قانون إنساني

المسموح والممنوع
إعداد: أحمد زكريا
المندوب الإقليمي للجنة الدولية للصليب الأحمر لدى القوات المسلّحة - لبنان

تكملة لما تمّ عرضه فى المقال السابق سنعرض في هذا المقال، العمل المسموح به في أثناء سير العمليات العدائية، وكيفية تطبيق القانون في المراحل المختلفة للمعركة، وبخاصة عمليات الهجوم والدفاع والحصار والمناورة. فما هو العمل المسموح به خلال العمليات؟ وماذا يخبرنا القانون عن الاتصال الذي يمكن أن نجريه بالعدو أو بالسلطات المدنية؟...
أولًا لا بد من التذكير بأن مبادئ قانون النزاعات المسلحة تنطبق في كل مكان وعلى الدوام. وينبغي على القادة وهيئة الأركان، احترام المبادئ الرئيسية المتعلقة بالتمييز والتناسب في كل الأوقات، وأن مصطلح «مهاجمة» (أو هجمات) وفق هذا القانون، يشير إلى كل أعمال العنف ضد الخصم، سواء كان ذلك فى الدفاع أو الهجوم.


العمل المسموح به في العمليات
• خدع الحرب:

هو مُصطَلح متعارف عليه للإشارة بشكل أساسي إلى الحيلة وتضليل الخصم. وعادة ما يلجأ كل قائد بارع إلى استخدام الحيلة والمفاجأة ليهزم العدو أو يربكه. لقد ظلّ تضليل العدو حول الموقف العسكري، وبخاصة قوة قواتك وعزمها، وموقعها، ونواياك وخططك، من الوسائل المألوفة في الحرب على مدى العصور. وخدع الحرب هي من الأمور المسموحة ولكن من دون أن تخرق هذه الأعمال قانون النزاعات المسلحة، أو أن تندرج تحت عنوان الغدر الذي وصفناه سابقًا.
ومن خدع الحرب ما يأتي:
- التمويه والإخفاء، بطريقة طبيعية أو عن طريق شِبَاك التمويه أو الطلاء، أو استخدام الدخان لإخفاء التحركات.
- استخدام أسلحة زائفة مُقلدة، على سبيل المثال نماذج مطاطية أو خشبية بالحجم الطبيعي للدبابات والطائرات، لإرباك خصمك وتضليله بالنسبة إلى الحجم الحقيقي لقواتك ولانتشارها.    
- إعطاء معلومات مُضَلِلَة، أو الإعلام المُضلِل، أو عمليات الحرب النفسية، بهدف إثارة البلبلة وإضعاف الروح المعنوية، ولكن شرط ألّا يكون الهدف من ذلك نشر الذعر بين السكان المدنيين.
إن مثل هذه الإجراءات المتعلقة بالخداع العملياتي، تُعَد مشروعة تمامًا بمقتضى القانون، ولكن لا يسمح لك باستخدام إحدى حالات الحماية المكفولة بالقانون لتطوير الهجوم على العدو، وتحقيق ميزة عسكرية، فذلك هو الغدر.
 

• الاتصـال بالعـدو:
في أثناء إدارة العمليات، تستطيع أن تجد وقتًا كافيًا كى تجري اتصالًا بخصمك. ونحن نشير هنا إلى اتصال غير عدائي أو علاقات ذات فائدة لطرفي النزاع، كوقف إطلاق النار بشكل مؤقت.     
يدخل في نطاق اختصاص أي ضابط إجراء ترتيبات وقف إطلاق النار بشكل مؤقت لغرض معين ومحدود. ومن الواضح أن مثل هذا القرار يجب اتخاذه عبر التسلسل القيادي. ومما لا شك فيه أن الوقف المؤقت لإطلاق النار يفيد بشكل كبير في إخلاء (أو جمع) الضحايا من أرض المعركة، وفي السماح بإجلاء المدنيين إلى موقع أكثر أمنًا، وهو يتطلب من الجانبين إبداء حسن النية المطلق.    
أيضًا يمكن الاتصال بالعدو عن طريق الوسطاء، وينص القانون على حق الاختيار بين وسيلتين: الخيار الأول هو استخدام قوة حامية، أي دولة محايدة يختارها أحد طرفي النزاع، ويقبلها خصمه. وتقوم الدولة الحامية بدور الوسيط الأمين بين الجانبين. وهي تستطيع، على سبيل المثال، زيارة أسرى الحرب أو معسكرات الاعتقال للتأكد من أن القانون يطبق فعليًا. وعلى الرغم من أن الدول نادرًا ما تلجأ لاستخدام هذه الآلية، فقد حدث، على سبيل المثال، أن طلبت المملكة المتحدة من سويسرا أن تقوم بدور دولتها الحامية، خلال النزاع حول جزر الفوكلاند/ مالفيناس مع الأرجنتين، التي طلبت بدورها من البرازيل القيام بالدور نفسه.
أما الخيار الثاني فهو استخدام منظمة إنسانية غير متحيزة كبديل للدولة الحامية. ويحدث هذا مرارًا، فكثيرًا ما تُطالب أطراف النزاع اللجنة الدولية للصليب الأحمر بالقيام بدور الوسيط بينها.
 

• علم الهدنة الأبيض:
يعني العلم الأبيض، «أود أن أُجْرِي معك اتصالًا، أو أن أتفاوض معك». وليس بالضرورة أن يكون معناه «أريد أن أستسلم». يجب على الطرف الذي يظهره التوقف عن إطلاق النار مع رفع الأيدى في الهواء. وإذا فعل ذلك، فإنك لست في الحقيقة مرغمًا بأي شكل من الأشكال على أن تستقبل الفريق الحامل للعلم. يمكنك أن تعيده ثانية. ولكن إذا قررت التحادث معه، فيجب التأكد من أنه سوف يأتي إليك. لا تتقدم إلى الأمام لاستقباله – تذكر احتمال الغدر. ففي مواقعك يمكنك فرض إجراءات أمنية، ومنها على سبيل المثال عصب عيون أفراد فريق العلم الأبيض لمنعهم من الحصول على معلومات عن قواتك. ومع هذا، يجب عليك أن تضمن حمايتهم خلال عملية التفاوض، وألّا تطلق النار عليهم. وبعد انتهاء المحادثات معهم، يسمح لهم بالعودة بسلام إلى خطوط قواتهم.

 

أسرى الحرب
• المعاملـة الأولية عـند الاعـتقال في منطقة القتال:

يُعد المقاتلون الذين اعتقلوا أثناء النزاع المسلح الدولي أسرى حرب، سواء كانوا قد استسلموا بإرادتهم أو لم يستسلموا طوعًا. وهم يصبحون أشخاصًا محميين بموجب قانون النزاعات المسلحة منذ اللحظة التي يقعون فيها في قبضة الطرف المعادي. وهم بذلك يصبحون أسرى دولتك، وليسوا أسرى خاصين بك. ويُحْظَر قتل أو إساءة معاملة أي مقاتل أُخِذ أسيرًا أو أصبح عاجزًا عن القتال. وفي هذا الشأن، تُحسن عملًا إذا ما «تعاملت مع الآخرين كما تود أن يتعاملوا معك»، أي بإنسانية واحترام. وهذا من دون شك، موقف صعب، إلّا أن الجنود المحترفين يتواءمون معه بعد التدرّب عليه، وفي ظل وجود أوامر واضحة بذلك يستطيعون التعامل بإنسانية مع الأسرى.
 

• التفتيش وممتلكات الأسير الشخصية:
يجب نزع أسلحة كل الأسرى وتفتيشهم بدقة بالغة. وينبغي أن يجري الأمر بطريقة لا تنتهك الحظر المفروض على المعاملة غير الإنسانية والمُحِطة من قدرهم. ويجب أن تُحْترم أيضًا الحماية الخاصة المكفولة للنساء والأطفال المجندين. ويمكن أن تؤخذ من الأسرى الأشياء الآتي ذكرها: الذخيرة، الوثائق العسكرية مثل الخرائط والأوامر والكرّاسات التي تحتوي على معلومات عسكرية، الرسوم التخطيطية للإشارات، نظام الشيفرة وأي معدات عسكرية أخرى لا تكون مصممة أساسًا لحماية الشخص.
ويجب أن تترك للسجين الملابس العسكرية والأدوات الشخصية، مثل الأحذية والخوذ والسترات الواقية من الرصاص والكمامات الواقية من الغازات السامة إلخ... فهؤلاء الأسرى ليسوا حتى الآن في مأمن من الخطر، وقد يحتاجون إلى هذه الملابس وأدوات الوقاية. إضافة إلى ذلك، يجب السماح للأسرى بالاحتفاظ بشارات الرتبة والعلامات المميزة للوظيفة وأدوات تناول الطعام وعلب حصصهم التموينية وزجاجات الماء. كما يحق لهم أيضًا بالاحتفاظ بوثائق تحقيق هويتهم وبالأقراص المعدنية، وبممتلكاتهم الشخصية كالنظارات والساعات والأشياء التي تمثل قيمة شخصية أو عاطفية لهم مثل الصور العائلية. ولا يجوز سحب المبالغ المالية التي بحوزة أسرى الحرب إلّا بأمر يصدره ضابط، وبعد تسجيل كل التفاصيل في سجل خاص، وتسليم صاحبها إيصال مفصّل بها. وتُحفظ المبالغ التي تكون من نوع عملة الدولة الحاجزة، أو التي تحول إلى تلك العملة بناء على طلب أسير الحرب، في رصيد حساب الأسرى.
 

• التعرف إلى هوية أسرى الحرب:
يجب التعرف إلى هوية أسرى الحرب، ولذا ينبغي عليهم أن يزودوك أرقامهم ورتبهم العسكرية وأسماءهم وتاريخ الميلاد. وليس مطلوبًا منهم تقديم معلومات أخرى غير ذلك. ولا يعني هذا أنه ليس من حقك توجيه أسئلة أخرى لهم. فالأسرى يمكن أن يكونوا مصدرًا مهمًا للاستخبارات، ولكن من دون اللجوء إلى أي شكل من أشكال الإكراه أو التعذيب، سواء كان بدنيًا أو عقليًا، لإجبار الأسير على الإدلاء بالمعلومات.
وينبغي عليك أن تدرك مزايا ما يسمى «بالاستجواب التكتيكي». فأولًا من الناحية العملية، لن يكون لديك غالبًا ما يكفي من الوقت لإضاعته في عملية الاستجواب. وثانيًا، مَن سيقوم بالاستجواب؟ وهل هم محققون مؤهلون لذلك؟ وهل يعرفون ما ينبغي أن يقوموا به؟ وهل يمكن الاعتماد على المعلومات التي تحصل عليها والوثوق في جدواها؟ لكل هذه الأسباب، فإنّ اللجوء إلى الأسلوب الحرفي للحصول على المعلومات الاستخباراتية هو المطلوب. ويجب إجلاء الأسير بسرعة إلى المنطقة الخلفية، حيث يوجد محققون مدربون، ويستطيعون لذلك أداء عملهم بكفاءة. وعلى أي حال، فإن القانون يطالبك بإجلاء أسرى الحرب بعيدًا من منطقة الخطر بأسرع ما يمكن. واذا كانوا جرحى حرب فيجب أن تقدم لهم الإسعافات اللازمة من قبل جهازك الطبي على الخطوط الأمامية. أي جريح يجب أن يعامل على أساس مدى أهمية إصابته، ويجب ألّا يكون هناك أي تمييز لمصلحة المصابين من قواتك.
 

• الإجـلاء:
تذكّر أن أهم أهداف الإجلاء هو إبعاد أسرى الحرب عن الخطر المباشر في منطقة القتال. ولذا يجب نقلهم بأسرع ما يمكن إلى المنطقة الخلفية، والعمل في الوقت نفسه على عدم تعريضهم من دون مبرر للخطر. ولا يجب إجبارهم على المشاركة في أنشطة ذات طابع عسكري، منها على سبيل المثال تنظيف طرق تمر في حقل ألغام وتمهيدها. وينبغي حمايتهم من أعمال العنف أو التهديد أو السباب أو فضول الجماهير. وعلى سبيل المثال، فإن أي فريق تليفزيوني يمكنه أخذ صور للأسرى كمجموعة، ولكن شرط ألّا يصبح في الإمكان التعرف على كلٍ منهم بصفة فردية.
• النساء أسيرات الحرب:
يجب أن تعامل النساء الأسيرات بكل الاعتبار الواجب لجنسهنّ، وأن يلقين معاملة لا تقلّ ملاءمة عن المعاملة التي يلقاها الرجال الأسرى. ويجب ضمان حمايتهن من أي عنف بدني، بما في ذلك العنف الجنسي أو انتهاك حرمتهن.
كما يتوجب وضعهن، خلال احتجازهن في المعسكرات الخاصة بأسرى الحرب، في مسكن مستقل. لكن هذا الأمر ليس ملزمًا في الخطوط الأمامية، حيث يمكن حجز النساء مع بقية المحاربين ثم اخلاؤهن معهم بأسرع ما يمكن.

 

الاتصال بالمدنيين
تذكَّر دائمًا أن الظروف قد تستدعي إجراء اتصال مع المدنيين خلال سير العمليات، وذلك، لعدة أسباب عسكرية وإنسانية، منها على سبيل المثال:
• إخلاء منطقة.    
• منع الاقتراب من خطوط سير تحتاجها لأغراض عسكرية، وللإعلان عن الطرق التي يجب على المدنيين استخدامها.
• التحذير من هجوم، مع الحرص على مراعاة التوازن بين ذلك وبين أهمية عنصر المفاجأة.
• الاتصال بالسلطات المدنية للتأكد من أن المدنيين على علم بالمناطق العسكرية الخطرة، حقول الألغام مثلًا.
• الاتصال بالشرطة المحلية لمعالجة أمور أمنية مشتركة.
• الاتصال بالمستشفيات.
• الاتصال بالمنظمات المدنية، الطبية منها والإنسانية للتعاون في عمليات البحث والإنقاذ...
• الاتصال بأفراد مدنيين لتدبير مأوى للجرحى والمرضى.
 

المسؤولية العملياتية في الهجوم
يجب على المهاجم أن يبذل جهدًا متواصلًا لتجنيب المدنيين وممتلكاتهم آثار هذا الهجوم. في الواقع، يتضمن القانون تعليمات واضحة حول الطريقة التي يجب أن تخطط بها الهجمات وأن تُنفذ.
إذا كنت تخطط لهجوم فيجب عليك:
• أن تقوم بكل ما يمكنك للتحقق من أن الهدف هو في الحقيقة هدف عسكري. وإذا كنت في شك من ذلك، لا تشنّ هجومك. تذكر مبدأ التمييز.
• أدرس بعناية الأساليب التكتيكية ونظم الأسلحة والذخيرة التي سوف تستخدمها. إتخذ كل الاحتياطات الممكنة لتتجنب أو على الأقل، لتقلل عدد القتلى والمصابين في صفوف المدنيين، وكذلك حجم الدمار الذي قد تتعرض له الأعيان المدنية.
في بعض الحالات يكون استخدام المشاة والدبابات في إطلاق النيران أكثر دقة من القصف بالمدفعية أو الضربات الجوية.
إن التوجيه التكتيكي للهجوم يمكن أن يحدّ من حجم الإصابات في صفوف المدنيين، فعلى سبيل المثال قد تؤدي حركة التفاف هجومية إلى تجنب تجمعات السكان المدنيين الواقعة في الطريق المؤدي إلى الهدف.
إن التوقيت التكتيكي لشنّ الهجوم يجب مراعاته أيضًا. فعلى سبيل المثال إن ساعات الليل هي الأنسب لمهاجمة أهداف يستخدمها مدنيون في النهار.
• أعد النظر في هدفك: هل من الضروري أن تدمّر، أو أن تكتفي بإبطال مفعول الهدف وتحييده؟ وامتنع عن اتخاذ قرار بشن هجوم يُتَوَقع منه حدوث خسائر في أرواح المدنيين أو إنزال إصابات بهم أو تدمير الأعيان المدنية أو الاحتمالات الثلاثة معًا، والتي قد تكون مفرطة في أضرارها بالنسبة للميزة العسكرية الملموسة والمباشرة التي تتوقعها. تذكر مبدأ التناسب.
وإذا كان هناك اختيار بين عدة أهداف عسكرية ويحتمل أن تحصل من أي منها على الميزة أو النتيجة نفسها، فعليك اختيار ذلك الذي يمكن أن يتسبب بأقل الأخطار أو الأضرار للمدنيين وللأعيان المدنية.
الإنذار المسبق قبل أن تشن هجومًا قد يؤثر على السكان المدنيين، قم بإنذارهم مسبقًا، لتعطيهم بذلك الوقت الكافي لإخلاء المكان، أو على الأقل للاحتماء في الملاجئ. وبطبيعة الحال، يجب أن يكون الإنذار حقيقيًا وفعّالًا، وأن يصل إلى المدنيين، ويتيح لهم وقتًا كافيًا للاستجابة له. ويمكن إعطاء التحذيرات بواسطة المذياع أو التلفاز أو عن طريق إسقاط نشرات مطبوعة من الجو أو بواسطة شبكة الإنترنت. ويجوز للطرف المهاجم أن يستغني عن توجيه الإنذار إذا لم تسمح بذلك الظروف، وهي بالتحديد ظروف معينة متعلقة بالعملية العسكرية، وتجعل من غير الممكن إنذار المدافعين، خوفًا من عدم تحقيق أهداف العملية، ومنها على سبيل المثال، عنصر المفاجأة الذي قد يكون حاسمًا في نجاح العملية بالكامل.
• يتوجب على المهاجم أن يكون مستعدًا لإلغاء أو تأجيل أو تعديل هجوم مخطط له، إذا ما اتضح أن الهدف ليس هدفًا عسكريًا، أو أنه يتمتع بحماية خاصة، أو أن الدمار العارض المحتمل حدوثه في الجانب المدني قد يكون مفرطًا في آثاره على وجه لا يتناسب مع الميزة العسكرية الملموسة والمباشرة المتوقعة في المقام الأول (مبدأ التناسب).
يجب على القادة وضباط الأركان أن يبذلوا كل جهد ممكن، للتحقق من أن الأهداف التي تقرر مهاجمتها ليست خاضعة للشروط المطبّقة المتعلّقة بالحماية الخاصة، وألّا تكون على سبيل المثال أعيانًا ثقافية، أو أشغالًا هندسية محتوية على قوى خطرة أو مستشفيات أو مناطق ومواقع محميّة، أو معسكرات أسرى الحرب، وكلها سبق أن تناولناها بالتفصيل في المقالات السابقة.

 

المسؤولية العملياتية في الدفاع
يجب نقل المدنيين بعيدًا من الأهداف العسكرية وإلى أقصى مدى ممكن. كما ينبغي على العسكريين توجيه تحذير مسبق للسكان المدنيين والمساعدة في إجلائهم. ويُفَضّل نقل السكان المدنيين إلى أماكن معروفة لديهم ولا تشكل خطرًا عليهم. وقد يتطلب الأمر تعاونًا مشتركًا بين المدنيين والعسكريين لتزويد هؤلاء المدنيين الطعام وحتى توفير وسائل النقل والمأوى لهم. كذلك، ينبغي وكلما كان ذلك ممكنًا، إجلاء الأطفال مع أسرهم، وتحديد المواقع الدفاعية أو إقامتها بعيدًا من الأماكن الآهلة بالسكان. وإذا كان ممكننًا الاختيار بين عدد من المواقع الدفاعية التي قد تتيح لك ميزات عسكرية متساوية، فعليك أن تختار ذلك الموقع الذي من المرجّح أن ينجم عنه أقل الأخطار على السكان المدنيين وممتلكاتهم.    
يجب على السلطات المدنية أن تَسِم الأعيـان المحميّـة بالعلامـات الخاصـة بهـا. ويجـوز الاستعانـة بالعسكـريين لتقديم النصح والمساعدة. وعليك أن تمتنع عن استخدام الأعيان الثقافية كجزء من خطّتك الدفاعية. وتذكّر أنك بمجرد أن تحتل مثل هذه الأعيان فإنها تفقد الحماية المكفولة لها. وإذا كان ينبغي عليك استخدام مثل هذه الأعيان لأسباب الضرورة العسكرية الحتميّة، فيجب أن يكون ذلك لأقصر وقت ممكن. ويجب أن تزيل، طوال فترة تواجدك فيها، كل العلامات الحاميــة، وإلا فســوف تتهــم بالغــدر. ولا تستعمل أبدًا دروعًا بشرية لتأمين حماية مراكزك الدفاعية، كما أنه لا يُسمح لك بتدمير الممتلكات أو بإتلافهــا لمجــرد منــع استخدامهــا من قبل المدنيين، أو لإبعادهم عن المكان. ويجب دائمًا أن تكون هناك ضرورة عسكرية ملحّة لتبرير تدمير الممتلكات. وبالنسبة إلى المدافعين يُبَرّر التدمير فقط إذا كان الغرض منه بناء استحكامات أو إقامة نظم دفاعية، إذا لم يتوافر خيار آخر معقول.
 

• الدفاع المدني:
تستطيع أجهزة الدفاع المدني أن تتحمل مسؤولية مباشرة في مهمات إنسانية معينة، مثل إقامة الملاجئ والإنذار باقتراب الهجمات ومكافحة الحرائق والإجلاء الطبي وحفظ النظام إلخ... تَذكّر أن أفراد الدفاع المدني محميّون بموجب القانون في أثناء أدائهم مهماتهم، وأنه يتم عادة التعرف إليهم وإلى معداتهم بالعلامة الحامية المُمَيّزة، والتي تتكون من مثلث أزرق على أرضية برتقالية مربعة الشكل. ويجوز لأفراد الدفاع المدني حمل أسلحة خفيفة للدفاع عن النفس ولحفظ النظام العام، ولكن لا ينبغي عليهم الاشتراك بشكل مباشر في الأعمال العدائية.

 

المسؤولية العملياتية للمهاجم والمدافع في حرب الحصار
قد يبدو مفهوم حرب الحصار في وقتنا الحاضر أمرًا عفا عليه الزمن. إلّا أننا نراه في العديد من النزاعات المسلحة الحاليّة، خصوصًا غير الدولية منها. وفي الحقيقة فإن القانون المطبّق في حرب الحصار ليس سوى مزيج من القواعد التي سبق أن ناقشناها، مع التركيز على بعض الجوانب وفق الآتي:
 

• إجلاء المرضى والجرحى:
يطالب القانون أطراف النزاع بمحاولة عقد اتفاقيّات جانبيّة من أجل إجلاء الجرحى والمرضى والضعفاء وكبار السنّ والأطفال والأمهات اللواتي على وشك الولادة، من المناطق المحاصرة أو المطوّقة.
 

• السكان المدنيون الباقون:
يمكــن للسكـــان المدنيين البقــاء في مدينة محاصرة. وفي تلك الحالة يتحمل المدافعون جانبًا كبيرًا من مسؤولية الدفاع عنهم. ويجب على المدافعين التأكد من أن المدنيين بعيدون عن الأهداف العسكرية ولا يُستخدمون كدروع بشرية. وإذا لم يغادر هؤلاء المكان، فهذا لا يعني إعفاء القائد المهاجم من واجب اتخاذ كل الاحتياطات لحمايتهم. ولكل هذه الأسباب، يمكن أن يكون وقف إطلاق النار للسماح بإجلائهم حلًا منطقيًا. وبطبيعة الحال فإن هناك من يرون أن من مصلحتهم الاحتفاظ بالسكان المدنيين أو بقسم منهم لاستخدامهم كدروع بشرية، أو كوسيلة لإثارة تعاطف دولي مع المحنة الإنسانية التي يعاني منها السكان، وبالتالي تشويه سمعة الخصم. ويستطيع الجانب المهاجم بسهولة أن يكشف هذه الخدعة بالتزام القانون وتوجيه تحذيرات، مع إعطاء مهلة لعملية الإجلاء من خلال وقف لإطلاق النار، والتأكيد على ضمان خروج آمن للمدنيين لنقلهم إلى منطقة محمية.
 

• الإجــلاء الكلــي أو الجــزئي للســكان المدنيين:     
تطبّق في الأراضي المحتلّة، بالنسبة لعمليات الإجلاء، قيود إضافية. فقد تقرر سلطات الاحتلال أن تقوم بإجلاء كلي أو جزئي لمنطقة معيّنة، إذا ما اقتضى ذلك أمن السكان أو ضرورة عسكرية ملحّة. ولا ينبغي أن تؤدي عمليات الإجلاء إلى نزوح خارج حدود الأراضي المحتلة، إلا لأسباب جوهريّة ملموسة. وينبغي إعادة الأشخاص الذين تم إجلاؤهم بهذه الطريقة مرة أخرى إلى موطنهم الأصلي بمجرد توقف العمليات العدائية في المنطقة المشار إليها. ويجب على سلطات الاحتلال، التي تقوم بعمليات النقل أو الإجلاء، أن تضمن وبأقصى ما لديها من وسائل يمكن استخدامها، تزويد الأشخاص المحميين أماكن إقامة لائقة، والقيام بعمليات النقل في ظروف مُرْضية من نواحي الصحة العامة والنظافة، والصحة البدنية والأمن والتغذية، بالإضافة إلى جمع شمل أفراد الأسرة الواحدة. كما يحظر تعريض مناطق محاصرة لهجمات عشوائية كالتي سبق وصفها.

 

• التجويــع والسمــاح بوصــول مــواد الإغاثة:    
يتضمّن الحظر العام المفروض على محاولة تجويع السكان المدنيين، عدم قيام الخصم بإعاقة وصول وتسليم شحنات الأغذية والدواء وماء الشرب والسلع الأخرى التي لا يمكن الاستغناء عنها للبقاء على قيد الحياة، وذلك شرط تسليمها فقط إلى السكان المدنيين في البلدة الموضوعة تحت الحصار، وليس للقوات المسلّحة التي تدافع عنها. ويحظّر بشكل كامل استخدام استراتيجيات الحصار التقليدية التي تتضمن تجويع السكان في مناطق الأعداء.
 

• المسؤولية العملياتية في عمليات المناورة والتحركات العسكرية:
يتوجب على الوحدات العسكرية، باستثناء الوحدات الطبيّة، أن تتبع خطوط سير تأخذها بعيدًا من المناطق المأهولة بالسكان، في حال كان وجودها سوف يعرّض السكان والأعيان المدنية للخطر، حتى ولو كان ذلك بشكل مؤقت.
أما بالنسبة للتحركات التي يتحتم مرورها عبر المناطق المأهولة بالسكان أو بالقــرب منهــا، فيجــب أن تجــري بسرعة وأمان. بالنسبة إلى الفترات التي تتوقف فيها التحركات العسكرية، مثل التوقف الدوري للقوافل العسكرية لأخذ قسط من الراحة، يجب أن يتم التخطيط لها، إذا كان ذلك ممكنًا، بحيث تقع خارج المناطق المأهولة بالسكــان، أو علــى الأقــــل في أقـــل الأماكن كثـافة بالسكان.
إنّ مجرد وجود قوات مسلّحة في مكان ما، حتى ولو بشكـل مؤقت، يمكن أن يتسبّب في بروز هدف عسكري، مع ما ينجـم عن ذلك من خطر على المدنيين.
بهذا نكون قد عرضنا في هذا المقال وسابقيه أهمّ القواعد الحاكمة لاستخدام القوة والتعامل مع الأشخاص والممتلكات المحميّة.
ولزيادة بيان هذه القواعد سنعرض في المقال القادم بعض الأمثلة الحيّة من التاريخ العسكري، لاستنباط الدروس المستفادة منها.