إقتصاد ومال

المدن الذكية
إعداد: تريز منصور

 واحـات من الإنتاجيـة والصحّـة والنظافـة والجمال وبيروت تلتحـق بهـا

 

قدّمت «المدن الرقمية أو الذكية» بديلاً كاملاً لإقتصاد عالمي أكثر فعاليّة وإنسانية وإنتاجية وصحّة ونظافة ورونقًا وجمالاً. وهي باتت تشكل اليوم ركيزة مستقبل البشريّة، وقد شيّد العديد من الدول منشآتها للمدن الذكية التي باتت صورة باهرة عن تطور الإنجاز البشري في مجالات التكنولوجيا والعمران.
«المدينة الرقمية»، مصطلح يعني إستخدام التكنولوجيا بشكل مركزي متطور في كل شيء، ما يؤدي إلى تحسين مستوى حياة المجتمعات والتجمّعات السكانية المختلفة.


من الصناعة إلى المعلومات
مع حلول القرن الحادي والعشرين، أدّى الإتساع الكبير لتكنولوجيا المعلومات, إختراعًا واستخدامًا، إلى نقل العالم بشكل متسارع من عصر الصناعة إلى عصر المعلومات. وبرزت مصطلحات ومفاهيم أصبحت جزءًا من الحياة اليومية للمجتمعات. ففي مجال الإقتصاد برزت مفاهيم مثل التجارة الإلكترونية والأعمال الإلكترونية والنقود الإلكترونية. وفي مجالات الاتصال، برزت مفاهيم البريد الالكتروني والتعليم الإلكتروني والجامعة الإلكترونية. وفي المجال الحكومي، الحكومة الإلكترونية والمدينة الإلكترونية... وقد أدى كل ذلك إلى ظهور مجتمع المعلومات، وتبلورت مهن جديدة مثل عمّال المعرفة ومهندسو المعرفة، ومزوّدو الخدمة الإلكترونية ومطوّرو المواقع الإلكترونية للمؤسـسات ...إلخ.
ولقد أسهمت التكنولوجيا في زيادة الكفاءة والفعالية الإقتصادية والإدارية، وتحسين مستويات العدالة الإجتماعية وتحقيق الأمن وزيادة النمو الإقتصادي ورفع كفاءة إنتقال الأموال الإستثمارية عبر الحدود. وفي الوقت عينه، خفّفت من الكلفة الإقتصادية في مجالات مختلفة وحاصرت البيروقراطية والروتين، وقصّرت الإجراءات التي تهدر المقدرات والوقت، وقلّلت من الضغط على شبكات النقل والإزدحام على الطرق، وخفّضت من معدلات استخدام الطاقة، وبالتالي من نسب التلوث، كما قلّصت مستويات الجريمة ومخاطر العمل في المصانع والمكاتب. وقد أدّت الإستفادة من مقدرات التقنية بالمجمل، إلى تحسين مستوى حياة المجتمعات والتجمّعات السكانية المختلفة.
 لم تعد «المدن الذكية» أو «المدن الرقمية» صورًا تتراءى لنا من الخيال العلمي، بل أصبح لها وجود على أرض الواقع في عدة دول حول العالم.  ولقد تطوّرت «المدينة الذكية» فأصبحت مفهومًا شاملاً ومترابطًا ومتشعّبًا، بل مدرسة عمرانية جديدة قائمة بحد ذاتها. وفق هذا المفهوم يتمّ إستخدام التكنولوجيا بشكل مركزي متطور في كل شيء. فإذا ما وفّرنا الإنترنت «وايرليس» (لاسلكيًا wireless) في أحد الشوارع يصبح لدينا «شارع ذكي»، وإذا ما إعتمدنا نظامًا إلكترونيًا وتقنيًا متكاملاً في أحد المباني المتوافق مع الشروط البيئية (استعمال كامل للطاقات المتجددة) يصبح لدينا «مبنى ذكي»، وهناك «البيت الذكي» والحكومة الإلكترونية الذكية و«السيارة الذكية» و«الهاتف الذكي» ( Smart phone). وعليه يكون مفهوم المدينة الذكية شاملاً لجميع تفاصيل الحياة العصرية، في ظل بنية تحتية متطورة تمتثل لشروط البيئة السليمة.

 

من أوروبا الى العالم
إستُخدم مصطلح «المدينة الرقمية» أو «الذكية»، للمرة الأولى في المؤتمر الأوروبي للمدينة الرقمية العام 1994، والعام 1996 دشّن الأوروبيّون «مشروع المدينة الرقمية الأوروبيّة» في عدد من المدن، ثم تبنّت السلطات الأوروبية بشكل أساسي مدينة أمستردام كمدينة رقمية تلتها مدينة هلسنكي.
وبرزت في الولايات المتحدة آنذاك عدة محاولات لإعلان بعض المدن كمدن رقمية، إلا أنّ معظمها أخذ الطابع التجاري وليس الطابع المدني الشامل للمدينة.
ومن الأمثلة العالمية اليوم على تطبيقات المدن الذكية في أميركا، مدن أتلنتا، بوسطن، شيكاغو، دالاس، لوس أنجلوس، سان فرانسيسكو، وواشنطن...
 منطقتنا العربية ليست بعيدة على الإطلاق عن تشييد «المدن الذكية»، فهناك مشاريع قائمة في كل من الإمارات، حيث أطلق الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة حاكم دبي مبادرة المدن الخضراء العام 2007، والعمل قائم اليوم على تعميم التدابير والتعاملات الإلكترونية في معظم الدول الخليجية والعربية، ولا سيما في السعودية والكويت وقطر ومصر.

 

بيروت الرقمية على مساحة 5 آلاف متر مربع
في لبنان، رعى رئيس مجلس الوزراء نجيب ميقاتي في 3 أيلول الفائت، إنطلاقة مشروع «منطقة بيروت الرقمية Beirut Digital District» في مرحلة أولى، على مساحة مبنية تقارب الـ خمسة آلاف متر مربع، إذ يبدأ العمل بـ«المنطقة الرقمية»، عبر مبنى واحد في منطقة الباشورة، ومبنى آخر يكتمل ترميمه بعد حوالى ثلاثة أشهر في المنطقة نفسها.
أما المساحة الإجمالية للمشروع، الذي يعدّ الأول من نوعه لبنانيًا، وفق مستشار وزير الاتصالات المحامي كريم قبيسي، فـ«ستبلغ 40 ألف متر مربع مبني، خلال السنوات الخمس المقبلة. وستوفر «المنطقة الرقمية» عند اكتمالها حوالى ثلاثة آلاف إلى أربعة آلاف فرصة عمل في مجالات المعلوماتية والتكنولوجيا وصناعة الابتكار والإبداع في بيروت».
في المقابل أعلن وزير الإتصالات نقولا صحناوي أنه «في غضون سنة سنفتح معًا مدنًا رقمية عديدة في كل أنحاء لبنان». ورأى أن «لبنان قادر على أن يتفوق في هذا المجال خلال خمس سنوات، شرط أن يتوحّد الأفرقاء على تطوير هذا القطاع، لأننا نتمتع بحرية التعبير الفريدة من نوعها في المنطقة».
وإذ أكد أن «أبواب المشروع مفـتوحة لاستقطاب الشركات الأجنبية واللبنانيين العاملين في الخارج، كشف أن «منطقة بيروت الرقمية» أول مساحة فعلية ستظهر فيها الميزات، لتنجز سلعاً رقمية ستدهش العالم».

 

أهداف المشروع اللبناني
يهدف المشروع اللبناني إلى خلق بيئة متكاملة لتشجيع الشركات والأفراد الذين يعملون في المجالات التكنولوجية إلى فتح مكاتب لهم في لبنان، عبر توفير المقوّمات لانطلاق أعمالهم، خصوصًا الاستفادة من الحوافز والتسهيلات الرسمية وتقديم أسعار تشجيعية لبدلات إيجار المكاتب في بيروت، وذلك في مكان تتوافر فيه بنية تحتية متكاملة من انترنت واتصالات... بأسعار تنافسية.
ويتضمن المبنى الأول المكاتب والشركات العاملة في مجالات التكنولوجيا والمعلوماتية والاتصالات، بينما سيتم تخصيص المبنى الآخرلـ«جمعية بيرتيك»، الحاضنة للمشروع، ومن مهماتها تسهيل عمل الشركات والأفراد واحتضانهم.
وتلحظ «منطقة بيروت الرقمية»، إنشاء حدائق ومطاعم ومقاه للمساهمة في تعزيز البيئة الحاضنة للعمل، عبر تبادل الخبرات والمعلومات، بحيث تشكل كتلة واحدة من أهدافها المساعدة في بروز أفكار جديدة وتعزيز التعاون بين العاملين في المنطقة.
يموّل القطاع الخاص هذا المشروع بالكامل، فيما يقتصر دور الدولة على تقديم أسعار مخفّضة وحــوافز لتشجيع الاستثمار فيه، والمساعدة في الترويج له محليًا وخارجيًا.
وسيكون ممكننًا تعميم المشروع خارج بيروت، عبر خلق مناطق رقمية في جميع المناطق اللبنانية، مع مراعاة خصوصية كل منطقة، وما يتمتع بها أبناؤها من خبرات.
وبناء على ما تقدّم، فإن المدينة الإلكترونية وسيلة من الوسائل المهمة لتحقيق رفاهية المجتمعات، حيث ينمو فيها الإقتصاد وينخرط الأبناء في معرفة تقنيات العصر، ويمرح الأطفال في مساحات جميلة خضراء. أما القصور في هذا المجال، فيكمن في الجانب الإداري والتنفيذي أكثر منه في الجانب التقني والفني.

 

 المصادر:
دراسة تحليلية عن «المدينة الرقمية» للدكتور حيدر فريحات، موقع ويكيبيديا، صحيفة النهار.