تحية لها

المرأة في الجيوش العربية: حضور متفاوت بين دولة وأخرى
إعداد: ندين البلعة خيرالله

استطاعت المرأة أن تكسر الصورة النمطية عنها، صورة صاغتها لعقود وأجيال تحفظات وموروثات اجتماعية. دخلت مختلف المجالات ولم تعيقها الصعوبات حتى في الميادين التي توصف بأنّها احتكار للرجل، ومنها السلك العسكري المعروف بأنّه مؤسسة ذكورية. تُسمّى «القوة الناعمة»، باتت تؤدّي أدوارًا احتكرها الرجال تاريخيًا.

رغم السماح للمرأة بالانضمام إلى السلك العسكري في بعض الدول، بقيت ترقيتها في الرتب ومشاركتها في الجبهات الساخنة مقيّدة، في حين لم تنتظر أخريات السماح لهنَّ في القتال والانضمام إلى صفوف الجيش، إذ أدين دورًا بارزًا في تحرير بلادهنَّ، لاسيما المرأة الجزائرية والفلسطينية، ومؤخرًا شاهدنا الكرديات والعراقية والسوريات يحاربن ويحملنَ السلاح دفاعًا عن بلادهنّ أو قناعاتهنَّ.
هنا لمحة عن دخول المرأة إلى صفوف الجيوش العربية:
- الأردن: تشارك المرأة في القوات الأردنية منذ العام 1950، وقد اقتصر دورها على التعليم والتمريض والإدارة طوال سنوات، إلى أن شاركت في العام 2010 في القوة الأردنية في أفغانستان. وفي تموز 2019 وقّعت القوات المسلحة الأردنية وهيئة الأمم المتحدة للمرأة مذكرة تفاهم تقضي بالمساواة بين الجنسَين، وتمكين المرأة ومشاركتها الفاعلة في قطاع الأمن وعمليات حفظ السلام.
- الإمارات: عند الحديث عن مشاركة المرأة الإماراتية في العمل العسكري، لا بد من ذكر مريم المنصوري وهي رائد طيار وقائد سرب، وأول إماراتية تقود طائرات حربية مقاتلة، وقد شاركت في الضربات الجوية ضد داعش في سوريا. سمح القانون الإماراتي بالتجنيد الطوعي للإناث لمدة 12 شهرًا في العام 2016، شرط موافقة أولياء أمورهن. وقد أسهمت مدرسة خولة بنت الأزور العسكرية بشكلٍ ملحوظ في انخراط المرأة الإماراتية في العمل العسكري منذ العام 1990.
- البحرين: فتحت قوة دفاع البحرين قبل أكثر من 30 عامًا باب العمل للمرأة في المجالات العسكرية والإدارية والطبية كافة وغيرها، فنالت الرتب العسكرية العليا. في العام 2009، ولأول مرة في تاريخ قوة دفاع البحرين حصلت امرأتان بحرينيتان على لقب «ركن» بتخرجهما من الكلية الملكية للقيادة والأركان.
- تونس: لطالما كان للمرأة دور بارز في الجيش التونسي الذي ضمّ قائدات في الطيران الحربي، و40 قائدة للبواخر الحربية، وخفيرات سواحل، فضلًا عن عمل أخريات في مكافحة الإرهاب والهجرة غير الشرعية، وغيرها. وتسعى تونس إلى تعزيز مبدأ المساواة بين الجنسَين في تأدية الخدمة العسكرية الإجبارية، وهو مشروع لم يُقرّ بعد.
- الجزائر: بدأت رحلة المرأة الجزائرية في الجيش في العام 1978 بصفة ضابط. وفي العام 1986 تمّ تعليق تجنيد الإناث ليعود ويُستأنف في العام 2001. وفي العام 2017، أعلنت وزارة الدفاع الجزائرية ترقية العميد فاطمة بودواني من سلاح الجو الجزائري، إلى رتبة لواء كأول امرأة في تاريخ الجزائر.
- السعودية: فتح المجال للمرة الأولى بتجنيد المرأة السعودية في كانون الثاني 2018 في وظائف شاغرة في المديرية العامة للجوازات السعودية وفي المطارات والمنافذ البحرية.
- سلطنة عمان: نلحظ أن المرأة موجودة في القوات المسلحة، حيث تحتل نسبــة لا بأس بهــا في شرطــة عمان.
- السودان: سارت النساء في السودان طريقًا طويلًا لكسب حقوقهن، وقدنَ ثورات أوصلتهنَّ إلى تبوّء أعلى المناصب في الأحزاب السياسية، وكمستشارات، وصانعات سياسات. أمّا في القوات المسلحة السودانية، فكانت الدكتورة سعاد عبد اللـه الكارب أول امرأة تحمل رتبة لواء في مجال الخدمات الطبية.
- سوريا: كان دخول المرأة إلى السلك العسكري في سوريا لأول مرة في العام 1920، عندما منح الملك فيصل لنازك العابد رتبة نقيب. ومع اندلاع الحرب في سوريا في العام 2011، تمّ إنشاء كتيبة المغاوير الأولى في الحرس الجمهوري، وأوكلت إليها الجبهة الأكثر صعوبة في هذه الحرب. وهذه الكتيبة النسائية هي الوحيدة في سوريا وتعد 800 عنصرًا.
- العراق: في العام 1977 عملت طالبات الطب والعلوم والتمريض بصفة ضابط في القوات المسلّحة العراقية، ولكن مع بداية الحرب العراقية- الإيرانية (1980) صدر قرار بإيقاف منح الرتب العسكرية للنساء والاكتفاء بتعيين المتعاقدات بصفةٍ مدنية. وفي العام 2005 دُعيت النساء للتطوع في القوات المسلحة العراقية من جديد.
- قطر: في العام 2018 أصدر أمير قطر قانونًا يتيح للنساء ممّن بلغنَ 18 عامًا وما فوق، للمرة الأولى في تاريخ البلاد، الالتحاق بالخدمة العسكرية اختياريًا. ويخدم عدد من النساء حاليًا في الجيش ويشغلن مهمات إدارية.
- الكويت: أول دورة في الشرطة النسائية في الكويت كانت في العام 2008 وتألّفت من 40 منتسبة. وفي العام 2016 باشرت أول خمس نساء (ضباط) من شرطيات مجلس الأمّة عملهنَّ. ولكن ذلك لم يؤدِّ إلى دخول المرأة إلى الجيش، فقد استُبعدت كليًا من التجنيد أو الخدمة في القانون الحالي للخدمة العسكرية.
- ليبيا: في العام 1978 بدأت أكاديمية عسكرية جديدة في ليبيا بتدريب النساء، وفي الثمانينيات تم إنشاء «راهبات الثورة» كقوة شرطة. وفي العام 1984 صدر قانون يفرض التجنيد على الإناث، وبدأ إنشاء الأكاديميات لهنَّ مع الطلب من الطلا جميعًا في المرحلة الثانوية وما فوق المشاركة في التدريب العسكري.
- مصر: لا يُسمح للمرأة بالدخول إلى الجيش في مصر، وقد رفع مواطن مصري في العام 2010 دعوى لإلزام الدولة بإقرار تجنيد الإناث إلزاميًا مساواةً بالذكور. ولكن الدعوى رُفضت، وفي العام 2014 أطلقت طالبات في جامعة القاهرة حملة «مجندة مصرية» للمطالبة بفتح باب التجنيد الاختياري للفتيات.
- المغرب: دخلت المرأة المغربية الجيش للمرة الأولى في العام 1963 وكانت حينها طبيبة وممرضة فيه، وقامت أيضًا بمهمات تقنية في القوات الجوية والاتصال اللاسلكي، فضلًا عن مشاركتها في العمليات الإنسانية الدولية الخارجية. يبلغ مجموع العاملات في الجيش المغربي حوالى 6 آلاف يتوزّعنَ على مختلف الرتب في المصالح الاجتماعية، مع ضابط «ربانة لمقاتلة حربية» في القوات الجوية، وأخرى «ربانة لطائرة حمل للعتاد والفيالق».
- موريتانيا: رغم الطابع المحافظ للمجتمع الموريتاني، دخلت المرأة الموريتانية عالم التجنيد في بداية العام 2005 حين أعلنت قيادة الجيش عن مسابقة لاختيار خمسين فتاة من حامـلات الشهـادات كضابطـات صـف متدربـات. بعدهــا، استطاعـت المرأة الموريتانيـة أن تشغـل مراكــز صنــع القرار جميــعها.
- اليمن: في اليمن حدّد القانون في العام 1991 خدمة المرأة في القوات المسلحة، تطوّعًا، في المجالات الصحية والتربوية والإدارية.
 
المرأة في الجيش اللبناني
تحفظ سجلات الجيش أوّل عقد تطوّع لامرأة بتاريخ 1/9/1990 ويتضمّن قبولًا من جهتها بالموجبات كافة التي تفرضها القوانين المرعية الإجراء وخضوعًا لقانون الجيش. وقد تمّ تطويعها لمصلحة اللواء اللوجستي، لتكرّ بعدها السبحة في العام 1991 بدخول نحو مئة امرأة. ولكن السنوات اللاحقة شهدت تفاوتاً في نسبة الإقبال الذي بقي في مجمله خجولًا، فكان حضور المرأة في الجيش طيلة العقود الثلاثة الماضية رمزيًا، إلى حين تسلُّم قائد الجيش العماد جوزاف عون القيادة في آذار العام 2017، واتّخاذه قرار رفع عدد الإناث في الجيش عبر فتح باب التطوّع، وقد تمّ تطويع أكثر من ثلاثة آلاف أنثى في هذه الفترة، ليصل العدد الإجمالي الحالي إلى أكثر من أربعة آلاف بقليل.
يخطو الجيش اللبناني خطوات متسارعة نحو الحداثة والتطوّر، فإلى جانب الخطط الاستراتيجية التي يضعها لتطوير قدراته العسكرية والبشرية، يأتي قرار القيادة برفع نسبة الإناث دعمًا إضافيًا لهذا التوجّه. هذه الزيادة في انخراط النساء جاءت في إطار خطة استراتيجية صرّح عنها العماد عون سعيًا إلى تعزيز دور المرأة وصولًا إلى إشراكها في القتال.
لوجود المرأة في الجيش مردود إيجابي كبير على أداء الوحدات العسكرية، لاسيما أنّها تشكّل مصدر غنى وقوة وتنوّع وشريك كامل في حماية الوطن. فقد تمّ توزيعهنَّ، بعد المشاركة في الدورات العسكرية المناسبة، على مختلف الوحدات والألوية حتى المقاتلة منها، وذلك خلافًا للفترة الماضية اذ اقتصر وجودهنّ وعملهنّ في مجال الإدارة (طبابة - معاهد ومدارس - وحدات لوجستية - قطع ثابتة). أما اليوم فقد أصبح للألوية المقاتلة والوحدات الخاصة جنودهنّ، هذا فضلًا عن وجودهنّ في الوحدات العملانية كالشرطة العسكرية وأفواج الحدود ووحدات الدعم والمساندة والطبابة وكل أجهزة القيادة. كذلك انضمّ إلى لواء الحرس الجمهوري عدد لا بأس به من الإناث خضعن لتدريبٍ عسكري قاسٍ بإشراف مدرّبين أجانب، ليكنّ على قدر المسؤولية في تسلّم المهمة الأمنية الخاصة المتعلّقة بالرئاسة.
على الصعيد العملاني، يتابع العسكريون الإناث دورات عسكرية أسوة بزملائهنَّ، سواء على مستوى الجيش أم الألوية، من بينها دورات مشتركة مع عناصر «القبعات الزرق» في الجنوب في مجالَي الإدارة واللوجستية وقطاع الصحة وغيرها... كما أنّ الجيش فتح المجال أمامهنّ لمتابعة دورات في الخارج أيضًا بحسب اختصاصهنّ.
هذه الثقة التي منحتها قيادة الجيش للإناث أوصلت ضابطَين أنثيين إلى الالتحاق بالقوات الجوّية لتكونا ضمن فريق طيّاريها بعد أن اجتازتا سلسلة اختبارات قاسية، أثبتتا خلالها أنّ المرأة لا يقف أمامها أي عائق، وقادرة على إثبات قدراتها. كما انضم أيضًا عدد من العسكريين الإناث إلى فرق الصيانة في القوات الجوية، مظهرات كفاءة عالية في إعادة تجهيز الطوافات وتصليحها.
كذلك، برزت هذه الثقة مؤخرًا في تسليم عدد من الضباط الإناث مراكز إدارية مهمّة. مع الإشارة الــى أنّــه في الجيــش اللبنانــي حاليًــا 58 ضابطًــا أنثــى بينهــنّ ثــلاث ضبــاط إناث برتبــة عميــد والباقــي موزّع علــى الرتــب الأخــرى.
في المحصّلة 5% من عديد الجيش اللبناني إناث، وهي نسبة قابلة للارتفاع بحسب المقتضيات والحاجة، واستراتيجية القيادة لتعزيز هذه المشاركة الفاعلة التي من شأنها النهوض بالمؤسسة وعصرنتها من ضمن سلّــة متكاملــة يتــم العمــل عليها.
واليوم تتجه الأنظار إلى الكلية الحربية، التي استقبلت 48 فتاة إلى جانب رفاقهم الذكور بصفة تلميذ ضابط في السنة الأولى، ليتابعنَ في تجربةٍ هي الأولى من نوعها في تاريخ الجيش اللبناني، دورة تمتد على ثلاث سنوات يتخرّجنَ في نهايتها بصفة ضابط برتبة ملازم. ثقة القيادة بهنَّ كبيرة، وعليهنَّ تعتمد في نجاح هذه التجربة والبناء عليها للمستقبل!

 

# سوا منضحّي
تحيّة من القيادة للمرأة في يومها العالمي
في تحية مميّزة للمرأة المناضلة في يومها العالمي، نشرت قيادة الجيش على حساباتها على وسائل التواصل الاجتماعي فيديو بعنوان #سوا منضحّي. إذ صادفت المناسبة التحاق عسكريين إناث وللمرة الأولى في تاريخ الجيش، بالكلية الحربية في دورة عادية وليس ضمن دورات الاختصاص، الأمر الذي شكّل مادةً غنية لإظهار تطوّر دور المرأة في المؤسسة العسكرية من خلال مواكبة دخولهنَّ إلى الكلية.
أصابت القيادة بهذا الفيلم، الذي تضمّن مشاهد من اليوم الأول للالتحاق بالكلية ووداع الأهل وتسلّم العتاد، بالإضافة إلى بعض النشاطات التدريبية، هدفَين أساسيَّين: الأول تجاه المجتمع اللبناني، وهو إثبات قدرة المرأة ودورها الذي لا يقلّ شأنًا عن الرجل بالتضحية التي هي جزء من شعار الجيش. والثاني تجاه المجتمع الدولي، الذي ينظر إلى نسبة مشاركة المرأة في الجيوش كأحد معايير تطوّرها.
فقائد الجيش العماد جوزاف عون، ومنذ تولّيه القيادة، سعى من ضمن أهدافه إلى تعزيز دور المرأة في الجيش، وها هو اليوم يحقق تجربةً فريدةً من نوعها يتابع خلالها العسكريون الإناث دورة تمتدّ على مدى ثلاث سنوات أسوةً برفاقهنَّ الشباب، ليتخرّجنَ من بعدها ضباطًا فعليين ميدانيين، ويكون لهنَّ أدوار فاعلة في الوحدات القتالية وربما مراكز عليا.
ترك الفيديو أصداء إيجابية كثيرة، خصوصًا حيال حديث العسكريين الإناث، واللواتي كانت أعينهنَّ تشعّ حماسةً وفخرًا، وهنّ يؤكّدنَ أنهنَّ لن يستسلمنَ ولن ينسحبنَ!

 

تقديرًا لجهودكنَّ
بينما هي في مكتبها، منهمكة بأفكارها وأوراقها، دُقّ الباب ودخل عسكري من القوات الجوية حاملًا إليها هدية رمزية في مناسبة يوم المرأة العالمي. هدية على بساطتها جعلتها تشعر بالتقدير، تنسى تعبها لوهلةٍ، تبتسم وتتأمل هذه التحفة «المصنوعة بمحبة» بين يدَيها: كوب مميّز ينقل لها معايدة باسمها، مصوِّرًا المرأة في قلب الجيش، واصفًا إياها بـ«Lady».
لطالما آمنت القوات الجوية بأهمية دور المرأة في المجتمع وفي المؤسسة العسكرية بشكلٍ خاص، فكانت السبّاقة على صعيد الجيش وبين عدد من الدول المجاورة بتكليف إناث بوظائف ومهمات عملانية. فكلنا يذكر التقرير الذي بثّته هيئة الإذاعة البريطانية BBC عن امرأتين من القوات الجوية اللبنانية تتدرّبان على قيادة طوافات للمرة الأولى في لبنان. وقد دأبت القوات الجوية على تفعيل دور المرأة في صفوفها فطوّعت إناثًا كمراقبين جويين وفنّيين من بينهنّ من تسلمن وظيفة صيانة طائرات الاستطلاع وتشغيلها... وقد تابعت معظمهنَّ دورات في الاختصاص في لبنان وخارجه.
لقد أثبتت المرأة في القوات الجوية قدرتها الإنتاجية العالية ومثابرتها وإصرارها على التفوق في مختلف المهمات والوظائف الموكلة إليها، سواء كانت عملانية أو إدارية، وها هي اليوم تتلقّى هدية رمزية قدّمتها القوات الجوية للضباط والرتباء والأفراد الإناث جميعًا العاملات فيها، تقديرًا لجهودهنَّ ومساهمتهنَّ الفاعلة في نجاحها وتقدّمها.
وهؤلاء لَسنَ بقلائل، فالقوات الجوية تضمّ ضمن عديدها 180 أنثى بين ضابط ورتيب وفرد.