المؤسسة الانتاجية العربية : التنافسية في النظرية والتجربة التاريخية

المؤسسة الانتاجية العربية : التنافسية في النظرية والتجربة التاريخية
إعداد: د. البـر داغر
استاذ في كلية العلوم الاقتصادية وإدارة الاعمال - الفرع الثاني - الجامعة اللبنانية

تستقطب مسألة التنافسية اهتماماً متزايداً كمادة إعلامية وكموضوع نقاش يُدعى المعنيُّون بالشأن الاقتصادي إلى تناوله. وتصدر تقارير دولية(1)  تصنّف بلدان العالم وفقاً لتنافسية اقتصاداتها. وتجد هذه التقارير صدى لها على مستوى الأقاليم(2) والبلدان المختلفة. وللوهلة الأولى، يبدو هذا الاهتمام بمسألة التنافسية شأناً ايجابياً. لكن حقيقة الأمر، أن المقاربة المعتمدة للمسألة تبرر طرح علامات استفهام حول جدوى هذه التقارير وحول جديَّتها.

تقوم تقارير التنافسية المذكورة أعلاه على تصنيف بلدان العالم لجهة تنافسية اقتصاداتها، على أساس متغيرات    (variables)-   أو عناصر محدّدة للتنافسية- يصل عددها إلى تسعين متغيِّرًا(3)  .

أربعة وعشرون منها تُجمَع المعطيات بشأنها من تقارير ونشرات للمؤسسات الدولية، كصندوق النقد الدولي والبنك الدولي. وتُكَوَّن معطيات بشأن المتغيِّرات المتبقِيَة بواسطة استطلاعات الرأي في أوساط رجال الأعمال.

ويُحَدَّدُ موقع البلد المعني في سلم التنافسية على أساس هذه المعطيات. يعتذر أصحاب هذه التقارير لأنهم استعاضوا عن تكوين معطيات فعلية باستطلاعات رأي، ويقولون إن لا حيلة لهم في ذلك(4).

هذه المقاربة بواسطة استطلاعات الرأي هي نفسها التي يعتمدها الباحثون في المؤسسات الدولية للحكم على جودة المؤسسات في البلدان النامية، منذ أن أصبح الإصلاح المؤسساتي تحت شعار "الحاكمية الصالحة"، عنوان سياسات التنمية التي تقترحها المؤسسات الدولية برسم البلدان النامية. في هذه الحالة أيضاً، يُستطلَع رأي المعنيين بناءً على لائحة محدَّدة مسبقاً من المتغيِّرات التي يكون الرأي بشأنها دليل جودة المؤسسات الموجودة أو عدم جودتها، أي دليل توافر شروط "الحاكمية الصالحة" أو عدم توافرها.

تمثّل هذه المقاربة في تقييم تنافسية الاقتصادات المختلفة وقياسها اختزالاً وتسطيحاً للنقاش حول شروط حيازة التنافسية يجعلان من النقاش بهذه الطريقة مجرَّد هراء. إنها حَرْفٌ للنقاش عن وجهته الصحيحة، وحرفٌ لاهتمام نخب البلدان النامية عن النقاش الجدي في مسألة شروط تحقيق التصنيع المتأخر لبلدانها. فحيازة التنافسية هي جوهر، أو ينبغي أن تكون جوهر السياسة الصناعية والسياسة الاقتصادية للبلدان "الآتية متأخرة إلى التصنيع "(late industrializers).

يعتمد هذا البحث مقاربة مختلفة لموضوع اكتساب التنافسية, فهو يفتح نقاشاً في هذا المجال، من خلال عدم أخذ كل ما نتلقَّاه عن التنافسية كمسلّمات لا حاجة إلى النقاش فيها. ويقتضي فتح النقاش هذا أولاً، التعريف بالنظرية النيو- كلاسيكية، أو النظرية الاقتصادية الليبرالية،

مقدمة لمساءلتها حول ما تقترحه في ميدان اكتساب التنافسية. أما هذه المساءلة فتكون بناء على ما جاءت به التجربة التاريخية في هذا المجال، والتي يجري استعراضها في الجزء الثاني من البحث. والمقصود بالتجربة التاريخية، كيفية اكتساب التنافسية كما تكشّفت عنها تجارب بلدان ثلاثة نجحت في تحقيق تصنيعها المتأخر، ضمن إطار "نموذج الدولة التنموية"، وهي اليابان وكوريا الجنوبية وتايوان، وذلك خلال الحقبة الممتدة من خمسينيات القرن العشرين حتى الثمانينيات منه.

ويحاول البحث في الجزء الثالث منه استخلاص بعض الدروس التي يمكن الإفادة منها في مجال تحقيق تنافسية المؤسسة الانتاجية العربية. يتيح هذا الجزء تحديد ما تقدِّمه وما لا تقدِّمه المقاربة النيو-ليبرالية الراهنة في مجال اكتساب التنافسية عند البلدان الآتية متأخرة الى التصنيع. ويظهر قصورها عن توفير الأساس النظري المناسب الذي تحتاجه البلدان النامية إلى تحقيق تنافسية مؤسساتها وانجاز تصنيعها المتأخر.

 

أولاً: المقاربات النظرية النيو-كلاسيكية لموضوع التنافسية

يستعرض هذا الجزء المقاربات النظرية لموضوع التنافسية كما نقع عليها في الأدبيات والنماذج الاقتصادية النيو-كلاسيكية. ونجد مقاربة تعتمد أدوات التحليل الاقتصادي الجزئي لمعالجة موضوع التنافسية في نظرية التبادل الدولي النيو-كلاسيكية، بصيغتيها التقليدية والمحدثة. ونجد مقاربة تعتمد أدوات التحليل الاقتصادي الكلّي في نموذج العرض والطلب الإجماليين النيو-كلاسيكي هو الآخر. ونجد مقاربة ثالثة لهذا الموضوع في نظرية النمو المحدثة، أو نظرية النمو الباطني المنشأ.

 

-1- المقاربة للتنافسية من وجهة نظر التحليل الاقتصادي الجزئي، أو النظرية الليبرالية التقليدية والمحدثة للتخصّص والتبادل الدوليين

أ- المقاربة للتنافسية على مستوى المشروع في النظرية الليبرالية التقليدية للتبادل الدولي

•  تعريف الميزة النسبية في النظرية النيو-كلاسيكية

ينبغي العودة إلى ديفيد ريكاردو ونظريته حول "الميزات النسبية" أو "الميزات المقارنة"، لتعيين الأساس الذي ينطلق منه النقاش في العادة حول التنافسية. وقد سارت النظرية النيو - كلاسيكية للتبادل الدولي على خطاه في اعتبار أن التخصّص والتبادل مع السوق الدولية على قاعدة امتلاك "ميزات نسبية" أو "مقارنة"، هما الوضع الأمثل الذي يمكن أن يعتمده مطلق بلد في العالم لتحقيق نموه وازدهاره. واختلفت عنه في طريقة احتساب قيمة السلع المنتجة، وطريقة إظهار الميزات النسبية التي تتمتَّع بها سلع بعينها. وكان ريكاردو قد استعاض بدوره عن نظرية آدم سميث حول "الميزات المطلقة" بنظرية "الميزات النسبية" التي اعتبرت أنه يكفي أن يكون بلد ما متمتعاً بميزات نسبية في بعض السلع فحسب لكي يكون الخيار الأفضل بالنسبة إليه، التخصّص في إنتاج هذه السلع وبيعها في السوق الدولية.

استخدمت المدرسة النيو-كلاسيكية مفاهيم وأدوات التحليل الاقتصادي الجزئي (microéconomie) التي طوّرتها، لاحتساب قيمة السلع المنتجة، ولتحديد كيفية امتلاك سلع بعينها لـ "ميزات نسبية".

عند ريكاردو كانت قيمة السلعة تتحدّد بوقت العمل الذي اقتضاه إنتاجها، أما في النظرية النيو-كلاسيكية فقيمة السلعة هي نتيجة التقاء العرض والطلب الخاصين بها (5).

ويؤدي أخذ العرض والطلب في الاعتبار إلى تحديد الأسعار النسبية للسلع المنتجة (أي سعر السلعة معبراً عنه بوحدات من سلعة أخرى، وليس بما يقابله من الوحدات النقدية)، وذلك ضمن اطار من الانعزال أو الاكتفاء الذاتي . (autarcie) ويعتمد مفهوم "كلفة التخلي عن إنتاج سلع أخرى" (coût d’opportunité) للمقارنة بين الأسعار النسبية للسلع المختلفة. وتعتبر السلعة الأقل كلفة، تلك التي اقتضى إنتاجها التخلي عن إنتاج أقل عدد ممكن من السلع الأخرى. وتعتبر السلع المنتجة ضمن هذا الإطار مستوفية شروط الفعالية الاقتصادية (efficience)  وحسن استخدام الموارد المتاحة (bonne allocation des ressources).

وتتيح أسعارها النسبية تعيين "الوضع الأمثل ضمن شروط الانعزال"  (optimum autarcique). وتجري في مرحلة ثانية مقارنة الأسعار النسبية لهذه السلع، كما تكوّنت ضمن إطار الاكتفاء الذاتي، مع أسعارها كما هي في السوق الدولية. وتكون السلعة التي تتمتع بسعر نسبي أقل من السعر النسبي الدولي هي التي تتمتع بـ "ميزة نسبية" تخوِّلها اختراق الأسواق الدولية.

لكن هذه النظرية لا تحدِّد في صيغتها هذه أسباب امتلاك سلع بعينها ميزات نسبية. وهي تكمل، من خلال نموذج هاكشير-أوهلان-سامويلسن (modèle des dotations factorielles-HOS) تفسير أسباب وجود ميزات نسبية لبعض البلدان في إنتاج بعض السلع. وترجع وجود هذه الميزات إلى وفرة عوامل إنتاج بعينها تستخدم بكثافة في إنتاج هذه السلع، أي أن وفرة عوامل إنتاج معينة في بلد ما، معطوفة على استخدامها بكثافة في إنتاج سلع بعينها، تعطي هذه السلع ميزاتها المقارنة(6).

بكلام آخر، جعلت النظرية الليبرالية للتخصّص والتبادل الدوليين أسعار السلع وتمتع بعض البلدان بمقدرة تنافسية دولية في البعض منها، محكومة بعوامل ثابتة لا تتغيّر، يجسدها امتلاك هذه البلدان عوامل إنتاج بعينها.

 

• أي دور للدولة

كان هدف النظرية التقليدية للتبادل الدولي بصيغتيها الكلاسيكية والنيو-كلاسيكية، إظهار أن حريّة التبادل (libre-échange) هي الوضع الأمثل مقارنة بالانعزال (autarcie) والحمائية (protectionnisme)، لجهة المنفعة التي توفرها للبلدان المشاركة في التبادل الدولي. وقدمت نماذج مختلفة تقوم جميعها على إدانة كل أشكال التدخل الحكومي في التجارة الدولية، بصفتها عوائق أمام حرية التبادل هذه. وقد أدانت استخدام أدوات الحماية التي يمكن أن تستفيد منها السلع الوطنية، أكانت رسوماً جمركية أو قيوداً كمية أو تشريعات تتناول التبادل الدولي. كذلك أدانت استخدام أشكال الدعم الحكومي بمختلف أشكاله (subventions) للمؤسسات الإنتاجية.

وكانت حجتها في الإدانة المطلقة لاستخدام هذه الأدوات، بأنها تتسبَّب بـ "التواءات أو تغييرات في الأسعار" (distorsions)، ينجم عنها سوء استخدام للموارد يخفض مستوى الرفاه العام، ويجعله أدنى من المستوى الذي ينبغي أن يكون عليه لو كانت حرية التبادل الكاملة هي السائدة.

 

ب- المقاربة للتنافسية على مستوى المشروع في النظرية المحدثة للتبادل الدولي

• اكتساب الميزة النسبية في النظرية المحدثة للتبادل الدولي

من الفرضيات الأساسية التي اعتمدتها النظرية الليبرالية التقليدية وجود حالة من المنافسة الكاملة  (concurrence parfaite) كإطار تُنتَج ضمنه السلع المعدّة للتبادل الدولي. واعتمدت هذه النظرية فرضية أخرى أساسية هي وجود وحدات إنتاجية ممثلة بمؤسسات أو مشاريع صغيرة الحجم، لا تؤثر قراراتها لجهة الإنتاج وحجمه على غيرها من المؤسسات أو المشاريع.

تخلّت النظرية المحدثة للتبادل الدولي منذ أواخر سبعينيات القرن العشرين عن فرضية المنافسة الكاملة في السوق الدولية، وبنت مقاربتها الجديدة على فرضية وجود منافسة غير كاملة (concurrence imparfaite) كإطار للتبادل الدولي، أي اعتبرت أن ثمة عددًا محدودًا من المؤسسات في كل قطاع إنتاجي تتنافس في ما بينها في السوق الدولية. وكانت الفرضية الثانية المهمّة التي اعتمدتها هي أن المؤسسات المعنية بالإنتاج والتبادل الدوليين هي مؤسسات كبيرة الحجم، تستحوذ على حصص لها أهميتها في السوق الدولية. من شأن واقع كهذا جعل هذه المؤسسات مضطرة إلى أخذ وجود المؤسسات المنافسة في الحسبان في كل ما تقرّره، أي اعتماد مقاربة استراتيجية لعلاقتها مع منافسيها في السوق الدولية.

إن أهم ما انطوى عليه هذا التغيير في الفرضيات، هو أن النظرية المحدثة استطاعت في نماذجها الجديدة أن تأخذ في الاعتبار أثر الحجم وزيادة حجم المؤسسة على تنافسيتها. ذلك أنه بمقدار ما يزداد حجم المؤسسة ويزداد إنتاجها، بمقدار ما ينخفض ذلك الجزء من الكلفة المتمثّل بالكلفة الثابتة لكل سلعة تنتجها (économies d’échelle). وهذا ما يوفر لها مقدرة تنافسية إضافية.

أي أن حيازة التنافسية ضمن إطار النظرية المحدثة باتت رهينة أمرين، أولهما أنها لم تعد قدراً لا تستطيع المؤسسة أن تعدّل فيه، لأنه خاضع لوجود عناصر إنتاج معينة، وكثافة استخدامها في السلع المنتجة. فقد بات بإمكان المؤسسة أن تخلق ميزات تنافسية لها في سلع بعينها من خلال الاستراتيجيات التي تعتمدها. أما الأمر الثاني الذي يحدد تنافسية المؤسسة، فقد بات يتمثّل بالدور الذي يمكن أن تضطلع به الدولة في هذا الإطار.

 

• أي دور للدولة

إنعكس هذا الانتقال من فرضية المنافسة الكاملة في السوق الدولية إلى فرضية المنافسة غير الكاملة بدوره في ميدان تقييم دور الإجراءات الحكومية في ميدان التجارة الدولية، من مثل الحماية الجمركية والدعم الحكومي المتعدد الأشكال الذي يمكن إفادة المؤسسات الإنتاجية منه. وفي حين كانت النظرية التقليدية تدين بالمطلق استخدام هذه الأدوات، كما سبقت الإشارة، أعطت النظرية المحدثة دوراً مهماً للسياسة التجارية في تمكين المؤسسات من حيازة المقدرة التنافسية الدولية. وقد باتت الدولة قادرة على الإسهام في تمكين المؤسسة من حيازة المقدرة التنافسية الدولية، من خلال ما تتخذه من اجراءات دعم، تدخل ضمن اطار "السياسة التجارية الاستراتيجية"(7).

ويستخدم نموذج اليابان مثلاً في الأدبيات النظرية لاظهار كيف أن تطبيق إجراءات حماية للسوق الداخلية تجاه تدفق الواردات، يجعل هذه السوق حكراً على المؤسسات الإنتاجية الوطنية، الأمر الذي يتيح لها زيادة إنتاجها، الى الحد الذي يجعلها قادرة على تخفيض أكلافها الثابتة إلى الحد الأقصى، ويكسبها ميزات تنافسية لم تكن تمتلكها قبل تطبيق هذه الإجراءات.

بكلام آخر، جعلت نماذج نظرية التبادل الدولي المحدثة، الحماية مثلاً شأناً ايجابياً، يمكن توظيفه لتمكين المؤسسات الوطنية من حيازة المقدرة التنافسية الدولية.

 

ج- صعوبة استلهام نماذج النظرية المحدثة للتبادل الدولي لتوضيح شروط اكتساب التنافسية على مستوى المشروع

إن أهم واضعي النماذج الجديدة ضمن إطار نظرية التبادل الدولي المحدثة ينتمون إلى المدرسة النيو-كلاسيكية، ومنهم على سبيل المثال، بول كروغمان. أي أنهم وبشكل أساسي معنيون بتحقيق نماذج تثبت أن حرية التبادل هي الإطار الأفضل للمبادلات الدولية. إلا أن النظرية النيو-كلاسيكية ليست بالضرورة ضد تدخّل الدولة في الاقتصاد. لكن ثمة "زواج مصلحة "  أقامته مع المدرسة النمسوية الممثلة خصوصاً بـ فريدريتش فون هايك (Hayek)، التي تتيح التعبئة السياسية لمصلحة "الحرية" و"الاقتصاد الحر". وقد شكل "زواج المصلحة" هذا أساس العقيدة النيو-ليبرالية السائدة منذ ثمانينيات القرن الماضي(8). كما جعل هذا "الزواج" النظرية النيو-كلاسيكية تتخلَّى عن نماذجها التي تبرِّر تدخّل الدولة في الاقتصاد. لذلك لا يمكن القول أن نظرية التبادل الدولي المحدثة تسوّغ بوجه عام تدخّل الدولة بواسطة أدوات السياسة التجارية من حماية ودعم، بهدف تعزيز القدرة التنافسية الدولية لمؤسساتها الإنتاجية. بل أن بعضاً من كبار الاقتصاديين الذين أسهموا بصياغة نماذج النظرية المحدثة، يجد نفسه محرجًا من النتائج التي توصَّل إليها، لأنها تتعارض مع الجو العام النيو-ليبرالي السائد على مستوى العالم منذ ثمانينيات القرن العشرين. فهي تثبت أن التدخل الحكومي في ميدان دعم المؤسسات الإنتاجية وحمايتها .من شأنه تحسين قدرات هذه المؤسسات والإسهام بشكل ايجابي في رفع مستوى الرفاه على المستوى الوطني. لذلك يعمد الكثيرون من هؤلاء الاقتصاديين وبطرق شتى، إلى نزع الصدقية عن النماذج التي حقّقوها، أو يدعون صراحة إلى عدم استيحائها في السياسات الحكومية المعدّة للتطبيق على أرض الواقع(9).

 

د- المقاربة للتنافسية في نماذج التحليل الاقتصادي الكلّي، أو نموذج العرض والطلب الإجماليين (modèle AS-AD)

يتيح هذا النموذج النيو-كلاسيكي دراسة محددات الطلب والعرض الإجماليين على مستوى اقتصاد بعينه، وتعيين مستوى الناتج الإجمالي في ضوء التغيرات التي تطرأ عليهما، وذلك على أساس أن الأسعار تتغيّر وليست ثابتة. ومن المعادلات الثلاث التي تستخدم لتكوين معادلة العرض الإجمالي (AS)، هناك تلك التي تربط بين كلفة السلعة في المؤسسة الإنتاجية وبين سعرها، وهي:

سعر السلعة (p) = حصة الأجر في كلفة إنتاج السلعة الواحدة (w) × [       +   المتغيّر (z)

 الذي يتضمّن عناصر الكلفة الأخرى، وهي سعر الفائدة أي كلفة رأس المال، وأسعار المواد الأولية وغير ذلك، إضافة إلى هامش الربح الذي تعتمده المؤسسة لتكوين سعر مبيع السلعة]/ معامل الإنتاجية (a). 

ويظهر هنا بالطبع، الدور المهم الذي تؤديه الإنتاجية في تكوين السعر وتالياً المقدرة التنافسية للسلعة، حيث أنه بمقدار ما ترتفع هذه الإنتاجية، بمقدار ما ينخفض سعر السلعة وتكتسب هذه الأخيرة مقدرة تنافسية إضافية (11) .

يمثل نموذج العرض والطلب الإجماليين نموذجاً نيو-كلاسيكياً بامتياز هو أحد عناصر الثورة - المضادة الليبرالية التي تكوَّنت خلال سبعينيات القرن العشرين رداً على "الكينزية" المنتصرة في أعقاب الحرب العالمية الثانية، والتي برّرت أشكالاً من تدخّل الدولة الواسع النطاق في المجال الاقتصادي. وإذا كانت "الكينزية" قد ركّزت على الطلب لرفع مستوى الناتج الوطني، فإن المقاربة النيو-كلاسيكية الجديدة ركَّزت على دور عامل العرض في هذا المجال، وهو الذي تضطلع فيه المؤسسة الإنتاجية بالدور الأساس. وضمن هذا الإطار، يؤدي خفض كلفة الإنتاج من خلال رفع مستوى الإنتاجية الدور الأهم في تحقيق تنافسية الاقتصاد الوطني ورفع مستوى الناتج.

 

هـ- المقاربة للتنافسية في نماذج نظرية النمو المحدثة، أو نظرية النمو الباطني المنشأ (croissance endogène)

حددت النظرية المحدثة للنمو أربعة عناصر للنمو عبَّرت عنها النماذج التي حقَّقها أصحابها خلال عقدي الثمانينيات والتسعينيات الماضيين وبخلاف النظرية التقليدية للنمو التي ركَّزت على دور رأس المال (K) في النمو، قسّمت النظرية المحدثة هذا الأخير إلى أربعة عناصر هي: رأس المال المادي (K)، رأس المال البشري (H)، رأس المال التكنولوجي أو المعرفة التكنولوجية (A) ورأس المال العام (P)، أي العائد للدولة.

واستخدمت هذه النظريات التقدّم الذي تحقّق ضمن إطار النظرية المحدثة للتبادل الدولي ونظرية الاقتصاد الصناعي، لتعريف أشكال المنافسة التي لا تتعارض مع دوام ارتفاع إيرادية الاستثمار (increasing returns)، وبالتالي مع استمرار النمو الاقتصادي وديمومته، واستخدمت جميعها العامل نفسه لتفسير أسباب ارتفاع الإيرادية، ألا وهو دور العوامل الخارجية التي تجسدها بيئة المؤسسة أو الوسط الذي توجد فيه (externalités). وركّز نموذجا رومر (Romer, 86, 90) على دور التمرين (learning by doing) من جهة، ودور المعرفة التكنولوجية (connaissance technologique) من جهة أخرى، في توفير إيرادية إجمالية ثابتة للاستثمار (rendement social constant) تتيح دوام النمو. وركَّز لوكاش (Lucas, 88) على دور رأس المال البشري (capital humain) في ذلك، في حين ركّز بارو (Barro, 90) على دور الاستثمارات العامة (capital  public) في ذلك. وهذه النظريات، على اختلاف المقاربات للنمو التي اعتمدتها، تظهر دور كل من العناصر المذكورة في اكتساب التنافسية على مستوى المؤسسة الإنتاجية، وعلى مستوى الاقتصاد بوجه عام(12).

وقد جاءت بلورة نظريات النمو الباطني المنشأ في وقت سادت فيه النيو-ليبرالية على مستوى العالم. وهي نظريات وجدت في نهاية المطاف أن لا بد من دور للدولة، إن في ميدان دعم البحث العلمي، كوسيلة لرفع مستوى المعرفة التكنولوجية وتعميمها، أو في ميدان تأهيل القوى العاملة، كوسيلة لرفع مستوى رأس المال البشري الوطني،

أو في ميدان تحقيق الاستثمارات العامة، كوسيلة لتحسين إيرادية الاستثمارات الخاصة، لكنها بقيت محكومة بالجو العام النيو-ليبرالي السائد في صياغتها وفي المقترحات التي توصلت إليها حول نوع السياسات الاقتصادية المطلوبة. ويمكن اعتبار "المقاربة الودية تجاه قوى السوق" التي بلورها البنك الدولي في بداية عقد التسعينيات الأقرب الى التعبير عن مضمون هذه النظريات في ميدان السياسة الاقتصادية.

 

ثانياً: التجربة الآسيوية في ميدان اكتساب التنافسية على مستوى المشروع

تظهر تجربة الدولة التنموية الآسيوية أن تدخّل الدولة هو شرط لا بد منه لاكتساب المزايا التنافسية على مستوى المشروع. وقد اعتمدت البلدان التي أخذت بهذا النموذج، من حيث هو تعبير عن قومية اقتصادية منفتحة على الأسواق الدولية ومشاركة فيها، جملة من السياسات لتعزيز المقدرة التنافسية لمؤسساتها، تقع على نقيض ما تبشر به النظرية الليبرالية للتبادل الدولي. يمكن الاقتصار في هذا النص على عرض مبدأين أساسيين يُعبَّر عنهما من خلال استخدام أدوات التحليل الاقتصادي الجزئي، تعكسهما السياسات التي اعتمدتهما هذه البلدان، وكانا وراء تعزيز المقدرة التنافسية لمؤسساتها، أي أن هذين المبدأين يختصران جوهر "السياسات التجارية والصناعية الانتقائية" (Selective industrial and trade policies) التي جرى التطرّق إليها في نصوص سابقة لتعريف التجربة الآسيوية(13).

 

أ- الأخذ بمبدأ "جعل الأسعار النسبية غير خاضعة لتوازن العرض والطلب في السوق الحرّة" (Getting Relative Prices Wrong)

استخدمت أليس أمسدن(14) (Amsden) هذا المصطلح لاختصار تجربة الدول التنموية الآسيوية في ميدان تشكّل الأسعار. خلال فترة طويلة، كان الرأي السائد أن النجاح الذي حققته كوريا الجنوبية في الستينيات كبلد من بين قلّة قليلة اعتمدت خيار الانفتاح على السوق الدولية، يعود إلى تمتعها

بميزات نسبية في السلع التي كانت تصدرها، والتي كانت تقتصر على منتجات النسيج، وأن هذه الميزات تعود إلى انخفاض كلفة اليد العاملة لديها.

 

• التمرين كمصدر للتنافسية على مستوى المشروع

وقد أظهرت أمسدن عدم صحة هذا الرأي، وأوضحت أن مقدرة كوريا الجنوبية على التصدير إلى الأسواق الدولية أتاحها آنذاك الدعم الحكومي المتعدّد الأوجه لهذه الصناعات. بل يبدو الدعم الحكومي للمؤسسات الإنتاجية بالنسبة إلى أمسدن، المرادف الذي لا بد منه لإنجاح استراتيجيات "التصنيع المتأخر" (late industrializing)  بوجه عام ورمز هذه الاستراتيجيات في عصرنا الحاضر(15).

وقد أوضحت أمسدن أن الثورة الصناعية الأولى جرت ضمن إطار من حرية التبادل واليد المرفوعة، وأن الثورة الصناعية الثانية التي حصلت خلال القرن التاسع عشر، استندت إلى الحمائية وتدخل الدولة لدعم المنتجين. خلال هذه الثورة الصناعية الثانية، كانت قدرة المؤسسات على اختراع سلع وتقنيات جديدة توفر لها ميزاتها النسبية. هذا الإطار هو الذي اعتمده جوزيف شومبيتير (Schumpeter) كبديل عن النموذج الليبرالي القائم على مبدأي التخصّص والتبادل في السوق الدولية لتفسير النمو الاقتصادي. وبالنسبة إليه، فان القدرة التنافسية للمؤسسة الإنتاجية والنمو الاقتصادي بوجه عام، ينبغي نسبتهما إلى السبق المحقّق من قبل المؤسسات الإنتاجية في ميدان الاختراعات الجديدة.

وقد اعتبرت أمسدن أن الإطار الذي استخدمه شومبتير لا يصلح تماماً لتفسير النمو ضمن إطار استراتيجية التصنيع المتأخر في وقتنا الحاضر، لأن القدرة التنافسية للمؤسسات ضمن هذا الإطار، تقوم على التعلّم أو التمرين learning) أو (apprentissage كوسيلة لخفض كلفة الإنتاج وحيازة المقدرة التنافسية. بمعنى أن هذه البلدان لا تكون مضطرّة بالضرورة إلى ابتداع تقنيات جديدة لتحقيق السبق في ميدان التنافسية الدولية، بل إن تجربتها تقوم بشكل رئيس على تكييف التقنيات المنقولة، واكتساب ميزات نسبية بواسطة عملية التكييف هذه. إذًا التمرين وليس الاختراع هو جوهر استراتيجيات التصنيع المتأخر. من خلاله تكتسب المؤسسة الإنتاجية مقدرتها التنافسية. وهو العامل الذي يحقّق من منظار التحليل الاقتصادي الجزئي، التنافسية على مستوى المشروع.

 

• دور الدولة

ضمن هذا الإطار، يتقدّم الدعم الحكومي للمؤسسات الإنتاجية بصفته العامل الرئيس اللازم لإكسابها مقدرتها التنافسية. ويمكن اختصار هذا الدعم تحت عنوان واحد: جعل الأسعار النسبية غير خاضعة لتوازن العرض والطلب في السوق الحرّة. ويمكن إيراد مثالين عن الأسعار النسبية هذه، هما سعر الفائدة وسعر صرف العملة.

وقد كانت مسألة سعر الفائدة موضع جدل نظري كبير في النقاش حول آسيا. واعتُبِرت كوريا أنها الأولى من بين دول العالم الثالث لجهة تحقيق إصلاح مالي يتطابق مع ما تقترحه المقاربة الليبرالية. وكان ذلك العام 1965، حين حرّرت أسعار الفائدة وتركت أمر تحديد مستواها لقوى العرض والطلب في السوق. لكن تحرير أسعار الفائدة كان ثانوياً لجهة أهميته النسبية في التجربة الكورية آنذاك. ذلك أن الادخار المحلي، الذي يعوّل على تحرير أسعار الفائدة لجذبه، لم يكن بالحجم الكافي الذي يمكنه من تلبية حاجات الاستثمار. وقد اعتمدت كوريا بشكل رئيس آنذاك على القروض الخارجية لتمويل الاستثمار الوطني. وهي تخلّت في ما بعد، العام 1972 عن تجربة تحرير أسعار الفائدة، واعتمدت أسعار فائدة سلبية ومدعومة، كوسيلة رئيسة لدعم الاستثمار الصناعي الوطني. بل أن المرسوم الاشتراعي الذي أصدره رئيس الجمهورية الكورية في 3 آب/أغسطس 1972، وجمّد من خلاله دفع كل الديون المتوجّبة على المؤسسات الإنتاجية لمدة ثلاث سنوات، كان عملية "تأميم لمخاطر الاستثمار" (risk socialisation) واسعة النطاق، اتخذت استجابة لأوضاع طارئة. وقد اعتبر الباحثون هذه التجربة حالة قصوى من حالات "القمع المالي" (repression financière). وهي التي أتاحت لكوريا ولوج مرحلة جديدة من النمو المتسارع على امتداد السنوات اللاحقة(16). كما اعتمدت كوريا سعر صرف مرتفع نسبياً لعملتها. وأتاحت المجال للمؤسسات المعنية بالتصدير التعويض عن الخسائر التي كان سعر الصرف هذا يتسبب لها بها، من خلال حجز السوق الداخلية لمبيعات هذه المؤسسات. وهو ما وفّرته لها الحماية التي اعتمدتها للسوق المحلية.

لا يمكن بالطبع اختتام عرض كهذا حول استخدام وسائل الدعم والحماية لإكساب المؤسسات الإنتاجية ميزات تنافسية ضمن إطار إستراتيجية التصنيع المتأخر، من دون الإجابة عن التساؤل حول الأسباب التي جعلت الأخذ بهذه المقاربة مصدر نجاح في كوريا وغيرها من الدول التنموية، في حين أن استخدام هذه الأدوات نفسها أعطى نتائج غير ذات أهمية في الكثرة الساحقة من البلدان النامية. والجواب هو أن الدولة ألزمت المؤسسات تحقيق نتائج ملموسة لجهة رفع مستوى فعاليتها الإنتاجية بما يجعلها قادرة على التصدير إلى الأسواق الدولية (performance standards) مقابل الدعم الموفر لها(17).

وهو ما اعتبره دارسو التجربة الآسيوية العنصر الرئيس المميّز لها، وما عبرت عنه أمسدن بشكل أوفى في كتابات لاحقة بواسطة مفهوم "آلية الضبط المتبادل"(18)  (reciprocal control mechanism )، وما بات يعتبره الأكاديميون مبدأً عاماً يؤمن التزامه نجاح استراتيجيات التصنيع المتأخر(19).

 

ب-  الأخذ بمبدأ "تنسيق الاستثمار" (investment coordination)

• "المنافسة المحدودة" كأحد عناصر اكتساب التنافسية على مستوى المشروع

كان هم الدول التنموية خلال تجربتها التنموية التاريخية الحد من المنافسة في العديد من الأحيان، بدل اعتبارها الحالة المثلى للسوق التي تتأمن عبرها فعالية المؤسسات الإنتاجية(20).

تنطلق النظرية التقليدية في ميدان الاقتصاد الصناعي من فرضية وجود منافسة كاملة ومنتجين صغار كما سبقت الإشارة، الأمر الذي يجعل هؤلاء لا يتأثرون بعضهم ببعض لجهة الإنتاج الذي سيحققونه والأسعار التي سيعتمدونها. وبالتالي، فلا لزوم لأن ينشأ بينهم أي نوع من التنسيق

(coordination) على هذا المستوى. أي أن الفرضية المعتمدة تنفي وجود مشكلة تتناول التنسيق بين المؤسسات الإنتاجية على مستويي الكميات والأسعار.

أما إذا زادت الكميات أو انخفضت الأسعار، فان إفلاس المؤسسات الفائضة عن حاجة السوق يجسد الآلية التي يقدمها هذا الأخير لتحقيق التوازن المطلوب.

لكن الإفلاسات تعني هدراً للموارد، لأن الأصول الصناعية المعنيّة يصعب استخدامها في صناعات أو نشاطات أخرى.

وهذا النوع من التنسيق اللاحق (coordination ex post) الذي يحققه السوق بالإفلاسات، يبرر وجود آليات تنسيق أفضل منه تتمثّل بالتنسيق المسبق (coordination ex ante)، أو تخطيط الاستثمار (21).

أما في حالات وجود وفورات حجم (économies of scale) لدى المؤسسات الإنتاجية، أي مقدرة لديها على زيادة إنتاجها وخفض كلفة إنتاج السلعة بمقدار ما يزداد هذا الإنتاج، فان تدخل الدولة يصبح أكثر حراجة في هذه الحالات، وتصبح حاجة المؤسسات إليه أكثر حدة.

 

• دور الدولة

يكون هذا التدخل في ميدان تنسيق الاستثمار، بحيث لا ينعكس وجود وفورات الحجم هذه سبباً لدى المؤسسات لزيادة إنتاجها إلى درجة تضطرها لاحقاً إلى الدخول في حرب أسعار مع منافسيها، خصوصاً حين يتعرض الاقتصاد المعني إلى صدمات خارجية تتمثّل بانخفاض الطلب العالمي او الخارجي.

وفي التجربة الآسيوية، كانت الدولة تتدخَّل أولاً لتأمين العدد الأمثل من المنتجين في القطاع الإنتاجي المعني، أي كانت تختار وجود عدد قليل من المؤسسات تنتج ضمن الشروط الأمثل (échelles optimales)- أي باستخدام طاقاتها الانتاجية الموجودة الى الحد الأقصى- على أن تكون هناك مؤسسات عديدة تنتج وفق شروط ما دون الأمثل. وكانت تستخدم إجازات الاستثمار بشكل رئيس لضبط عملية دخول المؤسسات إلى القطاعات الإنتاجية المختلفة.

وكان المستوى الثاني لتدخل الدولة يتناول إنشاء "كارتيلات لمواجهة حالات انكماش الطلب"، حيث تعمد المؤسسات بإشراف الدولة للحدِّ من انتاجها لفترة معيَّنة بدل الدخول في حرب أسعار. وقد عبَّرت تجربة اليابان خلال ستينيات القرن العشرين من خلال "كارتيلات الإستثمار" عن هذه المقاربة، وذلك عبر المفاوضات التي كانت تتم بين المؤسسات الإنتاجية المعنية تحت إشراف الدولة.

كذلك أمَّنت الدولة من خلال تدخلها حماية المؤسسات الإنتاجية في القطاعات المتراجعة، من خلال تقديم دعم مؤقت لها، مقابل التزام من قبل هذه المؤسسات تحسين مستوياتها التكنولوجية ورفع مستوى إنتاجيتها(22).

 

ثالثاً: بعض الاستنتاجات في ما يخص تنافسية المؤسسة الانتاجية العربية

أ- اكتساب التنافسية يسهم به قيام تكتلات اقتصادية اقليمية

إن من شأن تكوين تكتلات اقتصادية إقليمية توفير مقدرة تنافسية إضافية للمؤسسات الإنتاجية. وتقسم النظرية النيو-كلاسيكية التقليدية هذا الأثر الإيجابي إلى نوعين: الآثار الستاتيكية والآثار الديناميكية. وتكون آثار التكتل إيجابية بالنسبة إلى البلدان المنضوية إليه، إذا نجم عنه "خلق تبادل"، أي تخصص على مستوى بلدان التكتل يقوم على التخلِّي عن إنتاج السلع المختلفة لصالح من يتمتَّع بالكلفة الأقل داخل التكتل، الأمر الذي من شأنه تحسين عملية تخصيص الموارد على مستوى التكتل ككل. أما الآثار الديناميكية للتكتل والتي تتناول أثره على نمو البلدان المنضوية إليه، فهي تتعلَّق بتحسين فعالية المؤسسات من خلال زيادة مستوى التنافس الذي تتعرّض له المؤسسات الإنتاجية الوطنية، ورفع مستوى الاستثمار وتحقيق وفورات حجم لدى المؤسسات الإنتاجية بسبب اتساع حجم السوق الذي تتعامل معه هذه المؤسسات.

أما النظرية المحدثة للتكتلات الإقليمية، فانها تضيف إلى الآثار التي سبق تناولها، دور التكتلات في تعزيز القدرة التفاوضية للمنضوين إليها(23).

ومن الأمور التي أثيرت خلال السنوات السابقة في ميدان دراسة أثر اتفاقيات الشراكة مع أوروبا على البلدان العربية، مسألة "تراكم قواعد المنشأ"، أي ضرورة أن تعتبر السلعة المصدرة إلى أوروبا ذات منشأ واحد، ولو أن إنتاجها يتطلَّب تشاركاً فيه من قبل عدة بلدان إقليمية. وتبدو التكتلات الإقليمية من هذه الزاوية مصدر تنافسية إضافية للمؤسسات الإنتاجية.

 

ب- إكتساب التنافسية بات أمراً ممكناً لأي بلد بصرف النظر عن حجم سوقه الداخلية

جرى الربط حتى الآن بين زيادة الحجم كعامل خفض للكلفة وزيادة القدرة التنافسية للمؤسسة. لكن التطور التكنولوجي المتحقِّق منذ ثمانينيات القرن العشرين جعل المؤسسات الإنتاجية قادرة على إنتاج أنواع مختلفة من السلع بكميَّات محدودة وبسرعة أكبر من السابق (descaling) أي أن التنافسية لم تعد مرتبطة فحسب بزيادة حجم المؤسسة وتحقيق وفورات ناجمة عن الحجم، بل أصبح بالإمكان أيضاً تحقيق إنتاج فعال وتنافسي، ولو أن الأمر يقتصر على إنتاج كميات محدودة من السلع المعنيّة. كما أمن ذلك إمكان اعتماد "استراتيجيات تخصّص متحرّك"  (stratégies de spécialisation flexible)  للمؤسسات الإنتاجية(24).

واستحوذت تجربة قبرص في إنتاج الألبسة على كثير من الإهتمام لأنها قامت على تحسين القدرة التنافسية في هذا القطاع من خلال تغيير أساليب تنظيم الإنتاج ومن خلال التركيز على النوعية المرتفعة المخصصة لقطاعات متطلّبة من المستهلكين. وأعطت مؤسسة Sunny face garment نموذجاً لنجاح كبير على هذا المستوى.

 

ج- القدرة التنافسية للمؤسسات الانتاجية ودور المؤهلات البشرية فيها

جرت الإشارة في ما سبق، إلى التصنيع المتأخر بوصفه أمراً يعتمد أولاً وبشكل رئيس على "التمرين"، والى كون هذا "التمرين" العنصر الأساس في خفض الكلفة وحيازة المقدرة التنافسية للمؤسسة الإنتاجية. ويبدو رفع مستوى مؤهلات القوى العاملة عنصراً مركزياً في حيازة التنافسية في إطار التصنيع القائم على "التمرين".

ويبرِّر أخذ دور المؤهلات البشرية (skills) في الإعتبار، العودة مجدداً إلى نظريات التبادل الدولي. ولا تعالج نظرية التخصّص والتبادل الدوليين بصيغتها التقليدية هذا الأمر، ولا تأخذ في اعتبارها دور مؤهلات القوى العاملة كأحد العناصر المكونة للميِّزات النسبيَّة. فهي تعتبر أن "التمرين" ليس له كلفة، وأن ليس ثمة "إخفاقات للسوق" تعيق عملية التمرين هذه، وأن ليس ثمة اختلاف بين البلدان الصناعية وبين البلدان "الآتية متأخرة إلى التصنيع" لجهة مقدرتها على استيعاب التكنولوجيا(25).

وتأخذ النظرية المحدثة للتبادل الدولي مسألة التمرين التكنولوجي في اعتبارها، كأحد العناصر المرافقة لزيادة حجم المؤسسة الإنتاجية، أو كأحد عناصر وفورات الحجم التي تتحقّق للمؤسسة الإنتاجية.

لكن لا يترتَّب على ذلك أية نتائج أو اقتراحات في ما يتعلّق بالسياسة الإقتصادية المطلوبة على هذا المستوى(26). وبالتالي، يتعيّن أن تكون هناك استراتيجيات حكومية تتناول خلق مؤهلات للقوى العاملة، انطلاقاً من تعيين إخفاقات السوق التي تعيق عملية التمرين المرافقة لـ "التصنيع المتأخر". وتوفر التجربة التاريخية للدول التنموية الآسيوية وللبلدان الغربية أشكالاً متعدِّدة وغنيَّة لاستراتيجيات تطوير المؤهلات البشرية التي اعتمدت في مختلف هذه البلدان. 

 

د- المقدرة التنافسية للمؤسسات الإنتاجية، وكيفية تعاطي الدولة الوطنية مع نصوص المنظمة العالمية للتجارة

يستمرّ النقاش بين الاقتصاديين حول كيفية التعاطي مع قواعد المنظمة العالمية للتجارة ونصوصها لجهة ما تحتويه من تحريم لاستخدام أدوات السياسة التجارية التي استطاعت الدول التنموية في حينه استخدامها لإنجاح عملية التصنيع المتأخر التي تنكبت لها.

ويتناول النقاش بين أمور أخرى، مسألة الدعم (subsiding)، حيث يخضع هذا الأخير لاجراءات تحجيم إضافية لدوره كأداة يمكن أن تستخدمها البلدان النامية لحفز النشاطات الصناعية فيها. ويرى البعض أن الرأي القائل بأن نصوص المنظمة تثير ضجيجاً أكثر مما تؤذي ليس دقيقاً تماماً. وذلك اخذاً بالاعتبار للائحة الممنوعات التي انتهى اليها مؤتمر الأوروغواي، والتي أظهرت تشدداً كبيراً مقارنة بما كان سائداً قبل المؤتمر لجهة استخدام أدوات الدعم. إلا أن هذا لا يعني تجاهل إمكان استخدام هذه الأداة أو التقليل من أهميتها. ويذكّر الباحثون بالاتفاق الضمني بين المشاركين في مؤتمر المنظمة العالمية للتجارة في الدوحة، حيث بدا أن ثمة توافقًا ضمنيًّا بين الجميع على أن لا يصار إلى حل الخلافات بشأن استخدام أدوات الدعم من قبل البلدان المختلفة، عبر اللجوء الى آلية فض النزاعات الخاصة بالمنظمة(27). ويعطي الباحثون حجة إضافية تظهر حدود إمكان استخدام الدعم لدى البلدان النامية، وهي المتمثلة بالكلفة التي يرتِّبها استخدام هذه الأداة على المالية العامة.

بالمقابل، وبعد مؤتمر الدوحة بالذات، صدرت نصوص عديدة لباحثين شدَّدت على ضرورة عدم خفض الرسوم الجمركية بشكل اضافي بأي شكل من الأشكال. والمقارنة التي تستخدم في هذا الإطار هي التي تضع مستوى الرسوم الجمركية في الولايات المتحدة، حين كانت هذه الأخيرة في مستوى النمو نفسه لكثير من البلدان النامية حالياً. وكانت هذه الرسوم تبلغ في حينه، أي في أواخر القرن التاسع عشر، 50 بالمئة كمعدل وسطي، في حين أن مستواها لا يتجاوز 6.5 بالمئة كمعدل وسطي للبلدان النامية في الوقت الراهن(28).

ويقترح الباحثون استخدام الحماية الجمركية بشكل انتقائي لحماية صناعات بعينها ودعمها. وهذا لا يعني رفع مستوى الرسوم الجمركية بوجه عام، بل استخداماً لها على نحو انتقائي ولبلوغ غايات محدّدة.

5-3 تحقيق المقدرة التنافسية للمؤسسات الانتاجية يملي عدم التزام ما تقترحه المؤسسات الدولية لجهة اعتماد التحرير الاقتصادي الكامل

أشار الباحثون إلى أن التحرير الاقتصادي المفروض على البلدان النامية بدا أسهل تطبيقاً ضمن إطار التكتلات الإقتصادية الإقليمية، أي أن ما رفضته البلدان النامية ضمن إطار المنظمة العالمية للتجارة عادت ووافقت عليه

إفرادياً، حين كان الأمر يتعلّق باتفاقات ثنائية، وخصوصاً حين كانت تنضم إلى تكتلات اقليمية(29).

ولا تبدو المنافسة في ضوء العرض السابق حالة مثلى يجب أن تُعتمد في الحالات كلها وتُطبّق على القطاعات كلها، بل أن النقاش النظري الذي سبق عرضه في هذا المجال يوحي بأنه يتوجَّب على البلدان النامية التعامل بدقة كبيرة مع الإملاءات التي تتضمَّنها مشاريع التكتلات شمال - جنوب، لجهة ما تحتويه حول قوانين المنافسة، وأموراً أخرى من هذا القبيل. يمكن الإشارة في هذا الإطار إلى أن اتفاقات الشراكة مع أوروبا تضمّنت اشتراط إصدار قوانين منافسة من قبل البلدان المعنية بهذه الإتفاقيات بعد فترة خمس سنوات من دخول هذه الاخيرة حيّز التنفيذ.

 

هـ- تحقيق المقدرة التنافسية للمؤسسات الانتاجية يملي عدم الاقتصار على سياسات اصلاح المؤسسات الرائجة تحت عنوان "الحاكمية الصالحة"

(Good Governance) ركَّزت المؤسسات الدولية منذ مطلع عقد التسعينيات الماضي على ضرورة أن تُجري البلدان النامية إصلاحاً لمؤسساتها، لكي يتاح لها أن تحقّق نجاحاً في التنمية التي تتوخَّاها. جاء تركيز المؤسسات الدولية على الإصلاح المؤسساتي لحرف نظر العالم عن الفشل المتمادي لسياسات التصحيح الهيكلي التي اعتمدتها على امتداد عقد الثمانينيات السابق، وفرضتها على البلدان النامية، ولرمي تهمة الفشل على هذه البلدان، باعتبار أنها تفتقر إلى المؤسسات "الجيدة"، التي يفترض أن تكون موجودة لكي تنجح السياسات المقترحة.

واعتمدت المؤسسات الدولية لائحة طويلة ومحدّدة من المؤسسات التي يتوجب على البلدان النامية أن تقيمها، وقد أدرجت تحت عنوان "الحاكمية الصالحة" (Good Governance). وقد تبيّن في نهاية المطاف أن المؤسسات الدولية تقترح وصفة واحدة في ميدان الإصلاح المؤسساتي على البلدان النامية، وأنها تستعيد في ذلك المقاربة ذاتها التي اعتمدتها في سياسات التصحيح الهيكلي التي عملت على تطبيقها على امتداد عقد الثمانينيات. وإلى كون اقتراحات الإصلاح المؤسساتي معقّدة وموحّدة لجميع البلدان النامية، فإنها ركَّزت على شكل المؤسسات أكثر مما ركَّزت على وظائفها، وانعكست مقاربتها عملية لصق للمؤسسات المقترحة(30)، من دون أخذ بالاعتبار مدى تناغمها مع الإطار المؤسساتي الرسمي وغير الرسمي القائم في البلدان المعنية، ما جعل في غالب الأحيان المحاكاة المؤسساتية التي اعتمدت عديمة الفعالية نسبة الى الدور الذي جرى الافتراض أنها ينبغي أن تؤديه. وانتبه الباحثون إلى صعوبة تحقيق الإصلاحات المقترحة، وإلى أن حكومات البلدان النامية تهدر وقتاً ثميناً في محاولة إقامة المؤسسات المقترحة وفي إصدار نصوص وتشريعات جديدة لا تستطيع أن تضعها موضع التطبيق ما يجعل ممارستها هذه مصدر فشل اقتصادي لديها، علماً أنها تستطيع أن تحفّز نموها من خلال سياسات أقل تعقيداً وتطلباً(31).

كما أُخذ عليها أنها ركَّزت على مؤسسات بعينها، هي تلك المعنية بحماية الملكية، باعتبار أن توافر هذه الحماية هو العامل الأهم لجهة تحفيز الاستثمار المحلي والأجنبي. وقد جاءت تجربة الصين التي تظهر استحواز هذا البلد وحده على ثلث الاستثمار الأجنبي المباشر في العالم، على الرغم

من عدم وجود نظام ملكية خاصة واضح فيه، لتلقي شكوكاً على جدوى اختصار مشروع الإصلاح المؤسساتي المقترح على العناصر المتعلقة بحماية حقوق الملكية منه.

إلا أن أهم نقد لعملية المحاكاة المؤسساتية التي فرضتها المؤسسات الدولية على البلدان النامية، من خلال الشروط الموضوعة لتمويل هذه البلدان كما كان الأمر عند تطبيق سياسات التصحيح الهيكلي، هو أن هذه المحاكاة بدت غير كافية لتوفير ما يلزم للبلدان النامية لـ"اللحاق" (catch-up) بالبلدان المتقدمة وتحقيق تصنيعها المتأخر. وقد أثبتت التجربة التاريخية، أن استيراد المؤسسات لا يكفي بحد ذاته لتحقيق هذا "اللحاق". وقد أعطت اليابان خلال حقبة الميجي نموذجاً غنياً بالدروس لجهة استيراد المؤسسات من البلدان الأكثر تقدماً، ثم تكييف هذه المؤسسات مع الواقع المحلي، من خلال إضافة عناصر جديدة إليها لجعلها قادرة على الإسهام بنجاح في عملية التصنيع المتأخر المعتمدة(32).

 

خاتمة

مما تقدّم، يظهر أن ثمة ثابتتين تعودان في كل قراءة غير أرثوذكسية الطابع (non-orthodoxe) لما ينبغي عمله من أجل تحقيق تنافسية المؤسسات الإنتاجية وإنجاح مشروع "اللحاق" ضمن إطار "التصنيع المتأخر". هاتان الثابتتان هما أولاً، تدخّل الدولة لدعم المؤسسات الإنتاجية المعنية بتحقيق شروط التنافسية وحمايتها، وفقاً للآليات التي جرى التطرّق إليها، وثانياً، جعل هذا التدخّل مشروطاً بتحقيق نتائج ملموسة وقابلة للقياس من قبل المؤسسات الإنتاجية لجهة اكتساب التنافسية واختراق الأسواق الدولية.

في ضوء هذين الشرطين، يمكن تقييم التجارب العربية في حقل اكتساب التنافسية، واقتراح بدائل في ميدان السياسة الاقتصادية.

 

الهوامش

 -1 أنظر مثلاً، World Economic Forum, The Global Competitiveness Report, 2006-2007, Hamshire: Palgrave Macmillan, 2007 أو World Competitiveness Center, World Competitiveness Yearbook, 2007.

2-  أنظر، المنتدى الاقتصادي العالمي، تقرير التنافسية العربية 2007: الحفاظ على زخم النمو، إصدار المنتدى الاقتصادي العالمي (جنيف)  وكلية دبي للإدارة الحكومية، 2007.

3-  تتوزع المتغيرات المعتمدة للبلدان العربية في تقرير التنافسية العربية تحت ثلاثة عناوين رئيسة: 1) المعطيات الأساسية وتشمل: المؤسسات، البنية التحتية، الاقتصاد الكلّي؛ 2) عوامل تعزيز الفعالية: الصحة والتعليم الابتدائي، التعليم العالي والتدريب، فعالية السوق، مستوى الاستعداد التكنولوجي؛ 3) عوامل تعزيز الابتكار: مدى تقدّم الشركات، الابتكار.

-4  المصدر نفسه بالانكليزية، ص 4.

5- أما العرض فتحدده كلفة إنتاج السلعة، التي هي عدد وحدات العمل ورأس المال المستخدمة في إنتاجها، مضروبة بثمن كل من هذه الوحدات، أي الأجر وسعر الفائدة. أما الطلب فتحدده المنفعة التي توفرها هذه السلعة لمن يستهلكها. وتحتسب هذه المنفعة من خلال الأخذ بالاعتبار الموازنة المخصّصة من قبل المستهلك لاستهلاك تشكيلات مختلفة من السلع.

6- أنظر على سبيل المثال Emmanuel Nyahoho, Pierre-Paul Proulx, Le Commerce International: Théories, Politiques et Perspectives Industrielles,  Presses de   l’Université du Québec, 1997,  pp. ( 69-137)

7- Markusen J., Melvin J., Kaempfer W., Maskus K., International Trade: Theory and Evidence, New York, McGrawHill, 1995, pp. 292-311

8- أنظر، Ha-Joon Chang, “An Institutionalist Perspective on the Role of the State – Towards an Institutionalist Political Economy” in L. Burlamaqui, A. Castro & H-J Chang (eds.), Institutions and the Role of the State, Edward Elgar, London, 2000

9- المصدر نفسه، ص. 7.

P = w (1 + z) / a -10

11- أنظر، R. Dornbusch, S. Fischer, Macroeconomics, Sixth Edition, McGraw-Hill, 1994, pp. 189-238

12- أنظر، D. Guellec, P. Ralle, Les nouvelles théories de la croissance, Paris, La découverte et Syros- coll. Repères, pp.40-116

13- أنظر، البر داغر، "دور الدولة في بناء القدرة التنافسية الدولية للانتاج الوطني: حالتا سوريا ولبنان"، مساهمة في الندوة حول "القدرة التنافسية للمنتجات السورية، في ظل اتفاقات التجارة الحرّة"، إعداد المركز العربي للدراسات الإستراتيجية وغرفة صناعة حلب، بتاريخ 11 و 12 تشرين الأول/أكتوبر 2004، نشر في "أية سياسة صناعية للبنان ؟ مقاربة مختلفة لدور الدولة في الاقتصاد"، بيروت، المركز اللبناني للدراسات، 2005. والبر داغر، "نحو رؤية بديلة للسياسة الاقتصادية في لبنان"، مجلة أبعاد، المركز اللبناني للدراسات، ايلول/سبتمبر 2006.

14- أنظر، Alice Amsden, “Getting Relative Prices “Wrong”: A Summary” in Amsden A., Asia’s Next Giant: South Korea and Late Industrialization, Oxford University Press, 1989, pp. 139-155.

15- المصدر نفسه، ص. 143

16- أنظر أيضا، Ha-Joon Chang, Chul-Gyue Yoo, “ The Triumph of the Rentiers ? The 1997 Korean Crisis in a Historical perspective”, in J. Eatwell, L. taylor (eds.), International Capital Markets, Oxford University Press, 2002

p. 376. -17  أنظر،  Alice Amsden, “Getting Relative Prices “Wrong”: A Summary”, p. 145

18- أنظر، Alice Amsden, “Industrialization Under WTO Law”, in UNCTAD X, High-Level Round Table on Trade and development: Directions for the Twenty-First Century, Bangkok, 12-19 Feb., 2000, 16 pages, p. 7 أنظر ايضاً، البر داغر، "دور الدولة في بناء القدرة التنافسية الدولية للانتاج الوطني: حالتا سوريا ولبنان"، ص. 61.

19- أنظر، Irfane ul Haque, Rethinking Industrial Policy, UNCTAD Discussion Paper, n. 183, April 2007, 14 pages حيث يذكر الكاتب عدةنصوص حديثة تجمع على هذا الأمر، منها Sanjaya Lall (2001) و Dani Rodrik (2004) و Weiss (2005)، ص. 8.

ومن أجل مناقشة أوفى لهذه النقطة، وبالتحديد أهمية أن لا يكون الدعم الموفّر من الدولة للمؤسسات الإنتاجية دائماً، بحيث يتحول سبب تراجع لفعالية هذه المؤسسات، أنظر، Ha-Joon Chang, “ The Political Economy  of Industrial Policy” in H-J Chang, Globalization, Economic Development and the Role of the State, London, Zed Books, 2003, p. 126-147

20- أنظر، Ha-Joon Chang, “ The Political Economy  of Industrial Policy”, pp. 105-155,  p. 114 أنظر أيضا، البر داغر، "نحو رؤية بديلة للسياسة الاقتصادية في لبنان"، ص. 104.

Ha-Joon Chang, “The Political Economy  of Industrial Policy”, p. 118 -21

22- أنظر ايضاً، Ha-Joon Chang, "Industrial Policy and East Asia: The Miracle, the Crisis and the Future", paper presented at the World Bank Workshop on "Re-thinking East Asian Miracle", San Fransisco, USA, 16-17 February, 1999, p. 13

23- أنظر، البر داغر، "التكتلات الاقتصادية الاقليمية: مقاربة نظرية وقراءة لمشروع التكتل اللبناني-السوري"، في ألبر داغر، لبنان وسوريا: التحديات الاقتصادية والسياسات المطلوبة، بيروت، دار النهار، 2001، ص. 129-156.

24- أنظر، Sid Ahmed AbdelKader, Economie politique de la transition dans les pays en développement: le cas de la Syrie, Paris : éditions Publisud, 1996, pp. 84-97.

25-  أنظر، Sanjaya Lall, “Skills and Competitiveness in Developing Countries”, in Lall S., Competitiveness, Technology and Skills, Cheltenhan, Edward Elgar, 2001. أنظر ايضاً، البر داغر، "دور الدولة في بناء القدرة التنافسية الدولية للانتاج الوطني: حالتا سوريا ولبنان"، ص. 57 – 58.  

26-  أنظر، Sanjaya Lall, “Skills and Competitiveness in Developing Countries”, p. 134

27-  أنظر، UNCTAD, Trade and Development Report, 2006, Ch V: “National Policies in Support of Productive Dynamism”, pp. 149-204, p. 170.

28-  المصدر نفسه، ص. 175.

29-  أنظر, Irfane ul Haque, Rethinking Industrial Policy, p. 5

30-  أنظر،   Elsa LaFaye de Micheaux, Pépita Ould-Ahmed, «Les contours d’un projet institutionnaliste en économie du développement », in : E. de Micheaux, P. Ould-Ahmed, dir., Institutions et développement : la fabrique institutionnelle et politique des trajectoires de développement, ouvrage à paraître, 2007, 21 pages, p. 11-12

31-  أنظر، Dani Rodrik, “Getting Institutions Right”, CESifo DICE Report, 2-2004, pp. 10-15, p. 13

32-  أنظر، Ha-Joon Chang, “Understanding the Relationship Between Institutions and Economic Development: Some Key Theoretical Issues”, United Nations University-World Institute for Development Ecconomics Research, Discussion Paper n. 2006-05, July 2006, p. 11-12

The Arab Production Institute: The spirit of Competition in theory and historic experience

The researcher considers that the world countries are classified on the basis of competition of their economies which are based on 90 variables and finds it necessary to avoid taking into consideration the common facts of the competitive spirit and regarding them as postulates and rather he suggested to discuss the facts. Afterwards he brought up the question of acquiring the competitive spirit through the experiences of countries which he considers that they succeeded in achieving this objective like Japan, South Korean and Taiwan.

Then, the researcher examines many approaches of the competition spirit whether from the liberal or the economic analysis point of view and sheds light on the traditional theory of International exchange which aims to demonstrate that the freedom of exchange is the best status. In this regard, the researcher discusses the model of offer and demand and reviewed the Asian experience in the field of gaining the competitive spirit while analyzing the role of the state in all of this experience.

In the end, the researcher concludes that there are two constants for the things that should be done to achieve the competitive spirit of the institutions. These constants are the state intervention to support and protect the productive institutions then he sets conditions to restrain this intervention and mainly achieving concrete results and penetrating the international markets. The researcher also considers that in the light of these two conditions it is possible to evaluate the Arab experiences in the field of gaining the competitive spirit and proposing alternatives in the domain of economic policy.

L’institution de production arabe :La compétitivité dans la théorie et l’expérience  historique

Le chercheur considère que les pays du monde sont classifiés selon la compétitivité de leur économie qui repose sur un certain nombre de variables, qui pourront être au nombre de 90. Selon lui, il est impératif de ne pas prendre en considération tout ce qui est répandu concernant la compétitivité comme étant des postulats, mais il faut œuvrer à les discuter. Il expose la façon pour acquérir la compétitivité, à travers les expériences de pays qui, selon le chercheur, ont réussi à réaliser cette compétitivité ; ces pays sont : le Japon, la Corée du Sud et le Taiwan.
Le chercheur évoque plusieurs approches de la compétitivité, soit du point de vue de l’analyse économique ou le libéralisme, et insiste sur la théorie traditionnelle de l’échange international, dont le but est de démontrer que la liberté d’échange est le meilleur cas.

Il présente l’exemple de l’offre et de la demande et expose le modèle asiatique dans le domaine de l’acquisition de la compétitivité, en donnant une explication concernant le rôle de l’Etat dans cette procédure.
Enfin, le chercheur conclut qu’il existe deux constantes pour aboutir à la compétitivité des institutions de production et qui sont : l’intervention de l’Etat pour appuyer les institutions de production et les protéger, puis œuvrer à conditionner cette intervention par la réalisation de résultats concrets, et pénétrer les marchés internationaux. Le chercheur considère qu’à la lumière de ces deux conditions, il est possible d’évaluer les expériences arabes dans le domaine de l’acquisition de la compétitivité, et proposer des substituts dans le domaine de la politique économique.