نحن و القانون

المزاحمة غير المشروعة
إعداد: دكتور نادر شافي
محامٍ بالاستئناف

اعتمد لبنان النظام الاقتصادي الحر الذي يقوم على مبدأ حرية التجارة والصناعة، وارتقى هذا المبدأ إلى مرتبة المبدأ الدستوري وتكرس بموجب التعديل الدستوري تاريخ 21/9/1990، حيث نصّ الدستور صراحة في البند "و" من مقدمته على أن النظام اللبناني حرّ يكفل المبادرة الفردية والملكية الخاصّة. إضافة الى انضمام لبنان إلى المواثيق الدولية التي تكرّس هذه المبادئ، كالعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والعهد الدولي الخاص بالحقوق الإقتصادية والثقافية اللذين أقرتهما الجمعية العامة للأمم المتحدة بتاريخ 16/12/1969، وانضم إليهما لبنان بالمرسوم رقم 38550 تاريخ 1/9/1972.
ويقوم النظام الاقتصادي الحر على مبدأ حرية التجارة والصناعة وحرية المنافسة والتنافس بين المؤسسات الإقتصادية في تقديم الخدمات والسلع، واستعمال كافة الوسائل المشروعة المتاحة من أجل استقطاب واجتذاب الزبائن. إلا أن هذا لا يعني ترك المنافسة والمزاحمة من دون ضوابط تحكمهما لمنع كل تهور وتطرّف واحتكار، بهدف المحافظة على حرية المزاحمة وحقوق المتزاحمين والمستهلكين في آن واحد. فيجب أن تبقى المزاحمة من في إطارها المشروع من دون استخدام وسائل مخالفة للقانون أو العادات التجارية أو المنافية للشرف والإستقامة من أجل جلب زبائن الغير عن طريق المزاحمة غير المشروعة.
وقد ظهر مفهوم المزاحمة غير المشروعة لأول مرة في فرنسا سنة 1850، وأخذ الإجتهاد والفقه يطورانه شيئاً فشيئاً حتى عصرنا الحاضر. وقد حرص المشترع اللبناني على مواكبة التطورات، كبقية التشريعات العصرية، في حماية الملكية التجارية والصناعية والأدبية والفنية. وبتاريخ 17/1/1924 صدر القرار رقم 2358 ل.ر. لحماية الملكية التجارية والصناعية والأدبية والفنية والموسيقية الذي نص في المادتين 97 و98 على معاقبة المزاحمة غير المشروعة. ثم انضم لبنان بموجب القرار 141 تاريخ 28/6/1934 الى اتفاق برن العام 1886 وتعديلاته المتعلق بحماية الآثار الأدبية والفنية، وبموجب القرار 152 تاريخ 19/7/1939 الى اتفاقية باريس لعام 1883 وتعديلاتها المتعلقة بحماية الملكية الصناعية. ونص في المادة 714 من قانون العقوبات اللبناني العام 1943 على معاقبة المزاحمة الإحتيالية. فما هو مفهوم المزاحمة غير المشروعة، وما هو أساسها القانوني، وما هي شروطها، وآثارها
؟

 

ما هو مفهومها وأساسها القانوني وما هي شروطها وآثارها؟

مفهوم المزاحمة غير المشروعة

تجنّب المشترع اللبناني وضع تعريف جامد ومحدد للمزاحمة غير المشروعة، لعدم وجود تعريف يتسم بالمرونة والشمولية، من أجل توسيع نطاق الأفعال القابلة للملاحقة والتي تتغير وتتطور بتطور العصر، فنص في المادة 97 من القرار رقم 24/2385 على أنه تعتبر مزاحمة غير قانونية:
1­ كل مخالفة لهذا القرار ينقصها أحد الشروط للتمكن من تطبيق العقوبات المنصوص عنها.
2­ كل عمل يعطي للمحاكم حرية النظر فيه ويظهر لها أنه من المزاحمة الاحتيالية.
والتعريب الدقيق للنص الموضوع أصلاً باللغة الفرنسية، هو: كل عمل تعتبره المحاكم بسلطتها التقديرية المطلقة أنه يظهر من المزاحمة غير القانونية. ونصت المادة 714 من قانون العقوبات اللبناني عن أنه "كل مَن أقدم بوسائل الغش أو الإدعاءات الكاذبة أو بالتلميح عن سوء قصد على تحويل زبائن الغير، يعاقب بناء على شكوى المتضرر بغرامة من مئة ألف إلى خمسماية ألف ليرة ويتناول العقاب الشروع في ارتكاب هذه الجريمة".
وبذلك، يتبين أن المشترع اللبناني ترك للقضاء والفقه مهمة تحديد أفعال المزاحمة غير المشروعة، وقد تجنَّب الإجتهاد أيضاً وضع تعريف ثابت للمزاحمة غير المشروعة، معتبراً أن تحديد هذه المزاحمة يتم في ضوء المبادئ السائدة في الفقه والاجتهاد، فهو عبارة عن خطأ مهني يرتكبه تاجر أو صناعي رغبة في منافع غير مشروعة على حساب بقية مزاحميه، وان الخطأ المهني بمعناه الواسع هو الفعل الذي لا تقرّه المبادئ القانونية والخلقية المعتمدة في المعاملات المستمدة من العرف التجاري القائم على الاستقامة والأمانة في التجارة وفي العلاقات بين التجار.
وتفترض المزاحمة غير المشروعة اجمالاً أن ينصبّ عمل من يقوم بالمزاحمة على الإستفادة من شهرة وسمعة تاجر آخر اكتسبها بنشاطه وجهوده المشروعة، عبر استعمال أساليب ملتوية تنطوي على تضليل الزبائن لتحويلهم بإتجاه من يقوم بأعمال المزاحمة إضراراً بمصلحة صاحب الحق بصورة غير مشروعة؛ أي استعمال أساليب ملتوية لتحويل الزبائن من مشروع إلى آخر.

 

الأساس القانوني للدعوى

استقر الفقه والاجتهاد الفرنسيان على اسناد دعوى المزاحمة غير المشروعة على القاعدة الأخلاقية المنصوص عليها في المادة 1383 من القانون المدني الفرنسي التي تمنع الإساءة الى الغير وتلزمه بالتعويض عن الضرر اللاحق به، تبعاً لعدم وجود نص خاص بالمزاحمة غير المشروعة في القانون الفرنسي.
وبعد أن كان الفقه والاجتهاد الفرنسيان يشترطان اثبات سوء نية المزاحم، استقر الرأي على عدم اشتراط ثبوت سوء النية لقبول دعوى المزاحمة غير المشروعة استناداً الى أن المادة 1383 من القانون المدني الفرنسي لا تشترط اثبات نية إيقاع الضرر لقبول الدعوى.
أما في القانون اللبناني، فقد خصص المشترع نصين لملاحقة أفعال المزاحمة غير المشروعة، هما المادتان 97 و 98 من القرار رقم 24/2385، إذ تنص المادة 97 على فئتين من أفعال المزاحمة غير المشروعة: الفئة الأولى هي تلك المخالفة لأحكام هذا القرار التي لا تطبق على مرتكبها العقوبات المحددة لها لانتفاء أحد شروط الملاحقة، والفئة الثانية هي المتروك أمر تقديرها للمحاكم التي ترتكز على أسس أخلاقية وواقعية استناداً الى فكرة الخطأ المهني المخالف للعادات السليمة ولمبادئ الإستقامة والأمانة المفروضة في العرف التجاري.
أما المادة 98 فتخول المتضرر من أعمال المزاحمة غير المشروعة حق إقامة الدعوى لوقف العمل الضار والمطالبة بالتعويض عن العطل والضرر.
كما استندت بعض المحاكم اللبنانية الى نص المادة 122 من قانون الموجبات والعقود التي تنص على أن "كل عمل من أحد الناس ينجم عنه ضرر غير مشروع بمصلحة الغير يجبر فاعله إذا كان مميزاً، على التعويض". إلا ان وجود نص بالمزاحمة غير المشروعة في المادتين 97 و 98 من القرار 24/2385، يمنع اللجوء الى نص عام، رغم وحدة الهدف الرامي الى منع  وقوع الضرر أو وقفه أو التعويض عنه.
أما عند توافر القصد الجرمي فتطبق المادة 714 من قانون العقوبات التي تشترط ارتكاب الجاني غشاً أو القيام بإدعاءات كاذبة صراحة أو تلميحاً من أجل تحويل زبائن الغير، وتوافر القصد الجرمي في أن يكون الجاني سيىء النية في ما قام به من اعمال لتحويل زبائن الغير. وهذا ما يرتب مسؤولية جزائية تكون موضوعاً لمزاحمة احتيالية في دعوى جزائية، خلافاً للمزاحمة غير المشروعة التي ترتب مسؤولية مدنية تقوم على أساس الخطأ في دعوى مدنية.
وتختلف المزاحمة غير المشروعة عن المزاحمة الممنوعة بموجب نص قانوني محدد؛ كالقوانين التي تنظم مهنة معينة كمهنة المحاماة والطب والهندسة وغيرها التي تضع شروطاً تتعلق بالكفاءة العلمية والإذن المسبق من المراجع المختصة. وكذلك، القوانين التي تمنع التقليد أو اغتصاب اسم تجاري، وهي تختلف عن المزاحمة غير المشروعة، ولا تأثير لإحداهما على الأخرى.
كما تختلف المزاحمة غير المشروعة عن المزاحمة المخالفة للعقد، كما في حالة اتفاق التجّار على تحديد الأسعار أو توزيع الزبائن بحسب مناطق جغرافية محددة، أو التزام بائع المؤسسة التجارية بالامتناع عن انشاء مؤسسة مشابهة في مكان وزمان محددين، أو التزام العمال والمستخدمين بالامتناع عن مزاحمة رب عملهم بعد تركهم العمل لديه شرط تحديدها في الزمان والمكان.

 

الشروط القانونية لدعوى المزاحمة غير المشروعة
 تشترط دعوى المزاحمة غير المشروعة توافر الشروط الثلاثة التالية:
1­ ممارسة المتزاحمين نشاطاً مهنياً متشابهاً أو متقارباً:
تفترض دعوى المزاحمة غير المشروعة وجود حالة مزاحمة بين أفرقاء النزاع. فيشترط ان يمارس المتنازعون نشاطاً مهنياً متشابهاً أو متقارباً، سواء لجهة البضاعة أو لجهة الخدمات. وقد يكون هذا النشاط تجارياً أو صناعياً أو حرفياً أو أي نشاط آخر، لقاء مقابل أو ربح مادي، ويفترض استقطاب الزبائن. فإذا انتفت أية علاقة بين الأفرقاء لا يمكن الحديث عن مزاحمة غير مشروعة إذ لا يمكن أن نتصور وجود مزاحمة غير مشروعة بين شركة لانتاج اللحوم وشركة لانتاج العصير. وقد نفى القضاء وجود مزاحمة بين شركة تأمين بحري وشركة تأمين حوادث سيارات، لكنه اعتبر المزاحمة قائمة بين مصرف ومؤسسة ائتمانية للتسليف المالي.


2­ ارتكاب فعل غير مشروع للمزاحمة:
يجب ان يتصف فعل المزاحمة بعدم المشروعية لقبول دعوى المزاحمة غير المشروعة، ويستند الفعل غير المشروع الى فكرة الخطأ الذي يعني اقتراف فعل غير مباح وانتهاك موجب، كما يمكن اعتبار الخطأ بأنه إرادة إيقاع الضرر بالغير أو عدم التمكن من توقع الضرر أو تجنبه. وقد اشترط الاجتهاد الفرنسي، في المرحلة الأولى، توافر سوء النية، أو نية الإيذاء أو نية إيقاع الضرر بالمنافس كعنصر ضروري لترتيب المسؤولية في المزاحمة غير المشروعة، مما أدى الى حصر تطبيق دعوى المزاحمة غير المشروعة في الحالات التي يكون الخطأ فيها مقصوداً، فبرزت الصعوبة في اثبات سوء النية لارتباطها بالناحية النفسية.
إلا ان الاجتهاد السائد والمستقر حالياً تخلّى عن شرط الخطأ المقصود أو نية الاضرار بالمنافس الآخر. واعتبرت محكمة التمييز الفرنسية أن قيام أحد التجار باستعمال اسم مماثل لاسم مزاحم له ضمن ظروف تؤدي الى الالتباس بين مؤسستيهما، يعتبر خطأ مرتباً للمسؤولية عن المزاحمة غير المشروعة، من دون ضرورة اثبات القصد أو نية الاضرار. لكن بعض الأفعال تفترض توافر سوء النية، كالتشهير غير المشروع بالمزاحم، أو تحريض عمال المزاحم لإثارة الاضطراب داخل مؤسسته بقصد تحويل زبائنه.
وفي مطلق الأحوال، يعود لقضاة الأساس تقدير الفعل غير المشروع للمزاحمة، وهو يخضع لمراقبة محكمة الأساس بالاستناد الى المعيار الموضوعي بإتخاذ الشخص العادي المتوسط حرصاً واحترازاً وتبصراً لقياس تصرف المزاحم، وهذا المعيار يختلف بفعل التطور في الأنظمة والأعراف والعادات التجارية والاقتصادية والاجتماعية.
وقد تركت المادة 97 من القرار اللبناني رقم 24/2385 للمحاكم بسلطتها الاستنسابية المطلقة تقدير ما إذا كان الفعل هو من أفعال المزاحمة غير المشروعة. وقد اتخذ الاجتهاد اللبناني المعيار الأخلاقي والواقعي الذي يستند الى العادات التجارية السليمة عند تقدير فعل المزاحمة، واعتبر ان الخطأ في المزاحمة يتوافر عند تخطي حدود التعارف التجاري وقوامه مبادىء الاستقامة والأمانة، من دون التفريق بين الخطأ المقصود والخطأ غير المقصود، ومن دون اشتراط سوء النية. وقررت بعض المحاكم أن انتفاء قصد إيجاد التباس في ذهن المشتري عن مصدر البضاعة، وانتفاء الضرر أو نية الاضرار بالخصم، يؤدي الى انتفاء المزاحمة غير المشروعة.
ومن الأمثلة على الأفعال غير المشروعة: الأفعال التي من شأنها خلق الالتباس في ذهن جمهور المستهلكين بقصد إيقاعه في اللغط بين مؤسستين مختلفتين أو بضاعتين مختلفتين، أو الغش في مصدر البضاعة، أو تقليد الرسوم والخطوط والألوان وكيفية ترتيبها وتنظيمها ودرجة لمعانها، أو الشكل الخارجي للمؤسسة، أو طريقة عرض البضائع. ويجب أن تكون تلك المميزات جديدة ومبتكرة ولم يستخدمها أحد من قبل.
كما يكون الفعل غير مشروع عبر اللجوء الى الدعاية الكاذبة، أو التشهير غير المشروع علنياً بالقول أو بوسائل الاعلام المرئية أو المسموعة أو المقروءة، أو نشر خبر ملاحقات قضائية يتعرض لها مزاحم لم يصدر فيها حكم نهائي مبرم، لتهديد سمعته وزعزعة ثقته بقصد تحويل الزبائن عنه. وقد اعتبر الاجتهاد اللبناني أن تسمية "كابيتال"، هو تقليد لتسمية "كابيتول"، وان اسم "ارتفورم" هو تقليد لاسم "أرفورم"، واسم "أوبتيكوس" هو تقليد لاسم "أوبتيكا"، ومن شأنها خلق التباس لدى المستهلك العادي والتسبب بالاستفادة من شهرة مشروع تجاري يملكه الغير.
كما اعتبر الاجتهاد الفرنسي ان المزاحمة غير المشروعة يمكن ان تقع عن طريق المعاكسة، فاعتبر ان استعمال شركة أجبان اسم "غروجان" (التي اعتمدت علامة البقرة الجدية) يشكل مزاحمة غير مشروعة لشركة أجبان "بل" (التي اعتمدت علامة البقرة الضاحكة)، لأن اعتماد كلمة "الجدية" تعكس رغبة الشركة المزاحمة في الاستفادة من مجهود الدعاية التي قامت بها شركة أجبان "بل" وليس من سبب آخر لاعتمادها، الأمر الذي يثبت خلق الالتباس لدى الزبائن نتيجة التشابه السمعي اللفظي أو البصري والاعتقاد أن ماركة "البقرة الجدية" يملكها صاحب ماركة "البقرة الضاحكة".
3­ الضرر الناتج عن المزاحمة غير المشروعة:
يعتبر وقوع الضرر شرطاً أساسياً في دعوى المزاحمة غير المشروعة. وهو كناية عن خسارة الزبائن الذين حوّلهم المزاحم عن المتضرر بتأثير أسلوب المزاحمة غير المشروع الذي ارتكبه؛ أي وجود علاقة سببية بين الضرر الواقع وفعل المزاحمة غير المشروع. وقد انقسم الفقه والاجتهاد حول مسألة اثبات الضرر، فاعتبر البعض أن نجاح دعوى المزاحمة غير المشروعة يستند بصورة أساسية الى توافر واثبات الضرر سواء أكان مادياً أم أدبياً أم معنوياً، حالياً أم مستقبلياً، ويكفي أن يكون أكيداً وقابلاً للتقدير، فاغتصاب اسم مشروب مشهور واطلاقه على صنف من الشوكولاه لم يؤد الى إضرار بذلك المشروب، لا يعتبر برأيهم مزاحمة غير مشروعة.
أما الاتجاه الثاني فيكتفي بتوافر ضرر احتمالي عن الفعل غير المشروع في دعوى المزاحمة غير المشروعة، ولا يشترط اثبات حصول ضرر أكيد لقبول الدعوى، اذ ان المسؤولية تتوافر بمجرد اغتصاب اسم تجاري مشهور واستعماله، من دون حق، بصرف النظر عن وقوع ضرر حالي أو مستقبلي.
وفي مطلق الأحوال، فإن تقدير وجود الضرر الناجم عن المزاحمة غير المشروعة والتعويض عنه يعود لمحكمة الأساس.

 

آثار الدعوى

تهدف هذه الدعوى بالدرجة الأولى الى وقف الفعل غير المشروع واتخاذ التدابير اللازمة والملائمة لإزالة آثارها والزام المزاحم بالتوقف عن المزاحمة غير المشروعة، ومثال على ذلك: منع استخدام الاسم المقلد أو الماركة المقلدة، واتلاف كافة الوثائق والمستندات والاعلانات واللافتات، ومصادرة السلع، ومنع كل ما من شأنه خلق الالتباس؛ كاللون المستعمل في تعليب البضاعة، أو شكل التعليب أو حجمه، التي من شأنها خلق الالتباس في ذهن الزبائن وتحويلهم عن صاحب الاسم الحقيقي. وقد يصل الأمر الى حد اغلاق المؤسسة التجارية المزاحمة بصورة غير مشروعة، أو القيام بالتدابير الوقائية لتلافي أي ضرر محتمل؛ كإلزام المزاحم بإضافة اسم أبيه أو اسمه الى جانب اسم عائلته المستعمل في التجارة تلافياً لخطر الالتباس.
إضافة الى ذلك، يمكن الحكم بالتعويض عن الضرر الحاصل نتيجة المزاحمة غير المشروعة، ويجب أن يكون التعويض موازياً للضرر الواقع، ويتم ذلك عبر اثبات الضرر بكافة الوسائل؛ كاللجوء الى الخبرة لتقويمه. وتطبق هنا القواعد العامة في التعويض عن الضرر المادي أو المعنوي، الحالي أو المستقبلي، أو الخسارة الواقعة أو الربح الفائت. هذا بالإضافة الى انزال عقوبات جزائية متمثلة بالحبس والغرامة فيما لو توافرت عناصر الجرم الجزائي.
كما يمكن الحكم بلصق الحكم ونشره بهدف وقف الالتباس الحاصل بين الاسم المقلد والاسم الأصلي، أو بين البضاعة المقلدة والبضاعة الأصلية. وقد نصت الفقرة الثانية من المادة 118 من القرار 24/2385، على عقوبة الصاق الحكم في الأماكن التي تعينها المحكمة؛ كإيوان المحكمة وباب مكتب حماية الملكية التجارية والصناعية وفي المكان الذي وقع فيه الضرر أو الأمكنة التي ترى المحكمة ضرورة لذلك، وكذلك نشر الحكم في صحيفتين تعينهما المحكمة، واحدة بالعربية وواحدة بالفرنسية.

 

الطفيلية الاقتصادية وجه حديث للمزاحمة غير المشروعة

ظهرت في فرنسا منذ أوائل الخمسينيات نظرية تعاقب على بعض أفعال غير مشروعة رغم عدم استكمالها عناصر المزاحمة غير المشروعة، وأطلق عليها تسمية "الطفيلية الاقتصادية"، وهي لا تزال في تطور مستمر. ومن هذه الأفعال محاولة الاستفادة من شهرة وسمعة الغير اللتين اكتسبهما بصورة مشروعة نتيجة جهده الشخصي، من دون أن يؤدي ذلك الى أي خطر التباس، نتيجة التطور التكنولوجي الحديث وانفتاح الأسواق العالمية على بعضها في ظل العولمة والانترنت، والتي جعلت من الممكن ان يستفيد شخص من شهرة وسمعة غيره من دون أن ينافسه في زبائنه؛ إذ ان المزاحمة غير المشروعة بمفهومها التقليدي تتطلب وقوع المنافسة على السلعة نفسها بقصد تحويل زبائن الغير باسلوب غير مشروع.
وقد اصبح الاسم التجاري أو الصناعي يشكل بحد ذاته قيمة اقتصادية بصرف النظر عن نوع السلعة، فلو وُضِع ذات الاسم أو الشهرة أو الماركة على سلعة من نوع آخر لكان كافياً لجذب الكثير من الزبائن. ومن الصعب القول بوجود مزاحمة غير مشروعة بمفهومها التقليدي لاختلاف نوع السلعة واختلاف زبائن كل من السلعتين.


* تعريف الطفيلية الاقتصادية:
تتمثل الطفيلية الاقتصادية في ان يقتفي شخص أثر غيره أو يتظلل بظل هذا الأخير ليستفيد من مبادرات وجهود وخبرة آخرين يمثلون رمزاً اقتصادياً من أجل جلب الزبائن الى مشروعه، بدون بذل أي مجهود من قبله وبصورة مخالفة للأعراف التجارية ومبادىء الاستقامة في العمل التجاري، وليس ضرورياً أن تقع المنافسة على نفس الزبائن.
وقد اعتبر القضاء الفرنسي سنة 1962 ان استعمال ماركة "Pontiac" العائدة لمصنع سيارات من قبل مشروع يتعاطى بيع البرادات هو عمل خاطىء. كما اعتبر سنة 1993 أن اقدام شركة متخصصة في انتاج العطورات الفخمة (Y.S.L) على انتاج زجاجة عطر أطلقت عليها اسم "Champane" وغلفت الزجاجة بغطاء شبيه بالغطاء المميز لزجاجة مشروب "Champane" الذي تنتجه شركة مشروبات مشهورة، يشكل طفيلية اقتصادية، رغم عدم تصور حدوث أي خلط أو التباس، تبعاً لاختلاف المشروب عن العطر.
وقد أخذ الاجتهاد اللبناني بهذه النظرية وطبقها مند سنة 1992 في دعوى شركة "شمبانيا مويه ايه شاندون" المشهورة عالمياً بانتاج المشروب ضد شركة "شاندون باريس" المنتجة لألبسة لانجري نسائية ومحارم، رغم اختلاف نوع السلعتين.
وكرّست محكمة الاستئناف سنة 1993 مفهوم المزاحمة الطفيلية صراحة في ذات القضية كوجه من أوجه المزاحمة غير المشروعة. وتبعها بعد ذلك العديد من القرارات القضائية اللبنانية فاعتبرت محكمة الدرجة الأولى في بيروت سنة 2000 ان اقدام "الشركة المتحدة للأعمال ش.م.م." على استعمال ذات الاسم التجاري لمصرف "البنك المتحد للأعمال ش.م.ل." يعتبر من قبل التصرفات الطفيلية التي يحاول الطفيلي من خلالها الاستفادة من الشهرة التي اكتسبها الغير بفعل مجهوده ونشاطه ولو في مجال مختلف.
وقد ميّز الفقه والاجتهاد بين التصرفات الطفيلية والمزاحمة الطفيلية، فصاحب التصرف الطفيلي لا ينافس المشروع الضحية في زبائنه، أما المزاحمة الطفيلية فتتشابه مع المزاحمة غير المشروعة من ناحية وقوع التزاحم على الزبائن نفسهم ولكن ما يميز بينهما هو انه في المزاحمة غير المشروعة يجب ان يقع الالتباس في ذهن الزبائن لتحويلهم نحو المشروع المنافس، في حين انه في المزاحمة الطفيلية يكفي ان يأتي الطفيلي تصرفاً يقتفي فيه أثر مشروع آخر سواء خلق التباساً في ذهن الزبائن او لا.


* الاساس القانوني للطفيلية الاقتصادية:
حاول بعض الفقه والاجتهاد تأسيس نظرية الطفيلية الاقتصادية على دعوى الكسب غير المشروع، استناداً الى ان الاستغلال غير المبرّر لماركة معينة والضرر اللاحق بصاحب الحق المشروع؛ يؤدي الى اثراء حققه الطفيلي بدون سبب. لكن هذا الرأي لم يؤخذ به لعدم امكانية اعتبار إن إفقار الضحية سببه اثراء الطفيلي. إلا ان الاتجاه الراجح يعتبر ان الطفيلية الاقتصادية تستند الى احكام المسؤولية المدنية المبنية على الفعل الشخصي المنصوص عليها في المادة 122 من قانون الموجبات والعقود والتي تلزم كل من نجم عنه ضرر غير مشروع بالتعويض على المتضرر.
ويتمثل الضرر في الطفيلية الاقتصادية بالاعتقاد الذي يمكن ان يسود لدى زبائن المشروع الضحية بأن هذا المشروع وسّع دائرة نشاطه والسلع التي ينتجها، وان السلعة التي ينتجها الطفيلي هي من انتاج المشروع الضحية، مع ما يلحق به من أذى وضرر باسمه وشهرته وسمعته وجعلها شعبية. إضافة الى تحويل الزبائن، والحد من فرصة التقدم وتوسيع الاستثمارات، وتحقير العلامة أو الماركة التجارية، والضرر المعنوي بالشهرة والاسم.