قضايا إقليمية

المصالح والتوقعات
إعداد: إحسان مرتضى
باحث في الشؤون الإسرائيلية

العلاقات الإسرائيلية - الروسية


تتمتع روسيا بثقل سياسي مهم على مستوى المشهد الدولي، من جهة لأنّها الوريث السياسي والعسكري للاتحاد السوفياتي السابق، ومن جهة أخرى لأنّها تتمتع بموقع جيوسياسي مميز (بين آسيا وأوروبا)، إضافة إلى امتلاكها العديد من منابع النفط والغاز، التي على أساسها قامت الحروب والأزمات في العالم.


السياسة الواقعية
هذه الأمور مجتمعة تجعل روسيا طرفًا محوريًا وفعّالًا على المستوى الدولي. وعلى هذا الأساس شكلت توجهاتها السياسة الخارجية واحدة من أهم المعضلات التي تواجهها في ظل تشكّل النظام الدولي الأحادي القطبية. ومما زاد من معضلة تحديد توجهات السياسة الخارجية الروسية صعوبة إبّان الفترة التي أعقبت انهيار الاتحاد السوفياتي، أن روسيا أصبحت الوريث الشرعي والوحيد لتركة الاتحاد المنهار. فقد ورثت مقعده في مجلس الأمن وسفاراته في الخارج، كما ورثت الترسانة العسكرية والنووية، لكنها ورثت أيضًا الضعف الاقتصادي والديون المتراكمة عليه بنتيجة تداعيات الحرب الباردة.
على هذه الخلفية راحت روسيا تتعاطى مع جميع الأطراف في المنطقة والعالم من منطلق مصلحتها، فلا ضير عندها في أن تدعم إسرائيل من ناحية، وأن تساهم في حل أزمتها مع الفلسطينيين، وأن تعمل في الوقت ذاته على منع سقوط النظام في سوريا وتتعاون إيجابيًا مع إيران من ناحية أخرى. عقب تسلمه زمام السلطة في آذار من العام 2000، سعى بوتين إلى إعادة روسيا كلاعب بارز في الشرق الأوسط، وعمل مع جميع الأطراف في المنطقة، سواء كانوا أصدقاء أو خصومًا تقليديين. وقد جعل سياسته ترتكز على تعريفه الخاص للمصالح الروسية، انطلاقًا من وجهة نظر واقعية بحتة. وتضمّنت هذه السياسة تحسين العلاقات مع إسرائيل إثر تدهورها في أواخر التسعينيات في عهد وزير الخارجية ورئيس الوزراء آنذاك يفغيني بريماكوف، الذي كان أكثر ميلًا نحو العرب. وكما كتب البروفسور مارك كاتس في دورية «الشرق الأوسط الفصلية» في شتاء العام 2005: «لا يسعى بوتين إلى إرضاء واشنطن ولا إلى تلبية أي ضرورات سياسية محلية، فسياسة موسكو الجديدة في الشرق الأوسط تنتج عن حسابات بوتين الشخصية للمصالح الروسية». وبالتالي، فعلى الرغم من أن العلاقة بين موسكو وتل أبيب تتصف بالغرابة بسبب علاقات الصداقة القوية التي تربط روسيا بأعداء إسرائيل، فإن الرئيس بوتين أعلن أن «تطوير العلاقات البناءة وتبادل المنفعة مع إسرائيل في المجالات السياسية والاقتصادية والإنسانية وغيرها، كانت وستبقى أولوية السياسة الخارجية الروسية». وقال موضحًا: «هذه العلاقات تعود إلى مرحلة قديمة وقد شهدت صعودًا وهبوطًا في عهد الاتحاد، لكها شهدت تحسنًا ملحوظًا بعد انهياره (1990)». وأضاف: «هذه العلاقات مبنية على مصالح مشتركة وليس على مواقف إيديولوجية كما كانت أيام الاتحاد، وأيضًا على وجود ما يفوق مليون ونصف مليون روسي يهودي في فلسطين المحتلة، يشكّلون قسمًا كبيرًا من النسيج الاجتماعي، كما أن اللغة الروسية تعتبر الثانية في إسرائيل بعد العبرية». وبالتالي فعلى الرغم من التعارض بين موسكو وتل أبيب في العديد من الملفات (الأزمة السورية، والملف النووي الإيراني، ومساعدة إسرائيل للمجموعات التكفيرية)، فإن الطرفين يسعيان إلى تطوير العلاقة بينهما في جميع المجالات، عبر إبرام الاتفاقيات، والتي كان آخرها إتفاقية تعويضات التقاعد التي ستدفعها روسيا للمهاجرين الروس اليهود (الذين هاجروا بين 1970 و1992). وهناك أربع مصالح استراتيجية تركّز عليها إسرائيل في روابطها مع روسيا، وهي:
- الحاجة الإسرائيلية الماسة إلى المهاجرين الروس المتدفقين باستمرار إلى إسرائيل.
- استغلال إسرائيل لعلاقاتها الاقتصادية والتسليحية مع روسيا من أجل إقناعها بعدم جدوى تصدير التقنيات النووية والصواريخ إلى إيران.
- تطوير العلاقات الاقتصادية والتجارية في جوانب مختلفة، وخاصة تجارة الماس والمعادن الثمينة والأخشاب.
- إمكان استغلال إسرائيل علاقاتها مع روسيا للتأثير في أحداث الشرق الأوسط، ولاسيما في ما يخص القضية الفلسطينية.


شارون: بوتين صديقنا الفعلي
ثمة عدة عوامل دفعت سياسة بوتين باتجاه إسرائيل، خصوصًا في سنوات حكمه الأولى، ومن بينها الصراع مع جمهورية الشيشان المنشقة في شمال القوقاز. ومن باب «الغزل السياسي» شبّه بوتين صراع روسيا ضد الإرهاب بصراع إسرائيل ضده. وعلى مر السنين، أجرى هذه المقارنة ذاتها في اجتماعاته مع عدة مسؤولين إسرائيليين رفيعي المستوى. كذلك، كان للعلاقات الشخصية دورها في هذا الموضوع، ففي تشرين الثاني 2003، وصف رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق أرييل شارون، الذي كان يجيد اللغة الروسية وتجمعه علاقة شخصية وطيدة مع بوتين، الرئيس الروسي بـ«الصديق الفعلي لإسرائيل». وبوتين في نظر بعض الإسرائيليين الذين يؤيدون تعزيز العلاقات مع موسكو، هو الأقرب إلى إسرائيل من بين الرؤساء الذين تعاقبوا على الحكم في روسيا، بما في ذلك بوريس يلتسين. ويتحدث هؤلاء عن حرص بوتين على إبقاء خطوط التواصل مفتوحة وناشطة بينه وبين الإسرائيليين والزعماء الصهاينة. فقد زار إسرائيل عدة مرات وأكثر من أي رئيس روسي سابق، وهو يحظى بالتقدير والإعجاب لأنه يقف ضد الإرهاب ولأنه ساهم من ماله الخاص في تمويل المتحف اليهودي ومركز التسامح الديني في موسكو. وهو يؤكد باستمرار أن روسيا سوف تبقى ملاذًا آمنًا لليهود، خلافًا لبقية المجتمعات الأوروبية التي تشهد حاليًا صعودًا لنزعة اللاسامية ضدهم. وهناك محرّك آخر لسياسة بوتين تجاه إسرائيل يتمثل في تشديده على تطوير علاقات اقتصادية مع دول الشرق الأوسط، من هنا، سعيه إلى إقامة علاقات تجارية مع إسرائيل، مثل تجارة التكنولوجيا العالية في مجالات تتضمن تقنية النانو. وبصورة عامة، نمت التجارة بين روسيا وإسرائيل ووصلت في العام 2005 إلى مليار دولار سنويًا وازدادت بأكثر من ثلاثة أضعاف بحلول العام 2014 (نحو 3,5 مليار دولار). ويُعتبر هذا الرقم أعلى بقليل من ذلك الذي حققته التجارة بين روسيا ومصر في العام ذاته. وفي ما يتعلق باعتبارات روسيا المحلية، فإنها تفرض على بوتين الحرص على توازن السياسة الروسية بين العرب وإسرائيل، فروسيا تضم عددًا كبيرًا من المسلمين مقابل عدد صغير من السكان اليهود.

 

صحوة في العلاقات؟
يذكر أنه في العام 2008 بعدَ أن وضعت الحرب أوزارها بين روسيا وجورجيا، سارعت إسرائيل إلى إصلاح علاقتها بموسكو، بعد أن اتُّهِمت بالوقوف إلى جانب جورجيا ودعمها عسكريًا واستخباراتيًا. فقد قام رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك إيهود أولمرت بزيارة رسميَّة إلى روسيا، بعد شهرين فقط مِن انتهاء الحرب، للبحث في كيفية رأْب الصدْع الذي أصاب العلاقات بين البلدين وإصلاحها. وعندما أعلنت موسكو عن ضمها لشبه جزيرة القرم، وبحثت الأمم المتحدة مشروع قرار بإدانة هذا العمل، توقعت إدارة أوباما أن تتضامن الدول الصديقة - ومن بينها إسرائيل- معها في تأييد مشروع القرار. ولكن هذه الإدارة فوجئت بامتناع تل أبيب عن التصويت على القرار، الأمر الذي اعتبر في واشنطن بمثابة تصويت ضدها. ولم تكتم الإدارة الأميركية غضبها إزاء الموقف الإسرائيلي المحابي لموسكو، فأصدرت الخارجية الأميركية بيانًا أعربت فيه عن استغرابها من «استنكاف إسرائيل عن الانضمام إلى الأكثرية الواسعة من الدول الأعضاء في الأمم المتحدة التي دعمت وحدة الأراضي الأوكرانية». وقد أدى الموقف الإسرائيلي هذا إلى تعزيز التوقعات حول «صحوة في العلاقات الروسية - الإسرائيلية» يمكن أن تصل بها إلى مستويات لم تكن معهودة من قبل.