حوار حول كتاب

المحكمة العسكرية وخصوصياتها
إعداد: ريما سليم ضومط

كتاب للمقدم بشارة خوري غاص بإتقان في الصلاحيات وأصول المحاكمة

 

«المحكمة العسكرية وخصوصياتها» كتاب للمقدم بشارة الخوري، هو ثمرة ثلاث سنوات من العمل الدؤوب، كما أنه موضوع البحث الذي اختاره لرسالته في الدراسات العليا الممهدة لنيل شهادة دكتوراه - دولة في الحقوق الجزائية من الجامعة اللبنانية.

وقد ناقش المقدم خوري رسالته هذه أمام لجنة متخصصة من أساتذة القانون الجزائي، بحضور العميد الركن محمد بنايوتي ممثلاً قائد الجيش وجمهور مثقف حقوقياً ومعني بشؤون المحكمة العسكرية، فنال التقدير بعلامة جيد جداً مقرونة بتهنئة اللجنة على عمله المتقن والمميز، واستحق شكر وإعجاب كل من اطلع على جهوده القيّمة هذه.
موضوع الكتاب، أبوابه، وأبرز ما ورد فيه، كان محور حديثنا مع مؤلفه المقدم بشارة خوري.

 

* مما لا شك فيه أنك اخترت موضوع بحث شائكاً وصعباً، فلماذا كان هذا الاختيار؟

- في الواقع، إن صعوبة هذا الموضوع وندرته هو ما دفعني إلى تناوله. فالقضاء العسكري هو قضاء استثنائي له قوانينه ونظمه. وهو يحتل حيزاً هاماً في بنية الجسم القضائي اللبناني، نظراً لسعة اختصاصه ولتنوّع الأشخاص الذين يحالون للمحاكمة أمامه، إن بالنسبة إلى صفتهم الوظيفية، أو بالنسبة إلى نوعية الأفعال المنسوبة إليهم. كذلك، فإن البحث في موضوع المحكمة العسكرية هو من الصعوبة بمكان، نظراً لندرة المراجع المتوافرة حوله، وللطابع الاستثنائي الخاص الذي يتمتع به هذا القضاء. إضافة إلى عدم استقرار الرأي لدى المشرّع اللبناني حول التعديلات المقترحة والمتداولة لقوانينه والتي تدور في معظمها بين توسيع صلاحية المحكمة العسكرية وبين الحد منها.

أما لجهة اختيار العنوان «المحكمة العسكرية» فهو لتسليط الضوء على استثنائية المحكمة العسكرية مقارنة مع القضاء العادي، وبما أننا نتكلّم عن الاستثنائية، فقد كان من الحري بنا أن نوضح القاعدة، أي القضاء الجزائي بشكل عام ومقارنته بالمحكمة العسكرية كقضاء استثنائي.

 

* ما المنهجية التي اعتمدتها في تقسيم كتابك؟

- يبدأ الكتاب بمقدمة عرض تتناول إشكالية البحث المحورية، يليها «بحث تمهيدي» فيه عرض موجز لهيكلية القضاء العسكري. ثم يقسم البحث إلى قسمين أولهما بعنوان «صلاحية المحكمة العسكرية» وثانيهما بعنوان «أصول المحاكمة أمام المحكمة العسكرية». وختاماً يخلص البحث إلى استنتاج الجدوى من تعديل صلاحيات المحكمة العسكرية، المنصوص عليها في النصوص القانونية النافذة، بشكل يحافظ على خصوصية هذه المحكمة والغاية من وجودها.

 

* هل يمكن تزويدنا بلمحة موجزة عن موضوع البحث في القسمين الرئيسيين للكتاب؟

- يتمحور القسم الأول حول صلاحية المحكمة العسكرية، والقواعد العامة لهذه الصلاحية إن من زاوية صفة الأشخاص أو بالنظر إلى نوعية الجرائم المرتكبة أو لجهة موضوعها أو لكيفية ارتكابها وما ينضوي ضمنها من قواعد خاصة لجهة الصلاحية الشخصية والصلاحية الموضوعية. وبمعنى آخر: مَن الذي يُحاكم أمام المحكمة العسكرية؟ هل هو العسكري فقط وفي الحالات كافة، أم أن هناك أشخاصاً آخرين تطالهم صلاحية هذه المحكمة (القوى الأمنية الأخرى) أو سواهم ممن ليست لهم صفة عسكرية، إنما تشملهم صلاحية هذه المحكمة كونهم شركاء أو متدخلين في جرم أحيل مرتكبه أمام المحكمة العسكرية؟

أما لجهة الجرائم، التي نظراً لطبيعتها، يلاحق مرتكبوها أمام المحكمة العسكرية، فيمكن القول «إنها محكمة استثنائية خاصة لجرائم استثنائية خاصة». ويندرج ضمن هذه الجرائم، العسكرية منها والتي تتنوّع بين جرائم التملّص من الواجبات العسكرية (التخلّف، الفرار...)، والجرائم المخلّة بالشرف والواجب (التسليم والخيانة والتزوير والغش...)، والجرائم المخلّة بالانضباط العسكري (التمرّد والعصيان ورفض الطاعة...).

وهناك جرائم أخرى، بغض النظر عن مرتكبها (عسكري أو مدني) تعطى صلاحية النظر فيها للمحكمة العسكرية كالجرائم التي تمسّ بأمن الدولة الداخلي أو الخارجي ومنها الخيانة أو التجسّس أو الصلات غير المشروعة مع العدو.
أما الفئة الثالثة من الجرائم فهي المتعلقة بالأسلحة المنصوص عليها في قانون الأسلحة والذخائر ضمن الشروط التي فرضها هذا الأخير (المرسوم الاشتراعي رقم 137 تاريخ 12/6/59).

وللإحاطة بموضوع الاختصاص (الصلاحية) كان لا بد من التقصّي عن مفعوله، وبالتالي التعريج على حالات التنازع الممكنة الحصول سواء مع المحاكم العادية أو مع المحاكم الاستثنائية الأخرى وكيفية حل هذا التنازع وصولاً لتحديد المرجع القضائي الصالح للنظر بالدعوى.

أما القسم الثاني، فيتمحور حول مبادئ أصول المحاكمة، والتقاضي أمام المحكمة العسكرية في مختلف مراحل الدعوى، من تاريخ حصول الجرم مروراً بالضابطة العدلية، إلى التحقيق الابتدائي من خلال قاضي التحقيق العسكري وصولاً إلى المحكمة لجهة كيفية إصدار الأحكام ومفاعيل هذه الأحكام بعد أن تصبح مبرمة ونهائية اثر استنفادها طرق الطعن الممكنة أمام المحكمة العسكرية. كل ذلك مقارنة مع الأصول المقررة في القضاء العادي وإبراز أهم نقاط الاختلاف التي تميّز المحكمة العسكرية بصيغتها الاستثنائية، خاصة لجهة حق الادعاء الشخصي غير المتوافر أمام المحكمة العسكرية والذي يمكن من خلاله تحريك الدعوى العامة أمام القضاء العادي بالادعاء المباشر، ولجهة الهيئة الاتهامية غير الموجودة لدى القضاء العسكري، لأنه لا وجود لهيئة اتهامية عسكرية في قضاء التحقيق العسكري بل يقتصر الأمر على قاضي التحقيق العسكري. وما تقدم يطرح التساؤل حول حق المتهم بالدفاع الذي يفقد درجة في القضاء المذكور، وحول من يلعب دور الهيئة الاتهامية في القضاء العسكري للحفاظ على هذا الحق.

كذلك، تم البحث في هذا القسم عن آثار الحكم الصادر عن المحكمة العسكرية الدائمة أو محكمة التمييز العسكرية ومفاعيله، بالنسبة إلى القضاء العادي الجزائي والمدني عندما يكتسب هذا الحكم ما يسمى قوة القضية المحكوم بها، بحيث يعتبر مبدأ قوة هذه القضية أمام القضاء الجزائي، أي عدم جواز محاكمة الشخص مرتين من أجل الفعل ذاته، من المبادئ المهمة التي استقطبت اهتمام المشرّع في معظم الدول، لأنه يعتبر من أهم الضمانات على صعيد الحريات الفردية.
وتناول البحث أيضاً تأثير الحكم الصادر عن المحكمة العسكرية على القضاء المدني بتطبيق قاعدة تقييد القاضي المدني بالقضية المحكوم بها جزائياً وفقاً للأصول القانونية المحكوم بها.

 

* كيف توصلت إلى الإحاطة بالموضوع بالرغم من ندرة المراجع كما أشرت سابقاً؟

- نظراً لقلّة المراجع التي تتناول موضوع القضاء العسكري كان لا بدّ من الاعتماد على المراجع الجزائية باللغتين العربية والأجنـبية من جهة، لما فيها من مؤلفات ودوريات واجتهادات لمحكمة التمييز العسكرية وللمحكمة العسكرية الدائمة والتي هي في معظمها غير منشورة. ومن جهة ثانية، اعتمدت على الخبرة العملية التي مارستها لمدة نحو خمس سنوات كضابط عدلي في الشرطة العسكرية وشرطة المحكمة العسكرية، بالإضافة إلى وجودي ما يناهز الأربع سنوات في القضاء العسكري. وقد ساعد هذا المزيج بين المراجع والخبرة الشخصية في الإحاطة بالموضوع للوصول إلى هذا البحث بحالته الحاضرة.

 

* إلى ماذا خلصت في ختام بحثك حول صلاحيات المحكمة العسكرية؟

- إن خلاصة القول، تتركّز حول ضرورة وجدوى تعديل صلاحيات المحكمة العسكرية بشكل يحافظ على خصوصيتها ويبرر وجودها انسجاماً مع قول فيديل (Vedel) في هذا المعنى: «إن المحاكم الاستثنائية للظروف الاستثنائية» وإنما من دون المسّ بالمسلّمات الجوهرية في مجال الحق والعدالة وحقوق الإنسان، لأن وطناً، كلبنان، من دون مؤسسة عسكرية تحمي حدوده، وتحافظ على أمنه في ظل الظروف الراهنة، هو أمر لا يمكن القبول به؛ ومؤسسة عسكرية من دون قضاء خاص بها، واضح الصلاحيات الذاتية والموضوعية، تمارس وفق اجراءات خاصة ودقيقة ومناسبة، لا يمكنها أن تفي بالدور المنوط بها على صعيد المحافظة على سلامة المواطن وكرامته، وعلى سيادة الوطن ومناعته، مع مراعاة تامة لفوقية الحق وسلطنة القانون نصاً وروحاً.

 

* لمن يتوجه هذا الكتاب؟

- إن هذا الكتاب موجّه لشريحة كبيرة من القرّاء وهذا ما سعيت إليه خلال إعداده. وذلك حتى لا يقتصر على الحقوقيين من قضاة ومحامين فحسب، بل عمدت خلال صياغتي إلى استخدام أسلوب مبسط وسهل ومترابط مع الحفاظ على التوازن في فصوله وأبوابه وفقراته كافة، مع التمهيد في نهاية كل فصل أو فقرة لما سيليها، تسهيلاً للقارئ، ولإتاحة المجال له أياً كان وضعه (ضابط، عسكري، طالب جامعي...) للاطلاع على مضمون الكتاب وفهمه، خصوصاً وان موضوع البحث يتناول مواداً قانونية تفتقر إلى السلاسة والوضوح.

 

* المحكمة العسكرية وخصوصياتها هو باكورة انتاجك، فهل سيليه اصدارات أخرى؟

- إن الهـدف من صياغة هذه الرسالة في كتاب ونشـره هو خـلق مرجـع نادر الوجود في المكتـبات الحقوقية افساحاً في المجال لكل راغـب في المعـرفة، الاطـلاع على عمل المحاكم العـسكرية وخصوصيتها كقضـاء استثنائي. وهـو كذلك تمـهيد لعمل مستـقبلي سيكون موضوع اطروحة الدكتـوراه التي بدأت بإعدادها حول المحاكمة الاستـثنائية في لبـنان لجـهة نطاق اختصاصها والتداخـل في ما بينها: المحكمة العسكرية، المجلس العدلي، محكمة الأحداث، محكمة المطبـوعات، المجلـس الأعلى لمحاكـمة الرؤساء. وأتمـنى أن أوفّـق بتـقديم مادة قيّمـة يستـفيـد منـها كل طـالب معـرفة.