متاحف في بلادي

المتحف الإثنوغرافي في جامعة البلمند شهادة لمهارات الأجداد واحترامهم البيئة والطبيعة
إعداد: جان درك أبي ياغي

تصوير: جامعة البلمند
راشيل تابت

 

يضمّ المتحف الإثنوغرافي في جامعة البلمند حوالى 250 قطعة، لم تعد في التداول، وهي كناية عن أدوات منزلية أو من تلك التي كانت تُستخدم في الزراعة أو الصناعات والمهن الحرفية. كما يضم مجموعة كبيرة من أثاثات المنزل القروي التي لم تعد تُستخدم اليوم.
في هذه الجولة لمجلة «الجيش» على أرجاء المتحف اكتشفنا مكنوناته التي تعود بنا الى حقبة ماضية من تاريخ تراثنا العريق.

 

تراث في الذاكرة
تعود فكرة إنشاء المتحف في جامعة البلمند الى العام 2007 وهو نتاج عمل سنتين من التجميع والتوثيق والترتيب «للجنة التراث والتقاليد الشعبية» في الجامعة والتي تضمّ كلاً من: الدكتور جورج دورليان (مدير العلاقات العامة وأستاذ محاضر في الجامعة)، السيدة نادين هارون (أستاذة محاضرة في الجامعة)، الأستاذ جورج فيعاني (عميد مساعد في الألبا - بيروت)، المهندس سالم سالم والسيد صباح خوري.
وقد حرصت اللجنة على أن يأتي المتحف تعبيراً عن ذاكرة لبنانية تجسّدت في قطع وأدوات وآلات وأثاثات استخدمها أجدادنا وآباؤنا، وأزاحتها التكنولوجيا الحديثة.
يولي الدكتور ايلي سالم المتحف اهتماماً كبيراً لأنه يروي علاقة اللبناني بأرضه ومجاله الحيوي، على ما يقول الدكتور دورليان الذي يضيف «أردنا أن يأتي في غاية الإبداع والجمال ليجذب اهتمام الزوار فيتعرّفوا على تراث انقضى ولكنه كامن في الذاكرة». وشرح كيف تألّفت اللجنة منوّهاً بجهود المهندس سالم سالم الذي له يعود الفضل في إطلاق فكرة المتحف وفي تجميع قطع أثرية وفريدة معروضة فيه، من دون أن ينسى باقي أعضاء اللجنة والدور الهام الذي لعبه كل منهم لإتمام المتحف.

 

مهارات الآباء والأجداد
مسؤولة المتحف الأستاذة نادين هارون عرضت أهداف «لجنة التراث والتقاليد الشعبية» وشرحت المراحل التي مرّت بها اللجنة منذ تأسيسها، مع التركيز على غياب هذا النوع من المتاحف في منطقة الشمال.
وقالت عن أهداف المتحف: «ليس هناك أفضل من جمع هذه الأدوات التراثية المهملة في متحف حيث تكون منسّقة ومحفوظة وموضوعة بتصرّف الشعب كله. من هنا نشأت فكرة إنشاء متحف إثنوغرافي في جامعة البلمند يهدف الى أمرين أساسيين: أولاً، جمع هذه الأدوات والمحافظة عليها وعرضها. وثانياً، دراسة ما تنطوي عليه هذه الأدوات التي تشهد لآبائنا وأجدادنا بمهارات ومعرفة مميزتين، ومنها: التكيُّف المثالي مع أحوال البيئة، الإستثمار الجذري للمنتوجات المحلية، العيش بانسجام مع الطبيعة والعمل على احترامها، المهارة في استعمال الأدوات والإكتشافات الفنية الحقيقية...».
ويتميّز هذا المتحف عن سواه من المتاحف بقدرته على استعمال لوازم أو مواد موجودة لإعادة عرض أو رسم أو وصف نمط حياة بعض الشعوب في حقبة ليست ببعيدة. وهذا من شأنه إضفاء رؤية أكثر واقعية وجذباً من المتاحف التاريخية التقليدية.
تجميع القطع مستمر من قبل المتبرّعين والبداية كانت بشراء خمس قطع موجودة في المتحف وهي: النول، مدقة، هاون، سطيلة، والباقي تبرّع بها أناس من منطقة الشمال، بيروت، البترون، الكورة... فالنول مثلاً جيء به من منطقة ذوق مكايل المشهورة بصناعة الغزل وكان مالكه ما يزال يعمل عليه قبل أن يتوفى ويتمّ شراؤه من أهله.
أما عن الأهداف المستقبلية للجنة فتقول هارون: «نسعى الى تحويل المتحف الى متحف رسمي وانضمامه الى مجموعة المتاحف الدولية. كما نهدف الى إنشاء متحف متكامل ليس لعرض الأغراض فحسب إنما لتنظيم مشاغل حيّة للحرف التي باتت على طريق الزوال كالنول وصناعة الزجاج والصابون ومعاصر الزيتون... وسيتم توثيقها وإنتاج أفلام وثائقية عنها وطباعة منشورات كي تبقى في الذاكرة».
وأسفت هارون للسرعة التي يتناسى فيها اللبناني عاداته وتراثه جرياً وراء عادات وتقاليد غريبة عن بيئتنا، لذا «من الضروري المحافظة على الأدوات التراثية وتعريف الأجيال الجديدة على أهمية استعمالها، مع العلم أنها غير قديمة وأغلب القطع تعود الى القرن التاسع عشر ولغاية القرن العشرين. تراثنا هو الدلالة على هويتنا اللبنانية».

 

المهندس سالم:حافظنا على الشكل التراثي للبيت
يقع المتحف الإثنوغرافي في المبنى التراثي «بيت المعزة» في حرم الجامعة، والذي يأخذ إسمه من وظيفته السابقة «مراح للماعز». وعنه تحدّث المهندس سالم سالم الذي أشرف على إعادة بنائه وفق معايير هندسية حافظت على شكله القديم التراثي من خلال إعادة استعمال الحجارة التي بُني فيها سابقاً. فقال: «لقد استحدثنا أرضية جديدة للبناء وجدّدنا سقف البيت بإضافة الخشب والقصب من دون إغفال الساحة الخارجية وإنشاء طريق مشاة تؤدي الى المتحف مع إنارة».
وختم قائلاً: «نحن بصدد إنشاء بيت على الطراز اللبناني القديم (داخل حرم الجامعة) لنقل تراث أجدادنا وآبائنا اليه، فيتعرّف الزائر على المكان والمكانة اللذين كانت تحتلّهما هذه الأدوات في بيوتنا قديماً. من هنا، باب التبرّع مفتوح للراغبين والناشطين في مسيرة الحفاظ على هذه الثروة التراثية».
يجدر بالإشارة أن «بيت المعزة» قد شهد في السابق مناسبات رسمية عقدها رئيس الجامعة فيه قبل أن يتحوّل متحفاً نظراً لوقوع منزله بالقرب منه.

 

جولة على تراث المتحف
من مبنى الجامعة انتقلنا برفقة الآنسة ريم الشدياق (قسم العلاقات العامة) الى «بيت المعزة» حيث المتحف الإثنوغرافي لنجول في حناياه ونستكشف ما يكتنز من خوابي الماضي.
يبلغ عدد الموجودات حوالى الـ250 قطعة من مختلف الإستعمالات. فعند الدخول من الباب الرئيس تطالعك لوحة زجاجية عملاقة تحمل أسماء المتبرّعين، وما أكثرهم، مع أرقام القطع التي تبرّعوا بها ومصدرها.
كما نجد في المتحف جرّة وإبريقاً من الطين يستخدمان لخزن الماء، سلالاً من قصب لحفظ الفواكه والخضار وغيرها من المواد الغذائية، جاروشة من الحجر البازلتي لطحن القمح، كرافية (مقشة من زجاج وقش تستخدم لحفظ العرق)، طبلية من الخشب يُمدّ عليها الطعام، مهباجاً من الخشب والنحاس الأصفر لطحن حبوب البن وسحقها، بابور كاز من النحاس الأصفر يستخدم للتسخين أو الطبخ، مجموعة محامص من الحديد لتحميص الطعام أو حبوب البن قبل طحنها، نورجاً من الخشب والحديد والحجر لدرس الحنطة، جرناً ومدقة من الخشب لدق اللحم ثم خلطه مع البرغل لتحضير الكبة، خابية من طين تستخدم لتخزين الزيت وهي تقدمة من رئيس الجامعة الدكتور إيلي سالم، هاون - مهراس من النحاس الأصفر يستخدم لسحق الثوم وحبوب البن، مهرمة التين من خشب وحديد لتقطيع التين، دستاً من النحاس الأصفر يستخدم لغلي الماء، دولاباً من خشب وحديد يستخدم لغزل الخيط حتى يصبح مكبساً، قنديل كاز من زجاج وحديد يستخدم للإضاءة، مجموعة مكاوي فحم من الحديد (المقبض خشبي) كانت تستعمل لتمليس الثياب وكيّها بواسطة حرارة الفحم الحجري، محبرة المختار (من حديد) تستخدم لخزن الحبر وتثبيت الريشة، مكنة خياطة مع غطاء من خشب وحديد، طيارة من الخشب تساعد في نقل الخيط الى دولاب النول حيث يتحوّل الى مكبّ، «مطبقية» من النحاس الأصفر تستخدم لحفظ وجبة طعام خفيفة، منخلاً لنخل القمح وغربالاً للحبوب أو الرمل، راديو، فونوغراف، مجموعة من أثاثات المنزل تحتوي على: قطع تخت رفاص من الحديد، قماش مطرّز من نسيج حريري لامع يستخدم كغطاء للوسادة، صندوق من خشب، حديد وقماش لتوضيب ملابس النساء و«الكتانيات»، بساط من النسيج الصوفي يستعمل كغطاء للأرض، فرشة «دشك» من نسيج صوفي وقماش من وبر الإبل، شروال من قماش... مجموعة من عدة الأسلحة تحتوي على: قشاط خرطوش من حديد وجلد مدبوغ يستعمل لحمل خرطوش الصيد، ترس من النحاس الأصفر، خنجر من خشب، سيف من حديد وخشب، الى مجموعة من الأدوات التي كانت تستعمل في الحمام وأخرى في الزراعة وغيرها الكثير الكثير...
يجدر بالإشارة أن المتحف يفتح أبوابه ويستقبل الزوار يومياً من الثامنة صباحاً ولغاية الخامسة مساءً، وفق موعد مسبق والدخول مجاني.