اقتصاد ومال

المبرمجون اللبنانيون يصدّرون انتاجهم وينافسون في اوروبا وافريقيا
إعداد: تريز منصور

صناعة برامج الكومبيوتر تطوّرت بسرعة وهجرة الأدمغة من لبنان تعيقها

برمجة الكومبيوتر صناعة رأس مالها الأول هو الدماغ البشري المبدع. ولبنان الذي تشكل الطاقات المبدعة فيه إحدى أهم ثرواته, استطاع أن يجد لنفسه مكاناً بارزاً في مجال صناعة برامج الكومبيوتر, وبات منافساً لعمالقة صانعي هذه البرامج عالمياً.
بعد أن ألقينا الضوء في أعداد سابقة على صناعات وحرف لبنانية قادرة على المنافسة عالمياً (كتصميم الأزياء والمفروشات), نسلّط الضوء على صناعة برامج الكومبيوتر.
تعتبر هذه الصناعة حديثة العهد, فهي برزت في لبنان في أواخر الثمانينات, لكنها تطوّرت بسرعة وأثبتت قدرتها على المنافسة في النوعية وفي الأسعار.
يصدّر لبنان برامج الكومبيوتر الى مختلف دول العالم (أوروبا, أفريقيا, الخليج العربي...) وتقارب قيمة عائدات هذا القطاع الـ300 مليون دولار سنوياً.
يواجه هذا القطاع معوقات عديدة منها: إرتفاع كلفة الإتصالات وعدم تأهيل الشبكات لتتناسب مع التطورات التكنولوجية الحديثة, والنزف المستمر للأدمغة... ومع ذلك, فهو استطاع أن يحقق تطوراً مدهشاً.
مجلة ˜الجيش التقت مسؤولين عن شركات تعمل في هذا المجال, واستطلعت مختلف ما يتعلق به.

سليمان: تامين البنية التحتية للإتصالات في المناطق يخلق فرص عمل ويثبت الشباب بأرضهم.

مدير قسم البرمجة في شركة تكنولوجيا المعلومات والمكننة (ACT) السيد هيثم سليمان قال: ˜إن قطاع البرمجة هو في طور النمو منذ إنتهاء الحرب في أوائل التسعينيات, كما أنه قائم على مبادرات فردية نتيجة لحاجة السوق الى قطاع المعلوماتية والبرمجة....
وأضاف قائلاً:
˜لقد تطوّر هذا القطاع في السنوات الأخيرة وأصبح لدينا شركات معلوماتية كبرى دعمها القطاع الجامعي الذي طوّر نفسه هو أيضاً, ليواكب حاجة السوق والتطورات العلمية والتكنولوجية في العالم.
وهكذا أصبح في لبنان العديد من المهندسين والإختصاصيين في مجال المعلوماتية يتمتعون بطاقة علمية متميزة, وقدرة عملية دفعت بالعديد منهم الى مغادرة لبنان بحثاً عن مؤسسات يحققون فيها طموحاتهم العلمية....
واعتبر السيد سليمان ˜أن تطور هذا القطاع يعود الى انفتاح اللبناني على العالم بأسره, إضافة الى مواكبته لأحدث التقنيات العالمية, وذلك بفضل الشركات العالمية الموجودة في لبنان, إضافة الى المؤتمرات التي تعقد بصورة مستمرة, والتي ساهمت في تطوير هذا القطاع, وكذلك فإن المغتربين اللبنانيين لعبوا دوراً في هذا المجال.
ورغم الخطوات الكبيرة التي اتخذت في هذه الفترة, فما زال أمامنا خطوات أكبر طموحة تنتظر تحقيقها للوصول الى المستوى العالمي.
وقال سليمان: ˜إن البرامج اللبنانية مميزة بتميّز صانعيها الذين يتمتعون بمستوى علمي رفيع وعالي, ويتقنون لغات عدة إضافة الى تمتعهم بالحس التجاري الذي ساعدهم على الإنفتاح العالمي, وبالتالي على معرفة حاجات أسواق دول مختلفة في العالم. وهذه الطاقات ساهمت بفترة وجيزة في التصنيع والتصدير وتقديم الخدمات (Off Shore) الى معظم دول العالم, وذلك من خلال إلتزام جزء من مشاريع كبرى لشركات أجنبية.

وأوضح أن ˜معظم البرامج والخدمات تصنّع باللغات العربية والإنكليزية والفرنسية وتصدّر الى دول الخليج وأوروبا وأفريقيا. علماً أن البرنامج الناجح يجب أن يتحرر من اللغات ويصنّع بطريقة سهلة تناسب كل الشركات في العالم.
وحـول حجـم الإنتاج في قطـاع البرمجـة في لبـنان, قـال السيد سليـمان ˜إن الأرقـام تتضارب حول حجم الإنتاج إذ لا وجود لجهة رسمية تتولى التحقق منها, ولكن بحسب التقديرات فإن حجم الإنتاج يقارب حدود الـ300 مليون دولار سنوياً, موزعة بين سلع مبرمجة وخدمات مبرمجة.
وعن المشاكل التي يواجهها هذا القطاع قال ˜إن دعم الدولة غائب عن قطاع البرمجة لناحية توفير تسهيلات في ما يتعلق بالإتصالات وتأمين البنية التحتية للمعلوماتية وتخفيض الكلفة وتحفيز الإستثمار, ومراقبة الجودة وتحسينها من خلال دورات تنظيمية, وتطبيق قانون الملكية الفكرية بصرامة وجدية, بغية تشجيع الشركات العالمية للإستثمار أكثر في لبنان, واعتماد المواصفات العالمية في صناعة البرمجة, وفرضها ضمن شروط التلزيم في البرامج المعتمدة في الدولة.
وأضـاف: ˜هـذه المعوقات تؤثر سلـباً على نوعية السلع المنتجة وعلى أسعارها, لا سيما أن كلـفة الإتصـالات مرتفعة؛ إضافـة الى الرسـوم والضرائب واشتراكـات الضمان... ورغـم ذلك فإن السلع اللبنانية تنـافس الشركات العالميـة, لكنـها تواجه منافـسة حادة من قبل السلع الهندية.
وأردف قائلاً: ˜إن هجرة الاختصاصيين من لبنان بحثاً عن مكان يستقطب طموحاتهم وقدراتهم, هي من الأسباب الجوهرية التي تعيق قطاع البرامج.
وتمنى السيد سليمان على الدولة الإلتفات الى هذا القطاع الصناعي الحيوي الهام, ودعمه من خلال توقيع إتفاقات ومعاهدات مع شركات عالمية, وتسهيل دخول هذه الشركات عبر إتفاقيات الشراكة الأوروبية, والتفاوض معها لخلق نوع من البروتوكولات وتبادل الخبرات, وإعداد الدراسات... وبالتالي جعل لبنان مركزاً لتصدير المعلوماتية في الشرق الأوسط, ولتأمين الخدمات المعلوماتية لمنطقة الخليج العربي. كما أمل أن تؤمن الدولة البنية التحتية للإتصالات في المناطق اللبنانية كافة, الأمر الذي قد يساهم في تخفيض الكلفة وفي خلق فرص عمل, ويحقق الإنماء المتوازن في المناطق ويثبّت الشباب في أرضهم.

كيلزي: قطاع البرمجة قي لبنان صناعي مئة في المئة وقادر على المنافسة عالمياً

من جهته قال مدير شركة ˜انترنت فاسيليتز (Internet Facilities) السيد ميشال كيلزي, ˜إن قطاع المعلوماتية إنطلق في لبنان أوائل الثمانينات ولكنه لم يزدهر إلا في أواخرها. ويرتكز هذا القطاع على الأدمغة البشرية والكفاءة العلمية التي يتمتع بها الإنسان اللبناني, لكن للأسف لبنان بدأ يخسر الكثير من قدراته بسبب الهجرة.
وأضاف قائلاً: ˜يمكن القول أن قطاع البرمجة في لبنان صغير, لأننا نستورد أكثر مما نصدّر, نظراً لحاجاتنا الى البرامج العالمية التي تستعمل في الدول كافة.
ويميّز كيلزي بين مستويي الاستيراد والتصدير قائلاً: في ما يتعلق بالاستيراد, لبنان يعاني من مشكلة القرصنة, وقد انحسرت اليوم نسبياً مع تطبيق قانون الملكية الفكرية. أما في ما يتعلق بالبرمجة أو صناعة برامج الكومبيوتر, فإن الإنتاج اللبناني يُصدّر الى العالم بأسره (الدول العربية ­ الدول الأميركية ­ والدول الأوروبية...), كما أنه يغطي جزءاً كبيراً من حاجة الأسواق المحلية.
وتندرج في هذا الإطار برامج جاهزة وصالحة لعمل الشركات كافة, وبرامج أخرى تتعلق بخصوصيات كل شركة, كما يتضمن نوعاً من الخدمات في البرامج التي ترتفع كلفتها نسبياً.
ولفت السيد كيلزي الى ˜أن الإنفتاح اللبناني على العالم يساعد المبرمجين اللبنانيين على ترجمة برامج عالمية تسوّق في دول الخليج العربي. وهذه الترجمة لا تنحصر فقط في تحويل المضمون من لغة الى لغة أخرى, بل تتضمن إضافات تسهّل طريقة العمل.
وقال: ˜إن قطاع البرمجة يشمل القطاعات التجارية والعلمية والصناعية والطبية والهندسية والمصرفية... وكذلك حماية البرامج التي تصنّع باللغات الإنكليزية والفرنسية والعربية والإسبانية....
واعتبر ˜أن المبرمج اللبناني يتمتع بالذكاء والدقّة في التنفيذ والتسليم وفي تحديد المعلومات... وأن البرامج المصنعة في لبنان قادرة على المنافسة نوعاً وسعراً, فالأسعار معتدلة نسبياً.
وقال كيلزي: ˜إن تخفيض كلفة الإتصالات ينعكس إيجاباً على أسعار البرامج, التي يحددها عدد أيام العمل في أي برنامج.. ولا بد من الإشارة هنا على هذا الصعيد, إن وزارة الإتصالات قامت بمبادرة تشكر عليها حيث خفضت كلفة الإنترنت والمخابرات الدولية, ولكن شركات الإنترنت لم تخفض التعرفة لغاية اليوم.
وأوضح إن أسعار البرامج تتأثر بكلفة اليد العاملة التي تعتبر نسبياً مرتفعة, نظراً للتدريبات التي يخضع لها العمال اللبنانيون من قبل إختصاصيين أجانب, أو قد يتابعونها في الخارج.
ودعا السيد كيلزي أخيراً الدولة الى دعم هذا القطاع المستحدث والهام في الإقتصاد الوطني, باعتباره قطاعاً صناعياً, يصدّر سلعه الى مختلف دول العالم, وبالتالي يدخل العملات الصعبة الى البلد, كما أنه يحد من هجرة الأدمغة, ثروة لبنان الوحيدة. ورأى أن الدعم يتم عبر السفارات اللبنانية في الخارج, ومن خلال إقامة المعارض الدولية, وكذلك من خلال التعاون مع الجاليات اللبنانية المنتشرة في كافة أقطار العالم.

زبليط: قطاع البرمجة في لبنان يحتاج الى القوننة والحد من الهجرة

 مدير عام شركة ˜أيمز (Aims) السيد رودريك زبليط قال بدوره, إن ˜قطاع البرمجة في لبنان نشيط ولديه مقومات عديدة. فاللبنانيون يتمتعون بكفاءات علمية رفيعة المستوى وقدرات مهنية عالية, ولكن المشكلة تكمن في تبعثر هذه الطاقات, وفي انعدام الخطط العلمية للإستفادة منها, الأمر الذي يحول دون تحقيق أحلامنا, ودون المنافسة العالمية.
وأضاف قائلاً:
˜إن برامج المعلوماتية اللبنانية تمتاز بتقنية عالية, وهي قادرة على المنافسة لدى شركات العالم, من ناحية الجودة في التصاميم والأسعار المعتدلة وكمية المعلومات... إلاّ أن حجم اليد العاملة اللبنانية في مجال البرمجة ضئيل نسبياً, بسبب الهجرة, موضحاً أن ˜الهند تعتبر المنافس الأكبر في هذا المجال. فإننا وإذا توفّر المبرمجون في لبنان بأعداد كبيرة, فإن كلفة اليد العاملة سوف تنخفض وكذلك الأسعار, الأمر الذي سوف يعزز قدرتنا على المنافسة.
وتطرّق السيد زبليط الى العوائق التي تواجه قطاع البرمجة, فأشار الى أن انعدام الجدية والحزم في تطبيق قانون حماية الملكية الفكرية في لبنان, يعزز قطاع قرصنة البرامج المستوردة والمصدّرة, وبالتالي يعيق عملية التطوّر والإزدهار سواء كان ذلك على صعيد التصدير أو الاستيراد أو الاستثمار...
كما اعتبر أن ارتفاع كلفة الاتصالات والإنترنت من ضمن العوائق التي تواجه قطاع المعلوماتية.
ودعا زبليط الدولة الى إيلاء هذا القطاع الإهتمام الكافي, لأنه قادر على رفع مستوى الصناعة اللبنانية عالياً في كافة أقطار العالم. واعتبر أنه من الضروري تحقيق أربعة أمور أساسية:
أولاً, إيقاف هجرة الاختصاصيين في مجال البرمجة والكومبيوتر.
­ ثانياً, وضع رؤية واضحة للإستفادة من هذه الثروة وهذه الصناعة, وإيجاد السبل الجدية لحمايتها عبر تطبيق صارم لقانون حماية الملكية الفكرية.
­ ثالثاً, العمل على تخفيض كلفة الإتصالات والإنترنت, وتأهيل الشبكة لكي تتناسب مع التطورات التكنولوجية التي تسير بسرعة البرق في العالم.
­ رابعاً, السعي الجدي لتأمين أسواق خارجية عبر السفارات اللبنانية والملحقين الإقتصاديين.
وأكد ختاماً أن لا شيء يقف أمام طموحات وأحلام اللبنانيين ويحول دون تمكّنهم من منافسة عمالقة المبرمجين في العالم.

تصوير: ماريو عبدالله
المجند كريم عرمان
المجند خليل بو ناصيف