نحن والقانون

المجلس العدلي في القانون اللبناني
إعداد: نادر عبد العزيز شافي
دكتوراه دولة في الحقوق محام بالإستئناف

لا شك في أن الأفعال الإجرامية كافة تخلّ بأمن المجتمع واستقراره وتستوجب قيام السلطات المختصة بملاحقة من ارتكبها ومحاكمته أمام المراجع القضائية الجزائية وإنزال العقاب به، إلا أن خطورة بعض الجرائم وعلاقتها بأمن الدولة فرضت على المشترع إنشاء المجلس العدلي بهدف الإسراع في محاكمة المتهمين بالجرائم التي يحيلها اليه مجلس الوزراء.
في ما يلي، سوف نبحث في اختصاص المجلس العدلي والجرائم التي ينظر فيها، وتأليفه، وكيفية تحريك الدعوى العامة والدعوى الشخصية، والتحقيق، والمحاكمة.

 

إختصاص المجلس العدلي والجرائم التي ينظر فيها
سنداً للمادة 356 من قانون أصول المحاكمات الجزائية، ينظر المجلس العدلي في الجرائم الآتية:

• الجرائم المنصوص عليها في المواد من 270 حتى 336 من قانون العقوبات؛ وهي الجرائم الواقعة على أمن الدولة: الخيانة - التجسّس - الصلات غير المشروعة بالعدو - الجرائم الماسّة بالقانون الدولي - النيل من هيبة الدولة ومن الشعور القومي - جرائم المتعهدين - الجنايات الواقعة على الدستور - إغتصاب سلطة سياسية أو مدنية أو قيادة عسكرية - الفتنة - الإرهاب - الجرائم التي تنال من الوحدة الوطنية أو تعكّر الصفاء بين عناصر الأمة - النيل من مكانة الدولة المالية - جرائم الأسلحة والذخائر - التعدي على الحقوق والواجبات المدنية - وجمعيات الأشرار.

 

• الجرائم المنصوص عليها في قانون 11 / 1 / 1958؛ وهي جرائم: الإعتداء أو محاولة الإعتداء التي تستهدف إثارة الحرب الأهلية أو الإقتتال الطائفي بتسليح اللبنانيين أو بحملهم على التسلّح بعضهم ضد البعض الآخر، أو الحضّ على التقتيل والنهب والتخريب، وجرائم ترؤّس عصابة مسلحة أو تولي وظيفة أو قيادة فيها بقصد إجتياح مدينة أو محلة أو بعض أملاك الدولة أو بعض أملاك جماعة من الأهلين، أو بقصد مهاجمة أو مقاومة القوة العامة العاملة ضد مرتكبي هذه الجنايات، وجرائم صنع أو اقتناء أو حيازة المواد المتفجرة أو الملتهبة والمنتجات السامة أو المحرقة أو الأجزاء التي تستعمل في تركيبها أو صنعها بقصد اقتراف الجنايات المذكورة أو أية جناية ضد الدولة، وكل عمل إرهابي أو مؤامرة بقصد ارتكاب هذه الجنايات (وهذه الجرائم هي في الأساس من اختصاص المحاكم العسكرية).

 

• جميع الجرائم الناتجة عن صفقات الأسلحة والأعتدة التي عقدتها أو تعقدها وزارة الدفاع الوطني والجرائم المرتبطة بها أو المتفرعة عنها لا سيما المنصوص عليها في المواد 351 حتى 366 ضمناً من قانون العقوبات (جرائم الرشوة وصرف النفوذ والإختلاس واستثمار الوظيفة)، وفي المواد 376 و377 و378 منه (جرائم إساءة استعمال السلطة والإخلال بواجبات الوظيفة)،  وفي المواد 453 حتى 472 ضمناً منه (جرائم التزوير والشهادات الكاذبة وانتحال الهوية)، وفي المادتين 138 و141 من قانون القضاء العسكري (جرائم العسكريين في تزوير الحساب في شؤون المحاسبة واستعمال أوراق مزوّرة، وسرقة الأموال أو الأعتدة أو الأجهزة أو الألبسة أو الأسلحة أو الذخائر أو الحيوانات أو أي شيء من أشياء الجيش إذا اختُلست أو بيعت أو رُهنت أو بُددت...).

وتحال الدعاوى المتعلقة بهذه الجرائم والتي هي قيد النظر أمام القضاءين العسكري والعادي الى المجلس العدلي الذي تشمل صلاحياته المدنيين والعسكريين على السواء إنفاذاً لمرسوم الإحالة (م 356 أ.م.ج.).
إن الإجتهادات الصادرة عن المجلس العدلي قبل صدور قانون أصول المحاكمات الجزائية الجديد (رقم 328/2001 تاريخ 7/8/2001) وتعديله، اعتبرت أن قرار الإتهام الصادر عن المحقّق العدلي بتجريم المتهمين وإحالتهم أمام المجلس العدلي ليحاكموا بالجرائم المتهمين بها هو قرار مبرم، ويولي المجلس صلاحية النظر بها بدون أن يبقى له أن يبحث باختصاصه(1).
وقد ورد في الأسباب الموجبة لقانون أصول المحاكمات الجزائية الجديد (رقم 328/2001)، أن المجلس العدلي عندما يضع يده على الدعوى بموجب قرار الإتهام المحال اليه من المحقّق العدلي يجب عليه التثبت من صلاحيته في ضوء النصوص التي تحدّد بدقة كافية الجرائم التي تحال على المجلس العدلي، وعلى هذا الأساس أصبح البت في انتفاء الصلاحية منوطاً به.

 

تأليف المجلس العدلي ومكان انعقاده
يتألف المجلس العدلي من:
• الرئيس الأول لمحكمة التمييز (رئيساً). وإذا تعذّر عليه أن يترأس هيئة المجلس، يتولى رئاسته العضو المعين الأعلى رتبة (م358 أ.م.ج.).
• أربعة قضاة من محكمة التمييز (أعضاء)، يعينون بمرسوم يتخذ في مجلس الوزراء بناءً على اقتراح وزير العدل وموافقة مجلس القضاء الأعلى. ويعيّن في المرسوم قاضٍ إضافي أو أكثر ليحل محل الأصيل في حال وفاته أو تنحيه أو رده أو انتهاء خدمته.
• يمثل النيابة العامة لدى المجلس العدلي النائب العام التمييزي أو من ينيبه عنه من معاونيه (م357 أ.م.ج.).
وقد اعتبر بعض الفقه والاجتهاد أنه إذا كان القانون يسمح بطلب رد عضو المجلس العدلي أمام الهيئة العامة لمحكمة التمييز لأن القانون لم ينشئ هيئة بديلة عنها، إلا أنه لا يجوز أن يُنحّى أو يتنحّى أو يُطلب رد رئيس المجلس العدلي لأنه معيّن بمقتضى القانون رئيساً لهذا المجلس(2). في حين أن بعض الاجتهادات الأخرى اعتبر أن الهيئة العامة لمحكمة التمييز غير مختصة للنظر بطلب رد أحد قضاة المجلس العدلي، لأن اختصاص الهيئة العامة محدد بالمادة 95 أ.م.م. ولا يوجد ضمن اختصاصها النظر بطلب رد قضاة المجلس العدلي(3).
ينعقد المجلس العدلي في قصر العدل في بيروت، أو في مكان وقوع الجريمة عند الاقتضاء، أو في أي مكان آخر يحدده رئيسه إذا تعذّر انعقاده في قصر العدل في بيروت (م359 أ.م.ج.).

 

تحريك الدعوى العامة والدعوى الشخصية لدى المجلس العدلي والتحقيق فيها
تُحال الدعوى العامة على المجلس العدلي بناءً على مرسوم يُتخذّ في مجلس الوزراء (م355 أ.م.ج.). فلا يمكن للمجلس أن يضع يده من تلقاء نفسه على القضية الناشئة عن جريمة واقعة على أمن الدولة؛ إذ أن إحالتها عليه يعود تقديرها الى مجلس الوزراء(4)، فإذا لم يصدر مثل هذا المرسوم يبقى القضاء الجزائي العادي صالحاً للتحقيق والمحاكمة(5).
ويتولى النائب العام التمييزي أو من ينيبه عنه من المحامين العامين لدى النيابة العامة التمييزية مهام تحريك الدعوى العامة واستعمالها. ويتولى التحقيق قاضٍ يعينه وزير العدل بناءً على موافقة مجلس القضاء الأعلى (م360 أ.م.ج.).
يدعي النائب العام التمييزي لدى المحقّق العدلي بالجريمة ويحيل اليه ملف التحقيقات (م361 أ.م.ج.).
للمحقق العدلي أن يصدر جميع المذكرات التي يقتضيها التحقيق من دون طلب النيابة العامة. وتعتبر قراراته بهذا الخصوص غير قابلة لأي طريق من طرق المراجعة. فلا يعتبر المجلس العدلي مرجعاً تسلسلياً أعلى بالنسبة لقرارات المحقّق العدلي، ولا تعتبر قرارات المحقّق العدلي قابلة للإبطال أمام هذا المجلس؛ إذ أن قرار المحقّق العدلي هو قرار مبرم ويغطي الشوائب التي قد تكون حصلت أثناء التحقيقات(6).

ويضع المحقّق العدلي يده على الدعوى بصورة موضوعية، فإذا أظهر التحقيق وجود مساهم في الجريمة، يستجوبه المحقّق العدلي بصفة مدعى عليه، حتى لو لم يرد إسمه في عداد من إدّعت عليهم النيابة العامة. ويعود لهذه الأخيرة أن تدّعي لاحقاً في حق شخص أغفلته في ادعائها الأصلي، وعلى المحقّق أن يستجوبه بصفة مدعى عليه (م362 أ.م.ج.).
ومع مراعاة هذه الأحكام، يطبّق المحقّق العدلي الأصول المتبعة أمام قاضي التحقيق ما خلا منها مدة التوقيف المنصوص عليها في المادة 108 أ.م.ج.؛ أي لا يتقيّد المحقّق العدلي بمدة الستة أشهر القصوى للتوقيف في الجناية، فيحق له أن يبقي المدعى عليه موقوفاً لإحالته الى المجلس العدلي لمحاكمته موقوفاً بالجرائم المتهم بها(7).

وللنائب العام التمييزي أن يطّلع على ملف الدعوى العامة، وأن يبدي ما يراه من مطالعة أو طلب.
وبعد اكتمال التحقيقات، تبدي النيابة العامة التمييزية المطالعة في الأساس. ويقرر المحقّق العدلي، بنتيجة تدقيقه في التحقيقات وأوراق الدعوى، إما منع المحاكمة عن المدعى عليه، وإما إتهامه وإحالته على المجلس العدلي. وتراعى في قرار الإتهام الأصول التي تنظّم وضع مضبطة الإتهام من قبل الهيئة الإتهامية.
وعلى المحقّق العدلي أن يصدر مذكرة إلقاء قبض في حق المتهم. وإن أغفل إصدارها، فعليه، بناءً على طلب النائب العام التمييزي، أن يصدرها ولو بعد رفع يده عن الدعوى. وإذا كان قد توفي أو تعذّر عليه ذلك، فعلى رئيس المجلس العدلي أن يصدر مذكرة إلقاء قبض في حق المتهم عند البدء بمحاكمته (م364 أ.م.ج.).

تقوم النيابة العامة التمييزية بتبليغ كل من المتهمين صورة عن قرار الإتهام وعن قائمة شهود الحق العام، قبل موعد الجلسة بخمسة أيام. ويبلغ المتهم النائب العام التمييزي قائمة شهود النفي، قبل خمسة أيام من موعد الجلسة. وللمدعي الشخصي أن يقدّم ضمن المدة نفسها لائحة بشهوده، يبلغ نسخة عنها من كل من النيابة العامة التمييزية ومن المتهم، قبل خمسة أيام من موعد الجلسة (م365 أ.م.ج.).
وتجري المحاكمة أمام المجلس العدلي، وجاهية كانت أم غيابية، وفقاً لأصول المحاكمة لدى محكمة الجنايات. ويصدر المجلس حكمه وفقاً للأصول ذاتها.
وللمجلس العدلي بناءً على طلب النيابة العامة التمييزية، أو عفواً، أن يجري تحقيقاً في الدعوى بكامل هيئته أو بواسطة من ينتدبه من أعضائه لهذا الغرض (م367 أ.م.ج.).

وقد كانت أحكام المجلس العدلي لا تقبل أي طريق من طرق المراجعة العادية وغير العادية، وصدرت عدة قرارات ترفض طلب إعادة المحاكمة(8)، إلا أنها أصبحت تقبل الإعتراض وإعادة المحاكمة بعد تعديل المادة 366 أ.م.ج. بموجب القانون رقم 711 تاريخ 9/12/2005، وذلك على أثر ثبوت براءة المحكوم عليه الفلسطيني يوسف شعبان أمام المجلس العدلي وظهور مرتكبي جريمة اغتيال الدبلوماسي الأردني ومحاكمتهم أمام القضاء الأردني.
ويقدّم طلب إعادة المحاكمة الى المجلس العدلي نفسه الذي يعتبر المرجع المختص بالنظر في طلب إعادة المحاكمة للأحكام الصادرة عنه (م366 أ.م.ج.).

 

الهوامش:
1- المجلس العدلي، تاريخ 12 / 4 / 1994، وتاريخ 25 / 5 / 1994، وتاريخ 3/12/1994، وتاريخ 17 / 12 / 1994، وتاريخ 22 / 5 / 1996، وتاريخ 20 / 12 / 1996، مجلة العدل، 1997، عدد 2.
2- الهيئة العامة لمحكمة التمييز، تاريخ 20 / 3 / 1998، المصنّف السنوي للقاضي د. عفيف شمس الدين، 1998.
3- الهيئة العامة لمحكمة التمييز، تاريخ 8 / 12 / 1995، ن.ق.، 1995، عدد 6، مرجع حمورابي الإلكتروني رقم 29009.
4- د. عاطف النقيب: أصول المحاكمات الجزائية، دار المنشورات الحقوقية، بيروت، 1993.
5- الهيئة الإتهامية في بيروت، رقم 161/91، تاريخ 30 / 5 / 1991، ن.ق.، 90 - 91، عدد 9، ومرجع حمورابي الإلكتروني رقم 27316.
6- المجلس العدلي، قرار تمهيدي تاريخ 20 / 12 / 1996، مجلة العدل، 1997، عدد 2.
7- د. عفيف شمس الدين: أصول المحاكمات الجزائية، بيروت، 2003.
8- الهيئة العامة لمحكمة التمييز، قرار رقم 270/ 2002 تاريخ 19 / 6 / 2002، المرجع كساندر، 2002، عدد 6.

 

جرائم أُحيلت الى المجلس العسكري
من الجرائم التي أُحيلت الى المجلس العدلي:
مقتل الأخوين أنطونيوس في بعبدا، إغتيال النائب الأردني عمران المعايطة،  إغتيال داني شمعون، تفجير كنيسة سيدة النجاة في الذوق، إغتيال الشيخ نزار الحلبي، إغتيال الوزير إيلي حبيقة في الحازمية (24 / 1 / 2002)، تفجير صندوق تعويضات أفراد الهيئة التعليمية في المدارس الخاصة في بيروت - الأونيسكو (31 / 7 / 2002)، إغتيال النائب مروان حمادة ومقتل مرافقه في بيروت - الروشة (1 / 10 / 2004)، إغتيال رئيس مجلس الوزراء السابق رفيق الحريري ومرافقيه في بيروت - السان جورج (14 / 2 / 2005)، والتي أحيلت الى المحكمة الدولية الخاصة بلبنان مع جميع الجرائم المرتبطة بها، إغتيال الصحافي سمير قصير في بيروت - الأشرفية ( 2 / 6 / 2005)، إغتيال الأمين العام السابق للحزب الشيوعي اللبناني السيد جورج حاوي في بيروت - وطى المصيطبة (26 / 6 / 2005)، محاولة إغتيال الوزير الياس المر في النقاش (12 / 7 / 2005)، محاولة إغتيال الصحافية مي شدياق في جونية - غادير (25 / 9 / 2005)، إغتيال النائب الصحافي جبران غسان تويني ومرافقيه في المكلس (12 / 12 / 2005)، قتل وجرح عدة أشخاص في عين علق (13 / 2 / 2007)، قتل زياد قبلان وزياد غندور في جدرا - الشوف  (26 / 4 / 2007)، قتل وجرح عدة عسكريين ومدنيين في مخيم نهر البارد (20 / 5 / 2007) وفي طرابلس (13 / 8 / 2008) وفي البحصاص - طرابلس (29 / 9 / 2008)، إغتيال النائب القاضي وليد عيدو ونجله ومرافقيه في بيروت - منطقة الحمام العسكري (13 / 6 / 2007)، إغتيال النائب أنطوان غانم ومرافقيه في حرش تابت - سن الفيل (19 / 9 / 2007)، إغتيال العميد الركن في الجيش اللبناني فرنسوا الحاج ورفاقه في بعبدا (12 / 12 / 2007)، مقتل السيدين سليم عاصي ونصري ماروني في زحلة (20 / 4 / 2008)، إغتيال الشيخ صالح العريضي في بيصور (10 / 9 / 2008)، وغيرها...