العسكريين يشكو من الإصابة بوهن شديد وارتفاع حاد في الحرارة.  
شخصت الحالة في بادئ الأمر على أنها صدمة حرارية (Heat Stroke) ونقصان في السوائل (Dehydration)، ثم تفاقم الأمر فبدأ الحديث عن وباء حقيقي أُطلق عليه إسم «متلازمة نهر البارد» (Cold River Syndrome).
لم تكن عوارض هذا الوباء محددة بل تمثلت بارتفاع حاد في الحرارة، ألم حاد في الرأس، فقدان للشهية، تعرّق، غثيان، سعال، والتهاب في بياض العين (Conjunctivitis)؛ بالإضافة الى عوارض أخرى ظهرت في الفحوصات المخبرية والصور الشعاعية.
قبل التشخيص أخذت في الاعتبار النقاط الآتية:
• لم تسجل أي حالة انتقال مباشر للمرض من شخص الى آخر.
• وجود عدد كبير من الحيوانات النافقة داخل المخيم.
• استعال المياه من آبار المخيم في بداية الحرب للإستحمام وغسل الأواني وحتى للشرب في بعض الأحيان.
• وجود عدد كبير من الحشرات والقوارض وقد وُصفت إحدى الحشرات الصغيرة جداً بأنها تستطيع خرق الناموسية (Mosquito Netting)، وهذه كان لها دور أساسي في المرض لاحقاً.
وتابع قائلاً:
بعد عدة تشخيصات، شُكّلت لجنة متخصصة لمتابعة الوباء تألفت من: ضباط أطباء من المستشفى العسكري المركزي، وخبراء في الأمراض الجرثومية، وممثلين عن وزارة الصحة اللبنانية ومنظمة الصحة العالمية.
وفي إطار مواجهة الوباء أعطي الدواء المناسب للعسكريين المنتشرين في المخيم جميعهم. وتم رش مبيدات الحشرات والقوارض وتعقيم المياه الى التزام تعليمات الصحة العامة (Hygiene).
واستُكمل العمل باتجاهين:
تحديد الناقل وتحديد المسبب.
وكانت النتائج إيجابية لناحية تحديد الڤيروس المسمى «Phlebotomus Virus» الذي ينتقل عبر ذبابة الرمل الموجودة على أرض المعركة. اقتصر علاج هذه الحمى على علاج العوارض من دون أي لقاح مع استعمال المبيدات لمكافحة انتشار ذبابة الرمل وتكاثرها.
وأشار النقيب الطبيب ختاماً الى أن هذه الحمى أصابت عدة جيوش خلال الحرب العالمية الثانية وفي حروب أخرى.


جهود دائمة للمحافظة على الجهوزية
«المؤتمر الطبي العسكري الأول» أضاف وساماً الى أوسمة الشرف والاحترام والتقدير التي حصدها الجيش من خلال التزامه واجباته الوطنية. وعلى أمل ألا تتكرر هذه التجربة المريرة، تجربة نهر البارد، تواصل الطبابة العسكرية بدعم من قيادة الجيش جهودها الهادفة الى المحافظة على الجهوزية في حال حصول أي طارئ.