إعرف جيشك

المستشفى العسكري المركزي جاهز للعمليات الدقيقة
إعداد: جان دارك ابي ياغي

في تطوّر طبي لافت, تقدم المستشفى العسكري المركزي في مجال الجراحة وزرع الأعضاء, فنجح في زرع كلية لأحد أبناء العسكريين المتقاعدين الذي كان يعاني من توقّف إحدى الكليتين عن العمل, ممّا إضطره الى اتباع نظام الغسل تفادياً لمزيد من الزلال في الدم, ولدى معاينته في المستشفى العسكري المركزي, قرر العميد الطبيب نديم العاكوم مواجهة هذا التحدي من خلال إجراء عملية زرع كلية إنقاذاً لحياة المريض.
مجـلة “الجيش” زارت المستشفى العسكري بعد إجراء العمـلية وسجّلت الوقائع التـالـية.

الثقة ترفع معنويات المريض

يوسف, شاب عمره 23 عاماً, غادر لبنان قبل ثلاث سنوات الى المملكة العربية السعودية للعمل. وبعد فترة, انتكست صحته فأجرى الفحوصات الطبية اللازمة, وتبيّن أنه يعاني من خلل في عمل كليتيه وقرر الأطباء إجراء غسل دائم لهما, فعاد الى لبنان. ومنذ حوالى تسعة أشهر يخضع يوسف لعملية غسل كلى, الى أن كان الفرج بواسطة الطبابة العسكرية.
في مقابلة أجريناها, أكد رئيس الطبابة العسكرية العميد الطبيب نديم العاكوم, أن الثقة هي عامل أساسي لنجاح أي عملية, وتحدّث عن ظروف إجراء هذه العملية في المستشفى العسكري المركزي, وقال: “لقد راودتني الفكرة منذ زمن بعيد وقد تأخرنا في تنفيذها بسبب التجهيزات وأعمال البناء التي خضعت لها المستشفى, الى أن جاء الوقت المناسب عندما لجأت اليّ عائلة المريض طلباً للمساعدة. وهنا لعبت الثقة التي وضعها المريض وأهله بالفريق الطبي وبالمستشفى العسكري دوراً هاماً في نجاح هذه العملية”. فعلى أساس هذه الثقة, أجريت ليوسف الفحوصات كافة في المستشفى وخارجها تحضيراً لإجراء العملية. وبعد إكتمال الملف “قررنا إجراء العملية في المستشفى العسكري بعد التنسيق والتشاور مع فريق طبي من مستشفى الروم برئاسة البروفسور مارون أبو جودة”.
تاريخ 3 / 8 / 2002, يوم إجراء العملية, كان يوم إستحقاق عظيم وضع المستشفى العسكري والقيّمين عليها أمام تحد جديد خرجت منه, وككل مرة, لتبرهن بأن عامل الثقة هو مفتاح كل نجاح وبأن المستشفى على مستوى عال يضاهي كبريات المستشفيات الخاصة في لبنان, إن من حيث التجهيزات المواكبة لكل تطوّر طبي أو من حيث الفريق الطبي العامل فيها.
وبالفعل, نجحت المستشفى العسكري أمام هذا الإختبار الجديد, وأجريت عملية زرع كلية ليوسف تكللت بالنجاح من دون أي مضاعفات تذكر, بعد أن تبرّعت والدة يوسف السيدة إبتسام بكليتها لإبنها.

ماذا بعد إجراء العملية؟

بعد الإنتهاء من عملية الزرع التي استغرقت حوالى الخمس ساعات, خرجت الأم وابنها من غرفة العمليات بصحة جيدة, ووضعا تحت المراقبة لمدة 48 ساعة, وهو إجراء طبي طبيعي, خوفاً من حدوث إنتكاسة ما جراء العملية. وبعد مضي ثلاثة أيام على موعد العملية, بدأت كلية يوسف “الجديدة” تعمل بشكل طبيعي (مئة في المئة) من دون أي مضاعفات تذكر, وبعد عشرة أيام غادر المستشفى الى منزله الذي كانت قد سبقته إليه والدته.
أما تكلفة العملية فاقتصرت على تكلفة العلاج وتوفير الأدوية للمريض, كما جاء في حديث العميد الطبيب نديم العاكوم, وأوضح “أنّ تكلفة عملية زرع الكلى في أي مستشفى مدني هي بحدود 000.000.20 ل.ل. (عشرون مليون ليرة لبنانية) ويمكن توفير النصف في حال أجريت هذه العمليات في الطبابة العسكرية إذا لم تحصل مضاعفات غير مرتقبة, وبذلك بلغت تكلفة العملية عشرة ملايين ليرة لبنانية”.
وعندما سألنا رئيس الطبابة العسكرية عن سبب عدم تكرار مثل هذه العمليات في المستشفى العسكري, أجاب: “إن المطلوب هو إجراء عملية زرع كلى واحدة لا أكثر, أقلّه في الوقت الحاضر, لأن المستشفى العسكري المركزي لا يمكنها الإستمرار في هذا النهج لانشغالها في عمليات جراحية أكثر إلحاحاً. فمقابل كل عملية زرع كلى بكل مستلزماتها, تجرى في المستشفى العسكري يومياً 20 الى 30 عملية جراحية”. أما الهدف الذي من أجله طلب الموافقة على إجراء مثل هذه العملية في المستشفى العسكري “فهو معنوي, كي نثبت للمستفيدين من الطبابة العسكرية أن المستشفى المذكور يمكنه إجراء أعمال طبية جراحية متطوّرة”. ووعد العميد الطبيب العاكوم, في نهاية المقابلة, بتكرار مثل هذه العمليات عندما تسمح الظروف بذلك.

رأي الفريق الطبي

أبدى الفريق الطبي العامل في مستشفى الروم برئاسة البروفسور مارون أبو جوده استعداده لإجراء عمليات زرع كلى في الطبابة العسكرية ­ المستشفى العسكري المركزي وذلك بدون بدل مادي, وتبرعوا بقيمة أتعابهم الى صندوق أولاد العسكريين الشهداء.
وعن أهمية إجراء مثل هذه العملية في المستشفى العسكري, قال البروفسور أبو جودة: “تعتبر المستشفى العسكري المركزي خامس مستشفى في لبنان تجري عمليات زرع كلى, وقد فوجئنا بالجهوزية التامة من الناحية التقنية والطبية لتأمين نجاح مثل هذه العملية, وبما أن غرفتي العمليات والعناية الفائقة مجهزتان تجهيزاً كاملاً, دقت ساعة الصفر في 3 آب وأجرينا العملية التي تكللت بالنجاح بفضل التعاون والتنسيق بين الفريقين الطبيين التابعين لمستشفى الروم والمستشفى العسكري. ولدى معاينتي المريض اليومية, كان يتبين لي بأن الكلية تعمل بشكل جيّد ومعدل الزلال بالدم طبيعي”.
ولم يأت البروفسور أبو جوده على ذكر أي صعاب أثناء إجراء العملية, “لأن كل الإحتياطات قد اتخذت وتمّ تأمين كافة الأجهزة والأدوية بالسرعة المطلوبة”, ونوّه بالفريق الطبي المتخصص العامل في المستشفى العسكري. وأضاف: “الهدف من العملية هو معنوي وقد وضع المستشفى أمام تحد جديد إذ لا ينقصها لا القدرة ولا القرار في المضي قدماً للوصول الى مصاف المستشفيات الخاصة في مواكبة التطوّر التكنولوجي, مما يزرع الطمأنينة في نفوس العسكريين ويثبت بأن المؤسسة العسكرية على مستوى التحدي والمسؤولية”.
وفي نهاية اللقاء, أكّد البروفسور أبو جودة بأن “يد العون سوف تبقى ممدودة للجيش كلّما دعت الحاجة لأنه الضمانة الوحيدة من أجل مستقبل أفضل”.

في غرفة العناية الفائقة

بعد الإنتهاء من المقابلات, توجّهنا برفقة رئيس المستشفى العقيد فيصل زياده ورئيس قسم الجراحة الرائد الطبيب جوزف عشراوي الى غرفة العناية الفائقة حيث كان بانتظارنا الجسم التمريضي ويوسف ووالدته. وقبل ولوج غرفة يوسف, طلب منّا ارتداء ملابـس واقية ومعقّمة تجنباً لنقل أي ميكروبات الى المريض أثناء الزيارة بسبب ضعف جهاز المناعة بـعد العملية. كما لاحظنا إفراغ القـسم من المرضى لهذه الغاية. بعـد إرتداء الكمامة وغطاء الرأس والمريول وغطاء خاص للحذاء, كانت الزيارة الأولى ليوسف.
عندما دخلنا غرفة الشاب “المريض” يوسف كانت إبتسامته تنمّ عن ثقة كبيرة وارتياح أكبر لاجراء العملية في المستشفى العسكري, وقال: “ثقتي بالجيش كبيرة, فأنا ولدت وترعرعت في بيت عسكري (والده المعاون الأول المتقاعد جهاد جديداني من راشيا الوادي) ومحبتي للجيش لا توصف. من هنا, كان القرار في إجراء العملية في المستشفى العسكري المركزي بعد كل الشروحات التي قدّمها لنا العميد الطبيب نديم العاكوم والفريق الطبي وعلى رأسهم الدكتور مارون أبو جوده الذي أجرى العملية. فألف شكر لهم على شجاعتهم التي انعسكت ثقة وطمأنينة أدّت الى انتهاء معاناة استمرت تسعة أشهر من غسل الكلى”. وتمنّى يوسف, بعد أن يقوم بالسلامة, التطوّع في الجيش.
ثم انتقلنا الى غرفة الوالدة إبتسام (الواهبة) التي لم تكن أقلّ حماساً وافتخاراً من ابنها في إجراء العملية في المستشفى العسكري, وقالت: “عندما لجأت الى العميد عاكوم لمساعدة ابني قلت له أن يعتبره كابنه, وكان جوابه انه لا يفرّق بين مرضاه وهو بمثابة أب لهم جميعاً. لا يسعني الا أن أشكره جزيل الشكر لكل الدعم المادي والمعنوي الذي قدّمه لنا اذ لم نشعر لحظة واحدة بأننا متروكون أو أنه ينقصنا شيء, فسلّمنا أمرنا للفريق الطبي وشعرت أثناء العملية بأنني في الجنّة لكثرة ما اطمأن قلبي للأجواء التي سادت قبل إجراء العملية وبعدها. لقد برهنت المستشفى العسكري, مرة جديدة, أنها مواكبة لكل تطوّر على غرار زميلاتها من المستشفيات الخاصة, وذلك بفضل القيّمين عليها وبتوجيه قائد الجيش”.
وفي غضون شهرين الى ثلاثة أشهر على الأقل, من موعد إجراء العملية, يعود يوسف جهاد جديداني الى ممارسة حياته الطبيعية المعتادة وكأنّ شيئاً لم يكن.

المستشفى العسكري المركزي في مواكبة التطوّر التكنولوجي

مواكبةً لكل تطوّر تكنولوجي, استُقدمت الى المستشفى العسكري آلة تصوير أشعة تعتبر من أحدث الآلات المصنّعة حديثاً. أما مميزات هذه الآلة وتدعى “آلة التصوير الطبقي المحوري الحلزوني” (SPIRAL CT SCANNER) , فتحدث عنها رئيس قسم الأشعة المقدم الطبيب روي شكري والطبيب الإختصاصي زياد عساف, فأكدا بأنها من أفضل الآلات الموجودة في المستشفيات الخاصة ومن أحدثها, إذ تتميز بقدرة تشغيل 12 ساعة متواصلة بمعدل 50 مريضاً في اليوم الواحد, هذا بالإضافة الى كونها تؤمن:
­- تصوير الشرايين.
­- التصوير الثلاثي الأبعاد.
-­ صورة تقديرية (Virtual Endoscopy)
- ­تصوير بواسطة CT Fluoroscopy.
-­ أجري بواسطتها خلال شهرين نحو 900 فحص.
بالإضافة الى أخذ خزعات (Biopsy)ومعالجة بعض الحالات الجراحية (Drainage)