نحن وأولادنا

المراهقون والوزن الزائد: لا للاستسلام
إعداد: باسكال معوض بو مارون

تقلق ناديا من ازدياد وزن ابنها الذي بلغ الخامسة عشرة من عمره، لكنّها تردّ السبب إلى عوامل وراثية. تقول: ناهي نسخة عن أبيه! في هذه المقولة شيء من الصحة، لكن فيها الكثير من التسليم بأمرٍ واقع أيضًا. فهذا الواقع يمكن تغييره والحد من تأثيره، لا سيما وأنّ العوامل الوراثية على أهميتها ليست السبب الوحيد للسمنة، وبالتالي هي ليست عذرًا للاستسلام. 

 

تُعد زيادة الوزن مشكلة تعاني منها نسبة كبيرة من المراهقين، ما يعرّضهم لخطر الشعور بالاكتئاب وفقدان الثقة بالنفس والعزلة والخمول، فضلًا عن اضطرابات الشهية. وعدم معالجة المشكلة جديًا يجعلها تتفاقم وتطور إلى السمنة مع ما يمكن أن تسببه من أمراض مثل الكوليستيرول والسكري والتريغليسيريد.

تشدّد الاختصاصية في التغذية ميا زياده على ضرورة تنبّه الأهل للمشكلة قبل حدوثها، والعمل على إكساب أولادهم العادات الغذائية الصحيحة وتوجيههم نحو القيام بنشاطٍ بدني منذ الطفولة. للسمنة أسباب منها وراثية، وأكثرها تتعلق بنمط الحياة المتبع إذ يمكننا التحكّم بها وتعديلها كي لا يصل أولادنا إلى مرحلة المعاناة، ويضطروا إلى اتباع حميات غير نافعة إذا لم تكن مدروسة ومصحوبة مع نشاط حركي.

يؤدي الأهل دورًا كبيرًا في توجيه أولادهم نحو الطعام الصحي أو العكس. ورغم أن بعض العادات الغذائية التي تربينا عليها سيئ، فإنّ تغيير العادات يبقى ممكنًا وفق زياده. من العادات التي ينبغي تغييرها إجبار الولد على إنهاء وجبته بالكامل قبل القيام عن المائدة، ما يشجّعه على الإفراط في الطعام، وصمّ الآذان عن رسائل الشبع التي يرسلها الدماغ. كذلك استعمال الحلويات أو الأطعمة المصنّعة والوجبات السريعة كمكافأةٍ للأولاد، وبذلك يرتبط السلوك الجيد بالطعام غير الصحي؛ وهي تضيف: التغيير يجب أن يبدأ شيئًا فشيئًا، والقرارات تبدأ صغيرة لتكبر مع الوقت وتؤسّس لعاداتٍ صحّية. 

تشير عدة دراسات إلى أنّ نسبة المراهقين الذين يعانون السمنة ارتفعت بشكلٍ ملحوظ في العقود الثلاثة الأخيرة، وهذا ما يؤكد الدور الكبير لنمط الحياة في هذا المجال. فمن جهة، نجد اتجاهًا عالميًا لتسويق المشروبات والأطعمة السريعة المليئة بالسكر والسعرات الحرارية التي تغري المراهقين بشكلٍ كبير. ومن جهة أخرى، نرى أنّ الحركة اليومية للمراهق أصبحت أقل بكثيرٍ. وهنا ليس المقصود ممارسة الرياضة فحسب، بل التحركات اليومية أيضًا التي تقلّصّت بشكلٍ واضح: من المدرسة إلى المنزل، فطعام الغذاء، فالأجهزة الإلكترونية على أنواعها، ثم الدرس، فالعشاء ثم الأجهزة الإلكترونية والنوم... هنا لا بد من الإشارة إلى أنّ عدم النوم بشكلٍ كاف هو من أسباب زيادة الوزن. كما أنّ الشعور بالملل والاضطراب العاطفي وتناول الوجبات خلال مشاهدة التلفزيون، هي من العوامل التي تدفع المراهقين إلى التهام الطعام من دون مراعاة كمية الأكل ونوعيته.

 

الحميات الغذائية العشوائية

يقلق المراهقون كثيرًا من زيادة وزنهم، ويعمدون أحيانًا إلى استخدام برامج سريعة لخسارة الوزن الزائد، مثل اتباع نظام غذائي قاس أو تجاهل بعض وجبات الطعام أو ممارسة الرياضة بشكلٍ مفرط، مع العلم أنّهم في مرحلة دقيقة من النمو يحتاجون خلالها إلى كل أنواع الأغذية، وبالتالي فإنّ الحميات غير المدروسة تُعرّض صحتهم للخطر. 

وتشير زياده إلى انتشار حميات غريبة على وسائل التواصل الاجتماعي يتبنّاها المراهقون لرغبتهم في خسارة الوزن بشكلٍ سريع وسهل؛ إلا أنّ غالبية هذه الحميات هي عشوائية لا تناسب الجميع وتتطلّب مراقبة من قبل اختصاصيي التغذية، فبعضها يفتقر إلى العناصر الغذائية والسعرات الحرارية اللازمة للمراهقين. ومن المعروف أنّ الحمية الصحية عملية طويلة وبطيئة نوعًا ما، وتتطلّب اجتهادًا وتصميمًا واحترامًا لقواعدها المحددة. 

 

استراتيجيات وخيارات صحية

وفق زياده، تركّز أفضل استراتيجيات فقدان الوزن وإدارته على خيارات صحية، وهي تنصح في هذا السياق بالآتي: 

-إشراك أولادنا في التخطيط للوجبات وإعدادها، إذ يؤدي ذلك إلى تمكينهم من التعلّم والممارسة للحصول على عادات صحية. فمشاركتهم في تحضير مكونات وجباتهم مع الأهل تدفعهم للاهتمام بما يأكلون وإدخال عادات جديدة على قائمة طعامهم. 

وفي هذا الإطار من المهم زيادة الخضار والفاكهة في الوجبة (نصفها خضار والنصف الآخر نشويات وبروتينات). ومن الأفضل تناول وجبات عائلية منزلية ترتبط بنظامٍ غذائي صحي، مع الحرص على تخفيف المشروبات المليئة بالسكر على أنواعها وصولًا إلى الاستغناء عنها. ويجب أن يفهم الولد أنّ الطعام هو ٣ وجبات يليها أحيانًا كمية محددة أسبوعيًا من السكريات، مع التوعية على ضرورة تناول الطعام الصحي والتركيز على الصحة والنشاط والحيوية والطاقة، من دون التركيز على مشكلة السمنة.

-حراسة البوابة الغذائية، عادة ما تكون للمراهقين شهية كبيرة لأنّهم في طور النمو، وهم يكتسبون عاداتهم الغذائية والصحية والرياضية من أهلهم. لذلك على الأم أن تكون حارسة البوابة الغذائية في البيت، وتحرص على إشباع شهية أولادها بطريقةٍ ذكية، فتضع أمامهم الوجبات الخفيفة الصحية، مثل اللبن والفواكه والخضروات والحبوب الكاملة والخبز والمكسّرات النيئة والبذور والفشار وغيرها. 

-الحركة مبدأ إلزامي، إضافة للطعام تعد الرياضة الأهم صحيًا للمراهق وبما أنّها تتضمن أنواعًا لا تعدّ ولا تحصى من النشاطات، لذا ينبغي أن يختار المراهق من هذا العالم الغني ما يحبه ويستهويه. كذلك يجب زيادة النشاط والحركة في يومياته، مثل استعمال الدرج بدل المصعد، إحضار حاجاته بنفسه من دون الطلب من الآخرين، ترتيب غرفته، المساعدة في أعمال البيت... وعلى الأهل تنظيم برنامج المراهق اليومي بشكلٍ مناسب لإيجاد وقت للحركة أو أي نشاط بدني. 

نحن على أبواب الصيف فلتكن العطلة فرصة نستفيد منها لتعديل نمط حياتنا وحياة أولادنا، وجعله أكثر ملائمة لمتطلبات نموهم وصحتهم. المساعدة في أعمال المنزل، زراعة بعض الشتول، تعلّم تحضير الطعام، اللعب في الخارج بدل تمضية الساعات أمام شاشات الهواتف والأجهزة الذكية... اللائحة يمكن أن تضم خيارات كثيرة أخرى وفق وضع كل عائلة.