المؤسّسة العسكرية الصينية وحماية إنجازات حقبة الإصلاح والإنفتاح

المؤسّسة العسكرية الصينية وحماية إنجازات حقبة الإصلاح والإنفتاح
إعداد: د. نبيل سرور
باحث ودكتور في الشؤون الاقتصادية

المقدمة

ما مـن شــك بأنّ الـقـوى الـعـسـكـرية فـي أيّ دولـة مـن الدول، تشكّل ركنًا أساسيًا في صون السلام الداخلي ولكيان الدولة ولبنيانها، وحفظ مؤسّـساتها السـياسـية والقانونية والإقتصادية.

 كما أن المؤسسة العسكرية تضطلع بدورٍ أساسيٍ على مستوى الحفاظ على الأوضاع العامة للدولة ضمن إقليمها الجغرافي وحدودها القائمة، وفي تأمين سلامة الحدود الإقليمية والخارجية، والتي تقع في إطار المسؤولية السيادية لأي دولة من الدول، وحماية سكان الدولة وشعوبها ومقدراتها الوطنية، بما تمثله من كيان حرّ ومستقلّ.

ويمتدّ هذا التأثير ليشمل أبعادًا، تتمثّل في حماية مصالح الدول الاستراتيجية خلف الحدود، وفي صون الأبعاد الاستراتيجية لكيان الدولة ولأهدافها وسياساتها، وإدارة سياستها الخارجية وأهدافها القومية على أكثر من صعيد.

بالإضافة إلى هذا الدور الأمني- الاستراتيجي، تضطلع المؤسّسة العسكرية بدورٍ إقتصاديٍ فاعلٍ ومؤثرٍ، من حيث تدعيم البنى الإقتصادية للدولة، ومدّها بالمقدّرات الإقتصادية ورفدها بالخبرات والإمكانيات، التي تجعلها تتقدّم على مستوى الإقتصاد بأبعاده ومستوياته كلها.

 وعليه نخلص إلى أن المؤسّسة العسكرية، في حال كانت فاعلة ومتطوّرة في دولةٍ ما، فإنها تساهم، إلى جانب دورها الدفاعي والأمني، في تقدّم الدولة، وفي بلوغها مواقع متقدّمة في بناها الإقتصادية ومؤسّساتها الإنتاجية.

وفي دولة كبرى بحجم الصين، يتجلّى حضور المؤسّسة العسكرية بشكلٍ بارزٍ في أكثر من ميدان من ميادين سيادة الدولة، بما يمثّله من ثقل في القرار السياسي والسيادي للدولة في آن، كما يشكّل أحد أهم الروافد للقطاعات الإقتصادية الصينية، في عملية تكاملية منقطعة النظير، مع بقية القطاعات المنتجة في الدولة.

وإذا قاربنا موضوع الدور الذي تضطلع به المؤسّسة العسكرية الصينية، في دفع الصين نحو الريادة والتقدّم ومن حيث البعدان الكمي والنوعي، سواء على المستوى البشري أو على مستوى الجهوزية والتجهيز؛ نلاحظ أنه على المستوى العددي، يُعتبر جيش التحرير الشعبي الصيني أكبر جيش في العالم، إذ يصل عدده إلى حوالى ثلاثة ملايين ونصف المليون، وهو ما يجعله من أكبر الجيوش من حيث عدد العسكريين في العالم[1].

كما أن تسليح هذا الجيش، قد تطوّر بشكلٍ كبير كمًّا ونوعًا خلال السنوات الأخيرة، بما يؤهّل الصين لأن تصبح قوّة عسكرية كبرى دوليًا.

 

1-مرحلة التأسيس

بالعودة إلى مرحلة تأسيس القوّات النظامية الصينية، تعود جذور تشكيل هذا الجيش إلى فترة ما قبل الحرب العالمية الثانية، تحديدًا في أثناء الحرب الأهلية بين جناحي "الكومنتانج" في بداية الأربعينيات من القرن الماضي، وفي أثناء حرب القوى الصينية الشعبية ضدّ القوات اليابانية بعد ذلك. وقد بدأت جذور المؤسسة العسكرية في أواخر الأربعينيات على شكل مجموعات مسلّحة، تطبيقًا لتصوّرات "ماو تسي تونغ" التي تشجّع على صناعة القوّة لدى (الأمة الصينية)، ولاسيما في مجال "الحفاظ على المكتسبات القومية للحضارة الصينية التي تسخّر السياسة لصالحها ولأهدافها الكبرى الرامية في النهاية إلى إقامة " الصين الكبرى"[2].

ثم بدأت عملية بناء الوحدات العسكرية الصينية في مرحلة الخمسينيات، لتنتقل تدريجيًا إلى جيش إنضباطي نظامي، تسانده أعداد كبيرة من المليشيات الشعبية المسلّحة، التي كانت تنطلق من البعد القومي والإندفاع الإيديولوجي لحماية مكتسبات الثورة، وهي تستند إلى تعاليم ماو السياسية والفكرية وتدين له بالولاء المطلق.

وفي مرحلة التسعينيات والحقبة التي تلتها، سعت القيادة الصينية إلى تطوير المؤسّسة العسكرية بشكلٍ كبير، بحيث عزّزت الفرق والألوية العسكرية بشريًا ولوجستيًا، وأصبح الأسطول البحري الصيني أسطولاً نوعيًا من حيث عدد القطع وطبيعتها، وكذلك جرى تعزيز القوّات الجوية ليناهز عدد الطائرات الحربية أثنتا عشرة ألف طائرة مقاتلة، وذلك بحسب الإحصاءات غير الرسمية المتداولة في أوساط الباحثين الإستراتيجيين[3].

تجدر الإشارة إلى أنه بدءًا من الألفية الثالثة، أصبح هناك نشرات خارجية تصدر عن وزارة الدفاع الصينية تظهر الواقع التسليحي والبنيوي للقوّات المسلّحة، أهمّها نشرة الدفاع الوطني الصيني، التي هي عبارة عن كتاب سنوي توجيهي- إعلامي يقع في حوالى مائة وخمسين صفحة، يتضمّن الأبواب الثابتة الآتية:

- القوّات المسلّحة الصينية ورسالتها التاريخية.

- التنمية السلمية للصين والدفاع الوطني.

- النظرة الأمنية الجديدة وسياسة الدفاع الوطني ذات الطبيعة الدفاعية.

- بناء الدفاع الوطني والجيش.

- استراتيجية الدفاع الإيجابي على أساس الحرب الشعبية.

- بناء القوّة الفاعلة لحماية سلام العالم ودفع التنمية المشتركة[4].

 

2-تأثير الإصلاحات في المؤسّسة العسكرية

تعرّضت المؤسّسة العسكرية الصينية، في ظلّ الإصلاحات التي أجرتها القيادة السياسية الجديدة بدءًا من العام 1985، أي منذ بداية سياسة الإصلاح والانفتاح بعد نهاية مرحلة (الماوية السياسية)، إلى إعادة هيكلة في الكثير من تشكيلاتها البنيوية وفي كادرها البشري.

وقد شرع بهذه الإصلاحات الزعيم الصيني الإصلاحي دنغ شياو بنغ الذي قاد مرحلة تغييرية - إصلاحية في مختلف بنى الدولة ومؤسّساتها، وعلى أكثر من صعيد.

وقد بدأت العملية الإصلاحية في المؤسّسة العسكرية بقيام دنغ، بتخفيض عدد الجيش بحدود مليون عنصر، كان قرابة الثلث منهم من الضباط خلال فترة الثمانينيات، حيث بلغ عدد الضباط والجنود، الذين تمّ الإستغناء عنهم حتى العام 1985، حوالى 880 ألف[5].

كما أعلن دنغ عن نيّته تخفيض عدد كبار الضباط العسكريين في الهيئات العسكرية المركزية بنسبة تتراوح ما بين 20 و50%، واقترح سُلمًا للأعمار في الوظائف العسكرية، بحيث يكون القادة العسكريون في الستينيات، وقادة القوات الاستراتجية في الخمسينيات، بينما قادة الفرق العسكرية في الأربعينيات، وقادة الألوية في الثلاثينيات من أعمارهم[6].

 وقد تابع الرئيس الصيني الأسبق جيانغ زيمين، هذه الخطوات، فقام بتغيير معظم الجنرالات من الذين تجاوزوا سن ال65. ومن أبرز الذين تمّت تنحيتهم قائد القوّات الجوية، وقائد القوّات البرّية، والمفوّض السياسي لمنطقة بكين، وقائد منطقة جينان، ورئيس لجنة الدفاع الوطني العلمية والتقنية والصناعية[7].

أما من ناحية المستوى التعليمي، فقد تمّت حملة تغييرات في مختلف المستويات القيادية في الجيش، ولاسيما لجهة رفع مستوى كفاءات الضباط والعسكريين، وتعزيز خبراتهم ومستوى تأهيلهم وجهوزيتهم.

على مستوى المؤهّلات العلمية للقيادات، إرتفعت نسبة الذين يحملون شهادات جامعية إلى 72%.

وكانت فيه نسبة الحاملين لشهادات مدرسة ثانوية أو معاهد موازية في حدود 33% من بين القيادات في مختلف المستويات العام 1986. ثم ارتفعت هذه النسبة إلى 82% العام 2000، وهو ما يعطي الحجم الكبير للتغييرات ودورات التأهيل المكثّفة، التي طالت مختلف المستويات القيادية في المؤسّسة العسكرية.

 

٣-المؤسّسة العسكرية ومتطلّبات مرحلة الانفتاح والإصلاح

شهدت المؤسّسة العسكرية الصينية تطوّرات كبيرة خلال العقود الثلاثة الأخيرة. إذ أولت القيادات الصينية المتعاقبة وقيادة الحزب، موضوع التحديثات في بنية المؤسّسة العسكرية أهمية كبرى، بما يؤمّن لها أكبر قدر من الجهوزية والتطوّر.

وقد أتاح التغيير الذي طال المؤسّسة العسكرية للجيش الصيني بتشكيلاته المختلفة، أن يتقدّم بخطوات كبيرة على المستويين البشري والتسليح، لكي يصبح واحدًا من أقوى الجيوش في العالم وأهمّها تدريبًا وتسليحًا.

وفي سياقٍ موازٍ، وفي عهد الرئيس الصيني السابق، هو جينتاو، جرى العمل أيضًا على تحديث التشكيلات والبنى العسكرية الصينية، كما أنيطت سلطة القرار العليا، باللجان المركزية ذات الصفة العسكرية، المنبثقة من هيكيلة الحزب الشيوعي الحاكم، والتي يقع على عاتقها مسؤولية رسم السياسات العامة للجيش والقوّات المسلّحة.

إذًا، على صعيد صناعة القرار في المؤسّسة العسكرية، فإن سلطة إتخاذ القرار تتمركز، من خلال التغييرات الجذرية في المؤسّسة العسكرية باللجنة المركزية العسكرية المرتبطة بالمكتب السياسي. وقد عقدت اللجنة إجتماعها الأوّل في حزيران 1989، ثم توالى التدرّج في تطبيق الخطة وتطويرها في المؤسّسة العسكرية، في السنوات والمؤتمرات اللاحقة لهذا التاريخ.

وقد طرحت هذه الهيئة في أثناء المناقشات، لإعداد الخطة الخمسية السابعة لبُنى الدولة ومؤسّساتها، برنامج التحديثات في المؤسّسة العسكرية[8]، وأبرز نقاط هذا البرنامج يمكن إختصارها بما يأتي:

- زيادة الموارد المتاحة للقطاع الصناعي المدني في الجيش على المدى القصير، وهو ما يعني زيادة التحوّل من النزعة العسكرية الماوية، إلى نزعة تعايشية مع التطوّرات الحاصلة في استراتيجية القيادة الصينية وأهدافها المتوسّطة والبعيدة المدى.

- العمل على تهيئة الجيش للدخول في برنامج التحديثات، وهو الأمر الذي ترتّب عليه التسريح الواسع من الجيش. فقد أحيل خلال الفترة ما بين الأعوام 1995-2000 ما نسبته 17% من ضباط الجيش على التقاعد، كما أحيل 8% منهم على التقاعد خلال الفترة ما بين العامين 2000-2003.

 وخلال العام 2005، أحيل نصف القيادات الإقليمية الكبار، وربع ضباط القيادة المركزية على التقاعد، كما تمّت إعادة هيكلة القيادات الرئيسة في المؤسّسة العسكرية والأجهزة التابعة لها، وتقليصها من أحد عشر عضوًا إلى سبعة أعضاء.

- تخفيض الإنفاق العسكري لمدّة خمس سنوات على الأقل.

وفي الواقع فإن قرار تحجيم الواقع العسكري والتسليحي للدولة، كان مرتبطًا في تلك المرحلة، على ما يبدو بدافعين، هما:

أولاً، الإعتقاد بأن الحوار الذي كان قائمًا بين الولايات المتحدة الأميركية والإتحاد السوفياتي في حينه، وكذلك اللقاءات الصينية - الأميركية، تؤشّر إلى التوجّه نحو تقليص تدخّل الدول الكبرى في الشؤون الداخلية، الأمر الذي يخفّف من المخاوف الصينية من احتمال توتّر الأوضاع الدولية.

ثانيًا، كذلك كان هناك شعور بتراجع "النزعة التدخّلية السوفياتية" في الشؤون الصينية الداخلية، ولاسيما بعد إنتهاء مرحلة الدولة الإشتراكية؛ مما عزّز الإحساس لدى القيادة الصينية بأن الإتحاد السوفياتي على وشك الإنتقال إلى مرحلة جديدة في تحالفاته الدولية وإستراتيجيته العسكرية، مبنيّة على أسس من التعاون والانفتاح والتفاهم مع الصين، كدولة جارة بينهما حدود طويلة ومصالح متبادلة.
 

4- هيئات صنع القرار في المؤسّسة العسكرية الصينية

من خلال دراسة التركيبة القائمة والتشكيلات الهرمية أفقيًا وعاموديًا في بنية المؤسّسات القيادية للدولة، يمكن تحديد الهيئات الأساسية لصنع القرار في المؤسّسة العسكرية في الهيئات الآتية:

أ- اللجنة العسكرية المركزية

وتعتبر الهيئة المركزية التي تضع جميع سياسات التحديث، وترتبط بالمكتب السياسي للحزب، وهو ما يجعل منها صلة الوصل بين الجيش والحزب. ويترأس هذه اللجنة حاليًا الأمين العام للحزب.

ب- مجلس الحكومة (مجلس الوزراء)

ويشرف هذا الجهاز الحكومي على الشركات الصناعية التي لها علاقة بالجيش، بالإضافة إلى اعتبار وزير الدفاع أحد أعضاء المجلس.

ج- وزارة الدفاع الوطني

إنها السلطة المدنية المسؤولة عن القوّات العسكرية على مستوى القرار الرسمي، وهي تعمل بالتنسيق مع اللجنة العسكرية المركزية، وتعادل وزارة الدفاع (البنتاغون) في النظام الأميركي.

د- لجنة العلوم والتقنية والصناعة للدفاع الوطني

 وتُعتبر الهيئة المركزية لتحديد احتياجات المؤسّسة العسكرية من النواحي التقنية، ولها صلاحية تحديد سُبل توفير هذه الاحتياجات.

هـ- أكاديمية العلوم العسكرية

وهي مؤسّسة شبه مستقلّة لها دور إشرافي تأهيلي وأحيانًا إداري، إذ إن لها صلاحية التعاقد والتلزيم مع المؤسّسات التقنية لصالح الجيش، وذلك لتجنيب المؤسّسة العسكرية ما قد يترتب على بعض الصفقات التقنية من محاذير، ولاسيما الصفقات التي تتطلّب ميزانيات ضخمة لتنفيذها.

ويتحكّم الحزب بالمؤسّسة العسكرية من خلال الجوانب الآتية:

(١)-سيطرة الحزب على اللجنة العسكرية المركزية التي تتولّى قيادة الجيش، إذ إن رئيس اللجنة هو نفسه رئيس الدولة.

(٢)- إن اللجان الحزبية في المناطق الحضارية وفي الجهات الحدودية والأقاليم، هي التي تشرف على اللجان الحزبية في الجيش.

(٣)- إشراف ما يسمّى بهيئات الإتصال في الحزب على:

● أركان حرب الجيش.

● القوّات البـحرية.

● جامعة الجيش السياسية (كلية الثقافة العسكرية والتوجيه السياسي).

● الوحدات العسكرية في ثلاثة أقاليم مهمة.
 

5- التغييرات التي طرأت على بنية المؤسّسة العسكرية ووظيفتها

تعرّض الجيش لعمليات تخفيض عديدة في حجمه. ونتيجة للمؤتمر الخامس عشر للحزب العام 1997، تقرّر تخفيض عدد الجيش بمقدار نصف مليون عنصر خلال الفترة الممتدّة حتى العام 2000، الأمر الذي يعني أن المؤسّسة العسكرية إنخفضت من حيث العدد منذ التحديثات بحوالى 50%.

إلى جانب ذلك، إنعكست التحديثات على الجيش، من خلال بعض المظاهر، مثل إعادة العمل بالرُتب العسكرية التي كان "ماو" قد ألغاها، على أساس أنها تعبير عن مظهر طبقي، والتحوّل بالجيش من جيش مبني على التطوّع إلى فرض نظام الخدمة الإجبارية.

وجرى العمل على تحديث الجيش في بناه الاستراتجية، فقد تم بناء عدد كبير من الغوّاصات التقليدية، مما جعل الأسطول الصيني يحتلّ المرتبة الثالثة عالميًا، كما جرى تطوير للأسلحة النووية وتركيزها والتي كان "ماو" أقلّ اهتمامًا بها. فبدأت الصين منذ مطلع الثمانينيات تجري تجاربها الأولى على الصواريخ العابرة للقارات (7 آلاف ميل بحري)، وتعمل على تحسين قدرتها في مجال إطلاق الأقمار الصناعية، كما بدأت منذ العام 1992 إجراء التجارب على الغوّاصات الحاملة للصواريخ الاستراتيجية، علمًا بأن أغلب الأسلحة النووية الصينية منصوبة برًا[9].

ويبدو أن سلسلة التحرّكات التي قام بها الجيش في بحر الصين الجنوبي،  واحتلاله لعدد من الجزر البحرية، واستعراض القوة الذي قام به قرب السواحل التايوانية في آذار 1996 وفي حزيران 2005، وغيرها من المناورات التي جرت في تواريخ مختلفة في المنطقة الساحلية القريبة من الحدود الكورية ومن تايوان قد هدفت إلى إعادة الهيبة للجيش في أذهان الشعب منذ تلك المرحلة وذلك بعد الدور الذي قام به في ميدان تيانماين العام 1989 من ناحية، ورغبة من الجناح المحافظ في البنية السياسية الصينية، في تعزيز مكانته أمام التأييد المتنامي للجناح الليبرالي من ناحية ثانية.

ولعلّ الخطاب التاريخي، الذي ألقاه الرئيس الصيني "جيانغ زيمين" في آذار 1997 أمام القوّات العسكرية، يؤكّد هذه الهواجس تجاه الجيش إذ قال: "إن السلطة المطلقة للحزب على الجيش مسألة أساسية"[10]، ويثير هذا الموضوع أكثر من سؤال، ولاسيما أن "زيمين" ليس له خلفية عسكرية على غرار دنغ.

وقد تعزّز هذا التوجُّه باستبعاد المؤتمر الخامس عشر لكل من الجنرال "ليو هواكينج" والجنرال كياوتشي، رئيس المؤتمر الشعبي، وكلاهما من المنافسين لزيمين [11].

تجدر الإشارة إلى أن مرحلة حكم الرئيس الصيني الأسبق، زيمين، عرفت تغييرات ذات دلالة مهمّة في القيادة العسكرية، إذ شهد العام 2006 تغييرات في مواقع استراتيجية في المؤسسة العسكرية، مثل الدائرة السياسية في الجيش، ورئاسة الأركان، ولجنة الدفاع الوطني العلمية والتقنية والصناعية[12].

غير أن التدقيق في الأسماء الجديدة، التي جرى تعيينها في الوظائف القيادية في المؤسّسة العسكرية، يدلّ على أنهم من الجيل الأصغر (ما بين 50 و60 عامًا) وأنهم من الأكثر حماسًا لوحدة الأراضي الصينية، مثل رئيس الأركان "يو يونجيو" ومساعده في أثناء تولّيه الدائرة السياسية وانج رويلين ورئيس لجنة الدفاع المسؤولة عن تطوير الجيش "كاو جانجشوان"[13].

من ناحية ثانية وبحسب الأرقام المتداولة، فقد ارتفعت ميزانية الجيش العام2007 بنسبة 13% حيث بلغت 420,6 مليار دولار، علمًا أن هذا الرقم لا يشمل نفقات البحث والتطوير العسكري، ولا على دخل مؤسّسات الجيش الإنتاجية، الذي يتراوح ما بين 80 و95 مليار دولار سنويًا.

وقد قدّر المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية متوسّط معدّل النفقات المترتّبة على تطوير البنى والتشكيلات الدفاعية الصينية خلال الأعوام 2005، 2006، 2007، بحوالى 105 مليار دولار. في الوقت الذي تشير الأرقام الواردة في إحصاءات صندوق النقد الدولي إلى أن هذه النفقات كانت على النحو الآتي (ويُقدّر لها الإرتفاع المستمرّ بما يتناسب مع التطوّر الإقتصادي والتحديات الاستراتجية التي تواجه الصين)[14].

النفقات الدفاعية الصينية (مليار يوان) على أساس (١دولار =  7,2يوانات)

السنة

2006

2007

2008

2009

2010

القيمة

189,3

204,6

218,5

221,4

227,6

 

وتجدر الإشارة إلى أن حجم الإنفاق العسكري الصيني يزداد، لكنه يتراجع من حيث النسبة إلى الناتج القومي الإجمالي، فقد كانت نسبة الإنفاق الدفاعي إلى الناتج القومي الإجمالي 3,2% العام 2005 وانخفضت إلى 2,4% العام 2009.

وتدلّ المقارنة الأوّلية بين الإنفاق العسكري الأميركي والصيني والياباني، على فارقٍ كبير لمصلحة الصين (187 مليار دولار للصين، مقابل 150 مليار لليابان و265 مليارًا للولايات المتحدة الأميريكية). غير أن أغلب الدراسات الأميركية ترى أن حجم الإنفاق الحقيقي الصيني يفوق ذلك بكثير، وتدلّ هذه الدراسات على ذلك بالمؤشرات الآتية[15]:

 - إن الأرقام الصينية لا تشمل النفقات الخاصة بالشرطة العسكرية التي تعتبر قوات إحتياطية، وكذلك لا تشمل منح التقاعد التي تُصرف للجنود.

- إن النفقات لا تشمل برامج التطوير النووي (حيث يتمّ إدخال هذه النفقات مع نفقات وزارة الطاقة)، ولا تشمل نفقات تطوير صناعة الطائرات (إذ تُحسب هذه مع نفقات وزارة الطيران).

- إن بعض نفقات شراء الأسلحة لا تُدرج ضمن النفقات المعنية، فعندما اشترت الصين 27 طائرة من نوع "إس يو" الروسية بقيمة 3,4 مليار دولار، لم تُدرج ضمن النفقات الدفاعية المعلنة للعام 2002، وهي السنة التي عُقدت فيها الصفقة.

– إن الحساب الدقيق يجب أن يأخذ في الإعتبار فارق الأسعار بين الولايات المتحدة الأميركية واليابان من جهة، والصين من جهة ثانية.

واستنادًا إلى هذه الجوانب، فإن تزايد حجم نسب الإنفاق العسكري الصيني السنوي لا يتجاوز سقف ال87 مليار دولار، كما أن المقارنة بين الأرقام الصينية المعلنة في عدّة سنوات، تدلّ على التزايد الواضح في نسبة الإنفاق على المجهود العسكري، وهو ما يتضح من الجدول الآتي[16]:

تزايد نسبة الانفاق

العام

نسبة الزيادة

2008

11,3%

2009

12%

2010

13,7%

 

غير أن الضرورة تقتضي التنبيه، إلى التضارب الشديد في الأرقام الخاصة بالإنفاق العسكري الصيني، فلو أخذنا على سبيل المثال الفارق بين تقديرات المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية، والتقديرات الصينية العام 2005 لوجدنا أن الأولى تشير إلى 45 مليارًا، والثانية إلى ما بين 87 و90 مليارًا، بينما البيانات الرسمية تشير إلى ما يقارب العشرين مليار دولار.

 لكن الظاهرة الأكثر دلالة إنما هي الزيادة المستمرّة. فخلال الفترة ما بين 2001-2010، إرتفعت قيمة النفقات الدفاعية بنسبة 55،3%. ولابدّ من الربط بين هذا الإرتفاع والإرتفاع الموازي له في معظم دول المنطقة، بحيث ارتفع إجمالي الإنفاق الدفاعي في شرق آسيا من 169,7 مليار دولار العام 2002 إلى 197,3 مليار دولار العام 2007 [17]، الأمر الذي يعني أن المنطقة تشهد سباق تسلّح قد يكون مقدّمة لمواجهات لاحقة.
 

6-تطوير القدرات العسكرية الصينية

أ-تعمل الصين على تطوير قدراتها العسكرية في عدد من المجالات مثل[18]:

(١)-تطوير صواريخ باليستية غير تقليدية، قادرة على بلوغ أهداف بعيدة.

(٢)- تطوير تقنية الإنذار الجوي المبكر.

(٣)- تطوير قدراتها في مجال تزويد الطائرات بالوقود في الجوّ.

(٤)- تعاونها مع روسيا للحصول على مدمّرتين تحملان صورايخ من طراز كروز.

(٥)- إتمام الصين خلال السنوات الثلاث الماضية بناء 54 حاملة طائرات وسفينة حربية.

(٦)- إزدياد عدد قوّات تدخّلها السريع من 170 ألفًا إلى 220 ألفًا.

(٧)- إنشاء مطار عسكري في ميناء جزر بيرسيل.

(٨)- بناء شبكة رادار للإنذار المبكر في أحد المواقع البحرية في جزر سبراتلي.

ب-غير أن الدراسة المتأنية للقدرات الصينية في الوقت الحالي، تدلّ على وجود العديد من نقاط الضعف في بعض المجالات؛ فلو نظرنا إلى قدرات الصين في المناطق البحرية، التي تشمل أكبر عدد من النقاط، التي يمكن أن تكون مستقبلاً موضع نزاع بين الصين والدول المجاورة، للاحظنا ما يأتي[19]:

(١)- إن ما يؤخذ على القوات الجوية الصينية التي تتمركز في منطقة بحر الصين الشرقي أنها تعتمد على نماذج قديمة من الطائرات، حيث يعود معظمها إلى فترة الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي. وعلى الرغم من السعي الحثيث من قبل الصين لتطوير هذه القدرات، فإن بعض طائراتها من طراز (ف 8-11) تتوازى مع مستوى الطائرات الأميركية في فترة الستينيات. ويقول الباحث في المعهد الياباني للعلوم الاستراتجية، "ناوتوشي ساكونجو"، إن "40% من الطائرات الحربية في قواعد الصين هي طائرات قديمة، إذا ما قيست بما لدى الآخرين"[20].

(٢)- إن سلاح الجو الياباني، ولاسيما بعد إدخال طائرات (ف2)، يمثّل قوّة قادرة على مواجهة سلاح الجو الصيني. ومن المعلوم أن الطائرات اليابانية مزوّدة بصورايخ جو/جو تتفوّق على المدى الذي تبلغه الطائرات الصينية، إضافةً إلى اعتماد الطائرات اليابانية علىأجهزة الإنذار المبكر المتطوّر جدًا في هذا المجال .

(٣)- في حال دخول الصين واليابان سباق تسلّح متوسّط المدى، فإن الإمكانيات الصينية تبقى متواضعة، مقارنةً مع الإمكانيات اليابانية في ظلّ الفارق في القدرات الإقتصادية لكلٍّ من الدولتين. وقد تبيّن أثر القدرة الإقتصادية على حسم التنافس في مجال سباق التسلّح من خلال المنافسة التي كانت قائمة بين الإتحاد السوفياتي والولايات المتحدة الأميركية.

(٤)- أما في منطقة بحر الصين الجنوبي، حيث التنازع بين الصين وفييتنام وتايوان على جزر بارسيل، فإن الإمكانيات الصينية تبدو أكثر فاعلية في هذه المنطقة من المناطق الأخرى. فهذه المناطق تقع في نطاق قدرات الطائرات الصينية المرابطة في البرّ الصيني، لكن هذه القدرة الصينية تدفع إلى الإستقرار أكثر من الدفع إلى المواجهة بسبب الإحساس الفييتنامي بأن موازين القوى ليست في صالح فييتنام.

(٥)- تسعى الصين إلى تطوير تقنيات غوّاصاتها وقدراتها القتالية، ذلك أن معظم الغوّاصات الصينية لا تستطيع إطلاق صواريخها إلا بعد أن تطفو على السطح، كما تفتقد البحرية الصينية وسائل الإنزال الضرورية والمتطوّرة.
 

ج- أما على مستوى الجغرافيا العسكرية والسياسية، أي الجزء الجنوبي من المنطقة الإقليمية المحاذية للصين، والذي يشمل كلاً من ماليزيا وسنغافورة وأندونيسيا والفليبين، فإن القدرات الصينية ليست مؤهّلة للتأثير فيه بشكلٍ فاعل، ولكنها تعمل في السنوات الأخيرة على زيادة قوّاتها وحضورها وتعزيزها؛ فالمناطق البعيدة تحتاج إلى قوّات جوية محمولة بحرًا، وهو أمر غير كافٍ لدى القوّات الصينية، كما أن حصول الصين على 27 طائرة من طراز (إس يو) التي يمكن تزويدها بالوقود جوًا، لا يكفي من حيث العدد لضمان الفاعلية العسكرية الضرورية.
 

د- أما في منطقة جزر سبراتلي، فلابدّ من الإشارة إلى أن الأهمّية الاستراتيجية لهذه الجزر ليست كبيرة، فهي إما مغمورة بالمياه أغلب أيام السنة وإما أنها صغيرة إلى درجة لا تجعلها صالحة لتقديم الدعم اللوجستي للعمليات الحربية البحرية أو لمقاومة الغارات الجوية. ولعل مشكلة هذه الجزر تكمن في أنها سهلة الإحتلال، لكنّ الصعوبة الأساسية تكمن في القدرة على الإحتفاظ بقوّات عسكرية فيها[21].

هـ- ولدى مقارنة القدرات العسكرية للصين مع الدول ذات العلاقة بالتنافس الدولي في مناطق تؤثّر في الصين من الناحية الجيوستراتيجية، نلاحظ أن الصين تمثّل قوّة وسطى تسعى إلى تطوير قدراتها قياسًا على هذه الدول. وعلى الرغم من تعادلها مع القوى الكبرى الأخرى في مجال الأسلحة  التقليدية، فإن موازين القوى في الميدان النووي تدلّ على خللٍ واضحٍ لغير صالحها، كما يتضح من الجدول الآتي:

القدرات العسكرية لعدد من الدول (2007) [22]

الدولة

طائرات حربية

سفن حربية

دبابات

القوات (مليون)

رؤوس نووية

الانفاق الدفاعي%

الصين

11240

610

56000

3

1300

6,7

الهند

8000

439

43000

1.1

620

 5,5

كوريا الشمالية

1730

226

6200

1.1

120

25.2

روسيا

11500

499

61000

1.5

6000

7.4

الولايات المتحدة

13406

711

64000

1.5

6000

3.8

 

وبما أن للصين حدودًا برية أو بحرية مع 21 دولة (15 برية و6 بحرية) فإن العبء الدفاعي يفترض استراتيجية واضحة في مجال الأمن الإقليمي، وفي مجال تدريب العنصر البشري وتأهيله وفي مجال التطوير التقني للجيش، بعيدًا من حالات التلاعب والفساد.
 

و- وما يستفاد من دروس التاريخ كبير، فقد كشفت الحرب الفييتنامية-الصينية العام 1979 عن أهمية هاتين النقطتين، إذ خسرت الصين - التي كانت تعتمد على جيش من المليشيات أكثر من الاعتماد على جيشٍ محترف - 26 ألف قتيل و37 ألف جريح، وهو أمر استدعى التفكير في استراتيجية تأخذ في الإعتبار التوازن في العلاقة بين التطوّر الإقتصادي والتطوّر العسكري[23]. ويمكن تحديد أبعاد هذه الاستراتيجية على النحو الآتي[24]:

(١)-الإستفادة من المؤسّسة العسكرية في بناء الإقتصاد الصيني ودفعه نحو التطوّر والعالمية، وذلك من خلال الإستفادة من خبرات مئات الآلاف من العسكريين الذين يحملون شهادات عليا أو اختصاصات تقنية عالية، ويمتلكون كفاءات ومهارات تساهم في عملية دفع الإقتصاد وفي تقديم اختراعات وابتكارات جديدة ، وتطوير عملية النمو والانفتاح على الخارج.

(٢)-إشراك المؤسّسة العسكرية في إدارة عملية الإنتاج، من خلال مساهمتها في العديد من المؤسّسات التي تشرف من خلالها بنجاح على قطاعات منتجة متنوّعة في مناطق مختلفة من البلاد.

(٣)- توفير المناخ الأمني الأكثر مواءمة لعملية بناء الإقتصاد، والعمل على حماية هذا المناخ واستمراره بكل الطرق. وتتمثّل المشكلة في هذه القضية في أن توفير المناخ الأمني يفترض تحسين المستوى التقني للجيش الصيني، وهو أمر سيؤثّر في قدرة التطوير الإقتصادي، لأنه سيؤدّي إلى امتصاص الإندفاع الإقتصادي، على غرار الحالة التي واجهها الإقتصاد السوفياتي في أثناء مرحلة سباق التسلّح ويعني ذلك أن على الاستراتجية الصينية أن توفّق بين متطلّبات الأمن من ناحية ومتطلّبات الإستمرار في النموّ الإقتصادي من ناحية ثانية.

(٤)- التوحيد السلمي لأراضي الوطن، وهو الهدف الذي يُقصد به تايوان تحديدًا، لكن السياسة الصينية لا تستبعد احتمال الإضطرار إلى استخدام وسائل أخرى في حالة "الضرورة" التي قد تتمثّل في مواصلة الولايات المتحدة الأميركية بيع أسلحة متطوّرة لتايوان، أو إنتهاج الحكومة التايوانية سياسات تعزّز النزعة الإنفصالية بشكلٍ كبير (لاسيما وأن نسبة مهمّة من السكان في تايوان ولدت بعد الإنفصال ولم ترتبط بالصين، بمن فيهم الرئيس التايواني "لي تنج هوا"). وقد تكون النشاطات العسكرية الصينية قرب السواحل التايوانية في الأعوام 1996 و2006 و2008 و2011 بمنزلة تذكير بهذه الناحية.

(٥)- الحفاظ على وحدة أراضي الصين، من الواضح أن هذا الهدف يتوجّه نحو النزاعات الحدودية خصوصًا في منطقة بحر الصين الجنوبي. ومع توقيع الصين إتفاقيات حدودية مع روسيا وكازاخستان وطاجكستان وقرغيزيا والهند ولاوس وفييتنام، فإن الحكومة الصينية تستبعد حدوث نزاعات إقليمية قربية المدى، أقلّه حتى العام 2022 وهو المدى الزمني الذي وضعته الحكومة الصينية من أجل تحقيق قفزة نوعية في بنية الإقتصاد الصيني، ومستوى التقنيات الصينية من ناحية، بحيث تؤهّل الصين نحو العالمية، ومن أجل بناء تعاون أمني - إقتصادي إقليمي متعدّد الأطراف من ناحية ثانية.
 

ز- لكن الملاحظ أنّ الاستراتجية العسكرية الصينية، ومن خلفها المحدّدات والأبعاد الإقتصادية لتوجّهات الدولة في رسم إستراتيجيتها،  مازالت محكومة بالتوجّهات السياسية للنخبة العسكرية. فلهذه النخب كلمتها، وهي مازالت ترسم حدودًا صارمة أحيانًا في عملية الإنفتاح على الخارج، وبخاصةٍ إذا أخذنا في عين الإعتبار حساسية العلاقة في أكثر من مجال بين الصين والولايات المتحدة. وهنا نستنتج أن الجيش يعتبر الولايات المتحدة الأميركية العدوّ الأوّل للصين. ولعلّ الرسالة الشهيرة للجنرالات المئة، التي قدّمت إلى الرئيس زيمين في العام 1993، تؤكّد هذا التوجه؛ إذ جاء في الرسالة ما يلي:

"لابدّ من صناعة قوّة صينية وتعزيز قوّاتنا المسلّحة على الصعد كلها، لكي نكون على استعداد لمواجهة النفوذ الأميركي في معظم نقاط العالم. ذلك أن هنالك سلبية في رسم معالم علاقات طبيعية متبادلة، وفي تحديد أطر السياسة الصينية تجاه محاولات الولايات المتحدة الأميركية إبتزاز الصين. وإن التباين الإيديولوجي والتباين في النظام الإجتماعي، وفي توجّهات السياسة الخارجية للبلدين، تحول كلها وبشكل جذري من دون تحسين العلاقات. وحيث أن الولايات المتحدة الأميركية تدرك المركز الإقتصادي للمنطقة، فإنها لن تتسامح مع قوة منافسة لها"[25].
 

ح- نتيحة لمثل هذه التوجّهات المتمثّلة في موقف القيادة العسكرية من الولايات المتحدة الأميركية والحاجة المستقبلية للنفط وحماية طرق إمداده ونتيجة التغيّرات الدولية في أعقاب انهيار الإتحاد السوفياتي، فقد حدث، برأي الكثير من الباحثين والمحلّلين الاستراتيجيين، تحوّل في الاستراتجية الصينية، يتمثّل بشكلٍ جذري في الإنتقال تدريجيًا، من دولة ذات طموحات كونية إلى دولة ذات طموحات إقليمية والعكس أيضًا صحيح وإنّ مراجعة التغيرّات التي تجري في استراتيجية الصين العسكرية تدلّ بشكلٍ واضح على التركيز حاليًا على النظام الإقليمي - الشرق آسيوي.

وهناك بعض المؤشرات على هذه التوجّهات الصينية لتأكيد الحضور الإقليمي، من خلال تعزيز الوجود العسكري على جزر بارسيل الحدودية مع أندونيسيا، والإصرار على ملكية جزر سبراتلي المتنازع عليها مع كوريا، وإقامة وجود عسكري في الجزر البحرية "ميستشيف" التي تدّعي الفيليبين ملكيتها، والإدعاء الصيني المتصاعد بحقّ المشاركة في استثمار حقول الغاز في جزر ناتونا التي تدّعي أندونيسيا حصرّية حقّ ملكيتها، والتأكيد الصيني المستمرّ ضرورة سحب القوات الأميركية من المنطقة، وإبداء القلق من احتمالات تنامي القوّة العسكرية اليابانية.
 

7-الدور الإقتصادي للمؤسّسة العسكرية

تمتاز المؤسّسة العسكرية الصينية بتوجّهات إقتصادية واضحة، بدأت آثارها تصل إلى مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وتتمثّل هذه التوجّهات في "نزعة تجارية" تتجلّى مظاهرها في إدارة الجيش الصيني لعدد من المؤسّسات التجارية والفنادق، وقد قدرّت مصادر غربية عدد هذه المؤسّسات بحوالى عشرة آلاف مؤسّسة.

كما أنشأ الجيش منطقة اقتصادية خاصة به في إقليم "كواندونج"، وأقام سلاح الجو الصيني علاقات تجارية مع أكثر من عشرين دولة، وقُدّرت أرباح الجيش العام 2003 بحوالى ستين مليار يوان (1 دولار = 8.3 يوانات). بينما قدّرت مصادر أخرى دخل الجيش العام 2005 بحوالى 260 مليار دولار[26]. كما تشرف المؤسّسة العسكرية على إدارة عشرات المؤسّسات والمصانع والمعامل وتمويلها وإستثمارها والتي تنتج مختلف أنواع السلع والألبسة والأجهزة الإلكترونية ووسائل النقل؛  وهذا ما يدلّ على البعد الإقتصادي الذي تضطلع به المؤسسة العسكرية وأجهزتها، في أكثر من قطاع من قطاعات الدولة ومؤسّساتها الإنتاجية.

بالمقابل يبدو أن المخاوف تتزايد من قِبل السياسيين، من تسرّب النزعة التجارية إلى الروح الكفاحية للجيش؛ إذ إن الكثير من الشائعات والأخبار المتعلّقة بحالات من الفساد وسوء الإدارة توالت عن مظاهر تتفشى داخل الجيش الصيني، الأمر الذي دفع عددًا من المسؤولين الصينيين إلى التحذير من هذه الظاهرة، ولاسيما بعد الكشف عن 300 شخصية عسكرية متورّطة في مظاهر فساد من هذه الناحية[27].

وكما أن للمؤسسة العسكرية دورًا مهمًا في صياغة القرار السياسي الصيني. إلّا أن لهذه المؤسّسة دورًا تؤدّيه بمواجهة التحديات التي تعترض الصين في مرحلة الإنطلاق نحو العالمية. وبالنظر إلى أهمية الدور الإقتصادي للمؤسّسة العسكرية، ونظرًا لدور هذه المؤسّسة في مواجهة متطلّبات التنمية الإقتصادية، سوف نتوقّف عند أبعاد هذا الدور[28].
 

8-الجيش الصيني: إمكانيات هائلة

لابدّ من الإشارة إلى أن الجيش الصيني يمتلك حوالى عشرين ألف شركة، يبلغ إجمالي ناتجها السنوي حوالى 17,5 مليارات دولار (2005)، ويعود أغلبه لضباط الجيش وعناصره بينما تستفيد المؤسّسات التي تديرها المؤسّسة العسكرية من عائدات المنتجات التي تنتجها في تطوير قدارتها الذاتية، وفي رفع مستوى الإدارة و الجودة لديها[29].

وتستند السياسة الصينية في مجال الإنتاج العسكري إلى السعي لضمان الإكتفاء الذاتي، ويعود ذلك إلى الخبرة التاريخية الصينية في عدم الإعتماد على الآخرين. ففي العام 1959، تخلّى السوفيات عن الصين في مجال تطوير منظومتها العسكرية، وأدّت أحداث العام 1989 إلى فرض الدول الغربية حصارًا عليها في مجال التقنيات العسكرية.

ومع الأخذ في الإعتبار أن الجيش الصيني هو أكبر جيوش العالم من حيث العدد، وعلى الرغم من مشكلة التباين في الإحصاءات الصينية، والتي أشرنا إليها في أكثر من موضع ضمن دراستنا هذه، فإن التقديرات، في حدّها الأدنى، تشير إلى أن المؤسّسة العسكرية تشغّـل مليون فرد في حوالى ألف مصنع، مع الأخذ في الإعتبار أن الصين تُعدّ الدولة الوحيدة في آسيا إلى جانب اليابان التي بإمكانها تصنيع مختلف أنواع الأسلحة.

وترى التقديرات الغربية أنّ في الصناعة الصينية العسكرية جوانب متطوّرة إلى حدٍّ كبير، ولاسيما في نطاق الصواريخ النووية المتعدّدة الرؤوس، والصواريخ البالستية التي أُطلق بعضٌ منها في أثناء التدريبات العسكرية أمام تايوان.

ويقدّر بول جودين، الأستاذ في كلية الحرب القومية الأميركية، أن الصين ستكون صاحبة أكثر الصناعات العسكرية تطوّرًا في آسيا خلال 20-30 عامًا، بينما كان الجزء الأكبر من صناعاتها الحربية الحالية يتّصف بأنه الأكثر تخلّفًا[30].

أما في نطاق قيمة مبيعاتها العسكرية فقد بلغت العام 2007 (بحسب الأرقام الصينية المعلنة) حوالى 20 مليار دولار، وفي العام 2010 ما مقداره 44 مليار دولار، وهو رقم يدلّ على التقدّم المستمرّ للمبيعات العسكرية الصينية منذ العام 2000. وبالمقابل فإن حجم الميزانية المخصّصة للمشتريات العسكرية الصينية يتراوح ما بين 100 و150 مليار دولار سنويًا[31].

ويبدو أن دخول الصين في الأسواق التقنية العسكرية، سيشكّل العامل الأكثر أهمية لصناعاتها العسكرية.

ويمكن تسجيل مجموعة ملاحظات أساسية على تنامي القدرات العسكرية الصينية على الرغم من التضارب الشديد في الأرقام المعلنة، إلا أن معظمها يشير إلى التقدّم المتواصل في قيمة المبيعات العسكرية الصينية، ففيما وصلت المبيعات العام2003 إلى 11,2 مليار دولار، إرتفعت إلى 18,6 مليار العام 2006، أي بنسبة إرتفاع تصل إلى 17%[32].

 إن مكانة الصين في السوق العسكرية الدولية تراجعت من المرتبة الخامسة العام 2005 إلى المرتبة السادسة (مع ألمانيا) العام 2006. هذا مع الإشارة إلى أن الشركات الغربية بشكل عام، تمتنع عن العمل مع الصين في نطاق الصناعات العسكرية، وإن أبدت بعض الدول الأوروبية مثل فرنسا وبريطانيا موقفًا أقلّ تشدّدًا من الولايات المتحدة الأميركية.

ولابدّ من الإشارة في هذا السياق إلى أن برنامج التحديثات الإقتصادية وتداعياته قد انعكس وبشكلٍ كبير وواضح على المؤسّسة العسكرية الصينية، وهذا ما نلحظه في الجوانب الآتية:
أ- تخفيض عدد الجيش: لقد تعرّض الجيش الصيني لعملية تخفيض عددي مرتين، الأولى في فترة الثمانينيات حيث سرّح حوالى مليون جندي، والثانية جرى تطبيقها خلال الفترة ما بين الأعوام 2000 و2006، تنفيذًا لقرارات المؤتمر الخامس عشر للحزب الذي عقد في العام 2005 وقضى بتسريح نصف مليون جندي[33].

من حيث دراسة النتائج، تؤدّي عملية تخفيض القوّات المسلّحة إلى نتيجتين متناقضتين: تقليص نفقات الجيش وتحويل الأموال المتوافرة بسبب التسريح الكبير، إلى قطاعات تحديث الجيش والتركيز على المستوى النوعي.

في المقابل، تؤدّي عملية التخفيض إلى ضخّ نصف مليون عاطل عن العمل في سوق العمل، الذي يعاني بدوره بسبب حجم العمالة العاطلة عن العمل، من المؤسّسات الصناعية التي يجري إقفالها في القطاع العام.

وفي هذا السياق: إن الخطّة الحكومية تسعى إلى استيعاب جزء من المسرّحين في قطاع الدرك العسكري، الذي توكل إليه مهمّات الحفاظ على النظام داخل الأرياف وفي المناطق الواقعة بين المدن.


ب- تسخير نسبة مهمّة من المؤسّسات الإنتاجية العسكريّة لإنتاج السلع المدنية، وتقدّر بعض المصادر أنّ نسبة 65% من إنتاج المصانع الحربية تذهب إلى السوق المدنية، وأن الجيش يساهم بنسب مهمة في بعض القطاعات الإنتاجية المدنية، وهو ما يتضح في الجدول الآتي[34]:

مساهمة الجيش في القطاعات الإنتاجية المدنية

القطاع

النسبة المئوية لمساهمة المؤسسة العسكرية في الإنتاج

النسيج

40

الأدوية

10

الدراجات

60

السيارات

9

 

ولابدّ من الإشارة إلى أنه قد يكون لهذا التوجّه آثاره السلبية المتمثلة في التأثير الإيديولوجي في جيش تم بناؤه على أسس عقائدية منافيةً لمبدأ الربح والنظر إلى التجارة نظرة أخلاقية مريبة. وقد يترتب على ذلك إمتداد الفساد الأخلاقي والإداري إلى الجيش، وهو أمر سنلاحظ أنه يمثّل أحد أهمّ العوامل التي تؤثّر في قدرة استمرار برنامج التحديثات في السير على إيقاعه الحالي، وذلك عند تناول المؤشّرات المستقبلية.

غير أن لذلك وجهًا آخر يتمثّل في أن زيادة دخل المؤسّسة العسكرية قد ينعكس على مستوى دخل أفراد هذه المؤسّسة، وهو الأمر الذي يجعل من فكرة التمرّد أقل إغراء لهم.
 

ج- إن التحديث العسكري يعني زيادة الإعتماد على التقنيات الغربية، وهو أمر قد يرتبط بشروط سياسية وإقتصادية من قبل الدول الغربية، وقد ينعكس على البنية الكليّة للجيش.

إن التوجّه التجاري للجيش يعني اعتماده على التجارة الخارجية والسعي للتزوّد بالتقنيات الغربية، وهو أمر قد يدفع إلى دخول رؤوس الأموال الأجنبية إلى المؤسّسات الإنتاجية العسكرية على المدى البعيد، الأمر الذي قد ينطوي على تحوّلات جذرية، ولكنه لا يشكّل أي خطورة على سلامة توجّهات المؤسّسة أو على استراتيجيتها المستقبلية، في ظل حسن إدارة عملية الإنتاج وسلامتها وإستمرارية الرؤية والتوجّهات المحكومة بتخطيط الحزب والقيادة السياسية للدولة.
 

9- حدود الإهتمامات الأمنيــة الصينية

مع مرحلة التطوّر الإقتصادي الذي عرفته الصين خلال العقود الثلاثة الأخيرة، والانفتاح في الكثير من بناها السياسية والإقتصادية، فقد جعلت الصين في صلب أولوياتها الاستراتيجية، إيجاد بيئة إقليمية ودولية ملائمة لانطلاقها نحو دور إقليمي ودولي، يكون مهيًأ للقبول بها كقوة وازنة إقتصاديًا وسياسيًا.

وعلى الرغم من أن الرؤية الأمنية بأبعادها الاستراتيجية تحدّد طبيعة الدور الذي تضطلع به الدولة، ضمن البنية الهيكلية للنظام الدولي، إلا أنّ الِسمة التي تميّزت بها الرؤية الأمنية الصينية، ماتزال تميل إلى أن تكون إقليمية الأبعاد أكثر من أن يحكمها إطار عالمي، إذ لا يبدو أن الصين قد طوّرت عقيدة أمنية بمواصفات عالمية، كما كانت عليه العقيدة الأمنية السوفياتية التي كانت ترى أن أي تحرّك أميركي، وفي أي منطقة من العالم، يمكن أن يشكّل تهديدًا أمنيًا لاستراتيجيتها الكونية.

من ناحية أخرى، إعتمد منطق التفكير الصيني على نوع من الفصل بين المناطق الأكثر إقترابًا من حدود الصين الوطنية، وتلك التي تتميّز ببعدها الجغرافي من حيث دلالاتها المرتبطة بمفاهيم الأمن الوطني.

فواقع الصين الإقليمي يضمّ مجموعة من القوى التي حتّمت على الصين أن توجّه الأنظار إليها لاقترابها الشديد من حدودها الوطنية. فقبل الإتحاد السوفياتي، توزّع الجهد السياسي والاستراتيجي والأمني الصيني على ساحة متعدّدة الجبهات. فمن ناحية، كان على الصين أن تؤمّن متطلّبات سياسة دفاعية تكون قادرة على مواجهة الضغوط السياسية والعسكرية السوفياتية. ومن جهة أخرى كان هناك جبهة الهند، المدعومة سياسيًا وعسكريًا من قِبل الإتحاد السوفياتي بهدف مشاغلة الصين وتشتيت جهدها العسكري.

هذه الأوضاع فرضت على الصين، أن تحصر إهتمامها بالمناطق القريبة من حدودها الوطنية، وأن تطوّر سياسات وأنظمة عمل، تؤمّن لها القدرة على المجابهة في حال مالت كفة العلاقات الدولية لغير صالحها، وبما يحفظ مصالحها ومكتسباتها الإقتصادية ومكانتها المتصاعدة كلاعبٍ أساسٍ في آسيا والعالم.

ومن هذه المنطلقات يمكن الإستنتاج، أنه بعد انهيار الإتحاد السوفياتي بقيت إهتمامات الصين الأمنية في إطار بيئتها الإقليمية؛ فالمشكلات التي تثيرها لاوس وكمبوديا وتايوان والكوريتان والهند، تبدو من وجهة نظر القادة الصينيين أكثر إلحاحًا من تلك التي تثيرها الأوضاع والسياسات في مناطق أخرى من العالم.

فالقادة الصينيون لا يجدون في القارة الأوروبية مثلاً ما يمكن أن يثير هاجسهم الأمني، وبالدرجة نفسها التي كانت تثيرها لدى السوفيات، إذ كانت القارة الأوروبية بجناحيها الشرقي والغربي موضع اهتمام أمني لكل من السوفيات والأميركيين على حدّ سواء. وما يقال عن أوروبا يمكن أن ينسحب على مناطق أخرى في آسيا وأفريقيا وأميركا اللاتينية حيث لا يوجد للصين ما يمكن أن يثير اهتماماتها الأمنية فيها، نظرًا إلى ابتعادها عن حدودها الوطنية.

بعبارة أخرى، وعلى الرغم من الجنوح الواضح نحو الحضور العالمي الذي يكتنف توجّهات القادة الصينيين، إلا أنه لا يوجد، حتى الآن، للصين حضور واضح، كما كان للسوفيات في مجال الدعم العسكري والمساعدات المالية والمساندة المعنوية لأطراف إقليمية، يمكن أن تعتبرها إمتدادات استراتيجية وأمنية لنفوذها في مناطق ثالثة.

وخلافًا لما كانت عليه الرؤية الأمنية السوفياتية، فالصين لا ترى في القواعد العسكرية الأميركية في تركيا، أو في الوجود العسكري البحري الأميركي المكثّف في منطقة الخليج العربي، ما يمكن أن يثير قلقها الأمني، وبالدرجة نفسها التي كان ينظر إليها القادة السوفيات سابقًا، حيث كانوا يعتبرون ذلك مصدرًا لتهديد الخاصرة الجنوبية للإتحاد السوفياتي.

وعلى مستوى الصراع العربي-الإسرائيلي، يمكن أن نلاحظ أنه في الوقت الذي كان فيه السوفيات يعتبرون أنهم طرفًا دوليًا مباشرًا في أي تسوية محتملة، وأن لهم تصوّرات ووجهات نظر لما يجب أن يكون عليه السلام في المنطقة، فإن دور الصين لم يكن بالدرجة نفسها من الفاعلية والحضور، وكان محدّدًا، بل هامشيًا في إطار الإعراب عن الإستياء إعلاميًا ودبلوماسيًا، وهو في كل الأحوال لم يصل إلى حدّ تورّطها أو إثارتها واستنفار طاقاتها وأدواتها السياسية والعسكرية.

وعلى هذا تحدّدت أولويات الصين الأمنية بجملة اعتبارات منها:

 

أ- التوحيد السلمي لأراضي الوطن الأم

وقد اعتبرت القيادة الصينية أن تحقيق هذا الهدف يشكّل التزامًا ثابتًا لا يمكن الحياد عنه[35]. وهذا يعني أمرين: أولهما تأكيد الأمن الوطني الصيني بكل ما يرتبط به على الصعيد الإقليمي وثانيهما إن تحقيق الأمن الوطني الصيني، بما فيه إتمام عملية توحيد أراضي الصين، سيكون بالوسائل السلمية[36].

ومع ذلك فإن هذا التأكيد لا ينفي احتكام القيادة الصينية إلى الوسائل العسكرية، إذا ما شعرت أن أهدافها الاستراتجبة المرتبطة بوحدة أراضيها وسلامتها معرّضة للتهديد من قبل قوى خارجية. وهذا ما حصل حينما إستنفرت الصين قوّاتها العسكرية وقامت باستعراض كبير للقوة لدى تطوير الولايات المتحدة الأميركية سياستها تجاه تايوان في آذار 2009، وهذا ما جعل القيادة الصينية تعتقد بأن التغيير في التوازن العسكري لن يكون لصالحها، وأنه سيشجّع الإتجاهات الإستقلالية في تايوان، في حين بقيت الولايات المتحدة الأميركية، تعتبر نفسها بمنزلة الدولة الضامنة لا من تايوان في مواجهة التحرّكات الصينية.

 ومن ناحية أخرى، ترى واشنطن أن علاقاتها بتايوان ضرورة استراتيجية بصفتها تمثّل واحدة من أهم حلقات سلسلة تحالفاتها في شرق وجنوب شرقي آسيا، التي تبدأ من التحالف مع كوريا الجنوبية، ثم مع اليابان في الشرق، ثم تمتدّ لتشمل تايوان، ثم الفيلبين في الجنوب  الشرقي[37].
 

ب- الحفاظ على وحدة أراضي الصين، وإعتبار ذلك أحد أهداف الصين لصيانة أمنها الوطني

ومع أهمية هذا الهدف، فإن القيادة الصينية تؤكّد أنها لن تكون الطرف البادئ باستخدام القوّة العسكرية لحلّ النزاعات على مناطق الحدود مع الدول المجاورة.

والغاية التي تسعى إليها القيادة الصينية هي تجنّب أي نزاعات حدودية مسلّحة مع الدول المجاورة، بهدف التفرّغ لمشكلات تعتبرها القيادة الصينية أكثر إلحاحًا، كمشكلة تايوان وترسيخ أقدام الوجود الصيني في بحر الصين الشرقي والجنوبي، ومعالجة قضية جزر سبراتلي وحقوق التنقيب عن النفط في المناطق البحرية المتنازع عليها هناك.

وعلى الرغم من أن الصين قد تمكّنت من إعادة جزيرة هونغ كونغ للوطن الأم، فإن الهمّ الرئيس المتبقي هو إعادة توحيد تايوان مع الصين الشعبية.

ولبلوغ هذه الغاية لم يـُظهر قادة الصين أي استعداد للتنازل في ما يخصّ المسائل الجوهرية والأهداف الاستراتيجية، على الرغم من الضغوط الغربية، وبخاصةٍ الأميركية، ومنها التلويح بحوافز إقتصادية ومزايا تجارية وتمويلية، وذلك بهدف إقناع القيادة الصينية بالتخلّي عن غايتها، والقبول ثم التعايش القانوني مع صيغة وجود دولتين صينيتين[38].

وقد اتخذت القيادة الصينية خلال الأعوام القليلة الماضية مواقف اتسمت بقدر مرتفع من الحزم في رفض محاولات تايوان الانضمام إلى عدد من المنظّمات والوكالات الدولية، وفي مقدّمتها منظّمة التجارة العالمية، وفي الإحتجاج على إقدام دول على الإعتراف بتايوان أو إقامة علاقات تجارية معها.

كما لوّحت الصين باتخاذ إجراءات تضرّ بمصالح إقتصادية وتجارية، بل أحياناً أمنية واستراتيجية لأطراف غربية، وفي مقدّمتها الولايات المتحدة الأميركية، راعية تايوان وحليفتها منذ نشأتها، حيث برز التقارب الأميركي مع تايوان في مناسبات مختلفة. وظهرت مؤشّرات الدعم الأميركي لتايوان من خلال إمدادها بأسلحة خفيفة ودفاعية، وكذلك عندما استقبلت رئيس تايوان "لي تنج" في حزيران 1995، على الرغم من وصف الزيارة بأنها كانت "خاصة" وكذلك عندما أجرت مناورات عسكرية وبحرية ضخمة مع تايوان.

إلا أن القيادة الصينية، على الرغم من كل ما سبق، أظهرت في مرحلة "ما بعد ماو"قدرًا لا بأس به من المرونة والتسامح على مستوى الممارسة العملية وأساليب السلوك تجاه تايوان، فقد فتحت الباب مبكّرًا لمشاركة رؤوس أموال من هونغ كونغ، قبل عودتها إلى الوطن الأم، ثم تايوان في إستثمارات ضخمة، خصوصًا في المناطق الحرّة التي نشأت في الصين في الثمانينيات.

كما حدثت لقاءات إقتصادية وتجارية وفنية على عدة مستويات بين الطرفين في عدّة مناسبات[39]، بل إن القيادة الصينية ذهبت إلى حدّ فتح حوار سياسي غير رسمي مع تايوان، وإن كانت قد عادت وعلّقته لاحقاً كإجراء عقابي ضدّها وضدّ حلفائها الغربيين، ثم تحدّثت عن إعادته كحافز لقيادة تايوان وتشجيعًا لها على المضي في طريق إعادة التوحيد سلميًا مع بيكين. وكان التفسير الرسمي الصيني لهذه الخطوات المرنة على أنها جميعًا تدور في إطار الشعب الصيني الواحد الذي يجب أن يعود ليعيش في كنف دولة واحدة، وبخاصةٍ في ظلّ نوع آخر من مرونة القيادة الصينية تبدي في عرضها صيغًا متعدّدة وبديلة لإعادة التوحيد السلمي للصين، جمع بينها دائمًا حدّ أدنى مشترك هو تأكيد العودة إلى صيغة الدولة الصينية الواحدة[40].
 

ج- إعتماد الاستراتيجية الأمنية للصين على إقامة علاقات صداقة وحسن جوار مع الدول المحيطة بها

ففي ظلّ ظروف ما بعد الحرب الباردة أصبح الواقع يحتّم على الصين أن تجعل من أولوياتها الاستراتجية تطوير علاقات تعاون أمني ثنائي وعلاقات حسن جوار مع الدول المجاورة.

ومن المفيد التذكير بأن موقع الصين الجغرافي يمتاز بوجود خمس عشرة دولة جارة في البرّ وست دول في البحر.

ولما كان من الصعوبة جمع كل هذه الدول المجاورة للصين في إتفاقية أمنية واحدة، وذلك بسبب المشاكل القائمة بينها وبين هذه الدول والتي تختلف في طبيعتها من دولة إلى أخرى، فقد إعتمدت الصين مبدأ التعايش السلمي وإتفاقيات الأمن والتعاون الثنائية، وهو المبدأ الذي يحكم علاقاتها مع العديد من الدول المجاورة. وتتطلّع الصين ضمن المدى الزمني المتوسّط والبعيد، إلى أن تكون محورًا لتقديم المزيد من الدعم للدول المجاورة، تأسيسًا على قواعد التعاون الأمني الثنائي. وانطلاقًا من هذه الرؤية، إنصرفت الصين إلى إعادة ترتيب علاقاتها مع الهند على نحو إيجابي[41].

وكان لهذا التطوّر مزايا إيجابية لكلّ من الطرفين، فالتقارب خفّف، وعلى نحو ملحوظ، من حدّة التوتّرات والخلافات الحدودية التي كانت الصين تعتقد أن الهند طرف فيها وسبّبت في إثارتها. وللهند من ناحيتها وجهة نظر في المزايا التي يحقّقها التقارب مع الصين، فتطبيع العلاقات وتهدئتها بين البلدين من شأنه أن يقيّد من الدعم الصيني لباكستان.

وهناك اقتناعات قيادية لدى الصين، بأن سياسات التقارب يمكن أن تحقّق منافع إقتصادية مشتركة بفتح سوق إقتصادية تجارية، يمكن أن تحقّق دورًا فاعلاً في النشاط التجاري والإقتصادي الإقليمي بما يعود بالمنافع على كلا البلدين.

وفي تطوّرٍ لاحق، جاءت زيارات الرئيس الصيني للهند خلال السنوات الماضية، لدعم علاقات التعاون بين البلدين، فقد تمّ الإتفاق على خفض القوّات العسكرية بينهما على الحدود المشتركة المتنازع عليها، والتعاون في مجال مكافحة المخدّرات ومحاربة إنتشار الجريمة، وتعزيز النقل البحري، والتعاون التجاري المشترك، وقد جاء ذلك ليضيف بعدًا إلى ثقل التحرّك الصيني في آسيا والرؤية الصينية لأهميّة العلاقة مع الهند[42].

أما العلاقات الصينية – الروسية، ففي حزيران 1994، وفي إطار الزيارة التي قام بها رئيس الوزراء الروسي السابق، فكتور تشيرنومردين، إلى الصين، جرى تأكيد ضرورة تطوير العلاقات التجارية المشتركة والتعاون في مجال الطيران والفضاء وإقامة مشاريع لإنتاج الطائرات المقاتلة وتحسين طرق النقل البحرية وسكك الحديد بين البلدين[43].

وقد تطوّرت العلاقات الصينية – الروسية بشكلٍ لافت مع بداية الألفية الثالثة من خلال الزيارات المتبادلة، وتنامي العلاقات الإقتصادية والتبادلات والاتفاقيات وأطر التعاون المشترك. ثم شهدت العلاقات تحسّنًا واضحًا أثمر عن توقيع الطرفين العام 2004 إتفاقية عدم الانضمام إلى تحالفات عسكرية معادية تهدّد أمنهما.

وفي العام 2006، جرى توقيع عدد من الاتفاقيات حول مجموعة قضايا، من أهمها عسكرية بين الدولتين تختصّ بتبادل الخبرات والمشاورات بين كبار المسؤولين في البلدين، وتنسيق المواقف الخاصة بقضايا الحدود، والتبادل العسكري.

وفي 25 نيسان 2006، وقّعت الصين مع روسيا إتفاقية أخرى لإقامة شراكة استراتيجية للقرن الحادي والعشرين، قائمة على أساس المساواة والثقة والتنسيق المشترك. وقد نصّ الإتفاق على قضايا أمنية من بينها عدم التدخّل في الشؤون الداخلية لكل من البلدين[44].

ويشير هذا المطلب إلى إقرار من جانب روسيا بسيادة الصين على أراضيها، وإلى أن كلًا من تايوان والتيبت جزء لا يتجزأ من أراضي الصين. وتعني هذه الفقرة أن الصين تتعهّد بدعم الإجراءات الهادفة إلى المحافظة على وحدة الأراضي الروسية[45]، وإلتزام الطرفين بعدم التدخّل في شؤون بعضهما البعض الداخلية. فروسيا تلتزم، من جهتها، عدم إتخاذ أي إجراء ضدّ جمهورية الصين الرامية إلى إعادة تايوان والتيبت وجزر سبراتلي.

فإذا إستخدمت الصين القوّة العسكرية، في حال تدخّل الولايات المتحدة الأميركية إلى جانب تايوان، فمن المحتمل أن يجرّ هذا الأمر روسيا  للوقوف إلى جانب الصين لأن التدخّل الأميركي يُعدّ تدخّلاً خارجيًا في شؤون القارّة الآسيوية.

وبذلك تكون الصين قد أمّنت جانب روسيا في المسائل الحدودية والإقليمية، خصوصًا في حال تعرّضها لعمليات عسكرية قد تلجأ إليها الولايات المتحدة الأميركية[46].

على المستويات العسكرية والعلاقات ذات الطابع الدفاعي والرؤى الاستراتجية المشتركة، فقد شدّد البلدان على ضرورة إقامة إجراءات الثقة العسكرية على الحدود بين الصين وكل من كازاخستان وطاجكستان وقرغيزيا.

وتنصّ الإتفاقية على إقامة منطقة منزوعة السلاح على جانبي الحدود تمتدّ إلى ما يقارب الأربعة آلاف كيلومتر حول أقصى شرقي روسيا، والمسافة نفسها تقريبًا في آسيا الوسطى ليكون المجموع ثمانية آلاف كيلومتر تقريبًا.

وفي معظم الزيارات التي قام بها القادة الصينيون إلى روسيا، أكّدت البيانات المشتركة إقامة علاقات وروابط إقتصادية وعسكرية أكثر قوّة "لمواجهة النفوذ الأميركي والغربي"، و"أنّ الشراكة الاستراتجية بين الدولتين تسعى إلى المساهمة الفعّالة لإيجاد عالم متعدّد الأقطاب، ولا يقتصر على الزعامة المنفردة للولايات المتحدة الأميركية".

وتجدر الإشارة، أنّ هذا التطوّر في العلاقات الصينية – الروسية الذي شمل مجموعة إتفاقيات إقتصادية متعلّقة بصادرات الفائض من الغاز الطبيعي الروسي للصين وبناء مفاعلات نووية روسية فيها وإمداد روسيا لها بطائرات حربية متطوّرة[47]، لا يدلّ على وجود "تحالف" إستراتيجي بين الطرفين ضمن المدى الزمني القصير، بقدر ما يدلّ على وجود "تفاهم" إستراتيجي بينهما.

وربما يدلّ تأكيد مفهوم التحالف في الخطاب السياسي الصيني – الروسي على إدراك الطرفين ما يثيره مفهوم التحالف من تعقيدات مع الولايات المتحدة الأميركية.

ولكن علاقات التفاهم الإستراتيجي التي يؤكّدها عمق الإتفاقات الموقّعة بين الدولتين وشمولها، تؤكّد أن ساحة آسيا بمشاغلها الأمنية والاستراتجية، هي ساحة تفاهم مشترك بين الطرفين الصيني والروسي. وكذلك تعكس إدراك الدولتين للآثار السلبية المترتّبة على إبقائهما عند سفح النظام العالمي على الرغم من الإدعاءات الأميركية كلّها.

ومن الملاحظ، في ما يتعلّق بالعلاقات مع روسيا تنامي تبادل الخبرات العسكرية والتسليحية بين البلدين بشكلٍ واضح. وهذا ما يعكس رؤية مشتركة تجاه العديد من القضايا الساخنة في العالم ولاسيما المنطقة العربية، والتي شكّل ما سُمّي بثورات " الربيع العربي " إحدى مراحل التحوّل الكبرى في واقع الدول التي أصابها.

على صعيد التحالفات أيضًا، تبدي الصين إهتمامًا بمجموعة دول الكومنولث الجديدة. ففي 26 نيسان 2006، وقّعت إتفاقية بينها وبين روسيا وكازاخستان وقرغيزيا وطاجكستان، تعهّدت بموجبها هذه الدول إتخاذ تدابير أمنية وعسكرية على الحدود في ما بينها. وحظّرت الإتفاقية قيام أيّ دولة منها بأعمال هجومية ضدّ قوات دولة مجاورة من الدول الخمس وأراضيها، أو إجراء مناورات عسكرية تستهدف دولة أخرى. وقد تمّ تأكيد هذا الإتفاق الذي عرف بالإتفاق الخماسي بين الصين والدول الأربع في نيسان 2007 [48].

ويأتي إهتمام الصين بمجموعة دول الكومنولث بسبب الطبيعة الجيوسياسية، حيث يمثّل الإمتداد الحدودي بين الصين وروسيا ودول الكومنولث الجديدة إحدى مصادر القلق الأمني للصين، وذلك بسبب إمتداد هائل قد يصل إلى حدود 7 و8 آلاف كم.

وما يضاعف من مخاوف الصين بشأن حدودها مع جمهوريات الكومنولث تنامي حدّة الإضطرابات في منطقة سينكيانيج المسلمة (جمهورية تركستان الشرقية) الواقعة في أقصى شمال غربي الصين[49]. فقد كثرت الإضطرابات ومظاهر عدم الاستقرار في هذه المنطقة، وانتقلت عمليات المقاومة المسلّحة إلى العاصمة بيكين في كانون الثاني 1997، مطالبة الحكومة المركزية بمنح المنطقة الإستقلال الذي كانت تتمتّع به قبل العام 1949.

وهدف الصين من عزل منطقة "سينكيانيج" عن تأثير الجماعات الإستقلالية في روسيا وكازاخستان وطاجكستان وقرغيزيا، وبخاصةٍ تلك القائمة في جمهورية الشيشان في روسيا، هو لمنع تأثيرها في أقاليم الجوار، وزيادة عدم الاستقرار فيها، وعلى نحو يزيد من مخاوف الصين من تنامي النزاعات الإستقلالية.

وعلى الرغم من إعتراف جيان جي جن، وزير خارجية الصين، بقوّة الحركة الرامية إلى إستقلال تركستان الشرقية، فإن اشتداد حلقات الصراع في هذه المنطقة قد ازداد عنفًا وضراوة خلال عامي 1997 و1998، وذلك بسبب موقف الصين من مسألة إستقلالها، ونتيجة الدعم الذي تقدّمه شعوب الدول المجاورة لتركستان الشرقية بهدف نيل استقلالها أسوةً بتركستان الغربية[50].
وفي هذا السياق، على مستوى التحالفات الإقتصادية والسياسية الفاعلة، لابدّ من الإشارة إلى الدور الصيني المهم في مجموعة "البركس"[51]، حيث سعت الصين إلى دعم هذه المنظّمة سياسيًا وماليًا، وكذلك تشارك الصين بشكلٍ كبير وفعّال، في مجموعة الدول الآسيوية (آسيان) ذات البعد الإقتصادي والتكاملي في ما بينها، وصولاً إلى تأكيد حضورها كقوّة إقتصادية وازنة على المسرح الدولي بوجه النفوذ الأميركي على أكثر من صعيد.
 

10-الإقتصاد وأولويات الأمن القومي الصيني

على مستوى صياغة الأولويات لدى الجانب الصيني، لابدّ من الإشارة إلى العديد من القضايا التي تدخل في نطاق المفهوم الصيني للأمن، ومنها القضايا المتعلّقة باستعادة المناطق التي اقتطعت من الوطن، مثل تايوان ومكاو، والتغلّب على مشكلة إقليم "التيبت" التي يثيرها بعض القوى الإنفصالية فيه بقيادة الزعيم الروحي للإقليم، الدالاي لاما.

ففي قضية تايوان، ترى الصين أن السياسة التي تتّبعها الولايات المتحدة الأميركية تتعارض مع مقاصد الصين الأمنية وتطلّعها نحو التكامل باسترجاع كامل ترابها الوطني، في حين تتمسّك الولايات المتحدة الأميركية في مواجهة الصين وفي ما يتعلّق بقضية تايوان بإعلان شنغهاي (Shanghai Communiqué) العام 1972، وقانون تايوان الصادر العام 1979.

فالقانون الأوّل ينصّ على أنّ تايوان جزء من الوطن الصيني الأم، ويجب حلّ مشكلتها سلميًا بعيدًا من أسلوب الضمّ القسري، ويقرّ القانون الثاني بمسؤولية الولايات المتحدة الأميركية عن إمداد تايوان بما تحتاج إليه من أنواع الأسلحة. وهو موقف متناقض، لأن الولايات المتحدة الأميركية تعترف بوحدة الصين لكنها لا تقرّ لها بسيادتها على كامل أراضيها.

وفي قضية التيبت، وهو الإقليم الصيني ذو النزعة الإنفصالية، وزعيمه الروحي (الدالاي لاما) الذي يعيش في الهند منفيًا، أثارت الولايات المتحدة الأميركية توترًا آخر، حين عيّنت منسّقًا خاصًا للسياسة الأميركية تجاه التيبت، يشرف على الإتصالات مع زعيم التيبت. وقد عدّت الصين من جانبها السياسة الأميركية حيال التيبت أنها تذهب نحو تأكيد الإنفصال وتكريسه، بما لا ينسجم مع طموحات الصين الوطنية.

وتُعدّ السياسة الأميركية تجاه كل من تايوان والتيبت، توجّهًا أصيلاً في سياستها تجاه الصين. ويقضي هذا التوجـّه بإمساك الولايات المتحدة الأميركية، ورقة تفكيك الصين بيدها لاستخدامها أداة ضغط عليها بين الحين والآخر.

وتأسيسًا على ما تقدّم، يبدو أنّ الصين عازمة على تطوير آليات تعاون أمني متعدّد الأطراف في بداية القرن الحادي والعشرين بعد إزدياد قدراتها الإقتصادية والعسكرية، والاضطلاع بمهمّات الأمن الإقليمي مع قوى أساسية، وهو الأمر الذي تعدّه الصين إحدى مهمّات سياستها المستقبلية. وربما تطلّب الأمر أن تدعم الصين فكرة عددٍ من الآليات الأمنية والفرعية في المنطقة تكون دوائرها: الأولى-شمال شرقي آسيا، والثانية جنوب شرقي آسيا، والثالثة جنوب القارة الآسيوية، والأخيرة في آسيا الوسطى.

 

ويتضح لنا، في الختام، على ضوء ما تقدّم:

أن هناك تكاملاً بين مختلف البنى الصينية في عملية بناء الدولة ودفعها نحو المزيد من التقدّم، من خلال التركيز على العامل الاقتصادي في إعادة إطلاق انفتاح الدولة وتطوير مختلف القطاعات الإنتاجية على أصعدة شتّى.

وتشكّل المؤسّسة العسكرية الصينية أحد المداميك المهمّة، التي ترسم معالم العملاق الصيني الذي ينطلق في أكبر شراكة تجارية مع معظم دول العالم من دون إتفاقات معلنة.

وفي هذا السياق يبرز الإقتصاد كعاملٍ محرّك وأساس في تحديد معالم سياسات الصين الأمنية ورسمها ضمن حدود بيئتها الإقليمية، التي تسعى إلى أن تصبح بيكين محورًا للأقاليم، بغضّ النظر عن وجود أيّ قوى أخرى ذات مصالح في هذه المنطقة الحيوية من العالم.

بالإضافة إلى ذلك، تعتبر الصين أن تنامي قدراتها القومية واضطلاعها بمهمات حماية الأمن الاقليمي هي من بين مهماتها المستقبلية، والتي لا يمكن تنفيذها ما لم تصبح القوّة العسكريّة الصينية كافية وقادرة على حماية عمليات وآليات تحويل كل ذلك إلى واقع عملي، بعد أن تكون الصين قد أمّنت قاعدة إقتصادية وسياسات تنموية تعينها على إنجاز متطلّبات سياساتها الدفاعية على نطاق واسع في مطلع القرن الحادي والعشرين.

وأما خارج نطاق القارة الآسيوية فإنّ الصين، وإن بدا أن ليس لها شواغل ذات طبيعة أمنية بحتة، تركّز إهتمامها على جملة قضايا، منها الحرص على تطوير علاقاتها التجارية والاقتصادية مع القوى الغربية المتقدّمة صناعيًا، وتطوير علاقات الصداقة والتعاون مع بقيّة دول العالم الأخرى، وحرصها على تجنّب التورّط في النزاعات والخلافات الدولية، وتأكيد ضرورة حلّها بالطرق السلمية، والابتعاد عن سياسات سباق التسلّح ونشر الأسلحة النووية، نظرًا إلى ما تنطوي عليها من معضلات، وبخاصةٍ مع الولايات المتحدة الأميركية.

لقد أصبحت المصالح هي التي تميّز العلاقات الدولية في القرن الحالي بعد أن غابت الإيديولوجيا بكل ما تحمل من مبادئ وأفكار دينية وأخلاقية.

وهناك صراعٌ محتدم بين القوى الكبرى في سبيل الوصول إلى منابع الطاقة ومصادر المواد الأوّلية، وكذلك تأمين وصول المواد الخام والأوّلية إلى الدول الصناعية، والتي أصبحت الصين أحد أبرز أركانها الأساسية.

وما نشهده حاليًا من نقاط ساخنة في منطقتنا وفي أكثر من نقطة من العالم، يحتدم فيها الصراع بين القوى المتناحرة، ومن خلفها القوى الكبرى الطامحة دائمًا للوصول إلى مواقع النفوذ والسيطرة.

وإن كل ما نشهده من نزاعات مسلّحة، وإن كان يظهر أنه يخفي بعدًا إيديولوجيًا أو عقائديًا في بعض مراميه وأهدافه، إلا أنه يُخفي في طياته بُعدًا إقتصاديًا مضمرًا، يشكّل فيه النفط والمواد الخام والسيطرة على المناطق الاستراتيجية والممرّات المائية الاستراتيجية، وطرق الإمداد الحيوية أحد أبرز أهدافها غير المعلنة.

في ظلّ هذه التحدّيات الإقليمية والدولية التي تواجه الدول الصغيرة منها والكبيرة، فإن المؤسّسة العسكرية الصينية، تؤدّي دورًا مهمًا في مجال دعم التكنولوجيا الصينية، وفي حماية مكتسبات النظام السياسي للدولة، بصفتها رافدًا أساسيًا للإقتصاد الصيني، يدعم دورها الأمني والاستراتيجي في حماية مقدرات البلاد، ويساهم في تأكيد حركة مصالحها في الداخل والخارج كدولة كبرى طامحة إلى الاضطلاع بدورٍ أكثر سطوعًا وفاعلية على المسرح الدولي.

إن المؤسّسة العسكرية الصينية، من خلال أدائها الناجح مع غيرها من مؤسّسات الدولة، تقدّم النموذج لشعوب العالم، في أروع عملية تكامل وانسجام في أداء الأدوار، وتسير نحو رؤية موحّدة ومتكاملة، لأكبر شعب على الكرة الأرضية، بما يؤمّن له نقلات نوعية وواعدة نحو المزيد من التقدّم والرقيّ في جميع أوضاعه ومجالات حياته.

 

الهوامش

[1]-     De Grazia. A, Stevenson. T, World politics : A study in international Relations, Noble, New York, 2006

 

[2]-     ماوتسي تنغ هو زعيم الصين الكبير، الذي قاد البلاد بعد مرحلة الإستقلال في العام 1949، وقد ترك حضوره أثرًا كبيرًا على السياسة الصينية وعلى ثقافتها القومية ما يزيد على الثلاثة عقود، ولاتزال مدرسته وأفكاره وتوجّهاته القومية مثار جدل وتحليل إلى يومنا هذا.

 

[3]-     للمزيد حول "الإمكانات الحربية الصينية"، راجع دراسة جيلبير هوسو، مترجمة من الفرنسية، دار الكتب الفرنسية المعربة، الرباط، المغرب 2011

 

[4]-     للمزيد حول نشرة القوّات المسلّحة الصينية ، راجع: بنغ قوانغ، تشيان تشاو تشه ين، لوه يونغ، "الدفاع الوطني الصيني"، مترجم إلى العربية، دار النشر الصينية عبر القارات.

 

[5]-     هاري هاردينغ، "الصين نحو العالمية"، مقالة مترجمة عن الإنكليزية، جريدة الشرق الأوسط، لندن،2009

 

[6]-     للمزيد راجع دراسة محمد ايوب صالح ، "من ينازع الصين؟"، مقالة عن تطوّر التجربة الصينية، تونس، المكتبة الخضراء، 2003.

 

[7]-     Hong Yang Lee,Inside China, Mainland, p.38

 

[8]-     Carol Lee, “Chinese challenge towards progress and global” , Hamrin, p.139

 

[9]-     بول كنيدي، "من يحكم الصين"، تجربة الصين في السياسة والإقتصاد، مترجم من اللغة الإتكليزية، 2007

 

[10]-    Harold Tribune, March 5, 1997

 

[11]-    للمزيد حول وضع الجيش الصيني راجع ملخّص دراسة "الصين تطّور جيشها"، مجلة: كورييري ديلاسييرا، ترجمة صحيفة الدستور الأردنية، 2005

 

[12]-    40 -Hong Yang Lee,Inside China, Mainland, p.36

 

[13]-    "الصين: نهضة الشعب وإعادة هيكلة القوى المسلحة"، مقالة مترجمة عن صحيفة الشعب الصينية، العدد 2608، أيار 2008

 

[14]-    (Solomon Kamel, "The Chinese Military Hunt for Profits", Foreign Policy no,104 (Summer 1997

 

[15]-    (Robert S.Ross, "Beijing as a Conservation Power", Foreign Affair, vol. 76, no, 2( March/ April 1997 

 

[16]-    للمزيد حول وضع الجيش الصيني راجع ملخّص دراسة "الصين تطّور جيشها"، مجلة: كورييري ديلاسييرا، ترجمة صحيفة الدستور الأردنية، 2005

 

[17]-    Samuel P.Huntington, op, cit 90

 

[18]-    Richard Bernestein & Ross H.Minro, op, cit 26

 

[19]-    Robert S.Ross, "Bejjing as a Conservation Power", Foreign Affairs vol, 76, no, 2 (March / April 1997) p.p. 35- 38

 

[20]-    "الصين تطور جيشها"، كورييري ديلاسييرا، ترجمة صحيفة الدستور الأردنية، مرجع سابق، ص 13 .

 

[21]-    للمزيد راجع، صادق ابو هيف، "الأبعاد الجديدة للاستراتيجية الدولية، حرب الجغرافيا والقوة"، مطبوعات مكتبة علوم الإسكندرية جمهورية مصر العربية، 2008

 

[22]-    Newsweek, March 3, 1997, 25

 

[23]-    R.H.Solomon (ed), The China Factor: Sino- American Relations and the Globul scene, (Englewood Cliff. N.J: 1981), passim

 

[24]-    مراد الدسوقي، "مستقبل التوجّهات الاستراتجية الصينية"، السياسية الدولية، العدد 124(نيسان 1996)، ص240-242

 

[25]-    .Samuel P.Huntington, op, cit, 223, Cited in Donald Zagoria, America Foreign Policy Newsletter, October 2003

 

[26]-    للمزيد حول تنامي القوة الصينية ودورها، راجع: جعفر كرار أحمد، “الصين في مواجهة التحديات الدولية”، دراسة في العلاقات الدولية، المكتبة الحديثة، ط4، بغداد.

 

[27]-    "الصين في مواجهة التحديات الدولية"، مرجع سابق، ص 114

 

[28]-    راجع: إبراهيم الاخرس، "أسرار تقدّم الصين – دراسة في ملامح القوّة وأسباب الصعود"، القاهرة، ط1، 2008.

 

[29]-    1997, 22 -The Economist, February 21

 

[30]-    يقول جودين: "إن على الصين أن تعمل خلال العقدين المقبلين على تطوير مختلف بناها العسكرية، لتصبح مع مطلع العقد الثالث من القرن الواحد والعشرين من القوى الثلاث الأولى عالميًا، وهي قد بدأت ذلك بالفعل"

 

[31]-    ليس هناك أرقام واضحة أو دقيقة تصدرها المؤسسة العسكرية الصينية، ولاسيما الأرقام المتعلّقة بالإنفاق العسكري، ومجمل الأرقام تصدر سنويًا عن مكتب الإحصاءات الصينية، ولكن هناك الكثير من التشكيك بدقّة الأرقام المعلنة في هذا المجال.

 

[32]-    في تصريح وزير الدفاع الأميركي السابق تشاك هيغل لمجلة هرالد تريبون بتاريخ 13/8/2012، يقول فيه أن الصين لديها نسبة مبيعات ضخمة من السلاح في السوق السوداء وأنها تخفي الكثير من الحقائق التي تؤكّد ذلك.

 

[33]-    الكورييري ديلاسيرا (الإيطالية)، "إنقلاب على الطريقة الصينية"، ترجمة صحيفة العرب اليوم الأردنية، (22، ٧، ٢٠٠٧)، ص7

 

[34]-    للمزيد حول النفقات الصينية في جميع القطاعات، راجع دراسة أحمد عبد الأمير الأنباري، "قراءة في التجربة الإقتصادية الصينية"، متاح على شبكة الأنترنت.

 

[35]-    L.j Newby, "The pure and the religion in China", third world quarterly. Vol no: 10.2 (April 2007), pp. 928 - 933

 

[36]-    تشير المراجع المختلفة إلى حدوث خمس محاولات إنفصالية في عدد من الأقاليم التي يسكنها المسلمون خلال الفترة ما بين 1865 و1945 ولكنها فشلت جميعها بسبب التناحر الداخلي أحيانًا وبسبب تدخّل قوى أخرى أحيانًا أخرى.

 

[37]- لمزيد من التفاصيل راجع دراسة، د. وليد عبد الحي، "دور الموقع الجغرافي للأقليات في نجاح ميكانيزم اللامركزية"، في المجلة العربية للعلوم السياسية، عدد 3 و4 أيلول 1988، ص101-110.       

 

[38]-    "الصين، الحقائق والأرقام 2000"، دار النجم الجديد، الصين، مركز الأخبار التابع لشبكة الإتصالات المتبادلة الدولية الصينية، تشرين الثاني، بيكين، 2000.

 

[39]-    "أسئلة وأجوبة حول مسألة تايوان وإعادة توحيد الصين"، دار النشر الصينية عبر القارات، بكين 2007.

 

[40]-    المصدر ذاته، ص 47-75

 

[41]-    لستر براون وآخرون، "أوضاع العالم العام 1996"، معهد وولد ووتش، ترجمة علي حسن عجاج، منشورات دار البشير، 2002، عمان، ص 37

 

[42]-    راجع دراسة مراد الدسوقي، "مستقبل التوجهات الاستراتيجية الصينية"، في مجلة السياسة الدولية، العدد 124(نيسان 2006)، ص240-243

 

[43]-    جعفر كرار أحمد، مصدر سابق، ص 210

 

[44]-    "الصين في قلب العلاقات الدولية الجديدة"، مقالة لعبد العزيز السعدي، الرياض، 2008

 

[45]-    راجع دراسة سامح فتحي غالي، "نحو مرحلة جديدة في العلاقات الروسية الصينية"، في مجلّة السياسة الدولية، العدد 128(نيسان 2007)

ص.169-171

[46]-    - ريتشارد نيكسون، "أميركا والفرصة التاريخية"، ترجمة محمد زكريا إسماعيل (بيروت، ط4، نيسان 2002)، ص. 16

 

[47]-    ريتشارد نيكسون، "أميركا والفرصة الأخيرة"، مرجع سابق، ص 73

 

[48]-    وي وي زانج، "الإصلاح الإقتصادي في الصين ودلالاته السياسية"، أبو ظبي، مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتجية، دراسات عالمية، العدد 11، ص 38.

 

[49]-    شهدت منطقة سينكيانيج حالات كثيرة من المظاهرات الشعبية المناوئة للحزب الشيوعي الحاكم والسلطات المحلية، وقد قامت السلطات بقمع التحرّكات الشعبية بقسوة شديدة، مما دفع الدول الكبرى إلى تحذير الحكومة المركزية الصينية من التمادي في إنتهاك حقوق الإنسان في الأقاليم الصينية التي تطالب بالحصول على الحكم الذاتي.

 

[50]-    راجع مقالة يوسف الخطيب، "الصين بين الجمهوريات الإنفصالية وقوّة الحزب الحاكم"، في مجلة الصين اليوم، إصدار الخارجية الصينية، العدد 56، ص 14.

 

[51]-    بريكس: هو مختصر للحروف الأولى باللغة اللاتتينية (BRICS) المكوّنة لأسماء الدول صاحبة أسرع نموّ إقتصادي في العالم. وهي: البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا. عقدت أول قمة بين رؤساء الدول الأربع في ييكاتيرينبرغ، روسيا في حزيران 2009، حيث تتضمّن الإعلان عن تأسيس نظام عالمي ثنائي القطبية. وعقدت أوّل لقاء على المستوى الأعلى لزعماء دول "برهص" في تموز 2008، وذلك في جزيرة هوكايدو اليابانية، حيث اجتمعت آنذاك قمّة "الثماني الكبرى". وشارك في قمّة "برهص" رئيس روسيا ديميتري مدفيديف ورئيس جمهورية الصين الشعبية هو جين تاو ورئيس وزراء الهند مانموهان سينغ ورئيس البرازيل لويس ايناسيو لولا دا سيلفا. واتفق رؤساء الدول على مواصلة التنسيق في القضايا الإقتصادية العالمية المهمة، بما فيها التعاون في المجال المالي وحلّ المسألة الغذائية. إنضمّت دولة جنوب أفريقيا إلى المجموعة العام 2010، فأصبحت تُسمّى بريكس بدلاً من بريك سابقًا.

 

 

The Chinese military institution and protecting the accomplishments of the Reform and openness Era

 

There is no doubt that military forces in any country are an essential pillar in preserving internal peace of the country’s entity and structure as well as preserving political, legal and economic institutions.  

Moreover, the military institution has a main role in maintaining the general situation of the country within its geographic scope and limits and securing the international and local borders.  

This influence reaches the extent of protecting the strategic interests of countries beyond their border, preserving the strategic dimensions of the State’s entity, goals and policies as well as managing its external policy and national goals on more than one level.

In addition to this security – strategic role, the military institution plays an active and influential economic role as to boosting the economic structure of the country and providing it with economic assets, expertise and capabilities that enables the country to progress on all economic levels and dimensions. 

Furthermore, in a country as large as China, the presence of the military institution is clearly embodied in several fields of the country’s sovereignty and is one of the most important supporters of the Chinese economic sectors in an unparalleled process that is integral with production sectors in the country.

If we approached the subject of the role played by the Chinese military institution in motivating China to be a pioneer and to continue to progress, and in both the qualitative and quantitative dimensions, whether at the Human level or at the level of preparedness and equipment, we notice that at the qualitative level, the Chinese People’s Liberation Army is considered the world’s largest army, for it counts up to 3.5 million soldiers, which makes it the largest army in the world as to the number of soldiers. 

Additionally, arming these troops has massively evolved in both quantity and quality during the past few years, which qualifies China to become a major international military force.

L’institution militaire chinoise et la préservation des réalisations de l’ère des réformes et de l’ouverture

 

Il est unanime que la force militaire de tout pays occupe une place essentielle quant à la préservation de la paix intérieure de l’État en tant qu’entité et établissement d’une part, et la préservation de ses institutions politiques, juridiques et économiques d’autre part. Et ce, sans jamais oublier que l’institution militaire joue également un rôle essentiel au niveau de la sauvegarde de la situation générale dans le pays, dans son cadre géographique et ses frontières, ainsi qu’au niveau de la sécurité de ses frontières régionales et internationales.  

En effet, cette capacité s’étend à plusieurs niveaux, qui se traduisent par la protection des intérêts stratégiques des pays situés au delà des frontières, tout comme par celle des dimensions stratégiques de l’entité du pays, de ses objectifs, et ses politiques, ainsi que par la gestion de sa politique étrangère et de ses objectifs nationaux, et ce à divers niveaux. 

On ajoute à ce rôle sécuritaire-stratégique, le rôle économique efficace de l’institution militaire, et ce au niveau du renforcement des bases économiques de la nation tout en lui fournissant les ressources économiques, les expertises et les capacités nécessaires qui pourraient assurer son développement. 

Dans un pays comme la Chine, la présence de l’institution militaire se manifeste dans plusieurs domaines de la souveraineté du pays. Une présence qui forme également une des ressources les plus importantes des domaines économiques chinois, fait qui constitue une complémentarité hors pair à l’égard des autres domaines productifs de l’Etat. 

En menant une approche du rôle puissant de l’institution militaire chinoise quant à la prospection et le développement de la Chine, et ce en tant que quantité et qualité, au niveau humanitaire ou au niveau de la disponibilité et de l’équipement, nous constatons qu’au niveau numérique l’armée populaire de libération est considérée comme la plus grande du monde, avec environ trois millions et demi de personnes parmi ses rangs. Tout comme l’armement de cette armée a énormément évolué en tant que quantité et qualité durant les dernières années, fait qui permettra à la Chine de devenir une grande force militaire au niveau international.