نحن والقانون

المحكمة الجنائية الدولية
إعداد: د. نادر شافي
محامي استئناف

التاريخ سوف يحكم على مدى فعاليتها

ثمرة جهود استمرت نحو نصف قرن

أثبتت الحروب الدولية التي عصفت بالعالم مدى حاجة المجتمع الدولي الى إنشاء محكمة جنائية دولية دائمة، لمنع افلات العديد من الاعتداءات الوحشية والجرائم ضد الانسانية من العقاب. فبعد كل حرب كبرى او اعتداء كان يحدث سخط شعبي عارم وتعمّم المطالبة بمحاكمة المجرمين ومعاقبتهم. وقد انشئت لهذا الغرض لجان تحقيق ومحاكم دولية خاصة لتحقيق العدالة. إلا ان الهدف نادراً ما تحقق لأن تلك اللجان والمحاكم بإنشائها وإدارتها كانت خاضعة للأهداف والظروف السياسية بدرجات متفاوتة. فخلال الفترة الواقعة ما بين العامين 1919 و1994، تمّ إنشاء خمس لجان تحقيق دولية خاصة واربع محاكم جنائية دولية خاصة - تحت تسميات قانونية مختلفة - بشأن الجرائم التي وقعت عقب الحربين العالميتين الأولى والثانية. وجاءت نتائج العديد منها مغايرة لهدفها المنشود في معاقبة المجرمين وتحقيق العدالة.
ولعلّ أهم لجان التحقيق والمحاكم التي شكلت في هذا الاطار، الآتية: لجنة العام 1919 لتحديد مسؤوليات مبتدئي الحرب وتنفيذ العقوبات، لجنة الأمم المتحدة لجرائم الحرب (العام 1943)، المحكمة العسكرية الدولية في نورمبرغ - المانيا (العام 1945)، لجنة الشرق الأقصى والمحكمة العسكرية الدولية للشرق الأقصى في طوكيو (العام 1946)، لجنة الخبراء لتقصي جرائم الحرب في يوغسلافيا السابقة (العام 1992)، المحكمة الجنائية الدولية ليوغسلافيا السابقة (العام 1993)، لجنة خبراء لراوندا (العام 1994)، اضافة الى المحاكم الاستثنائية الخاصة بكمبوديا او تيمور الشرقية.
لكن تلك اللجان والمحاكم الدولية كانت محصورة بمتهمين محددين في نزاعات محددة، وكان المنتصرون في الحروب يطبقون قانوناً خاصاً لتحقيق مصالحهم، وقانوناً آخر على المهزومين. مما أثبت صحة المقولة الرومانية «ما هو شرعي للمنتصرين ليس شرعياً للمهزومين». كما ان تلك المحاكم لم تقدم معاملة مساوية للأشخاص الذين وجدوا في ظروف مماثلة وارتكبوا جرائم مشابهة. فكان لا بدّ من اتخاذ  قرار سياسي صعب بضرورة إنشاء نظام دولي قوي لتحقيق العدالة.

 

جهود الأمم المتحدة لإنشاء المحكمة الجنائية الدولية

كان للدروس المستفادة من الماضي دور أساسي في السعي نحو إنشاء نظام دائم للعدالة الجنائية الدولية يكون دائماً وذا قاعدة ثابتة، ويحقق العدالة بصورة مستقلة بعيداً عن الأهداف والأهواء السياسية. كما اظهر التاريخ انه لا بدّ من ربط هيئات التحقيق الدولية منذ البداية بجهاز للادعاء خاص بالمحكمة التي ستنظر في القضية، اضافة الى ضرورة الاستغناء عن انشاء محاكم خاصة كلما اقتضت الحاجة. وذلك نظراً الى ما يعترض الأخيرة من صعوبات تتعلق بنظامها وتشكيلها والاجراءات التي ستتّبع للمحاكمة، إلى ما قد يستغرق إقرار ذلك من وقت وخلافات ومصالح سياسية متضاربة للدول.
بدأت جهود الأمم المتحدة لتقنين بعض الجرائم الدولية وإنشاء محكمة جنائية دولية منذ العام 1946. لكن تلك الجهود كانت مشتتة ومنفصلة بسبب التطورات والعراقيل السياسية التي شهدها العالم. فالعام 1946 أقرت الأمم المتحدة بضرورة إنشاء محكمة دولية لمحاكمة مرتكبي الأعمال الإجرامية ضدّ السلام وضدّ القوانين الإنسانية. والعام 1947 كلفت الجمعية العامة للأمم المتحدة لجنة القانون الدولي، صياغة تقنين عام للانتهاكات ضدّ السلام وأمن البشرية. وبعد مرور عامين بدأت هذه اللجنة صياغة المبادئ وإعداد مشروع لقانون الانتهاكات ضدّ السلام وأمن البشرية. وتمّ تغيير عنوان المشروع الى مشروع قانون الجرائم الموجهة ضدّ السلام وأمن البشرية العام 1988، الى أن أقرّ العام 1996.
في غضون ذلك جرى إسناد مهمة صياغة مشروع النظام الأساس لإنشاء المحكمة الجنائية الدولية إلى مقرّ خاص قدّم تقريره الأول الى لجنة القانون الدولي العام 1950. ثم جرى تعيين مقرّ خاص آخر لدراسة التطورات اللاحقة للمحكمة الجنائية الدولية. إلا أن غياب إجماع القوى العظمى أجهض الفكرة لعدة اسباب، اهمها: تخوّف الاتحاد السوفياتي آنذاك من التأثير على سيادته الوطنية، وعدم مصلحة الولايات المتحدة الاميركية في إنشاء مثل هذه المحكمة، بينما كانت فرنسا العضو الوحيد في مجلس الأمن الذي أيّد إنشاءها.
العام 1951 شكلت الجمعية العامة للأمم المتحدة لجنة خاصة مكوّنة من ممثلين عن 17 دولة لصياغة معاهدة لإنشاء المحكمة الجنائية الدولية. وبنهاية ذاك العام انهت اللجنة مهامها متبعة النهج الذي اتبعته محكمة العدل الدولية. ونظراً إلى عدم وجود اي أمل في قبول المشروع سياسياً آنذاك، أعادت اللجنة مراجعته بعد تغيير بعض اعضائها، ثم أرجئ البت به الى حين الانتهاء من مشروع قانون الانتهاكات الدولية. وبقرار من الجمعية العامة للأمم المتحدة اجتمعت اللجنة التحضيرية لإنجاز مشروع إنشاء المحكمة الجنائية الدولية العام 1997، وانهت مهمتها العام 1998. وتمّ إقرار المشروع تمهيداً لمناقشته في المؤتمر الدبلوماسي الذي انعقد في روما ما بين 15 و17 تموز من العام نفسه.
على الرغم من المفاوضات والصعوبات التي ظهرت خلال مؤتمر روما، تمّ إنجاز النص النهائي المقترح باللغات الرسمية الست عند الساعة الثانية من صباح اليوم الأخير للمؤتمر (17 تموز 1998). وبتاريخ 18 تموز 1998 تمّ فتح المعاهدة للتوقيع واصبحت سارية المفعول بتاريخ الأول من تموز 2002.

 

مقرّ المحكمة الجنائية الدولية وخصائصها

يكون مقرّ هذه المحكمة في لاهاي بهولندا، او في اي مكان آخر عندما ترى ذلك مناسباً. وتكون لها شخصية قانونية دولية لممارسة وظائفها وتحقيق اهدافها، ولغات رسمية ست هي: العربية، الصينية، الانكليزية، الفرنسية، الروسية، والإسبانية. امّا لغات العمل فهي الانكليزية والفرنسية، ويسمح بناء على طلب اي طرف باستخدام لغة أخرى عند وجود مبرّر لذلك.
 

تتلخّص خصائص المحكمة الجنائية الدولية بما يلي:
- هي مؤسسة دولية دائمة انشئت بموجب معاهدة روما العام 1998، هدفها التحقيق ومحاكمة الأشخاص الذين يرتكبون أشدّ الجرائم خطورة وتكون موضع الاهتمام الدولي، وهي جرائم الابادة الجماعية، الجرائم ضدّ الانسانية، جرائم الحرب وجرائم العدوان.
- هي ملزمة للدول الأعضاء في معاهدة روما للعام 1998 وحسب.
- هي ليست كياناً فوق الدول، وليست بديلاً عن القضاء الجنائي الوطني للدول الأعضاء، بل هي قضاء مكمل له، وامتداد للاختصاص الجنائي الوطني للدول الأعضاء في المعاهدة. إذ تصبح جزءاً من القانون الوطني للدولة العضو بعد تصديق برلمانها على تلك المعاهدة.
- يكون للاختصاص الجنائي الوطني الأولوية على اختصاص المحكمة الجنائية الدولية، ولا تستطيع هذه المحكمة ممارسة اختصاصها إلا في حالتين فقط، هما: اما انهيار النظام القضائي الوطني، وإما رفضه القيام بالتزاماته القانونية إزاء التحقيق ومحاكمة الأشخاص المشتبه بهم في ارتكاب الجرائم التي تدخل ضمن اختصاص هذه المحكمة، او فشله في ذلك.
- إن القانون الواجب التطبيق في المحكمة الجنائية الدولية هو: النظام الأساسي لهذه المحكمة، المعاهدات الدولية، مبادئ القانون الدولي وقواعده، القواعد القانونية العامة المستمدة من القوانين الوطنية للأنظمة القانونية في العالم، بما في ذلك القوانين الوطنية للدول التي تمارس اختصاصها على الجريمة شرط ألا تتعارض مع قانون هذه المحكمة والقانون الدولي، وان تتلاءم مع حقوق الانسان المعترف بها دولياً من دون تمييز بسبب الجنس او السن او العرق او اللون او اللغة او الديانة او المعتقدات السياسية...

 

تكوين المحكمة الجنائية الدولية

تتكون هذه المحكمة من ثمانية عشر قاضياً تختارهم الدول الأطراف من بين الاشخاص الذين يتحلّون بالأخلاق الرفيعة والحياد والنزاهة، وبالكفاءة والمؤهلات المطلوبة في دولة كلّ منهم للتعيين في اعلى المناصب القضائية. ويراعى في اختيارهم التوزيع الجغرافي العادل، وتمثيل النظم القانونية الرئيسية في العالم، والتمثيل العادل للاناث والذكور، والخبرات القانونية المتنوعة. ويتمتع قضاة وموظفو هذه المحكمة جميعهم  بالامتيازات والحصانات الممنوحة للدبلوماسيين، ويوفر لهم القانون الضمانات للحياد والاستقلال.
تتألف المحكمة الجنائية الدولية من أربعة اجهزة رئيسية، هي: هيئة الرئاسة، الدوائر التمهيدية والابتدائية والاستئنافية، مكتب المدعي العام، وقلم المحكمة.
 

* هيئة الرئاسة:
يتم اختيار الرئيس ونائبيه الأول والثاني بالأغلبية المطلقة من القضاة الذين تتألف منهم المحكمة، ويعملون لمدة ثلاث سنوات. وتكون هذه الهيئة مسؤولة عن إدارة المحكمة باستثناء مكتب المدعي العام، وعن الوظائف كافة المنصوص عليها في النظام الأساسي لهذه المحكمة.

 

* الدوائر التمهيدية والابتدائية والاستئنافية:
تتكون الدائرة التمهيدية او «دائرة الشؤون الخاصة بما قبل المحاكمة» من ستة قضاة. وتتولى بصفة خاصة الشؤون التمهيدية والتحقيقات وكل ما يرتبط بها. وتتكون الدائرة الابتدائية من ستة قضاة على الأقل. أمّا دائرة الاستئناف فتتكون من الرئيس وأربعة قضاة آخرين. وليس ما يمنع تشكيل أكثر من دائرة ابتدائية أو دائرة ما قبل المحاكمة في آن واحد إذا اقتضى ذلك حسن سير عمل المحكمة. ويعمل القضاة المعينون للشعبة الابتدائية وشعبة ما قبل المحاكمة لمدة ثلاث سنوات قابلة لإعادة الانتخاب.
يستمرّ القاضي في منصبه الى حين إتمام أي محاكمة يكون قد بدأ النظر فيها بالفعل. ولا يجوز له الاشتراك في الدائرة الابتدائية في أثناء نظرها في أية دعوى يكون قد اشترك بالنظر فيها في مرحلة ما قبل المحاكمة.  أما ولاية القضاة فتنتهي بالاستقالة أو العذر المقبول أو العزل أو الوفاة.
 

* المدعي العام ومكتبه:
يعمل مكتب المدعي العام كمكتب مستقل ومنفصل عن المحكمة الجنائية الدولية، يترأسه المدعي العام الذي تكون له السلطة الكاملة على الإدارة والإشراف على مكتبه، ويساعده وكلاء من جنسيات مختلفة. ويجب أن يكون المدعي العام ووكلاؤه من ذوي الأخلاق الرفيعة والكفاءة العالية والخبرة العملية الواسعة ويتكلّمون بطلاقة إحدى لغات العمل في المحكمة الجنائية الدولية على الأقل (الانكليزية والفرنسية). ويتم انتخاب المدعي العام ووكلائه عن طريق الاقتراع السري بالأغلبية المطلقة لأعضاء جمعية الدول الأطراف، لمدة تسع سنوات غير قابلة للإعادة.

 

* قلم المحكمة:
يكون هذا القلم مسؤولاً عن الجوانب غير القضائية؛ كتزويدها الخدمات كافة. يرأسه المُسجِّل الذي يمارس وظائفه تحت إشراف رئيس المحكمة، ويتم انتخابه بالأغلبية المطلقة عن طريق الاقتراع السري، مع الأخذ بتوصية الدول الأطراف، وتكون ولايته لمدة خمس سنوات قابلة لإعادة الانتخاب، كما يجوز انتخاب نائب لهذا المسجل.

 

اختصاص المحكمة الجنائية الدولية

تعتبر المحكمة الجنائية الدولية مختصة عند تحقق الشروط الآتية:
- ان تكون الجريمة محل الاتهام قد ارتكبت في إقليم دولة طرف، أو بمعرفة أحد رعاياها، أو عندما توافق دولة ليست طرفاً على اختصاص هذه المحكمة وتكون الجريمة قد ارتكبت على إقليمها، أو يكون المتهم أحد رعاياها. فلكل دولة الحق في أن تنقل اختصاصها القضائي الى دولة أخرى أو الى هيئة دولية للمحاكمة، بدون أن يعتبر ذلك انتهاكاً لسيادتها الوطنية ولا تقليلاً منها، ولا انتهاكاً لحقوق الانسان الواجبة المراعاة من المحكمة الجنائية الدولية.
- لا يشمل اختصاص هذه المحكمة الجرائم التي ارتكبت قبل سريان مفعول معاهدة روما للعام 1998. ولا يشمل اختصاصها أيضاً الدول التي تنضم الى هذه المعاهدة إلاّ في ما خصّ الجرائم التي ترتكب بعد نفاذها على الدولة المعنية.
- يجوز للدولة عندما تصبح طرفاً في معاهدة روما للعام 1998 أن تختار تأجيل تطبيق اختصاص المحكمة الجنائية الدولية في ما يتعلق بجرائم الحرب لمدة سبع سنوات.
- يطبق اختصاص هذه المحكمة وحسب على الأفراد الذين يرتكبون جريمة بعد بلوغهم الثامنة عشرة. وليس لهذه المحكمة اختصاص على الدول أو الهيئات المعنوية (الاعتبارية). ولا يستثنى شخص من المسؤولية الجنائية بسبب صفته الرسمية، سواء أكان رئيساً لدولة أم لحكومة أم وزيراً أم نائباً أم ممثلاً منتخباً أم موظفاً حكومياً. ولا تحول الحصانات الوطنية أو الدولية أو القواعد الاجرائية دون ممارسة اختصاص هذه المحكمة على الشخص.
- يشمل اختصاص المحكمة الجنائية الدولية من حيث الموضوع أربع جرائم دولية محددة، وهي: جريمة الإبادة الجماعية، والجرائم ضد الانسانية، وجرائم الحرب، وجريمة العدوان.

 

* الإبادة الجماعية:

يقصد بها أي فعل من الأفعال التي ترتكب بقصد إهلاك جماعة قومية أو إثنية أو عرقية أو دينية، كلياً أو جزئياً، ومنها: قتل أفراد الجماعة - الحاق ضرر جسدي أو عقلي جسيم بأفراد الجماعة - اخضاع الجماعة عمداً لأحوال معيشية بقصد إهلاكها الفعلي كليّاً أو جزئياً - فرض تدابير تستهدف منع الانجاب داخل الجماعة - نقل أطفال الجماعة عنوة الى جماعة أخرى.

 

* الجرائم ضد الانسانية:
ويقصد بها الجرائم التي ترتكب في إطار هجوم واسع النطاق أو منهجي موجه ضد أية مجموعة من السكان المدنيين مع العلم المسبق بوجودهم ومنها: القتل العمد - الإبادة - الاسترقاق - إبعاد السكان أو النقل القسري لهم - السجن أو الحرمان الشديد من الحرية البدنية بما يخالف القواعد الأساسية للقانون الدولي - التعذيب - الاغتصاب أو الاستعباد الجنسي أو الإكراه على البغاء أو الحمل القسري أو التعقيم القسري، أو أي شكل خطير آخر من أشكال العنف الجنسي - اضطهاد جماعة لأسباب سياسية أو عرقية أو قومية أو إثنية أو ثقافية أو دينية أو متعلقة بنوع الجنس أو لأسباب أخري لا يجيزها القانون الدولي - الاختفاء القسري للأشخاص.

 

* جرائم الحرب:
ويقصد بها الانتهاكات المُسلحة الجسيمة لاتفاقية جنيف للعام 1949، أو أي فعل ضد الأشخاص أو الممتلكات، ومنها: القتل العمد - التعذيب أو المعاملة اللاإنسانية بما فيها إجراء تجارب بيولوجية - تعمد إحداث معاناة شديدة أو إلحاق أذى خطير بالجسم أو بالصحة - إلحاق تدمير واسع النطاق بالممتلكات والاستيلاء عليها من دون أن تكون هناك ضرورة عسكرية تبرر ذلك - إرغام أي أسير حرب أو أي شخص آخر مشمول بالحماية على الخدمة في صفوف قوات دولة معادية، أو تعمد حرمانه من حق محاكمة عادلة ونظامية - الإبعاد أو النقل غير المشروعين أو الحبس غير المشروع - أخذ رهائن - الانتهاكات الخطيرة الأخرى للقوانين والأعراف السارية على المنازعات الدولية المسلحة وفقاً للقانون الدولي، مثل الهجوم المسلح على سكان مدنيين أو مواقع مدنية أو دينية أو علمية أو خيرية، أو تدميرها، أو قتل أو جرح مقاتل استسلم مختاراً، أو إساءة استعمال علم الهدنة أو علم العدو أو شاراته وأزيائه العسكرية أو علم الأمم المتحدة أو شاراتها أو أزيائها العسكرية، أو نقل سكان دولة الاحتلال المدنيين الى الأرض المحتلة وإبعاد سكان تلك الأرض أو تشويههم أو إجراء تجارب عليهم أو إهانة كرامتهم أو اغتصابهم أو تجويعهم أو تجنيد أطفالهم في القوات المسلحة، أو استخدام السموم أو الأسلحة المسممة أو الغازات أو غيرها.
 

* جريمة العدوان:
أما بالنسبة لجريمة العدوان، فلم يتم تحديد تعريف لها أو المقصود بها في النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، لكنه نص في المادة الخامسة منه على شمول هذه الجريمة ضمن اختصاصها عندما تتفق الدول الأطراف على تحديد معناها وشروطها التي يجب أن تكون متوافقة مع ميثاق الأمم المتحدة.

 

اجراءات الادعاء والمحاكمة والتنفيذ أمام المحكمة الجنائية الدولية

تحال الجرائم المذكورة التي تتضمن تهديداً للسلم والأمن الى المدعي العام لدى هذه المحكمة عن طريق الجهات التالية: الدولة الطرف - مجلس الأمن - الدولة غير الطرف عندما توافق على اختصاص هذه المحكمة وتكون الجريمة قد ارتكبت على إقليمها أو يكون المتهم أحد رعاياها. ويجوز للمدعي العام مباشرة التحقيق في ارتكاب تلك الجرائم بعد الحصول على موافقة «دائرة الشؤون الخاصة بما قبل المحاكمة» التي تتحقق من وجود أساس معقول للشروع في التحقيق.
يباشر المدعي العام لدى المحكمة التحقيقات بعد إحالة القضية والتأكد من وجود أسباب معقولة للسير في الاجراءات القانونية. ولاصدار أمر القبض على شخص معين، تقرر الدائرة المذكور اعلاه جوازه عند وجود أسس معقولة للاعتقاد بأن الشخص المطلوب القبض عليه قد ارتكب جريمة تدخل في اختصاص هذه المحكمة. وعند تسليمه اليها يجب أن يتم التأكد من التهم الموجهة اليه.
وتقرر المحكمة رفض قبول الدعوى إذا كانت هناك دولة مختصة تجري التحقيق فيها، إلا إذا كانت تلك الدولة غير راغبة بمتابعته او غير قادرة على ذلك، أو إذا كان هناك حكم من دولة مختصة في تلك القضية، أو إذا كان المتهم قد تمت محاكمته سابقاً على الأفعال ذاتها، أو إذا لم تكن الجريمة على درجة عالية من الخطورة.
ويؤمن نظام المحكمة الجنائية الدولية الضمانات الاجرائية والموضوعية للعدالة، بما فيها حق الدفاع واعلام المتهم بالتهم المنسوبة اليه وعدم تعرضه للاكراه والعنف واستعانته بمترجم وضمان حق التزام الصمت وغير ذلك من الحقوق، والموافقة على عدم الافصاح عن المعلومات السرية واتخاذ الاجراءات الضرورية لتأمين سرية المعلومات وحماية الأشخاص وحفظ الأدلة.
عقب الادعاء أمام المحكمة الجنائية الدولية، يجب حضور المتهم واعلامه بحقوقه، وافتراض قرينة البراءة، وتوفير الوقت الكافي له لاعداد دفاعه، واستجواب الشهود، وتوفير المساعدة اللغوية، وعدم الإكراه على الإدلاء بالشهادة أو الاعتراف بالذنب، وحماية المجنى عليهم والشهود، وتقرير قوة الأدلة وقبولها أو رفضها، وطلب المعلومات من الدول، على أن يترك للدولة تقرير ما إذا كان إفشاء المعلومات من شأنه أن يؤثر على أمنها القومي.
وبعد انهاء المحاكمة، تصدر قرارات المحكمة التي يجب أن تكون كتابية، وتحتوي على بيان كامل ومعلّل بما ظهر في أثناء المحاكمة بشأن الأدلة والنتائج، وتفصل هذه القرارات في المسائل الجوهرية المعروضة، وتقضي بالعقوبة، وهي الغرامة أو الحبس لمدة لا تتعدى ثلاثين عاماً كحدّ أقصى، لكن يجوز فرض عقوبة لمدى الحياة تبعاً لشدة الجرم والظروف الفردية للمجرم. ويتم تنفيذ عقوبة الحبس في إحدى الدول التي تختارها المحكمة من قائمة الدول الموافقة على ذلك، وتشرف المحكمة على أوضاع التنفيذ، ويحق لها وحدها الحكم بتخفيف العقوبة. ويتم التنفيذ من خلال الأجهزة القضائية الوطنية التي تنفذ أوامر المحكمة الجنائية الدولية وأحكامها.
كما يجوز للمحكمة الجنائية الدولية أن تحكم على الشخص المذنب بالتعويض للمجنى عليه أو ورثته أو للمنظمات أو المؤسسات المتضررة. إلا أنه لا يجوز لها فرض أمر التعويضات على الدولة حتى ولو كان من الممكن ترتيب المسؤولية على الدولة بمقتضى قانونها. ولهذه المحكمة إنشاء صندوق تأمين لصالح المجني عليهم وأسرهم، يتم تمويله من الغرامات والمصادرات.
يتم نشر الأحكام باللغات الرسمية الست، ويجوز استئناف قرارات المحكمة أمام دائرة الاستئناف التابعة لها، للأسباب التي ينص عليها نظامها الأساسي، مثل الخطأ في الاجراءات أو في الواقع أو في القانون أو أي سبب آخر من شأنه أن يؤثر على الحكم والنتيجة.
وفي الختام لا بد من القول أن مبرر انشاء المحكمة الجنائية الدولية كان عدم تحقيق العدالة الجنائية الدولية بالاستناد الى محاكم جنائية دولية خاصة أو أنه لم يكن مرضياً بالقدر الكافي، فعلى الرغم من إنشاء محكمتي يوغوسلافيا السابقة ورواندا الدوليتين، عجزت الإرادة الدولية عن انشاء محاكم دولية أخرى للعديد من النزاعات التي وقعت في العديد من الدول. وتفادياً لمثل تلك الثغرات والعقبات الإدارية والمالية واللوجستية والزمنية، لا يبقى أمام المجتمع الدولي سوى خيار اللجوء الى المحكمة الجنائية الدولية للنظر في الجرائم الوحشية ومعاقبة مرتكبيها. وسيحكم التاريخ على مسار هذه المحكمة وفعاليتها وعلى مدى قدرتها في منع التدخلات السياسية لتحقيق مصالح الدول والنافذين.

 

جمعية الدول الأطراف

تتكوّن هذه الجمعية من الدول الأطراف جميعها المصدقة أو المنضمَّة لمعاهدة روما العام 1998. وهي تقوم بانتخاب القضاة والمدعي العام المسجّل حيث يكون لكل دولة صوت واحد، وتصدّق على ميزانية المحكمة، وتمنحها الدعم، وتحدد كيفية التعامل مع الدول الأطراف التي لا تفي بإلتزاماتها، كما يكون لها السلطة في إنشاء قواعد للعمل الداخلي للمحكمة وقواعد الاجراءات والأدلة بما يتفق مع النظام الأساسي.

 

القرار 1664

أصدر مجلس الأمن بتاريخ 29/3/2006 القرار 1664 الذي يقضي بتكليف الأمين العام للأمم المتحدة السيد كوفي أنان التفاوض مع الحكومة اللبنانية لإنشاء محكمة ذات طابع دولي، لمحاكمة المتهمين في جريمة اغتيال رئيس مجلس وزراء لبنان السابق الشهيد رفيق الحريري (14/2/2005)، بعد أن تمّ تشكيل لجنة تحقيق دولية للتحقيق في هذه الجريمة.
ويأخذ هذا القرار بالاعتبار توصية الأمين العام السيد كوفي انان تاريخ 22/3/2006، بإقامة محكمة دولية مختلطة تتضمن قضاة لبنانيين ودوليين، وتتخذ مقراً لها خارج لبنان لأسباب أمنية.
ويشير القرار المذكور الى ان تبني أساس المحكمة واطارها القانوني لا يستبعد اطلاقاً اقامة مكوناتها المختلفة بصورة تدريجية ولا يحدد مسبقاً موعد بدء نشاطاتها، وهو أمر يتوقف على مدى تقدّم التحقيق.
 ويجري الآن البحث في مسائل تشكيل تلك المحكمة، وطريقة اختيار قضاتها وجنسيتهم، وبدء مهامها، ومركزها، وطريقة تمويلها، والقانون الواجب التطبيق، ولغتها الرسمية، وأجهزتها الإدارية وخدماتها اللوجستية، وأمكنة توقيف المتهمين، والعقوبات الممكن انزالها بالمرتكبين، وطريقة تنفيذ العقوبة ومكان تنفيذها، والسلطة الصالحة للاشراف بعد انتهاء أعمال المحكمة.
وكل هذه الأمور مهمة جداً لإنجاح مهمة المحكمة الدولية، حتى لا يكون مصيرها كمصير العديد من سابقاتها التي واجهت عقبات تمويلية واجرائية وتدخلات سياسية حالت دون متابعة مهامها وكان مصيرها الفشل.