متقاعد يتذكر

المؤهل المتقاعد ملحم ابو حمد
إعداد: باسكال معوض بومارون

الجيش هو الملجأ في الأوقات الصعبة

 

المؤهل المتقاعد ملحم ابو حمد صاحب السبعة والسبعين عاماً قدّم للمؤسسة العسكرية سنوات شبابه، فأعطته ولم تبخل عليه. هنا يتذكر محطات في مسيرته عسكرياً في الجيش ومن ثم موظفاً مدنياً بعد تقاعده.

 

يقول المؤهل المتقاعد ملحم ابو حمد: جذبت المؤسسة العسكرية العديد من أبناء بلدتي صغبين، ومنذ صغري أعجبت بالرجال الاشداء الفخورين ببذاتهم العسكرية وبانتمائهم الى الجيش.
ومن بلدتي انطلقت مع بلوغي الحادية والعشرين من عمري على خطى من سبقوني من شباب الضيعة وتوجهت الى ثكنة الفياضية حيث قدمت أوراقي، ومن ثم خضعت لامتحانات الدخول ونجحت. وعلى أثرها توجهت مع رفاقي الى ثكنة طرابلس حيث خضعنا لدورة اغرار امتدت 6 اشهر كاملة، وفي نهايتها طلبت القيادة من حاملي شهادة البريفيه والراغبين إجراء امتحان لدخول سلاح الطيران الذي كان يومها بصدد الإنشاء تقديم طلبات تطوع. وبما أنني كنت مستوفي الشروط تقدّمت ونجحت في الامتحان، إلاّ أن ظروفاً حالت يومها دون إنشاء سلاح الطيران، فشكّلت الى فوج المشاة في مرجعيون حيث بقيت حوالى سنتين، نقلت بعدها الى المستشفى العسكري في بدارو، وتابعت دورة تمريض ثم دورة علوم مخبرية في كلية القديس يوسف للعلوم الطبية لمدة سنتين.

اثر تخرجي عيّنت في مختبر المستشفى المركزي حيث عملت كرئيس للمختبر الجرثومي لمدة 17 عاماً، وذلك حتى العام 1970 حين تأسس المختبر الطبي في مستوصف صربا فأصبحت مسؤولاً عنه وبقيت فيه الى أن تقاعدت العام 1986 وكنت برتبة مؤهل. بعدها عدت وعملت كمدني في الجيش وبالوظيفة نفسها حيث بقيت حوالى 10 سنين مسؤولاً عن مختبر صربا وسرحت للمرة الثانية العام 1997. من ذكرياته في المؤسسة العسكرية يتوقف المؤهل المتقاعد أبو حمد عند مهمة قضت بانتقاله ورفاقه في فوج المشاة من مرجعيون إلى العاقورة لمعالجة مشاكل بين بلدتي العاقورة واليمونة، حيث استمرت المهمة اسبوعاً وانتهت بمصالحة بين البلدتين. يومها لم تكن الطرقات على ما هي اليوم، والانتقال الى أماكن بعيدة كان يتم بواسطة الشاحنات حيناً وسيراً برفقة البغال المحملة عتاداً أحياناً أخرى.

خلال خدمته في صربا عايش المؤهل ابو حمد اخطاراً اخرى بسبب طبيعة عمله، ويقول: في أثناء الأحداث والمعارك كنا ننقل الجرحى والقتلى من أرض المعركة الى المستشفيات القريبة. وكنا نمرّ تحت القصف العنيف معرّضين حياتنا للخطر غير آبهين للقذائف المتساقطة من حولنا، نلملم الضحايا من هنا وهناك ونطير بهم الى أقرب مستشفى علّنا نستطيع إنقاذ حياتهم. وعلى هذه المهمة الإنسانية كافأتنا القيادة بتهانٍ على شجاعتنا وبذلنا في سبيل أبناء وطننا. ويضيف: في حادثة أخرى أذكرها، كنت رتيب دوام في المستشفى حين وصل الى الطوارئ جندي فاقد الوعي، حاول الطبيب إيقاظه الاّ أنه لم ينجح فأعلنت وفاته لأهله. لكن أحد رفاقي لم يرضخ فطلب مني ان نحاول انعاشه بواسطة التنفس الاصطناعي، فقد كنّا على قناعة انه سيعود الى الحياة، لأن حالته كانت غريبة نوعاً ما. وبعد جهود حثيثة شعرت بأنفاسه على وجهي ومن ثم بدقات قلبه، وأسرعنا الى الطبيب الذي لم يصدّق بداية الحادثة، لكنه ما لبث ان رأى بنفسه ما حصل. عندها قام بالاجراءات الطبية وحقن المريض بالمواد الطبية اللازمة. وبعد عشرين يوماً أفاق العسكري من غيبوبته وعاد إنساناً طبيعياً. وعلى الاثر حصلت ورفيقي على تهانٍ من قيادة الجيش اضافة الى مأذونية 36 ساعة، كانت يومها تعتبر مكافأة كبيرة.

وعن المؤسسة التي حضنته خلال هذه المدة يقول المتقاعد أبو حمد: الجيش هو مؤسسة الوحدة الوطنية بامتياز، ومهما كانت الظروف فالعودة دائماً تكون اليه، فهو الملجأ في أوقات الصعاب. إنّي اعشق هذه المؤسسة القائمة على مبادئ الشرف والتضحية والوفاء، وانا ربيت أولادي على هذه المبادئ، وقد اصبح ثلاثة منهم أطباء والرابع مهندساً، ووحيدتي أكملت مسيرة بدأتها فدخلت سلك الجندية ضابطاً طبيبة أسنان.

 

تصوير: فادي البيطار