هو وهي

المدرسة بوّابة عبور طفلكما إلى المجتمع
إعداد: ريما سليم ضومط

فلتكن الطمأنينة والثقة زاد خطواته الأولى

 

تستقبلان نبأ دخوله إلى حياتكما بفرحة لا توصف، ومنذ لحظة ولادته تسهران على إعداده جسديًّا ومعنويًا لمواجهة الحياة بثقة، وعندما تحين ساعة انفصاله عنكما للمرّة الأولى ودخوله إلى المجتمع الخارجي عبر بوّابة المدرسة، تجدانه خائفًا أو خجولًا أو عدائيًا، فما الذي يمنع طفلكما من الانخراط في أجواء المدرسة والاندماج في بيئته الجديدة ؟


الأسرة هي الأساس
يشير الاختصاصي في علم النفس العيادي المؤهل أول عمّار محمّد إلى أن الطفل في مرحلة الطفولة المبكرة يتحرّك في نطاق يتداخل فيه نموّه الفيزيولوجي والذهني والعاطفي ويتأثّر بكل ما يحيط به لا سيّما بوالديه وبعلاقتهما ببعضهما البعض. ويضيف أن معظم المشكلات التي يعانيها الطفل لدى دخوله إلى المدرسة تعود إلى كيفية نشأته داخل أسرته وتفاعله مع أفرادها. فالطفل يتعلّم من خلال المحاكاة أي من خلال تقليد والديه أكثر مما يتعلّمه من إرشاداتهما وتعليماتهما. لذلك يفترض بالوالدين الانتباه إلى كيفيّة التصرّف داخل الأسرة لأن التصرّف الخاطىء يعود بنتائج سلبيّة على الأولاد.
في هذا الإطار، يعرض المؤهل الأول محمد بعض السلوكيات التي يجب أن يتنبّه لها الأهل في تعاطيهما مع بعضهما البعض ومع باقي أفراد الأسرة، كي لا تؤثّر سلبًا في شخصيّة الولد فتخلق لديه الخوف من الانخراط في مجتمع خارج أسرته، وتحول بالتالي دون قدرته على الاندماج في أجواء المدرسة.

 

الشجار والمشاحنات
عندما ينشأ الطفل داخل أسرة تكثر فيها المشاكل والمعارك الكلاميّة والصراخ بين الوالدين، فإنه يتعرّض لاضطراب عاطفي، بسبب خوفه من انفصال والديه وخشيته على مصيره من جرّاء هذا الانفصال، وهو يشكّ حينئذٍ بحب والديه له واهتمامهما به. وقد تظهر أعراض الاضطراب العاطفي عند الطفل من خلال القلق المفرط، أو نوبات الغضب، أو الاكتئاب، أو انخفاض تقدير الذات. كما يؤدي التوتّر العاطفي إلى صعوبة اندماج الطفل مع الآخرين، ما يجعل من المدرسة بما فيها من معلّمين وتلامذة وغرف صفوفٍ كثيرة، عبئًا إضافيًا على كاهله.  
لتفادي الوقوع في هذه المشكلة، ينصح المؤهّل أول محمد الوالدين بعدم الشجار أو تبـادل النعـوت السلبيّة أمام الأولاد، وبدلًا من ذلك، تأمـين مناخ ودّي يمنح الطفل الشعور بالأمان داخل أسرته، ويضمن استقراره النفسي، وبالتـالي يساعده على الانطلاق إلى الحياة المدرسيّة من دون خوف أو تردّد.

 

الضغوطات الماديّة
مما لا شك فيه أن بدء الموسم الدراسي يضع الأهل أمام أعباء ماديّة كبيرة، من أقساطٍ مدرسيّة وشراء كتب وقرطاسيّة إلى الزي المدرسي وغيره. يشير المؤهّل محمد إلى أن هذه الأعباء قد تولّد ضغوطات نفسيّة لدى الزوجين، وهذا أمر مفهوم، لكن ذلك لا يعطيهما الحق بالتذمّر أمام طفلهما، لأنه حينئذٍ سيشعر بالذنب وسيحمّل نفسه مسؤولية العبء الملقى على عاتق ذويه. لذلك فإن الحديث في الأعباء المادّية المتعلّقة بالدخول إلى المدرسة لا سيّما في العام الدراسي الأوّل قد يؤدي إلى نفوره من المدرسة.
 
 

الإصغاء والحوار
إن استخدام لغة الحوار الهادىء والإصغاء بين الزوجين واعتماد الأسلوب نفسه مع الأولاد يشجّع الطفل على التعبير عمّا في داخله، لأن الطفل الذي يعاني كبتًا في مشاعره ينجرّ إلى الانعزال شيئًا فشيئًا، وبدلًا من أن يعبّر عن مشاعره السلبية بأسلوب سويّ، يلجأ إلى السلوك العدائي، ما يخلق لديه مشكلة أساسيّة في السنة المدرسيّة الأولى، فالمخاوف التي يحملها هذا الطفل مع دخوله إلى مجتمع جديد، يعبّر عنها بأسلوب الشجار والعنف في الملعب أو المشاغبة في الصف، وذلك لحماية نفسه من الأشخاص الغرباء الذين يحاولون دخول مجتمعه المنغلق.
لتدريب الطفل على التعبير عمّا في داخله، ينصح المؤهل أول محمد الوالدين بأن يشجعاه على التحدّث فى مختلف المواضيع، وأن يصغيا إليه بإمعان. ومن الأفضل أن يترك الوالدان أي عملٍ آخر يلهيهما عن الإصغاء عندما يشعران أن الطفل يريد التحدّث في موضوعٍ هام بالنسبة إليه، مع الإشارة إلى أهميّة التواصل البصري في أثناء الحديث.
ومما يساعد أيضًا في تعزيز مهارات التعبير أن يشجع الأهل الطفل على إعادة سرد القصة التي سمعها من أحدهما بأسلوبه الخاص.

 

القلق والتردّد
 إذا كانت بعض الأمراض العضوية تنتقل عن طريق العدوى، فإن بعض الأمراض النفسية تنتقل أيضًا بالطريقة نفسها. فحين ينمو الطفل في كنف أمٍّ متردّدة غير قادرة على اتخاذ قرارٍ والالتزام به، أو أبٍ عصبيٍّ لا يستطيع التعامل مع مشقات الحياة بهدوء، فإن الشعور بالقلق وعدم الثقة بالنفس سينتقل إلى الطفل الذي سيتعامل مع مجتمعه الخارجي المتمثّل بالمدرسة والرفاق بالطريقة نفسها.
لإبعاد شبح القلق والتردّد عن أطفالكم، ينصح المؤهل أول محمّد الأهل بمراقبة تصرفاتهم أمام أطفالهم والقيام بردود فعل عقلانيّة في المواقف الحرجة والحاسمة، كي يكونوا قدوة حسنة لأولادهم.  

 

العزلة والانطوائية
لا يستطيع الإنسان العيش بعزلة عن الآخرين، والطفل هو إنسان ينطبق عليه هذا الشرط الأساسي للعيش بتناغم مع الذات. لذلك لا يحق للأهل التذرّع بالتعب والإرهاق أو أي ظروفٍ أخرى للبقاء المستمر في المنزل والاسترخاء أمام التلفزيون. فالمفروض ألّا ينشأ الأطفال في أسرة منغلقة على ذاتها، بل على العكس، يجب تدريبهم على الحياة الاجتماعية من خلال الزيارات المتبادلة بين الأهل والأصدقاء، وبناء صداقات مع أولادٍ في سنّهم.
في الختام، يؤكّد الاختصاصي في علم النفس أن إعداد الطفل للمدرسة لا يقتصر على تأمين القسط المدرسي والكتب والقرطاسيّة، بل إنه يشمل أيضًا إعداد الطفل نفسيًا واجتماعيًّا للدخول إلى عالم جديد، مزوّدًا سلاح الطمأنينة والثقة بالنفس.