دراسات وأبحاث

المرأة في القوات المسلّحة
إعداد: د. أحمد علو
عميد متقاعد

من صهوات الجياد إلى قيادة الطائرات الحربية المقاتلة

لا يكاد يخلو تاريخ أمة من الأمم من ذكر عدد من النساء اللواتي شاركن في حروب خاضتها هذه الأمم. فقد ذُكرت النساء المحاربات في العديد من الحضارات على مدار التاريخ، سواء كان ذلك على مستوى قيادة الجيوش، أو في الاشتباك المباشر في ساحات القتال، أو في تقديم الإمداد والدعم اللوجستي للمقاتلين في المعارك. واليوم تتجه الجيوش إلى إعطاء النساء مزيدًا من الفرص وتحميلهنّ المزيد من المسؤوليات.

 

تاريخ المرأة المحاربة في العصور القديمة
اختلف دور المرأة في الحروب القديمة من ثقافة إلى أخرى. فالحرب على مرّ التاريخ المكتوب صورت كمسألة وميدان يخصّان الرجال وحدهم. ولكن التاريخ يتحدث أيضًا عن بعض النساء اللواتي لعبن دورًا في الحروب القديمة. فمثلًا هناك ذكر لنساء محاربات في الآثار المصرية كالملكة أباح حتب في القرن 17 ق.م. والملكة حتشبسوت في القرن الخامس عشر ق.م. كذلك ترد أخبار عن نساء محاربات في الحضارة الصينية، وفي الحروب اليونانية والطروادية في القرون 12 و11 ق.م.
في القرن الأول الميلادي (60- 61) قامت ملكة السلتيك بوديغا بطرد الرومان من انكلترا، بواسطة جيش معظمه من النساء. وفي القرن الثالث الميلادي قادت زنوبيا ملكة تدمر جيشها في عدد من المعارك لطرد الرومان أيضًا من بلادها.

 

... وفي العصور المتوسطة
ورد ذكر عدد من النساء اللواتي حاربن في مواقع كثيرة خلال الحروب الرومانية في أوروبا وشمال افريقيا، أو الحروب الفارسية والهندية. كذلك يذكر التاريخ الإسلامي منذ بداية الدعوة الإسلامية نساءً حاربن وقاتلن إلى جانب الرجال في معارك متعددة، مثل نسيبة بنت كعب، وخولة بنت الأزور. كما لا يمكن إغفال دور «الكاهنة» كشخصية دينية وعسكرية مميزة في شمال غرب أفريقيا (نوميديا)، حيث قادت القبائل الأمازيغية «البربرية» التي تصدّت للعرب المسلمين في أثناء حروب الأمويين، للاستيلاء على ما بات يعرف اليوم باسم المغرب العربي (نهاية القرن السابع ومطلع القرن الثامن الميلادي).
كذلك شاركت المرأة وفق عدة مصادر تاريخية في حروب أهلية أو مع الدول المجاورة خلال القرون 12 و13 و14، في أوروبا وآسيا وأفريقيا.
وفي القرن الخامس عشر (1429) برز اسم الفرنسية جان دارك التي قادت جيشًا فرنسيًا لفكّ حصار الإنكليز عن مدينة أورليانز واستطاعت تحرير المدينة.
كذلك، يذكر التاريخ الأميركي نساءً حاربن إلى جانب الثورة الأميركية ضد الإنكليز (1776)، وأخريات شاركن في الحرب الأهلية الأميركية (1860 – 1865) بعد تنكّرهن بلباس الجنود الرجال.

 

... والعصور الحديثة
بدأ عمل النساء كممرّضات متطوّعات في حرب القرم (1854 – 1856) بقيادة الممرضة فلورنس نايتنغيل التي شكّلت فريقًا من النساء المتطوّعات لمعالجة الجرحى في هذه الحرب.
وشكّلت الحرب العالمية الأولى البداية الفعلية لعمل النساء رسميًا في الجيوش المتحاربة، من انكلترا إلى ألمانيا وروسيا والولايات المتحدة وفرنسا وغيرها من الدول، وذلك بسبب الخسائر الكبيرة في صفوف الرجال. ومنذ العام 1917 بدأت النساء العمل بالزي العسكري كعاملات هاتف وإداريات في جيوش معظم هذه الدول.
في العام 1938 أسّست بريطانيا رسميًا وحدات من النساء للخدمة في القوات المسلّحة في قطاعي التمريض والإدارة. ولكن بعد اندلاع الحرب العالمية الثانية (1939) بدأت النساء الانخراط في الأعمال العسكرية الدفاعية، كالعمل على الكشّافات الضوئية والأسلحة المضادة للطائرات، وكانت إبنة رئيس الوزراء آنذاك ونستون تشرشل واحدة منهن. وقد شاركت النساء في الحرب العالمية الثانية وانخرطن فيها بشكلٍ مباشر وعملي وضمن وحدات قتالية، كما أن بعضهن قمن بقيادة الطائرات المقاتلة، والدبابات ووحدات المشاة والقنّاصة والمدفعية المضادة للطائرات وغيرها، وحصلن على أرفع الأوسمة نتيجة القيام بأعمال قتالية وبطولية باهرة.

 

المرأة في الجيوش المعاصرة
بات عدد النساء في جيوش بعض الدول قريبًا من عدد الرجال. فقد أشرك الاتحاد السوفياتي في الحرب العالمية الثانية نحو 800.000 امرأة، وكان نحو 70% منهن، يحاربن بنشاط على الجبهة في البر والجو. وتختلف النسب المئوية لعدد النساء بالنسبة لعدد الرجال بين دولة وأخرى تبعًا للحاجة والقوانين والحوافز التي ترعى تطوّعهن في القوات المسلحة. وهذه النسب تراوح ما بين 5% و25%، وحتى أكثر من ذلك في بعض الجيوش.
تخدم النساء في مجالات مثل الإدارة والصحة، وأماكن المراقبة، وحراسة المواكب، والإطفاء، والهندسة. وعلى الرغم من تسلّمهن مهمات مختلفة في العديد من جيوش العالم، وبلوغ بعضهن أعلى الرتب العسكرية، فإن عدد البلدان التي تعطي لهن مهمات في الجبهة الفعّالة أو النشطة في الجيش، ما زال قليلًا. وتعتبر روسيا وأستراليا ونيوزيلندا، وكندا، والدنمارك، وفنلندا، وفرنسا، وألمانيا، والنروج، والهند، والباكستان، وسويسرا، والكيان الإسرائيلي، وأخيرًا الولايات المتحدة، من بين الدول التي تعطي للنساء مهمات في الجبهة النشطة (Combat units). كما سُمح لهن في بعض الدول بالانتساب إلى سلاح البحرية وقيادة السفن الحربية وقيادة الغواصات والطائرات الحربية المقاتلة.
كذلك تشارك اليوم أعداد كبيرة من النساء في الأعمال القتالية الدائرة في العراق وسوريا وبخاصة في مناطق الأكراد، حيث تشكّلت وحدات قتالية نسائية رسمية من «البشمركة الكردية» (مصطلح كردي يعني: الذين يواجهون الموت) لمحاربة تنظيم «داعش» الارهابي في شمال العراق وسوريا، وبقيادة نسائية.


الولايات المتحدة: لا مانع بعد الآن...
في أواخر العام 2015 أعلن وزير الدفاع الأميركي أشتون كارتر أنه مع مطلع العام الجديد (2016) سترفع جميع القيود التي تمنع المرأة الأميركية من الانتساب إلى جميع صنوف القوات العسكرية الأميركية والانخراط فيها. وشمل القرار الوحدات المقاتلة وقوات المارينز والوحدات الخاصة، مثل «الرانجرز» و«السيلز» و«القبعات الخضراء» وغيرها، وسلاح الغواصات، وسوى ذلك من الفروع التي كانت حكرًا على الرجال فقط.
وفي الحادي والعشرين من شهر أيار 2016 أعلن نائب الرئيس الأميركي جو بايدن في احتفال تخريج دورة جديدة من الضباط في كلية «ويست بوينت» العسكرية الأميركية، أن ازدياد عديد النساء والرجال في الجيش الأميركي هو ما يعطيه المزيد من القوة، وذلك في إشارة وتحية إلى عدد من الضباط النساء المتخرجات في هذه الدورة واللواتي سيؤدين خدمتهن في بعض الوحدات المقاتلة في الجيش الأميركي.
وفي السادس من شهر حزيران 2016 أجابت «مس أميركا 2016 ديشونا باربر» (26 سنة)، وهي ضابط في الجيش الأميركي، عن سؤال حول رأيها في موافقة البنتاغون على قرار فتح باب التطوّع أمام المرأة في كل فروع القوات المسلّحة الأميركية القتالية، بقولها: «إنه قرار رائع. فنحن النساء قاسيات وحازمات أيضًا كالرجال، وكقائدة لوحدتي العسكرية أنا قوية وأكرّس وقتي لها، ومن المهم أن نعرف أنه لا يجب أن يشكّل الجنس حدًا أو عائقًا بوجهنا في هذا الجيش».


المرأه في الجيوش العربية
شاركت المرأة في العديد من الحروب وأعمال المقاومة المسلّحة في عدد من الدول العربية، وهي تنخرط اليوم في جيوش عددٍ من هذه الدول، مثل دولة الإمارات العربية المتحدة وسوريا والأردن والمغرب (امرأة واحدة برتبة لواء) ولبنان، أما الجيش العربي الذي يضم أكبر نسبة من النساء في صفوفه، فهو الجيش الجزائري، ولديه 4 منهن برتبة لواء.

 

وأخيرًا...
يرى الكاتب الأميركي شارلز موسكز في كتابه The Military As Vestige Of Male Sanctity أن دخول المرأة إلى الجندية قد أدّى أو سيؤدّي إلى فقدان الرجل آخر بقايا حرمة مكانته وقدسيتها. لكن ثمة آخرين يرون أن دخول المرأة هذا الميدان عمليًا لن يغيّر في حقيقة الاختلاف التكويني القائم بينها وبين الرجل مهما بلغت المرأة من القوة والذكاء، ومهما ارتفعت درجة المساواة بينهما.
لكن هل تستطيع هيلاري كلينتون (في حال أصبحت رئيسة الولايات المتحدة وقائدة لأقوى جيش في العالم)، أو ملكة بريطانيا (كقائد أعلى لجيش بلدها)، أن تبدّل أو تغيّر معايير القوة داخل الجيش الأميركي أو البريطاني؟ أو في العالم؟ إن العالم اليوم محكوم بمعايير وموازين أخرى غير قوة الجيوش والأسلحة، ولا فرق بين الرجل والمرأة طالما أن هذه القوة يحكمها العقل، وتديرها أصابع صغيرة، ولم يعد مهمًا إن كانت هذه الأصابع لرجل أو امرأة.

 

المراجع:
• 2016 - 21May ABC News.
• https://en.wikipedia.org/wiki/Women_in_the_military
• www.army.mil/women
• United States Army
• www.cbsnews.com/women-marines-combat-60-minutes  
• www.militarytimes.com/story/military/pentagon/...military...women/76720656/