نحن والقانون

المجلس الدستوري اللبناني
إعداد: نادر عبد العزيز شافي
دكتوراه دولة في الحقوق-محام بالإستئناف

تعتبر الرقابة على دستورية القوانين من أهم المستلزمات الأساسية والمرتكزات الهامة للحفاظ على حقوق الإنسان الجوهرية وحرياته، في الأنظمة الديموقراطية كافة من برلمانية أو رئاسية أو شبه رئاسية، حيث يمكن القول على طريقة الفقيه الفرنسي مونتسكيو: «لا ضمانة لحقوق الإنسان من دون رقابة على دستورية القوانين». فهناك ترابط عضوي ومؤسساتي بين الحقوق والحريات العامة وبين القضاء الدستوري الذي يحمي تلك الحقوق والحريات من تعدي السلطة، ويساهم في تطورها وتوسيع نطاقها.

لقد إستقر الرأي في لبنان وفرنسا على عدم حق المحاكم العدلية أو الإدارية بإعلان بطلان أعمال السلطة التشريعية لعدم انطباق القوانين العادية على الدستور أو المعاهدات الدولية سنداً للمادة 2 من قانون أصول المحاكمات المدنية والمادة 105 من قانون تنظيم مجلس شورى الدولة تاريخ 14/6/1975. لكن الدستور اللبناني كان يتيح لرئيس الجمهورية نوعاً من الرقابة عبر قسمه باحترام الدستور وإعطائه الحق بإعادة القانون إلى مجلس النواب لمناقشته مرة ثانية إذا وجد فيه ما يخالف أحكام الدستور، فإذا أكد المجلس على هذا القانون، كان لرئيس الجمهورية حق حل البرلمان سنداً للمواد 50 و55 و57 من الدستور.
في ما بعد نصت وثيقة الوفاق الوطني التي أقرت في الطائف على إنشاء مجلس دستوري لتفسير الدستور ومراقبة دستورية القوانين والبت في النزاعات والطعون الناشئة عن الانتخابات الرئاسية والنيابية. وتمّ إدخال هذا الإتفاق في الدستور اللبناني بموجب القانون الدستوري رقم 18 تاريخ 21/9/1990.
بتاريخ 15/7/1993 سنّ مجلس النواب القانون رقم 250/93 بعنوان إنشاء المجلس الدستوري.

 

تأليف المجلس الدستوري
نصت المادة 2 من القانون رقم 250/93 بعد تعديلها بالقانون رقم 150/99 على أن المجلس الدستوري يتألف من عشرة أعضاء. ويتم تعيينهم على النحو الآتي:
• يعين مجلس النواب نصف هؤلاء الأعضاء بالأكثرية المطلقة من عدد الأعضاء الذي يتألف منه قانوناً في الدورة الأولى وبالأكثرية النسبية من أصوات المقترعين في الدورة الثانية، وإذا تساوت الأصوات فالأكبر سناً يعتبر منتخباً.
• ويعين مجلس الوزراء النصف الآخر بأكثرية ثلثي عدد أعضاء الحكومة.
فالمجلس الدستوري يتألف من عشرة أعضاء تطبيقاً لقاعدة التمثيل الطائفي بين المسلمين والمسيحيين، علماً ان البعض يرى أنه من الأفضل أن يكون العدد مفرداً اعتبار صوت الرئيس مرجحاً إلا عند الضرورة، كما أن لبنان لا يحتاج إلى هذا العدد الكبير من الأعضاء، إذ أن المجلس الدستوري الفرنسي يتألف من تسعة أعضاء فقط على الرغم من تعدد مهامه وكثرة أعماله واجتهاداته. كما أن عدم قيام مجلس النواب أو مجلس الوزراء بتعيين أحد الأعضاء المنتهية ولايته يؤدي إلى شل عمل المجلس الدستوري ومنعه من ممارسة أعماله كما حصل في الكثير من المرات لأسباب سياسية.

 

شروط تعيين أعضاء المجلس الدستوري
حدّدت المادة 3 من القانون رقم 250/93 بعد تعديلها بالقانون الصادر بتاريخ 9/6/2006، شروط تعيين أعضاء المجلس الدستوري وفقاً للآتي:


• اختيار الأعضاء:
- ثمانية أعضاء من بين القضاة العاملين أو قضاة الشرف الذين مارسوا القضاء العدلي أو الإداري أو المالي لمدة خمس وعشرين سنة على الأقل أو من بين أساتذة التعليم العالي الذين مارسوا تعليم مادة من مواد القانون منذ خمس وعشرين سنة على الأقل، أو من بين المحامين الذين مارسوا مهنة المحاماة مدة خمس وعشرين سنة على الأقل.
- عضوان من بين حملة شهادة الدكتوراه في أي من العلوم السياسية والقانونية.


• شروط العضوية:
- أن يكون لبنانياً منذ عشر سنوات على الأقل، متمتعاً بحقوقه المدنية وغير محكوم عليه بجناية أو جنحة شائنة.
- أن لا يزيد عمره عند التعيين عن أربع وسبعين سنة وأن لا يقل عن الخمسين سنة.


• شروط الترشيح:
على من يرغب أن يكون عضواً في المجلس الدستوري وتتوافر فيه شروط العضوية أن يقدم ترشيحه بموجب تصريح مرفقاً بسيرة ذاتية مفصّلة. تبدأ مهلة تقديم الترشيح قبل تسعين يوماً من موعد إنتهاء ولاية أحد أعضاء المجلس الدستوري وتنتهي بعد ثلاثين يوماً على بدئها. وتكون مهلة تقديم الترشيح في حال شغور مركز أحد الأعضاء عشرة أيام تلي تاريخ إعلان شغور المركز في الجريدة الرسمية. كما يجوز لكل خمسة نواب أن يرشحوا شخصاً واحداً لعضوية المجلس الدستوري، ضمن المهلة المبنية أعلاه، ويعتبر الترشيح الموقع منهم والمسجل حسب الأصول أعلاه بمنزلة التصريح ويرفق الترشيح بالسيرة الذاتية المفصلة للمرشح.
على رئيس قلم المجلس الدستوري أن يحيل على الأمانة العامة للمجلس النيابي التصاريح المودعة لديه مع مرفقاتها خلال مهلة ثمان وأربعين ساعة من تاريخ تسجيلها في القلم.
فور ورود التصاريح على الأمانة العامة لمجلس النواب، تطلب هذه الأخيرة من الجهة التابع اليها المرشح، عاملاً كان أو متقاعداً، تزويدها بنسخة عن ملفه الشخصي. وعلى هذه الجهة أن تجيب الطلب فوراً.


• المقابلات:
خلال الأسبوع الذي يلي موعد انتهاء تقديم طلبات الترشيح، يدعى كل من المرشحين إلى جلسة مقابلة مع لجنة نيابية مؤلفة من هيئة مكتب مجلس النواب وسبعة أعضاء من لجنة الإدارة والعدل النيابية، يجري خلالها استيضاح المرشح حول سيرته الذاتية والمهنية وآرائه. ترفع اللجنة محضر المقابلات التي أجرتها إلى المرجعين اللذين يعود لهما حق تعيين أعضاء المجلس الدستوري، حيث تضع اللجنة نظامها الداخلي لهذه الغاية.


•أحكام أخرى:
عند نهاية الست سنوات المحددة لولاية عضو المجلس الدستوري أو عند سقوط العضوية بالقرعة، يحق للعضو من غير القضاة العاملين أو أساتذة التعليم العالي العاملين في القطاع العام وكل من يخضع لأحكام قانون الوظيفة العامة تعويض يعادل بدل شهرين عن كل سنة خدمة ويحسب على أساس مخصصات الشهر الأخير. يدفع هذا التعويض كاملاً للعضو أو لورثته إذا لم يكمل ولايته لسبب العجز الصحي المثبت وفقاً للأصول أو لسبب الوفاة. ويفقد العضو هذه الحقوق في حال الاستقالة.
أما القضاة العاملون وأساتذة التعليم العالي في القطاع العام والأعضاء الخاضعون لأحكام قانون الوظيفة العامة فيعتبرون بحكم المنتدبين ويعودون إلى ممارسة عملهم في القضاء أو في الجامعة عند انتهاء عضويتهم في المجلس الدستوري، وتحسب لهم فترة عملهم كخدمة فعلية، ويحتفظون بحقهم في التدرج، وذلك مع التقيد بأنظمة التقاعد والصرف من الخدمة.
يقسم أعضاء المجلس الدستوري قبل مباشرة مهامهم، أمام رئيس الجمهورية اليمين القانونية، خلال مهمة أقصاها خمسة عشر يوماً من تاريخ تعيينهم (م5)، ثم يجتمعون وينتخبون من بينهم بالإقتراع السري رئيساً للمجلس ونائباً للرئيس لمدة ثلاثة سنوات قابلة للتجديد (م6).
ولا يجوز الجمع بين عضوية المجلس الدستوري ورئاسة أو عضوية الوزارة أو مجلس النواب، ورئاسة أو عضوية مجلس إدارة مؤسسة عامة أو خاصة، ولا الجمع بينها وبين أي مهنة أو عمل مأجور، باستثناء التعليم الجامعي والمشاركة في المؤتمرات والنشاطات العلمية بعد موافقة رئيس المجلس خطياً (م8 من النظام الداخلي).
فلا يجوز اشتراكهم في مهرجانات سياسية أو إنتخابية. وكل عضو يخالف ذلك يعتبر مستقيلاً حكماً، وللمجلس الدستوري أن يعلن هذه الاستقالة بقرار منه يتخذ بأكثرية سبعة أعضاء. وإذا كان العضو من المحامين العاملين تعلق عضويته حكماً، وينقطع عن ممارسة مهنة المحاماة طيلة مدة عضويته في المجلس (م8 من القانون رقم 250/93).كما لا يحق لأعضاء المجلس الدستوري، خلال مدة عضويتهم، إبداء الرأي والمشورة أو إعطاء الإستشارات والفتاوى في الأمور التي يمكن أن تعرض عليهم، وهم مقيدون بموجب التحفظ وبسرية المذاكرة في عملهم (م9 من القانون رقم 250/93).
وفي ما خلا الجناية المشهودة، لا يجوز إقامة دعوى جزائية على عضو المجلس الدستوري أو إتخاذ أي إجراء جزائي بحقه، أو إلقاء القبض عليه طوال مدة ولايته، إلا بإذن الهيئة العامة (م9 من النظام الداخلي).

 

مدة ولاية أعضاء المجلس الدستوري
نصت المادة 4 من قانون إنشاء المجلس الدستوري رقم 250/93 على أن مدة ولاية أعضاء المجلس الدستوري هي ست سنوات غير قابلة للتجديد، ولا يجوز اختصار مدة ولاية أي منهم. ويبدأ احتساب هذه المدة من تاريخ قسم اليمين من قبل جميع الأعضاء.
وفي حال شغور مركز أحد الأعضاء بسبب الاستقالة أو العجز الصحي أو الوفاة أو لأي سبب أخر، يعلن المجلس حصول الشغور وإنهاء الولاية وفقاً للأوصول. ويبلغ رئيس المجلس ذلك خلال أسبوع إلى المرجع الذي اختار العضو الذي شغر مركزه لأخذ العلم وتعيين عضو بديل. فيعين هذا المرجع العضو البديل خلال شهر من تاريخ أخذ العلم بالطريقة ذاتها التي عين بموجبها العضو الأصيل وللمدة المتبقية من ولايته. لا تطبق على العضو البديل قاعدة عدم التمديد إذا كانت المدة المتبقية من ولاية العضو الأصيل تقل عن سنتين. ويعتبر التغيب عن حضور ثلاث جلسات متتالية بدون عذر مشروع بمثابة الاستقالة.
وقد اختلف الفقهاء حول مسألة التجديد أو عدم التمديد لولاية الأعضاء، فاعتبر البعض أن إمكان التجديد يشكل حافزاً مهماً لعضو المجلس الدستوري لممارسة مهامه بكفاءة وأخلاقية عالية، لكن البعض الآخر إعتبر أن عدم التجديد يشكل ضمانة هامة واساسية لممارسة مهامهم بتجرد وموضوعية وتعزيزاً لاستقلالية اعضاء المجلس الدستوري عن سلطة مجلسي النواب والوزراء، ما يمنع إمكانية مسايرتهما أو مسايرة السياسيين للتجديد لهم.
ونصت المادة 4 من النظام الداخلي للمجلس الدستوري الصادر بالقانون رقم 243/2000 على أنه عند انتهاء الولاية، يستمر الاعضاء الذين انتهت ولايتهم في ممارسة أعمالهم إلى حين تعيين بدلاء عنهم وحلفهم اليمين. وقد اختلفت الآراء حول تفسير هذه المادة المذكورة في ما إذا كان يتوجب على المجلس الدستوري متابعة اعماله عند انتهاء ولاية بعض اعضائه لتأمين استمرارية هذه المؤسسة الدستورية في حال تمنع مجلس النواب أو مجلس الوزراء عن تعيين الأعضاء الجدد دون مبرر قانوني مشروع أو لاسباب سياسية. أم يتوجب على المجلس متابعة اعماله في حالات خاصة فقط وامتناع الاعضاء المنتهية ولايتهم عن ممارسة مهامهم، إلا إذا كان البرلمان خارج دور الانعقاد أو كانت الحكومة مستقيلة أو لم تنل الثقة بعد، منعاً من تشجيع مجلس النواب أو الحكومة على عدم القيام بواجباتهم في تعيين أعضاء جدد.

 

طبيعة المجلس الدستوري وقوة قراراته
اختلف الفقهاء حول تحديد الطبيعة القانونية للمجلس الدستوري: هل هو محكمة أو هيئة قضائية، أم سياسية، أم دستورية؟ وكذلك اختلف الفقهاء حول القوة التنفيذية لقرارات هذا المجلس تجاه السلطات التشريعية والتنفيذية، وتجاه المحاكم.
لكن المادة الأولى من قانون إنشاء المجلس الدستوري اللبناني رقم 250/93 حسمت الجدل، فنصت على أن المجلس الدستوري هو هيئة دستورية مستقلة ذات صفة قضائية. وورد النص ذاته في المادة الأولى من النظام الداخلي للمجلس.
وكذلك نصت المادة 13 من قانون إنشائه على أن القرارات الصادرة عن المجلس الدستوري تتمتع بقوة القضية المحكمة وهي ملزمة لجميع السلطات العامة وللمراجع القضائية والإدارية. كما أن قرارات المجلس الدستوري مبرمة ولا تقبل أي طريق من طرق المراجعة العادية أو غير العادية.

 

إختصاص المجلس الدستوري
حدّدت المادة 19 من الدستور، ومن بعدها المادة الأولى من قانون إنشاء المجلس الدستوري، ثم المادة الأولى من نظامه الداخلي، مهمة هذا المجلس بمراقبة دستورية القوانين وسائر النصوص التي لها قوة القانون والبت في النزاعات والطعون الناشئة عن الإنتخابات الرئاسية والنيابية.
ويجدر بالإشارة أن الغاية الجوهرية من إنشاء المجلس وفق ما نصت عليه وثيقة الوفاق الوطني التي أقرها اللقاء النيابي في الطائف (السعودية) بتاريخ 22/10/1989 كانت مهمة تفسير الدستور إضافة إلى مراقبة دستورية القوانين والبت في النزاعات والطعون الناشئة عن الانتخابات الرئاسية والنيابية. لكن قانون إنشاء المجلس الدستوري رقم 250/93 لم ينص على صلاحيته في تفسير الدستور بعد النقاش المستفيض في مجلس النواب وحذف صلاحية تفسير الدستور.

 

• الرقابة على دستورية القوانين
نصت المادة 18 من القانون رقم 250/93 على أن المجلس الدستوري يتولى الرقابة على دستورية القوانين وسائر النصوص التي لها قوة القانون. وخلافاً لأي نص مغاير، لا يجوز لأي مرجع قضائي أن يقوم بهذه الرقابة مباشرة عن طريق الطعن أو بصورة غير مباشرة عن طريق الدفع لمخالفة الدستور أو مخالفة مبدأ تسلسل القواعد والنصوص. والمقصود بعبارة سائر النصوص التي لها قوة القانون، كل الاعمال التشريعية التي يمكن أن تصدر عن السلطة التنفيذية، كالقانون المنفذ بمرسوم سنداً للمادة 58 من الدستور، وقانون الموازنة المنفذ بمرسوم سنداً للمادة 86 من الدستور، والمراسيم الاشتراعية التي تصدرها الحكومة استناداً إلى تفويضها من مجلس النواب.

 

- أصحاب الحق بالمراجعة للرقابة على دستورية القوانين: يعود إلى كل من رئيس الجمهورية ورئيس مجلس النواب ورئيس مجلس الوزراء ولعشرة أعضاء من مجلس النواب على الأقل مراجعة المجلس الدستوري في ما يتعلق بمراقبة دستورية القوانين. كما يعود إلى رؤساء الطوائف المعترف بها قانوناً حق المراجعة في ما يتعلق حصراً بالأحوال الشخصية وحرية المعتقد وممارسة الشعائر الدينية وحرية التعليم الديني، حيث تقدم المراجعة من قبل المرجع المختص إلى رئاسة المجلس الدستوري خلال مهلة خمسة عشر يوماً تلي نشر القانون في الجريدة الرسمية أو في إحدى وسائل النشر الرسمية الاخرى المعتمدة قانونياً، تحت طائلة رد المراجعة شكلاً (م19 من القانون 250/93).
ويعلن المجلس الدستوري في قراره أن القانون مطابق أو مخالف كلياً أو جزئياً للدستور. فإذا قرر المجلس الدستوري أن النص موضوع المراجعة مشوب كلياً أو جزئياً بعيب عدم الدستورية، فإنه يقضي بإبطاله كلياً أو جزئياً بقرار معلل يرسم حدود البطلان. ويعتبر النص الذي تقرر بطلانه، كأنه لم يصدر ولا يجوز لأي كان التذرع به (م 22 من القانون 250/93).


• الفصل في صحة انتخاب رئيس الجمهورية ورئيس مجلس النواب
يتولى المجلس الدستوري الفصل في صحة انتخابات رئاسة الجمهورية ورئاسة مجلس النواب والبت في الطعون والنزاعات الناشئة عنها، وذلك بطلب من ثلث الأعضاء الذين يتألف منهم مجلس النواب قانوناً على الأقل. ويجب أن يكون استدعاء الطعن موقعاً منهم شخصياً. وأن يقدم إلى رئاسة المجلس الدستوري خلال مهلة اربع وعشرين ساعة تلي إعلان النتائج تحت طائلة رده شكلاً. ويصدر المجلس الدستوري قراره في الطعن المذكور بمهلة أقصاها ثلاثة أيام من تاريخ ورود المراجعة ويبقى مجلس النواب منعقداً كهيئة انتخابية لحين صدور قرار المجلس الدستوري (م32 من القانون 250/93).


• الفصل في صحة الانتخابات النيابية
يتولى المجلس الدستوري الفصل في صحة نيابة نائب منتخب والنظر في النزاعات والطعون الناشئة عن انتخابات أعضاء مجلس النواب، وذلك بموجب طلب يقدمه المرشح الخاسر في الدائرة الإنتخابية نفسها إلى رئاسة المجلس الدستوري في مهلة أقصاها ثلاثون يوماً تلي تاريخ إعلان نتائج الإنتخاب أصولاً في دائرته تحت طائلة رد الطلب شكلاً (م34 من القانون 250/93). وقد اعتبر المجلس الدستوري في قراراته المتعددة أنه ليس من الضروري أن يكون الطاعن هو الخاسر الأول لكي تتوافر فيه الصفة، إنما يكتفي بأن يكون هو أحد المنافسين للناخب الفائز من الطائفة ذاتها والدائرة الإنتخابية ذاتها. ولا يوقف الطعن نتيجة الإنتخاب، ويعتبر المنتخب نائباً، ويمارس حقوق النيابة منذ إعلان نتيجة الإنتخابات (م26 من القانون 250/93).


ويعلن المجلس الدستوري بقراره صحة أو عدم صحة النيابة المطعون فيها وفي هذه الحالة الاخيرة، يحق له إما إلغاء النتيجة بالنسبة للمرشح المطعون في نيابته وإبطالها، وبالتالي تصحيح هذه النتيجة وإعلان فوز المرشح الحائز على الأغلبية وعلى الشروط التي تؤهله للنيابة، أو إبطال نيابة المطعون بصحة نيابته وفرض إعادة الانتخابات على المقعد الذي خلا نتيجة الابطال (م31 من القانون 250/93).
وقد تركزت الطعون الانتخابية التي نظر فيها المجلس الدستوري على عدة أسباب، أهمها: عدم أهلية النائب المطعون بنيابته، وجود خطأ مادي في جمع الأصوات، تزوير في أحد مراكز الاقتراع، شراء الأصوات، تهديد وتدخل السلطة في العملية الانتخابية، منع بعض الناخبين من ممارسة حق الانتخاب، وجود أخطاء فادحة في لوائح الشطب، حوادث أمنية في الدائرة الانتخابية، استعمال اخراجات قيد مزورة، عدم توقيع رئيس المركز أو اعضاء القلم على محضر النتيجة، مخالفات خطيرة في تنظيم محاضر الانتخاب، وغيرها. على أن يؤخذ بعين الاعتبار جسامة المخالفة ومدى الفارق الكبير بين المرشح الفائز والمرشح الخاسر الذي تقدم بالمراجعة.
وإن كان هذا الموضوع يحتاج إلى تفصيل معمق نظراً إلى اعتباره من المواضيع المتشعبة والشائكة والمعقدة، يمكن القول إن انشاء المجلس الدستوري يعتبر خطوة اساسية في الانتقال الى مرحلة جديدة في تاريخ الجمهورية اللبنانية بهدف ترشيد النظام الديموقراطي واستتباب دولة القانون والمؤسسات، استناداً إلى إحترام المبادئ الجوهرية التي ينص عليها الدستور اللبناني وشرعة حقوق الانسان العالمية، لكن صدور القانون وانشاء المجلس الدستوري لا يكفي، بل لا بد من توفير البيئة القانونية والسياسية ليقوم هذا المجلس بمهامه الكبرى، وذلك من خلال تعيين اعضاء يتحلون بالعلم والكفاءة والتجرد والموضوعية والحيادية والاستقلال، ومنع التدخل السياسي من شل عمله وتحقيق أهدافه النبيلة حتى لا ينطبق القول المأثور «إقرأ تفرح، جرّب تحزن».


 
المراجع:
• المحامي جوزف مغيزل: المجلس الدستوري، مجلة العدل، 1994، العدد رقم 1.
• د. زهير شكر: الوسيط في القانون الدستوري اللبناني، بيروت 2006.
• المحامي عادل بطرس: المجلس الدستوري والطعون النيابية، بيروت 1998.