المحكمة الخاصة بلبنان: تعريفها، اختصاصها، قواعد الإجراءات والمحاكمة أمامها

المحكمة الخاصة بلبنان: تعريفها، اختصاصها، قواعد الإجراءات والمحاكمة أمامها
إعداد: العميد سامي خوري
ضابط في الجيش اللبناني

المقدّمة

إنّه لتحدٍّ شخصي كبير نشر بحث عن المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، بمعزل عن الخوف من الوقوع في فخ سوء الفهم أو التصنيف ضمن فئة سياسية مؤيدة أو مناوئة لقيام هذه المحكمة.

اتفق اللبنانيون على ضرورة اكتشاف المتورطين في تفجير 14 شباط 2005 وما سبقه وتبعه من تفجيرات واغتيالات ومحاولات اغتيال. غير أنّ المحكمة وظروف إنشائها جاءت في ظلّ خلاف سياسي حادّ بين مؤيد ورافض لها، بخاصة وأنّ قيامها استلزم انتزاع صلاحيات قضائية مؤقتة من السيادة اللبنانية. وقد شهد الشعب اللبناني بعض العثرات في بدايات ممارسة عمل المحكمة، كتوقيف مدنيين وعسكريين زهاء أربع سنوات من دون تحديد التّهم الموجّهة إليهم، إلى حين صدور قرار قاضي الإجراءات التمهيدية بإخلاء سبيلهم لعدم وجود أدلة كافية لاتهامهم، مما خلق جوًا من فقدان الصدقية حول عملها وجدوى الاستمرار بها.

حقًا، إنّ هذه المحكمة لم تكن لتوجد لولا الظروف الاستثنائية التي سبقت وتلت تفجير 14 شباط 2005 في محلة عين المريسة. ألم يغضب الشعب حينها؟ ألم ينزل إلى الساحات ويملأ الشوارع بالاعتصامات والاستنكارات؟ ألم يستذكر أحداث الحرب الأهلية الأليمة التي سلبته خيرة أبنائه واستنزفت خيرات بلده؟

رغم الهواجس التي رافقت هذه المحكمة، لا يمكننا تجاهل واقع قيامها فعلًا، وإنّ عدم الاهتمام وتتبع سير أعمالها لا يلغي حقيقة وجودها ونشاطها. كما أنّ نسبة الـ49 بالمئة من تكاليفها السنوية تدفع بالكامل من قبل الدولة اللبنانية من دون إمكانية إلغائها، كونها أنشئت بقرار ملزم من مجلس الأمن تحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، ولا يمكن إلغاء هذا القرار إلّا بقرار مماثل قادر على إقناع الأسرة الدولية بعدم جدوى السير فيها.

فهل يمكننا تجاهل حقيقة أنّ المحكمة الخاصة بلبنان أصبحت واقعًا، وعلينا التعامل معها على هذا الأساس؟ هل من الطبيعي أن نغضّ طرفنا كي لا نرى أو نسمع بقرارات المحكمة التي أصبحت على وشك أن تلفظ أولى أحكامها؟ أليس من الممكن أن تؤثّر هذه الأحكام على الشعب اللبناني أو على المجتمع الدولي سلبًا أو إيجابًا؟

نرى في ما يلي دراسة مختصرة حول "المحكمة الدولية الخاصة بلبنان"، سبب إنشائها، تعريفها، اختصاصها، قواعد الإجراءات والمحاكمة أمامها، وطبيعة نظامها الأساسي، وحقوق الأفرقاء الممثلين فيها. ونشير هنا إلى أنّ هذه الدراسة هي تقنية بحتة بعيدة كل البعد عن السياسة، وإن كانت "المحكمة" بحدّ ذاتها مادة خصبة للتجاذبات السياسية والانقسام في الآراء حول مؤيّد أو ممانع، مؤمن أو مشكّك بجدوى إنشائها أو بأسلوب عملها، أو حتى بحياديّتها وعدالة أحكامها.

 

لمحة تاريخية

المحكمة الخاصة بلبنان هي أوّل محكمة جنائية دولية تختص بالنظر في جريمة الإرهاب في زمن السلم، وهي محكمة مختلطة تتمتّع بصفات دولية ومحلية، أنشأتها الدولة اللبنانية نتيجة اتفاق مع الأمم المتحدة. وهي من المحاكم المنشأة بظروفها الخاصة AD HOC أي أنّ ولايتها وإجراءاتها خاصة بها ولا تنطبق على أي محكمة أخرى مماثلة.

نعود بالذاكرة إلى تاريخ 14 شباط 2005، إنّه نهار الاثنين وقد قاربت الساعة الواحدة ظهرًا. يوم عادي في مدينة بيروت الصاخبة بالحياة، المنشغلة بهموم السياسة والأمن والاقتصاد، في بلد عانى الكثير ويلات الحرب الأهلية على مدى أعوام خلت. فجأة يُدوّي انفجار ضخم ويكسر رتابة ضجيج الشارع أمام فندق السان جورج في محلّة عين المريسة – بيروت، يعلو الصراخ والبكاء، ترتفع ألسنة اللهب وتتطاير السيارات ويتحطّم الزجاج وتتهاوى واجهات الأبنية المحيطة بالانفجار، غيمة سوداء حجبت سماء المنطقة منذرةً بالأيام السوداء القادمة على هذا البلد. اهتزت بيروت كلّها، اهتز لبنان، واهتز المجتمع الدولي.

فور انقشاع الغبار والدخان، ظهرت النتائج الفورية لهذا التفجير الهائل "اغتيال الرئيس السابق للحكومة اللبنانية السيد رفيق الحريري واستشهاد 22 شخصًا كانوا متواجدين في المحلّة، بالإضافة إلى جرح عدد كبير من الأشخاص، ونشر الذعر في صفوف الناس، والتسبّب بأضرار هائلة في الممتلكات".

انتفض الشعب اللبناني وتحرّك مجلس الأمن الدولي. فأرسل الأمين العام للأمم المتحدة بعثة تقصّي حقائق إلى بيروت بموجب القرار الرقم 1595 تاريخ 7 نيسان 2005، بهدف معاينة مكان الاعتداء والظروف والأسباب المحيطة به. نتيجة توصية البعثة، جرى تكليف لجنة تحقيق دولية مستقلة[1] بهدف جمع المعلومات والأدلة ومساعدة الدولة اللبنانية في مسار التحقيقات المتعلقة بالجريمة. في تاريخ 13 تشرين الثاني 2005 (أي بعد حوالى ثمانية أشهر) طلبت الحكومة اللبنانية من الأمم المتحدة إنشاء محكمة دولية لمحاكمة منفّذي اعتداء 14 شباط، بالإضافة إلى اعتداءات أخرى ذات صلة حصلت في لبنان.

نتيجة المفاوضات، توصّلت الأمم المتحدة والحكومة اللبنانية إلى إنشاء المحكمة الخاصة بلبنان، لكن هذا الاتفاق لم تتم المصادقة عليه في البرلمان اللبناني لأسباب سياسية، ما حدا مجلس الأمن على إصدار القرار رقم 1757 بتاريخ 30 أيار 2007 القاضي بإنشاء المحكمة الخاصة بلبنان استنادًا إلى الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة. وقد حدّدت المادة الأولى من النظام الأساسي للمحكمة[2] صلاحياتها كالآتي:

محاكمة الأفراد المتّهمين بتنفيذ اعتداء 14 شباط 2005 الذي أدّى إلى استشهاد رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري وأشخاص آخرين وإصابة عدد آخر، بالإضافة إلى اختصاصها بالنظر في الجرائم التي يتبيّن أنّها متلازمة وذات طبيعة وخطورة مماثلة لاعتداء 14 شباط والتي وقعت خلال الفترتين الآتيتين:

•  التفجيرات التي وقعت في لبنان في الفترة الممتدة بين 1 تشرين الأوّل 2004، و12 كانون الأوّل 2005.

•  التفجيرات التي وقعت في لبنان بعد 12 كانون الأوّل 2005، إذا اتفقت الحكومة اللبنانية والأمم المتحدة على توسيع نطاق اختصاص المحكمة، ووافق مجلس الأمن على ذلك.

 

تدرّج الخطوات القانونية الدولية في إنشاء المحكمة الخاصة بلبنان

استلزمت عملية إنشاء المحكمة الخاصة بلبنان حوالى السنتين لإنجازها، وشملت أولى الخطوات البيان الصادر عن الأمين العام لمجلس الأمن الدولي في اليوم التالي للتفجير، والذي استنكر فيه الاعتداء الإرهابي، وقد استتبع ذلك الخطوات الآتية:

1- بيان رئاسي صادر عن مجلس الأمن الدولي بتاريخ 15/2/2005 حثّ فيه جميع الدول على إبداء التعاون التام في مكافحة الإرهاب وفق قراري مجلس الأمن رقم 1373 و1566، وطلب من الأمين العام متابعة الوضع القائم في لبنان عن كثب وتقديم تقرير عن الملابسات والأسباب المحيطة بالتفجير.

2- إرسال بعثة تقصي حقائق وصلت إلى بيروت بعد 10 أيام على التفجير ورفعت تقريرها بتاريخ 24/3/2005، وقد رأت "أنّ عملية التحقيق التي أجرتها الأجهزة اللبنانية يعتريها خلل خطير، وهي تفتقر للقدرة على التوصل إلى نتائج مرضية وموثوق بها. وأوصت أن يعهد بالتحقيق إلى لجنة دولية مستقلة.

3- إبداء الحكومة اللبنانية موافقتها بتاريخ 29/3/2005، على القرار الذي سيتّخذه مجلس الأمن بشأن إنشاء لجنة دولية مستقلة للتحقيق واستعدادها للتعاون التام معها في إطار سيادة لبنان ونظامه القانوني.

4- إصدار مجلس الأمن الدولي القرار الرقم 1595 بتاريخ 7/4/2005، حول إنشاء لجنة دولية للتحقيق والطلب من جميع الدول والأطراف التعاون معها[3]، وتوقيع مذكرة تفاهم بين الحكومة اللبنانية والأمم المتحدة بتاريخ 13/6/2005 حول أطر التعاون والتنسيق بين القضاء اللبناني ولجنة التحقيق.

5- صدور قرار عن مجلس الوزراء اللبناني بتاريخ 12/12/2005، يطالب فيه مجلس الأمن بتشكيل محكمة ذات طابع دولي لمحاكمة المتورطين في عملية اغتيال الرئيس الحريري.

6- صدور قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1644 بتاريخ 15/12/2005، بإنشاء محكمة ذات طابع دولي تحت الفصل السابع استنادًا للطلب المقدم من الحكومة اللبنانية، وتكليف الأمين العام التنسيق معها حول تحديد طبيعة المساعدة الدولية المطلوبة ونطاقها.

7- نتيجة للاجتماعات واللقاءات والمحادثات التي جرت في كل من بيروت ونيويورك بين وكيل الأمين العام للشؤون القانونية السيد نيكولا ميشال والجانب اللبناني، جرى بتاريخ 10/11/2006 وضع مسودة نظام محكمة مختلطة ذات طابع دولي، تضم قضاة لبنانيين ودوليين، وتنعقد خارج لبنان لاعتباراتٍ أمنية.

8- إقرار مشروع المحكمة من قبل مجلس الأمن الدولي بتاريخ 21/11/2006 وإرساله إلى الدولة اللبنانية، فأقرّه مجلس الوزراء بتاريخ 25/11/2006، إنّما لم يتمكّن مجلس النواب من تصديقه لأسباب سياسية.

9- بعد مرور أكثر من 6 أشهر على عدم تصديق مشروع المحكمة من قبل المجلس النيابي اللبناني، أصدر مجلس الأمن القرار الرقم 1757 بتاريخ 30/5/2007، بإنشاء المحكمة الخاصة بلبنان تحت الفصل السابع، فأصبحت مؤسسة قضائية دولية قائمة بحكم الواقع والقانون.

10- نشر قواعد الإجراءات والإثبات بتاريخ 25/3/2009 على موقع المحكمة الرسمي.

11- تنازل السلطة اللبنانية رسميًّا إلى المحكمة عن اختصاصها بالتحقيق في الاعتداء على رفيق الحريري وآخرين بتاريخ 8/4/2009، بناءً لطلبٍ من المدعي العام للمحكمة. نتيجةً لهذا التنازل، أصبح للمحكمة الخاصة الأسبقية على المحاكم اللبنانية في التحقيق في هذه القضية[4].

12- استنادًا لاستدعاء المدعي العام المعلّل، أصدر قاضي الإجراءات  التمهيدية في 29/4/2009 قرارًا بإخلاء سبيل المحتجزين رهن التحقيق في القضية[5].

 

مقر المحكمة الخاصة بلبنان

يقع مركز المحكمة الخاصة بلبنان في لاهاي - هولندا، التي سبق لها استضافة عددٍ من المحاكمات الدولية الأخرى (رواندا- يوغسلافيا...) حرصًا على تحقيق أقصى درجات العدالة والإنصاف والأمن.

للمحكمة أيضًا مكتب دائم في لبنان يدعم أعمالها، ويضم ممثلين عنها يعملون بالتنسيق مع الحكومة اللبنانية. كما يوجد لديها مكتب للتواصل في المقر العام للأمم المتحدة في نيويورك.

 

أنواع الجرائم التي تُشكّل اختصاص المحكمة الخاصة بلبنان

استنادًا للمادة الثانية من النظام الأساسي للمحكمة، تختص المحكمة بالنظر في الجرائم المحدّدة في قانون العقوبات اللبناني (القانون الرقم 340 الصادر عام 1943 وتعديلاته) بالإضافة إلى قانون الإرهاب (الصادر بتاريخ 11/1/1958) وهي الآتية:

- الأعمال الإرهابية (المواد 314 – 316)

- الجنايات والجنح الواقعة على حياة الإنسان وسلامته (المواد 547 - 568)

- الجمعيات غير المشروعة وجمعيات الأشرار والمؤامرة (المواد 335 - 339)

- عدم الإبلاغ عن الجرائم (398 - 400)

- العصيان والحرب الأهلية والتقاتل بين الأديان (المادتين 6 و7 من قانون الإرهاب)

 

هيكلية المحكمة الخاصة بلبنان

هي مؤسسة قضائية دولية مستقلة عن الأمم المتحدة، إنّما تربطها بالأخيرة علاقة وثيقة. فالأمين العام للأمم المتحدة هو عضو في لجنة الإدارة للمحكمة[6]، وبواسطته يتم تعيين كبار المسؤولين والقضاة فيها، كما أنّ رئيس القلم هو موظف في الأمم المتحدة.

تتكوّن المحكمة حسب المادة السابعة من نظامها الأساسي من أربعة أجهزة مستقلة هي:

1. الجهاز القضائي (الغرف أو الدوائر)

2. مكتب المدعي العام

3. قلم المحكمة

4. مكتب الدفاع

 

أوّلًا: الجهاز القضائي (الغرف)

تتألّف الغرف بصفتها الجهاز القضائي للمحكمة الخاصة بلبنان، من قضاة وموظفين قانونيين وإداريين. وهي مسؤولة عن الفصل في القضايا المعروضة على اختصاص المحكمة. كما لديها وظائف تنظيمية وإدارية أيضًا تتمثّل باعتماد القواعد والإجراءات الخاصة بها وتعديلها والتي تعتبر بمثابة "قانون أصول المحاكمات الجزائية" لديها. تتكوّن الغرف[7] من 11 قاضيًا موزّعين على أقسام ثلاثة:

- قاضٍ دولي مكلّف بالإجراءات التمهيدية.

- غرفة الدرجة الأولى، وهي مؤلفة من 3 قضاة، أحدهم لبناني (القاضية ميشلين بريدي) وقاضيان رديفان أحدهما لبناني (القاضي وليد عاكوم).

- غرفة استئناف تضم خمسة قضاة، بينهم قاضيان لبنانيان (القاضيان رالف رياشي وعفيف شمس الدين).

 

قضاة المحكمة الخاصة بلبنان

التعيين:

تنصّ المادة 9 بأن يتمتّع القضاة بالخبرة القضائية الواسعة، بالإضافة إلى التحلّي بصفات الأخلاق والنزاهة والحياد. وبموجب النظام المذكور، قام الأمين العام للأمم المتحدة بتعيين القضاة اللبنانيين من لائحة رفعتها الحكومة اللبنانية تتضمّن 12 اسمًا بناءً على اقتراح مجلس القضاء الأعلى. أمّا القضاة الدوليّون، فقد جرت تسميتهم من قبل الدول الأعضاء في مجلس الأمن الدولي وشخصيات دولية مختصة، بناءً على توصية فريق اختياري يتكوّن من قاضيين من المحاكم الدولية ومن ممثّل للأمين العام للأمم المتحدة.

تجدر الإشارة إلى أنّ الحكومة اللبنانية لا تستطيع إنهاء عمل القضاة والموظفين اللبنانيين في المحكمة، إذ إنّهم يعينون كما أسلفنا من قبل الأمين العام للأمم المتحدة، أمّا الموظفون اللبنانيون، فإنّ تعيينهم يتم على أساس إجراءات تنافسية اختيارية وهم يعتبرون موظفين لدى المحكمة.

 

مهمات قضاة المحكمة

رئيس المحكمة

يكون الرئيس مسؤولًا عن حسن سير العمل وتطبيق العدالة في جميع أجهزة المحكمة. وتشمل مسؤولياته الإشراف على أعمال قلم المحكمة ومراقبة ظروف الاحتجاز والتوقيف، وتمثيل المحكمة في المحافل الدولية، وتعزيز اتفاقات التعاون مع الدول والتفاوض عليها، كما يترأّس اجتماعات الهيئة العامة للمحكمة ويقدّم التقارير الطارئة والسنوية إلى الأمين العام للأمم المتحدة وإلى الحكومة اللبنانية. كما يشغل منصب رئيس غرفة الاستئناف في المحكمة.

يُنتخب رئيس المحكمة بأغلبية أصوات القضاة الذين يشكّلون غرفة الاستئناف لمدة سنة ونصف، أو لفترة أقصر إذا كانت متزامنة مع انتهاء فترة ولايته كقاض، ويجوز إعادة انتخابه بالطريقة نفسها.

 

قاضي الإجراءات التمهيدية

يتمتّع قاضي الإجراءات التمهيدية بدور منفصل ومستقل عن سائر قضاة المحكمة، ودوره بالغ الأهمية في مرحلة تأسيس الدعوى وإعداد القضايا للمحاكمة. وتشمل واجباته وسلطاته ما يأتي:

- إحالة أي مسألة أوّلية تتعلّق بالقانون الواجب التطبيق للبتّ في قرارات الاتهام.

- تسهيل الاتصال بين فريقي الدفاع والادعاء في الدعوى.

- إصدار دعوات الحضور ومذكرات التوقيف وأي أوامر أخرى ضرورية.

- احتجاز المشتبه بهم أو المتهمين وإخلاء سبيلهم.

- التنسيق والتواصل بين فريقي الادعاء والدفاع خلال المرحلة التمهيدية.

- استجواب الشهود والسماح للمتضررين بالمشاركة في الإجراءات.

- اتخاذ التدابير اللازمة للتحضير لمحاكمة عادلة وسريعة.

كما يقوم قاضي الإجراءات التمهيدية بإعداد ملف متكامل لصالح غرفة الدرجة الأولى، يعدد فيه أوجه الاختلاف الرئيسة بين فريقي الدفاع والادعاء بشأن المسائل القانونية والواقعية، ويبيّن فيه تقويمه الشخصي القانوني لما قد يترتّب عليه من نتائج، كما يمكنه الفصل في المزاعم المتعلّقة بشهادات الزور أو أي شكل من أشكال تحقير المحكمة أو عرقلة سير العدالة.

على الرغم من أوجه التشابه بين دور قاضي الإجراءات  التمهيدية ودور قاضي التحقيق اللبناني، إلّا أنّ الأوّل يتمتّع بصلاحيات إضافية تتمثّل بتقويم التهم الموجّهة في القرار الاتهامي المرفوع من قبل المدعي العام، وتصديق القرار أو رده كليًا أو جزئيًا. كما يجوز له جمع الأدلة في حالتين فقط: بطلب من الفريق المتضرّر في حال أثبت عدم قدرته على جمع الأدلة بنفسه، أو من تلقاء نفسه إذا تعذر على أحد الفرقاء المشاركين في الإجراءات  جمع عنصر مهم من عناصر الإثبات ورأى ذلك ضروريًا لمصلحة العدالة ولضمان مبدأ تكافؤ وسائل الدفاع ولإظهار الحقيقة.

 

قضاة غرفة الدرجة الأولى

يُعتبر هؤلاء مسؤولين عن ضمان سير إجراءات المحاكمة بكفاءة وإنصاف وفق قواعد الإجراءات والإثبات والنظام الأساسي للمحكمة. وتشمل مهامهم الاستماع إلى فريقي الدعوى (الإدعاء العام والدفاع) وتقييم ما يقدمانه من أدلة. كما يستمعون إلى المتضررين المشاركين في الإجراءات أمام المحكمة ويقوّمون أدلّتهم، بالإضافة إلى استدعاء الشهود واستجوابهم، وتحديد مدّة الاستجوابات الأساسية والمضادة.

في نهاية الإجراءات، يحدّد قضاة الدرجة الأولى مسؤولية المتّهم ويحدّدون العقوبة الواجب إنزالها به، أو يعلنون براءته.

 

قضاة غرفة الاستئناف

توازي غرفة الاستئناف محكمة الدرجة الثانية بالنسبة لغرفة الدرجة الأولى، والاستئناف حق مكرّس لكلا الفريقين (الادعاء والدفاع) إن لجهة الحكم الصادر عن محكمة الدرجة الأولى، أو لجهة العقوبة المفروضة بحق المتهم.

يفصل قضاة غرفة الاستئناف في الأخطاء المرتكبة من قبل غرفة الدرجة الأولى التي يحتج بها الفريق المستأنف، إن في المسائل القانونية التي تُبطل الحكم، أو في الأخطاء في الوقائع التي قد تتسبّب في الامتناع عن إحقاق الحق. ويجوز لغرفة الاستئناف أيضًا تصديق أو فسخ الحكم الابتدائي و/أو العقوبة، أو إعادة النظر فيهما مجددًا. كما يمكنها اتخاذ القرار بإعادة محاكمة المتهم إذا كان ذلك يصبّ في مصلحة العدالة.

 

ثانيًا: مكتب المدعي العام

يعمل المدعي العام باستقلال عن أي هيئة في المحكمة، ولا يجوز له طلب أو تلقّي تعليمات من أي مصدر آخر. يعيّن المدعي العام من قبل الأمين العام للأمم المتحدة لمدة 3 سنوات ويجوز إعادة تعيينه لمدة إضافية يحدّدها الأمين العام مع الحكومة اللبنانية[8].

يساعد المدعي العام نائب مدعٍ عام لبناني (القاضية جويس تابت حاليًا)، بالإضافة إلى موظفين لبنانيين ودوليين حسب ما تقتضي الحاجة لأداء المهمات الموكلة إلى مكتب المدعي العام.

 

مهمات مكتب المدعي العام

هو مسؤول عن التحقيق مع الأشخاص المتهمين بتورّطهم في ارتكاب الجرائم التي تدخل في نطاق اختصاص المحكمة وملاحقتهم، كلّ بحسب مسؤوليته.

يضطلع المدعي العام بمسؤولية القيام بمهام التحقيق والادعاء، ويستند بذلك إلى صلاحياته الواسعة المحددة في المادة 11 من النظام الأساسي للمحكمة، بالإضافة إلى صلاحياته المحددة في قواعد الإجراءات[9] والإثبات، وفق المعايير القانونية المعترف بها دوليًا. ويؤدي المدعي العام مهماته بصفته فريق الادعاء بالإضافة إلى كونه جهازًا قضائيًا ضامنًا للحق العام الذي يمثّله. لذلك فهو يعمل باستقلال تام ولا يتلقّى تعليمات أو توجيهات من أحد.

يشمل مكتب المدعي العام محامين وضباطًا قضائيين وخبراء في الطب الشرعي ومحلّلين وتقنيين من أكثر من35 بلدًا. والمكتب مؤلّف من فرق متعدّدة الاختصاصات وتمارس نشاطها في لاهاي وبيروت.

من أولى واجبات المدعي العام إطلاق التحقيقات الضرورية وجمع الأدلة الجرمية والتحفّظ عليها، ثم تحضير ملفاته والادعاء على كل مشتبه به أمام قاضي الإجراءات  التمهيدية لتصديق قرار الاتهام. ونشير هنا إلى أنّ تحقيقات المدعي العام لا تنتهي مع تصديق القرار الاتهامي، إنّما تستمر حتى نهاية المحاكمة وتقدّم جميع الأدلة الجديدة إلى الغرفة التي تتولى المحاكمة في حينه[10].

 

ثالثًا: قلم المحكمة

يسهر القلم على حسن إدارة المحكمة، ويوفّر لها ما تحتاجه من خدمات تحت إشراف رئيس المحكمة[11]. يعيّن الأمين العام للأمم المتحدة رئيس القلم من موظفي الأمم المتحدة. يُعدّ رئيس القلم موازنة المحكمة ويؤدي دورًا أساسيًا في تأمين الأموال اللازمة. ويضطلع أيضًا بمهمات الاتصالات الخارجية والعلاقات الدبلوماسية مع لبنان ومع الدول المانحة ولجنة الإدارة والدول الأعضاء في الأمم المتحدة وهولندا (بصفتها البلد المضياف) بالإضافة إلى الإتصالات والعلاقات مع محاكم دولية أخرى ومنظمات غير حكومية.

 

مهمات قلم المحكمة

يقوم القلم بوظيفة التواصل مع الرأي العام من خلال قسم العلاقات العامة وقسم التواصل الخارجي. وفيما يركّز قسم العلاقات العامة على التواصل مع وسائل الإعلام الدولية واللبنانية ويسهر على نشر المعلومات المتعلّقة بعمل المحكمة في الوقت المناسب، يتمثّل دور قسم التواصل الخارجي في نشر الوعي حول عمل المحكمة وأهميته من خلال التفاعل مع الموظفين القانونيين وممثلي المنظّمات غير الحكومية، والأكاديميين والطلاب وغيرهم.

يشرف رئيس القلم على "وحدة المتضررين والشهود" التي تقدّم الدعم لجميع الأشخاص الذين يشهدون أمام المحكمة، بالإضافة إلى إشرافه على "وحدة مشاركة المتضررين المشاركين في الإجراءات " التي تدعم مشاركة المتضررين في الإجراءات، "وقسم الخدمات الإدارية" للمحكمة المكلّف بحفظ سجلات المحكمة وأرشيفها، و"قسم اللغات" الذي يوفّر خدمات الترجمة الفورية والتحريرية بلغات المحكمة الثلاث: الفرنسية والإنكليزية والعربية.

تقع على القلم أيضًا مسؤولية إدارة المحكمة بشكل عام بما في ذلك إدارة الموارد البشرية والشؤون المالية والمشتريات وخدمات تكنولوجيا المعلومات والخدمات الأخرى.

ويشرف رئيس القلم على قسم السلامة والأمن في المحكمة في كل من لاهاي وبيروت، إلى جانب مرفق الاحتجاز التابع للمحكمة في هولندا والذي سيأوي الموقوفين المنقولين إلى لاهاي.

وبشكل عام، تقع على القلم مسؤولية ضمان السير السهل والفعال للإجراءات من خلال تقديم الدعم الدائم للغرف القضائية في المحكمة ولمختلف الأفرقاء المشاركين في الإجراءات.

 

رابعًا: مكتب الدفاع

المحكمة الخاصة بلبنان هي أوّل محكمة دولية لديها مكتب دفاع يعمل كجهاز مستقل يتمتع بالصلاحيات القانونية والتنظيمية اللازمة لحماية حقوق المشتبه بهم والمتهمين، ما يؤمّن ضمان أعلى معايير الإنصاف. ويمارس مكتب الدفاع صلاحيات واسعة النطاق[12] إلّا أنّه لا يمكنه تمثيل أشخاص مشتبه بهم أو متهمين أو تلقي تعليمات منهم حفاظًا على استقلالية المكتب وحياده وتجنباً لأي تضارب في المصالح.

 

مهمات مكتب الدفاع

تشمل مهمات مكتب الدفاع الأعمال الآتية:

- توظيف محامين مع مساعدين قانونيين وتعيينهم لتمثيل المشتبه بهم أو المتهمين العاجزين عن تعيين محام.

- الموافقة على تعيين فريق الدفاع أو المحامين الذين يتكفّل المتهمون بدفع أجورهم مباشرة.

- تقديم الدعم اللوجستي والتشغيلي والمشورة القانونية للمحامين.

- إعداد وإبرام اتفاقات التعاون مع دول ومنظّمات دولية للمساعدة في الدفاع عن المشتبه بهم والمتهمين.

- رصد مدى كفاءة التمثيل الذي يوفّره محامي الدفاع.

- إيداع المذكرات بشأن مسائل مرتبطة بضمان الإنصاف في الإجراءات وحماية حقوق المتهمين.

 

مهمات فريق الدفاع

يختلف عمل فريق الدفاع عن عمل مكتب الدفاع بأنّه الفريق العامل مباشرة على إعداد قضية الدفاع وتقديمها في ما يتعلق بمتهم بمشتبه به معيّن. يمكن أن يتألف الفريق من محامٍ رئيسي ومحامين مع أو معاونين، وواحد أو أكثر من المحققين أو المساعدين القانونيين والمسؤولين عن إدارة القضايا، بحسب كل قضية ومرحلة الإجراءات  التي وصلت إليها. يكون المحامي الرئيسي مسؤولًا عن اختيار أي من أعضاء الفريق، كما يمكن أن يسأل عن أفعالهم.

من أولى واجبات فريق الدفاع، البدء بتحقيقاته الخاصة للتحضير للمحاكمة. وتحقيقات الدفاع ضرورية لأن النظام الاجرائي للمحكمة لا يشمل وجود قاضي تحقيق (بغية تكليفه بجمع أدلة الإثبات وأدلة النفي). فبحسب نظام المحكمة يقوم المدعي العام بتقديم أدلة الإدانة ضد المشتبه بهم، إنّما من واجبات الدفاع تقديم أدلة معاكسة تنفي ادعاءات المدعي العام. وتحقيقًا لهذه الغاية، على الدفاع أن يقوم أوّلًا بتحليل أي أدلة واردة من المدعي العام وتدقيقها والتأكد منها، ثم يعمد إلى جمع أدلة النفي المضادة.

 

كيفية اختيار محامي الدفاع أمام المحكمة الخاصة بلبنان

تضع لجنة خاصة في المحكمة قائمة بمحامي الدفاع، يتمّ قبول من يتقدمون إليها بالاختيار بعد استيفائهم لشروط الأهلية المحددة في المادة 58 فقرة "أ" من قواعد الإجراءات والإثبات. وتشمل تلك الشروط خبرة أدناها عشر سنوات في ممارسة القانون والاضطلاع بقضايا جنائية معقّدة إمّا في إطار نظام محلي أو أمام المحاكم الدولية.

يحقّ للمشتبه بهم والمتهمين الذين يتحمّلون أتعاب الدفاع توكيل محامٍ من اختيارهم لتمثيلهم قانونيًا والدفاع عنهم. ويُعيّن رئيس مكتب الدفاع رسميًا المحامي المختار لتمثيل موكّله ويتأكد فقط من وجود "الوكالة القانونية" ومن استيفاء المحامي لشروط ممارسة المهنة الوطنية، والإلمام بإحدى اللغتين الانكليزية أو الفرنسية. غير أنّه يجوز للمشتبه به أو المتهم أن يطلب معونة قضائية من المحكمة، فتتأكد الأخيرة من صحة الطلب، وفي حال الإيجاب، يجوز للمشتبه به أو المتهم اختيار محامٍ من قائمة محامي الدفاع، وتتكفّل المحكمة بأتعاب المحامي وفريق الدفاع العامل معه.

وعندما يمثّل المتهم للمرة الأولى أمام المحكمة الخاصة، يتم تعيين محام بصورة مؤقتة لغرض المثول الأوّل، إلّا إذا أعرب المتهم صراحة عن رغبته في الدفاع عن نفسه.

إذا جرت المحاكمة غيابيًا، يعيّن رئيس مكتب الدفاع المحامي من قائمة محامي الدفاع.

إذًا، تعني عبارة "توكيل محام" أنّ المتهم قد وكّل محاميًا من اختياره ووافق على ذلك رئيس مكتب الدفاع بعد التأكد من استيفائه الشروط المهنية، بينما تعني عبارة "تعيين محام" أنّ المتهم يفتقر إلى سبل دفع أتعاب المحامي وأنّه طلب المساعدة القانونية، فيختار بنفسه محاميًا من قائمة المحامين ويوافق رئيس مكتب الدفاع على تعيينه ويعين له فريقًا لمعاونته على نفقة المحكمة.

 

لجنة الإدارة وتمويل المحكمة

هي هيئة دائمة[13] مهمتها الإشراف على جميع الجوانب المالية غير القضائية لعمل المحكمة. فهي تضع السياسات المالية وترصد شؤون إدارتها، كمراجعة الميزانية السنوية للمحكمة وإقرارها، وجمع الأموال وتشجيع الدول على التعاون مع المحكمة.

تتكوّن لجنة الإدارة من ممثّلين عن كبار المساهمين في المحكمة وهم: ألمانيا، إيطاليا، فرنسا، كندا، المملكة المتحدة (الرئيس)، هولندا، الولايات المتحدة، اليابان ولبنان. ويكون الأمين العام للأمم المتحدة أو من يمثّله عضوًا في اللجنة بحكم منصبه.

بلغت الميزانية السنوية الأولى للمحكمة بالدولار الأميركي 51،4 مليون في العام 2009 - و55،4 مليون في العام 2010 - و65،7 مليون في العام 2011 - و55،3 مليون في العام 2012 - وخلال الأعوام التالية أصبحت الميزانية تحتسب باليورو، فبلغت 59،9 مليون يورو للعام 2013- و59،891 مليون يورو للعام 2014 - و59،874 مليون يورو للعام 2015 - و58،774 مليون يورو للعام 2016 - و59 مليون يورو للعام 2017.

لا تُموّل المحكمة من الميزانية العادية للأمم المتحدة إنّما من تبرّعات الدول الأعضاء. فيغطّي لبنان قيمة 49 بالمئةمنها، فيما تشكّل مساهمات الدول قيمة الـ51 بالمئة المتبقية. وفي حال أصبحت التبرعات غير كافية، يجوز للأمين العام للأمم المتحدة ومجلس الأمن البحث عن وسائل تمويل بديلة. وقد نجحت المحكمة حتى تاريخه، من أن تجمع 28 دولة تبرعات تكفي لتمويل سنواتها التشغيلية المرتقبة.[14]

 

مراحل إقامة الإجراءات أمام المحكمة الخاصة بلبنان

تتألف الإجراءات أمام المحكمة الخاصة بلبنان من مراحل أربع متتابعة كالآتي:

1- مرحلة تحقيقات المدعي العام.

2- المرحلة التمهيدية.

3- مرحلة المحاكمة.

4- مرحلة الاستئناف.

ونشير إلى أنّ المرحلتين الأطول مدّة هما: المرحلة التمهيدية ومرحلة المحاكمة.

 

1- مرحلة تحقيقات المدعي العام

يتولّى المدعي العام التحقيق مع الأشخاص المشتبه بارتكابهم جرائم تدخل ضمن اختصاص المحكمة، وإذا اقتنع بوجود أدلة كافية ضدهم لتجريمهم، يودع قرار الاتهام لدى قاضي الإجراءات التمهيدية مشفوعًا بأسماءالمشتبه بهم والتفاصيل المتعلّقة بكل منهم، وبيانًا موجزًا عن وقائع القضية والجريمة أو الجرائم التي يتهم كل منهم بارتكابها، بالإضافة إلى الأدلة ذات الصلة المؤيدة لقرار الاتهام.

 

2- المرحلة التمهيدية

يدرس قاضي الإجراءات التمهيدية قرار الاتهام والأدلة المؤيدة لها المرفوعة من قبل المدعي العام، ويقرر إذا كانت الأدلة كافية بصورة أولية لإعلان الشخص مشتبهًا به وإحالته أمام غرفة الدرجة الأولى. وهذا القرار يتخذ بنتيجة عملية مدروسة وشاملة كالآتي:

فور وصول الملف إليه، يتولى قاضي الإجراءات التمهيدية استعراض قرار الاتهام والمواد المؤيدة له بكل عناية لتحديد وجود أدلة كافية لكل مشتبه به، وما إذا كانت الجرائم المدّعى بها تندرج ضمن اختصاص المحكمة حسب المادة الأولى من نظامها الأساسي. ليس من مهمات قاضي الإجراءات  التمهيدية تقويم الأدلة المرفوعة من قبل المدعي العام أو الحكم على صدقيتها أو مقبوليتها (كونها من صلاحية عمل محكمة الأساس أي غرفة الدرجة الأولى) لكنه يستطيع الطلب من المدعي العام تزويده بمواد أو أدلة إضافية مؤيدة إذا رأى ذلك ضروريًا لاتخاذ قراره. وبمجرد أن ينتهي قاضي الإجراءات التمهيدية من النظر في قرار الاتهام يمكنه اتخاذ أي من الإجراءات التالية:

- الطلب من المدعي العام أو السماح له بتقديم أدلة إضافية دعمًا للتهمة أو التهم المدّعى بها.

- تصديق تهمة أو أكثر من القرار.

- رد تهمة أو أكثر أو رد قرار الإتهام بكامله أو جزء منه.

في حال رد قرار الاتهام أو جزء منه، يجوز للمدعي العام إيداع قرار جديد أو القرار القديم نفسه معدّلًا يتضمن أدلة جديدة. وتتيح قواعد الإجراءات والإثبات لقاضي الإجراءات التمهيدية إمكانية إحالة المسائل المتعلقة بتفسير القانون الواجب تطبيقه إلى غرفة الاستئناف لدى المحكمة. في هذه الحالة تفصل غرفة الاستئناف في المسائل المعروضة أمامها بعد الاستماع إلى المدعي العام والدفاع في جلسة علنية.

في حال تصديق قاضي الإجراءات التمهيدية قرار الاتهام عليه أن يعلّل قراره وإحالة كامل الملف أمام غرفة الدرجة الأولى لبدء المحاكمة، وفي هذه الحال يجري تبليغ "المشتبه بهم" بصورة رسمية بأنهم أصبحوا "متهمين" بالقضية أو القضايا المحالين لأجلها، كما يمكن إصدار مذكرات توقيف بحقهم أو استدعاؤهم للحضور أمام المحكمة. ويمكن محاكمة المتهمين بالصورة الغيابية في حال عدم العثور عليهم أو إذا اختاروا التواري وعدم المشاركة في الإجراءات. مع الإشارة إلى أنّ قرار التصديق الصادر عن قاضي الإجراءات التمهيدية لا يشير إلى نهاية التحقيقات الجارية من قبل المدعي العام بل يمكن لهذه التحقيقات الاستمرار حتى نهاية المحاكمة.

إنّ جميع إيداعات المدعي العام ودراسة قاضي الإجراءات التمهيدية لقرار الاتهام تتصف بالسرّية ولا يُعتبر قرار الاتهام مستندًا علنيًا إلّا بعد تصديقه.

وفي الواقع فقد أعلنت المحكمة في 28/6/2011 عن تصديق قاضي الإجراءات التمهيدية لقرار الاتهام الأوّل، لكن القرار نفسه بقي سريًا حتى 29/7/2011 حين رفع قاضي الإجراءات التمهيدية السرية عن مواد محددة من قرار الاتهام للإعلان عن الأسماء الكاملة للأفراد الواردة أسماؤهم في قرار الاتهام والمواد الموجهة إلى كل منهم، بالإضافة إلى المعلومات المتعلّقة بسيرهم الذاتية وصورهم الشخصية.

 

بعض الملاحظات الهامة حول قرار الاتهام:

- إنّ تصديق قرار الاتهام ليس حكمًا بالإدانة ضد المتهم، بل هو استنتاج من قاضي الإجراءات  التمهيدية مفاده أنّ ثمّة ما يكفي من الأدلة لاعتبار المشتبه به متهماً لبدء محاكمته. فلا يمكن إجراء محاكمة من دون قرار اتهام مصدّق.

- لا يوجد في قواعد الإجراءات والإثبات إشارة إلى أي مهلة محددة لقاضي الإجراءات التمهيدية لتصديق قرار الاتهام. وقد يختلف الوقت المطلوب للنظر في قرار الاتهام حسب عدد التهم المدعى بها، حجم المواد والأدلة المؤيدة، مدى تعقيد الدعوى والخطوات الاجرائية المتعلقة بها.

- يُمكن للمدعي العام تعديل قرار الاتهام في أي وقت قبل تصديقه من قبل قاضي الإجراءات  التمهيدية، إنّما بعد تصديق القرار لا يُمكن إجراء أي تعديل إلّا بإذن من قاضي الإجراءات  التمهيدية وذلك قبل احالة القضية إلى غرفة الدرجة الأولى. وفي الحالة الأخيرة تستمع الغرفة إلى المدعي العام والدفاع قبل أن تقرّر ما إذا كانت ستسمح للمدعي العام بتعديل قرار الاتهام أم لا.

- فور تصديق قرار الاتهام يصبح المشتبه به متهمًا، فيُسلّم رئيس قلم المحكمة بصورة رسمية نسخة مصدقة من قرار الاتهام إلى السلطات التي يقيم على أراضيها، وعلى السلطات المحلية في لبنان أو في أي دولة وافقت على التعاون مع المحكمة أن تحاول تبليغ المتهم للقرار، إلى جانب دعوة الحضور أو مذكرة التوقيف.

- على المتهم بعد تسلّمه قرار الاتهام ودعوة الحضور أو مذكرة التوقيف أن يمثل أمام قضاة المحكمة، ويسمّى ذلك "المثول الأوّل" حيث يُسأل خلال سبعة أيام تلي مثوله[15] عمّا إذا كان يقرّ بمسؤوليته أو ينفيها. وعلى المدعي العام تسليم الدفاع أدلة ومستندات لكي يتسنّى للأخير تحضير دفاعه.

 

3- مرحلة المحاكمة

بدء المحاكمة فعليًا

على أثر تصديق قرار الاتهام يحدد قاضي الإجراءات التمهيدية، بالتشاور مع الفريقين (الدفاع والادعاء) ورئيس القلم والقاضي الذي يترأس غرفة الدرجة الأولى، موعدًا مبدئيًا لبدء المحاكمة، على ألاّ تقل الفترة الفاصلة بين تصديق قرار الاتهام ومباشرة المحاكمة عن أربعة أشهر.

قبل المباشرة بالمحاكمة تعقد غرفة الدرجة الأولى جلسة تمهيدية أو أكثر لتزويد الفريقين بالتعليمات الضرورية لضمان المحاكمة العادلة والمجرّدة والسريعة. فيجوز لرئيس الغرفة مثلًا الطلب من المدعي العام اختصار المدة المخصصة للاستجواب الرئيسي للشهود، وتحديد عدد هؤلاء، كما تحديد الوقت المتاح لتقديم الأدلة.

تتميّز الفترة الممتدة بين تصديق قرار الاتهام ومباشرة المحاكمة بأهمية بالغة بالنسبة إلى الدفاع، إذ يجب أن يُمنح الوقت والموارد الكافية لتحضير دفاعه.

تجري المحاكمة أمام غرفة الدرجة الأولى المكوّنة من ثلاثة قضاة، أحدهم لبناني (القاضية ميشلين بريدي) واثنان دوليان، وتبدأ بالتصريح التمهيدي للادعاء. وفي كل قضية يُسمح بإجراء استجواب رئيسي واستجواب مضاد وإعادة استجواب.

عندما ينتهي كل من المدعي العام والدفاع من تقديم أدلتهما ومرافعاتهما، يُعلن رئيس الغرفة اختتام المحاكمة، وتجري الغرفة المذاكرة سراً حيث يعاين القضاة جميع الأدلة والشهادات للتمكن من أخذ القرار بالإدانة أو بالتبرئة. ويمكن لهذه المداولات أن تستغرق أشهرًا قبل أن تكتمل صياغة الحكم.

يصدر الحكم بقرار خطي معلّل بأغلبية القضاة الثلاثة في غرفة الدرجة الأولى وتكون الإجراءات المتعلّقة بتحديد العقوبة منفصلة عن تلك المتصلة بإثبات المسؤولية الجنائية، ما يتيح للدفاع التركيز خلال المحاكمة على نفي مسؤولية المتهم من دون الخوض في مناقشة العقوبة المناسبة.

تبدأ إجراءات تحديد العقوبة بعد اقرار المتهم الطوعي بمسؤوليته أو بعد إدانته في نهاية المحاكمة. وقد تصل العقوبات حتى السجن مدى الحياة[16] بحسب مسؤولية المتهم والجرم المدان به. وعلى عكس المحاكم الجزائية اللبنانية، لا تُصدر المحكمة الخاصة بلبنان أحكامًا بالإعدام أو بالأشغال الشاقة. يتم تنفيذ مدة السجن في دولة يعيّنها رئيس المحكمة من قائمة الدول التي أعربت عن استعدادها لذلك.

وعلى عكس المحاكم اللبنانية أيضًا، فإنّ الحكم بالبراءة الصادر عن غرفة الدرجة الأولى لا يُطلق سراح المتهم في حال استئناف الحكم من قبل المدعي العام، ويمكن أن يستمر احتجازه حتى صدور القرار عن محكمة الاستئناف.

 

الفارق بين الإقرار بالمسؤولية والاتفاق حول المسؤولية

الإقرار بالمسؤولية[17] هو عندما يقر المتهم صراحة وطوعًا بارتكاب الجريمة المنسوبة إليه، وفي حال تعدّد التهم يمكنه الاقرار ببعضها ونفي البعض الآخر. إنّما لقبول المسؤولية شروط يجب توافرها لكي يقتنع القضاة بها ويقبلونها هي:

- أن يكون الاقرار طوعًا وصريحًا.

- أن يكون قرارًا مستنيرًا لا لبس فيه.

- وجود وقائع كافية وثابتة حول ارتكاب المتهم للجريمة.

أمّا الاتفاق حول المسؤولية[18] فهو إجراء قضائي موجود أساسًا لدى المحاكم الدولية والمحاكم التي تتبع النظام الأنغلوساكسوني، وهو يقضي في المحكمة الخاصة بلبنان بأن يقر المتهم بمسؤوليته في ما خص تهمة أو أكثر من التهم الواردة بحقه في قرار الاتهام، مقابل واحد أو أكثر من الشروط الآتية:

- تعديل قرار الاتهام بناء على الاقرار.

- و/أو إنزال عقوبة محددة أو نوع محدد من العقوبات.

- و/أو امتناع الادعاء العام عن الاعتراض على اقتراح المتهم حول مدّة العقوبة أو نوعها.

في حال توصّل الفريقان إلى اتفاق حول المسؤولية، يُعرض الاتفاق على القضاة الذين يصدرون قرار الإدانة بعد التأكد من أنّ المتهم يفهم مضمون قرار الاتهام، وأنّه ناقش شروط اتفاق الاقرار بالمسؤولية مع محاميه عن وعي وإرادة، وأنّه لم يتعرّض لأي نوع من الإكراه أو التهديد.

إنّ احتمال قبول القضاة بهذا الاتفاق لا يعني بالضرورة أنّهم ملزمون به، إذ يمكنهم إنزال عقوبة أشدّ أو أخف من تلك المقترحة في اتفاق الاقرار بالمسؤولية.

 

المحاكمة الغيابية

تجيز المادة 22 من النظام الأساسي للمحكمة إجراء المحاكمة غيابيًا في إحدى الحالات الثلاث:

- تنازل المتهم صراحة وخطيًا عن حقه في الحضور.

- عدم قيام السلطات المعنية بتسليم المتهم إلى المحكمة.

- تواري المتهم عن الأنظار أو تعذّر العثور عليه.

إذا لم يخضع المتهم لسلطة المحكمة في غضون 30 يوم عمل اعتبارًا من تاريخ إعلان قرار الاتهام علنًا، يطلب قاضي الإجراءات التمهيدية من غرفة الدرجة الأولى المباشرة بالنظر في إجراءات المحاكمة الغيابية، فيعيّن رئيس مكتب الدفاع محامياً للدفاع عن المتهم.

في حال ظهور المتهم أثناء المحاكمة أو بعد صدور الحكم، يحق له طلب محاكمته وجاهيًا مجددًا.

 

4- مرحلة الاستئناف

يجوز لكل من المدعي العام والمتهم طلب استئناف الحكم الصادر عن غرفة الدرجة الأولى، ويمكن لأي من الفريقين الطعن في أخطاء مزعومة في الوقائع (في حال رأى المستأنف استنتاجًا خاطئًا أو تشويهاً لوقائع القضية) أو في القانون[19] (في حال رأى المستأنف خطأً في تطبيق القضاة للقانون).

تتكوّن غرفة الاستئناف من خمسة قضاة، ثلاثة قضاة دوليين وقاضيين لبنانيين.

تبدأ إجراءات الاستئناف بتبادل المذكرات الخطية بين الفريقين، ويعقب ذلك جلسة أمام غرفة الاستئناف التي تدرس شروط قبول الأدلة وفق المعايير الآتية:

- إذا كانت الأدلة جديدة ولم تكن متاحة خلال المحاكمة أمام غرفة الدرجة الأولى.

- إذا كانت ذات صلة وثيقة بالموضوع وموثوقة.

- إذا كانت تشكّل عاملًا حاسمًا في التوصل إلى قرار.

تتّبع غرفة الاستئناف الإجراءات نفسها كغرفة الدرجة الأولى في المحاكمة والمذاكرة وتصدر قرارها في جلسة علنية. ويمكن للقضاة تصديق قرار غرفة الدرجة الأولى أو العقوبة المقرّرة، كما يمكنهم فسخ القرار أو العقوبة وإعادة النظر فيهما. كما يجوز لهم إذا قضت مصلحة العدالة، ذلك اتخاذ القرار بإعادة محاكمة المتهم أمام غرفة الدرجة الأولى مجددًا.

يكون قرار غرفة الاستئناف نهائيًا غير قابل لأي طريق من طرق الطعن، باستثناء إعادة المحاكمة، في حال جرى اكتشاف أدلة جديدة حاسمة لم تكن معروفة وقت المحاكمة، حيث يجوز للفريقين طلب إعادة النظر في قرار الإدانة أو التبرئة أو فرض العقوبة[20].

 

حقوق المتهم

يتمتّع المتهم بالحقوق المحددة في المادة 16 من النظام الأساسي وفي قواعد الإجراءات  والاثبات العائد للمحكمة. المبدأ العام أن المتهم هو شخص بريء حتى تثبت إدانته، ويقع على الادعاء العام عبء الإثبات وليس للمتهم واجب الرد على الاتهامات إن اعتقد أنّ الادعاء لم يثبت التّهم الواردة في قرار الاتهام.

لإدانة المتهم، يجب أن يقتنع القضاة بمسؤوليته عن الأفعال المنسوبة إليه على نحو لا يرقى إليه أي شك.

تمنح لكل متهم الحقوق والضمانات التي تتفق مع معايير العدالة الدولية وهي كحدّ أدنى ما يأتي:

- أن يُبلّغ في أقرب وقت وبالتفصيل وبلغة يفهمها بطبيعة التهمة أو التهم الموجّهة إليه.

- أن يتاح له ما يكفي من الوقت والتسهيلات لإعداد دفاعه.

- أن يُحاكم من دون تأخير غير مبرر، باستثناء حالات المحاكمات الغيابية.

- أن تتم محاكمته بحضوره وأن يدافع عن نفسه بشخصه أو من خلال مساعدة قانونية يختارها بنفسه.

- أن يتم اطلاعه على حقه في المساعدة القانونية، وأن تُكفل له هذه المساعدة من دون أن يتحمّل أي تكاليف في حال لم يكن يملك الموارد الكافية لدفعها، أو إذا اقتضت ذلك مصلحة العدالة.

- تمكينه من استجواب شهود الاثبات وإجابة طلبه حول مثول شهود النفي واستجوابهم.

- تمكينه من درس جميع الأدلة المستخدمة ضدّه وفق قواعد الإجراءات والإثبات.

- أن يتوافر له مترجم فوري مجانًا إذا كان لا يفهم أو يتكلّم اللغة المستخدمة في المحكمة.

- ألا يُجبر على الشهادة ضد نفسه أو اجباره على الإقرار بالذنب.

يمكن للمتهم أن يُدلي بإفاداته في أي مرحلة من مراحل المحاكمة، شرط أن تكون ذات صلة بالقضية قيد النظر، على أن تقرّر الغرفة القيمة الثبوتية لهذه الإفادات.

 

الشهود

الشاهد هو أي شخص يمكن أن يقدّم وصفًا مباشرًا أو تقريرًا واقعيًا عن المسائل المتّصلة بالتحقيقات والمحاكمات التي تدخل في اختصاص المحكمة. لكل فريق في الدعوى طلب دعوة الشهود لاستجوابهم أمام المحكمة، ويمكن للمحكمة دعوة أي شخص للإدلاء بشهادته إذا اعتبرت أنّ إفادته مهمة لإثبات الحقيقة خلال التحقيقات وإجراءات المحاكمة. ويمكن للشهود تقديم أدلّتهم أمام المحكمة مباشرة أو عن طريق إفادة خطية.

بصورة استثنائية ونظرًا لخصوصية القضايا الإرهابية، تتيح المادّة 159 من قواعد الإجراءات والإثبات لشاهد معيّن الإدلاء بشهادته من دون الكشف عن هويته للفريقين أو حتى لغرفة الدرجة الأولى. ويصنّف هذا الإجراء كملاذ أخير لحماية الشاهد أو عائلته من خطر الاعتداء بسبب تلك الشهادة.

يستجوب قاضي الإجراءات التمهيدية الشهود الذين لم تُكشف هويتهم، ويحيل نص الاستجواب إلى الفريقين والممثلين القانونيين للمتضررين المشاركين في الإجراءات، مع رأيه في مدى صدقية الشاهد.

وفي جميع الأحوال، لا يجوز لقضاة غرفة الدرجة الأولى إدانة متهم بالاستناد فقط إلى إفادة شاهد لم تُكشف هويته، فالإدانة تقتضي توافر قرائن وأدلة مؤيدة وثابتة على نحو لا يرقى لأي شك.

 

شهود الزور

نصّت المادّة 152 من قواعد الإجراءات والإثبات على أنّ "الشهادة تصنّف شهادة زور إذا ما أُدليَ بها أمام قضاة المحكمة، ويمكن ملاحقة شاهد الزور على هذا الأساس".

على كل شاهد قبل الادلاء بشهادته أن يؤدّي اليمين. وإذا اعتبر قاضي الإجراءات التمهيدية أو الغرفة المستمعة أنّ هناك أسبابًا جدّية للظن بأنّ الشاهد أدلى بشهادة كاذبة عن علم وقصد، يمكنهما تكليف المدعي العام التحقيق في المسألة ومباشرة الملاحقة بجرم شهادة الزور. أمّا في حال شك قاضي الإجراءات أو الغرفة في قبول الشهادة من قبل المدعي العام، فيمكنهما تكليف رئيس القلم تعيين "صديقًا للمحكمة"[21] للتحقيق في مسألة شهادة الزور بصورة موضوعية ولضمان الحيادية، ويقوم الأخير عندها بمهمات الملاحقة بشهادة الزور.

تجري محاكمة أي شخص متّهم بالإدلاء بشهادة زور أمام قاضي الإجراءات التمهيدية، الذي إن قرّر الإدانة، يحدّد العقوبة التي قد تصل إلى غرامة مالية قدرها مئة ألف يورو أو السجن مدّة سبع سنوات أو الإثنتين معًا.

 

المتضررون

يجوز للمتضرر[22] التقدّم بطلب للحصول على صفة "متضرّر مشارك في الإجراءات" ويأخذ قاضي الإجراءات التمهيدية في الحسبان عدّة عوامل لاتخاذ القرار بإشراكه في الدعوى منها: التحقق من كفاية الأدلة بوقوع ضرر أكيد بصاحب العلاقة، وما إذا كانت المشاركة تشكّل مسًا بحقوق المتهم أو بمقتضيات المحاكمة العادلة.

لا يُمنح المتضررون صفة المشاركين إلّا بعد تصديق قرار الاتهام وعندما تشرف مرحلة التحقيق على الانتهاء.

فور منحه صفة "متضرّر مشارك في الإجراءات" يمكن للمتضرر التعبير عن "آرائه وهواجسه" على النحو وفي الوقت اللذين يحدّدهما قاضي الإجراءات التمهيدية أو الغرفة الناظرة بالدعوى. كما يمكنه عرض أدلته والاستعانة بشهود وتقديم طلبات ومذكرات أمام المحكمة. إلّا أنّه لا يمكنه اكتساب صفة المدعي الشخصي وفق المفهوم المتعارف عليه في القانون اللبناني، إنّما بإمكانه الاستناد إلى الحكم النهائي الصادر عن المحكمة للمطالبة بالتعويض المحق أمام المحكمة الوطنية المختصة.

للمحكمة الخاصة وحدتان تابعتان للقلم تعنيان بالمتضررين المشاركين في الإجراءات:

-  وحدة المتضررين المشاركين في الإجراءات (لعرض أضرارهم وآرائهم والمطالبة بالتعويضات).

-  وحدة المتضررين والشهود (المسؤولة عن حماية الشهود والمتضررين ودعمهم وإمدادهم بأي مساعدة قد تلزمهم).

 

العناصر الجديدة في مفهوم القانون الدولي حول المحكمة الخاصة بلبنان:

- تمارس المحكمة اختصاصها بشأن ارتكاب "جريمة الإرهاب في زمن السلم" التي لم تدخل سابقًا ضمن اختصاص أي محكمة دولية كجريمةٍ بحدّ ذاتها.

- تتمتّع المحكمة باختصاص بشأن الجرائم كما حدّدها القانون اللبناني المحلي، فبينما تضطلع المحاكم المختلطة الأخرى، كالمحكمة الخاصة لسيراليون والدوائر الاستثنائية في المحاكم الكمبودية، بمهمة النظر في الجرائم الدولية والجرائم الجنائية المحلية، تبقى المحكمة الخاصة بلبنان المحكمة المختلطة الوحيدة التي تتمتّع باختصاص بشأن جريمة الإرهاب، كما حدّدها القانون المحلي.

- هي أوّل محكمة دولية لديها مكتب دفاع يعمل كجهاز مستقل يتساوى مع الأجهزة الأخرى، ما من شأنه إعطاء ضمانات إضافية للمتهمين.

- هي أول محكمة دولية تتيح إجراءاتها المحاكمة بصورة غيابية للمتهمين المتوارين.

- قاضي الإجراءات التمهيدية يمارس صلاحيات واسعة لم تكن قائمة سابقًا في المحاكم الدولية، وهو قاضٍ منفصل ومستقل لا يمكنه المشاركة في أي من هيئات الغرف إذ أنّه ليس عضوًا فيها.

- عدم وجود عقوبات تقضي بالأشغال الشاقة أو بالإعدام في المحكمة.

- السماح بمشاركة واسعة للمتضررين في الإجراءات.

 

خاتمة

واجهت المحكمة الخاصة بلبنان صعوبات وتحديات جمّة لقيامها، وستواجه مستقبلًا صعوبات أكبر عند اقتراب صدور الحكم النهائي. فبالإضافة إلى الصعوبات التي تواجهها المحاكم الجنائية الدولية عادة، تعترض المحكمة الخاصة بلبنان (وهي محكمة جنائية دولية تتعامل مع قضايا إرهابية) مشاكل من حيث التحقيق وجمع الأدلة في بيئة سياسية متناقضة ومليئة بالتعقيدات. لذا فالمثابرة على تخطّي التعقيدات والتحديات تشكّل جزءًا من التحقيق في الجرائم الإرهابية وملاحقتها، في ظل انقسام الرأي العام اللبناني حول ظروف نشأتها وقانونيتها وجدوى استمرارها وحياديتها وعدالة أحكامها.

فضلًا عن ذلك، على المحكمة مواجهة تحدٍّ كبير آخر، إذ إنّها أوّل هيئة قضائية دولية تنظر في جريمة إرهابية بحدّ ذاتها، علمًا أنّ الإرهاب الدولي يشكّل مفهومًا متقلبًا يصعب التعاطي معه بسبب افتقار الأدلة والاجتهادات التي يمكن الاستناد إليها. وإنّ تطبيق المحكمة اليوم لمفهوم سليم ومقبول للإرهاب، جاء متوازنًا بالارتكاز على القانون اللبناني وعلى المعايير الدولية ذات الصلة.

إنّ دور المحكمة الخاصة بلبنان مشابه لدور جميع المحاكم الوطنية، وهو تحقيق العدالة وإظهار الحقيقة. ولحين تحقيق هذا الأمل، هل بإمكاننا الادعاء بعدم حدوث جريمة تفجير 14 شباط وما سبقها وتبعها من تفجيرات أدّت إلى زعزعة ثقة اللبنانيين ببلادهم ودفعت بشبابهم للهجرة من جديد؟

لهذه الأسباب مجتمعة أرى أنّه من الضروري أن نتعامل مع المحكمة كواقع قائم، وأن نتعرّف فعلًا إلى أسلوب عملها وقواعد إجراءاتها ونترقب القرارات التي سوف تصدر عنها. فهذه المحكمة كلّفت لبنان الكثير، وتكلّفه اليوم أموالًا طائلة وصلت إلى حدود 60 مليون يورو سنويًا لإنجاز عملها. ومن حق اللبنانيين أن يتعرّفوا إليها ويتابعوا نتائج أعمالها.

 

قائمة المراجع

- قانون العقوبات اللبناني (القانون رقم 340 الصادر بتاريخ 1/3/1943 وتعديلاته)

- قانون أصول المحاكمات الجزائية (القانون رقم 328 الصادر بتاريخ 7/8/2001 وتعديلاته)

- قانون الإرهاب (الصادر بتاريخ 11/1/1958)

- مجموعة اجتهادات المحكمة الخاصة بلبنان- STL (السنوات 2009 إلى 2015)

- القاضي أنطونيو كاسيزي، القانون الجنائي الدولي، الطبعة الثالثة، ترجمة مكتبة صادر ناشرون، صادر 2015

 

[1]- لجنة التحقيق الدولية هي جهاز مستقل عن المحكمة الخاصة بلبنان وليس لديها صلاحية الملاحقة أو المحاكمة. اقتصر دورها على تقصّي الحقائق وجمع المعلومات والأدلة، بالإضافة إلى تقديم المساعدة والمشورة للسلطات اللبنانية خلال تحقيقاتها بالجريمة. أنهت اللجنة أعمالها في 28 شباط 2009 وسلّمت كافة المعلومات التي جمعتها إلى المدعي العام للمحكمة الخاصة بلبنان.

[2]- النظام الأساسي للمحكمة الخاصة مؤلف من 30 مادة قانونية تتناول اختصاص المحكمة وتأليفها وكيفية تحديد المسؤوليات والعقوبات الممكن إنزالها وحقوق الفرقاء المشتركين فيها.

[3]- أوّل قاضٍ دولي ترأس لجنة التحقيق كان القاضي ديتليف ميليس، تبعه القاضي سيرج براميرتس ثم القاضي دانيال بلمار.

[4]- مجموعة اجتهادات المحكمة الخاصة بلبنان 2009-2010 صفحة 12-18.

[5]- مجموعة اجتهادات المحكمة الخاصة بلبنان 2009-2010 صفحة 35-49.

[6]- لجنة الإدارة هي هيئة دائمة مهمتها الإشراف على جميع الجوانب المالية غير القضائية لعمل المحكمة. أنشئت بموجب المادة 6 من ملحق قرار مجلس الأمن رقم 1757 الخاص بإنشاء المحكمة الخاصة بلبنان.

[7]- تتناول المواد 8-9-10 من نظام المحكمة تفصيل تأليف الغرف فيها.

[8]- تحدّد المادة 11 من النظام العام للمحكمة الخاصة بلبنان شروط وكيفية تعيين المدعي العام.

[9]-  تعتبر قواعد الإجراءات بمثابة "قانون أصول المحاكمات الجزائية" لدى المحكمة الخاصة بلبنان. وهي مؤلفة من 196 مادة قانونية وقد اعتمدت بتاريخ 20/3/2009 استناداً للمادة 28 من النظام الأساسي للمحكمة وخضعت لخمسة تعديلات كان آخرها بتاريخ 20/2/2013. أمضت المحكمة فترة السنوات الثلاث الأولى منذ أن بدأت عملها في كانون الثاني 2006 في إنجاز قواعد الإجراءات والتحقيقات وللتحضير للمحاكمة. وقد افتتحت جلسة المحاكمة الأولى في ا/3/2009 وهي حاليًا في إطار الاستماع إلى الإفادات الأخيرة للمتضررين.

[10]- من أهم العناصر التي استُحدثت في تشرين الأوّل 2009، أحد الأحكام الجديدة في المادة 88 من القواعد، الذي يمكّن المدعي العام، حتى قبل تصديق قرار الاتهام، من أن يحيل إلى قاضي الإجراءات التمهيدية أي مواد يعتبرها ضرورية لممارسة مهام قاضي الإجراءات التمهيدية.

[11]- المادة 12 من النظام الأساسي للمحكمة

[12]- المادة 13 من النظام الأساسي للمحكمة.

[13]- أنشئت بموجب المادة 6 من ملحق قرار مجلس الأمن رقم 1757 الخاص بإنشاء المحكمة الخاصة بلبنان.

[14]- التقارير السنوية لرئيس المحكمة الخاصة بلبنان على الموقع الالكتروني www.stl-tsl.org.

[15]- المادة 98 من قواعد الإجراءات والإثبات.

[16]- المادة 24 من النظام الأساسي للمحكمة.

[17]- تحدّد المادة 100 من قواعد الإجراءات والإثبات شروط الإقرار بالمسؤولية ومفاعيلها على الدعوى القضائية.

[18]- تحدد المادة 99 من قواعد الإجراءات والإثبات تفاصيل كيفية الاتفاق حول المسؤولية وشروطه.

[19]- لمادة 26 من النظام الأساسي للمحكمة.

[20]- المادة 27 من النظام الأساسي للمحكمة.

[21]- المادة 60 من قواعد الإجراءات والإثبات.

[22]- وفق المادة 23 من قواعد الإجراءات والاثبات، المتضرّر هو كل شخص طبيعي عانى أضرارًا جسدية أو مادية أو معنوية كنتيجة مباشرة لاعتداء يدخل في صلب اختصاص المحكمة.

Special tribunal for Lebanon: definition, specialization, rules of procedures and trial before it

The lebanese have agreed on the importance of revealing the perpetrators in the explosion of 14 february 2005 and the explosions, assassinations and attempted assassinations that took place before and after that explosion. However, the circumstances of the establishment of this tribunal came in light of a severe political conflict between supporters and antagonists, particularly that its establishment required taking away temporary judicial powers from the lebanese government.

The special tribunal for Lebanon is the first international criminal court which specializes in treating a terrorist crime during times of peace. It is a mixed court that has international and local characteristics. It was established by the lebanese state as a result of an agreement with the United Nations. It is an improvised tribunal AD HOC, meaning its term and procedures do not apply to any other similar tribunal.

The instant results of the massive explosion on 14 February 2005 have quickly emerged “the assassination of Lebanese former PM Mr. Rafik Hariri and the martyrdom of 22 other individuals who were in the location, in addition injuring a large number of individuals and spreading panic among people as well as causing massive damage in properties.”

As a result of negotiations, the United Nations and the lebanese government established the special tribunal for Lebanon. However, this agreement was not approved in the Lebanese parliament for political reasons, thus leading the security council to issue resolution 1757 on 30 May 2007, consisting of the establishment of special tribunal for Lebanon in compliance with chapter 7 of the United Nations Charter.

The lebanese government agreed with the international security council that the headquarters of the special tribunal for Lebanon will be located in The Hague – Netherlands. The tribunal is specialized in tackling crimes specified in the Lebanese Penal Law (Law number 340 issued in 1943 and its amendments) as well as the terrorism law (issued on 11/1/1958).

The annual budget for this tribunal amounts to 59 million euros for the year 2017, for the tribunal is not financed by the regular budget of the United Nations, but by the donations of member states. Therefore, Lebanon covers around 49% of it while the contribution of the states constitutes the remaining 51%. In case these donations become insufficient, the general secretary of the United Nations and the security council are allowed to look for alternative financing means. The tribunal has so far succeeded to collect donations from 28 states, enough to finance its upcoming years of work.

Furthermore, the tribunal must face another major challenge, for it’s the first international judicial committee to deal with a terrorist crime, knowing that international terrorism forms a complex concept that is hard to tackle due to the few international pacts that can be based on. Nowadays, the tribunal’s application of a sane and acceptable concept for terrorism was based on the lebanese law and related international standards.

Le tribunal spécial pour le Liban: sa définition, sa pécialisation, les règles de mesures

Les Libanais se sont mis d’accord sur la nécessité de dévoiler l’identité des personnes impliquées dans l’attentat qui a eu lieu le 14 février 2005, tout comme dans les attentats qui l’ont précédé ou succédé. Or le tribunal et les circonstances de son établissement se sont déroulés à l’ombre d’un grand différend politique entre une partie qui est avec la création de ce tribunal et une partie qui est contre, surtout que son établissement a entraîné la diminution temporaire de compétences judiciaires de la souveraineté Libanaise.

Le tribunal spécial pour le Liban est le premier tribunal pénal international dont la compétence consiste à examiner l’affaire d’un crime terroriste lors du temps de paix. C’est un tribunal mixte jouissant de qualités internationales et locales, établi par l’état libanais suite à un accord avec les Nations Unies. Il s’agit d’un tribunal qui fut créé selon ses propres circonstances Ad hoc, c’est-à-dire que sa compétence et ses mesures ne s’appliquent pas à un autre tribunal pareil.

Les conséquences instantanées de l’attentat énorme parurent le 14 février 2005: «l’assassinat de l’ancien Premier ministre M. Rafic Hariri et la mort de 22 personnes qui se trouvaient dans la location où l’attentat a eu lieu, tout comme la blessure d’un grand nombre de personnes, sans mentionner la terreur qui fut semée et les dégâts énormes au niveau des propriétés».

Suite aux négociations, les Nations Unies et le Liban parvinrent à établir le Tribunal spécial pour le Liban. Mais cet accord n’a pas été ratifié par le Parlement Libanais pour des raisons politiques, fait qui a poussé le Conseil de sécurité à promulguer le 30 mai 2007, la résolution No 1757 dictant l’établissement du Tribunal spécial pour le Liban en se basant sur le 7ème chapitre de la charte des Nations Unies.

Le gouvernement Libanais et le Conseil international de sécurité se sont mis d’accord à ce que le Tribunal spécial pour le Liban soit basé à La Haye – Pays Bas. La compétence du tribunal consiste à examiner les crimes désignés dans le code pénal Libanais (loi 340 promulgué en 1943 et ses amendements), en addition à la loi du terrorisme (promulgué le 11/1/1958).

Le budget annuel du tribunal atteint 59 millions euros pour l’année 2017. Le tribunal n’est pas financé du budget des Nations Unies, mais des dons des pays membres. Le Liban couvre 49% du budget, alors que les contributions des pays couvrent les 51% qui restent. Dans le cas où les donations deviennent insuffisantes, le secrétaire général des Nations Unies et le Conseil de sécurité pourront chercher des moyens de financement remplaçants. Le tribunal a réussi jusqu’à présent à collecter des donations de 28 pays pour fiancer ses prochaines années de travail envisagées.

D’autre part, le tribunal devrait faire face à un autre grand défi. Il est le premier comité judiciaire international à examiner un crime terroriste en soi. À noter que le concept de terrorisme international est un concept versatile difficile à être gérer vu le manque au niveau des traités internationaux et des jurisprudences auxquels il est possible de se baser pour le définir. L’adoption par le tribunal aujourd’hui, d’une définition saine et accepté du terrorisme fut en concomitance basée sur la loi Libanaise et les critères internationaux en rapport.