علوم وآفاق

المرّيخ هو التحدّي المقبل لروّاد الفضاء
إعداد: ريما سليم ضوميط

عملت وكالة الفضاء الأميركيّة (ناسا) مع شركائها،على مدى عقودٍ، على استطلاع المرّيخ، من خلال إرسال المراكب والسفن الفضائيّة والمسابير، تمهيدًا لإرسال بعثة من البشر لاستكشاف الكوكب الأحمر. هذه الرحلة باتت اليوم محطّ أنظار العالم بعد أن وضعتها ناسا على جدول أعمالها، وتم تعيين موعد انطلاقها في العام 2030.

 

الحلم بات أقرب إلى الواقع
أشارت وكالة ناسا إلى أن استراتيجيّتها الحاليّة تركّز على تطوير التقنيات وتنمية القدرات البشريّة لخوض رحلة المريخ. وتهدف هذه الرحلة إلى البحث في إمكان تحقيق مستقبل بشري مستقل ودائم في الفضاء السحيق، وبناء مستعمرات بشريّة على الكوكب الأحمر. كما تسعى إلى إيجاد إجابات عن عدّة أسئلة، منها ما قد يعلمنا عن ماضي كوكب الأرض وحاضره ومستقبله.
وقد أكّدت الوكالة أن حلم إرسال بعثة مأهولة إلى كوكب المريخ هو أقرب إلى الواقع من أيّ وقت مضى، ولكن هناك عمل كبير يجب القيام به لتحقيق الهدف. وقد باشرت في هذا الإطار، خطة عمل لهذه الرحلة، تتألّف من ثلاث مراحل، يتصاعد خلالها التحدي كلما انتقل البشر بعيدًا من الأرض.
 

اكتشاف الأرض
المرحلة الأولى هي مرحلة «اكتشاف الأرض» وقد بدأت بالفعل، حيث يتم جمع البيانات عن التغيّرات التي طرأت على الروّاد الروس الذين يعيشون في محطة فضاء دوليّة بعيدة عن الأرض منذ أكثر من عام، لتحديد ما يمكن أن يحدث للبشر عندما يصلون إلى المريخ. من خلال هذه المعلومات، يمكن معرفة ما يحتاجه الروّاد للعيش والعمل في الفضاء لفترات طويلة، وكيفيّة الحفاظ على صحّتهم خلال هذه الفترة. وتأمل ناسا أن يمكّنها ذلك من التخطيط لما يمكن أن يحدث للبعثة الفضائية في رحلتها في العام 2030، التي سوف تستغرق 245 يومًا وستجتاز خلالها 35 مليون كيلومتر، وهي المسافة التي تفصل ما بين الأرض والمرّيخ.

 

استطلاع الفضاء السحيق
في حين أن المحطة الفضائية الدوليّة تدور على بعد 400 كيلومتر فقط من سطح الأرض، وتزورها بانتظام سفن الشحن، وروّاد الفضاء، فإن الحياة على سطح المريخ يجب أن تكون أكثر استقلالية، وهذا هو الهدف من المرحلة الثانية من خطة ناسا، وهي تسمى «تثبيت الأرض».
يتخلّل هذه المرحلة بناء مركبات فضائية قادرة على السفر بالطاقة الشمسية. وقالت الوكالة الأميركية إنها ستعمل على تحقيق القدرات المطلوبة للبشر في العيش والعمل على مسافات أبعد بكثير من كوكبنا، مثل المريخ، مشيرة إلى أن هدف هذه المرحلة ليس الوصول لجهة واحدة ولكن السعى إلى تمكين البشر من العمل والتعلم، والعيش بسلام مستدام خارج الأرض لفترات طويلة من الوقت. ولفتت الوكالة إلى أنه يومًا ما، ستستمر حملات استكشاف الفضاء عقودًا، وقد يستمر وجود طاقمٍ واحدٍ في الفضاء 1100 يومٍ.
في هذا الإطار، حقّقت ناسا هدفًا هامًا حيث أطلقت صاروخها الفعّال «أورايون» في أول رحلة له إلى الفضاء خلال تحليق تجريبي دام أربع ساعات ونصف، وتكلّل بالنجاح. جدير بالذكر، أن أورايون هو مركبة الفضاء السحيق المقبلة التي سوف يسافر رواد الفضاء على متنها، وقد زوّدتها ناسا تقنياتٍ وقدراتٍ جديدة لإرسال الروّاد إلى أماكن أبعد من أي وقت مضى. إضافة إلى ذلك، ستطلق ناسا بعثات لاستكشاف الفضاء السحيق في غضون عشر سنوات، وستبدأ بتوجيه المركبة ARM، إلى القمر، وهي الرحلة التي سيتم خلالها اختبار التكنولوجيا اللازمة لحمل الأوزان الثقيلة ونقلها إلى المريخ. وستستخدم البعثة لاختبار إمكان استخدام الطاقة الشمسية كنظام دفع كهربائي متقدّم، وهذا عنصر حاسم في الرحلة إلى المريخ.

 

الروبوتات ومن ثم البشر
أخيرًا، نصل إلى مرحلة «الأرض المستقلّة»، حيث تعتمد ناسا على المعلومات التي تم جمعها من خلال المحطّة الفضائيّة الدوليّة، إضافة إلى البيانات التي جمعتها الروبوتات التي قامت باستكشاف المريخ، كأساسٍ لإرسال أول بعثة بشريّة إليه في العام 2030. كما سيتم جمع البيانات من رحلات هبوط مسبار جديد، هو «انسايت» المقرر إطلاقه في العام 2018، ومسبار «روفر» الأكثر تطورًا والذي سيتم إطلاقه في العام 2020، للبحث عن علامات على الحياة على المريخ، واختبار التكنولوجيا التي من شأنها توليد الأوكسجين من الغلاف الجوي للمريخ، الغني بثاني أكسيد الكربون.
في هذه المرحلة، تسعى ناسا أيضًا إلى تعلّم طرق جديدة للعمل في الفضاء، تقوم على الاعتماد على الذات وزيادة موثوقية النظام. وسوف تخطّط لرفع قدرات الروّاد على التنقل والسكن على سطح المريخ، والبقاء من دون الاعتماد على الأرض. وستختبر الوكالة في العام 2020 نظامًا جديدًا للسكن في الفضاء، يهدف إلى تمكين روّاد الفضاء من البقاء على قيد الحياة أشهرًا وربما سنوات من دون حاجة للكوكب الأم.
تتطلّع ناسا لأول هبوط للإنسان على سطح المريخ في العام 2030، وإذ تشير إلى أن الكوكب الأحمر هو التحدّي المقبل لروّاد الفضاء، فإنها تؤكّد أنها في طريقها إلى الوصول إليه والهبوط فيه، والعيش على سطحه!

 

تحدّيات الاستيطان في المريخ
على الرغم من وجود نقاطٍ متشابهة بين المريخ والأرض، من حيث التركيبة وتعدّد الفصول، والحجم والجاذبية، ووجود الجليد والغلاف الجوي، وهي عوامل تضع المريخ في مقدّمة الكواكب القابلة للاستيطان، غير أن هذه العمليّة تشكّل تحدّيًا كبيرًا للعلماء وروّاد الفضاء. فالكوكب الأحمر يحتاج إلى عملية تأهيل، تتطلّب مبالغ ضخمة ليصبح صالحًا للسكن. فهواء المريخ يتكوّن من 95.3% من ثاني أوكسيد الكربون و2.7% من النيتروجين وبقايا من الأوكسجين وبخار الماء. كما أن الضغط الجوي على المريخ ينخفض عمّا هو على الأرض بمقدار مئة مرة، وبسبب رقّة الغلاف الجوّي والبعد عن الشمس فإن متوسّط الحرارة على المرّيخ تبلغ نحو ستين تحت الصفر.