كبارنا

المطرب والملحن ناصيف عرموني يلقي سلاحه الموسيقي ويترحّم على أيام الغناء المباشر في الإذاعة

مستريحاً في عرينه ومرخياً أوتار عوده

ضربت سنة  1975 في لبنان ضربتها قوية مؤثرة مخرّبة جارحة قاتلة على كل صعيد... ولم يسلم الفن هو الآخر من بطشها. ولا غرابة في ذلك، فإن كان المقصـود ممّا جـرى تخريب الوطن الجميل، فالفن هو في طليعة الأهداف والأدب والبيئة وجمال الطبيعة والإنسان في حياته وفي فكره.

ويرى الكثيرون أن ضرب الثقافـة في لبنـان كان مقدمـة لضربها في الوطن العربي بأسره، بسبب ما كان لبيروت من دور طليعي تؤديه في المطبعة والمكتبة والمدرسة والمصنع والمقهى وقاعة التسجيل واستوديو الإذاعة... ومرابع الليل والعزف والغناء.

وهذا ما يؤكده المطرب والملحن ناصيف عرموني المستريح في عرينه في فرن الشباك ببيروت مرخياً أوتار عوده، ومكدساً أوراق موسيقاه، وجامعاً أشرطة تسجيلاته، وكأنه يعلن تحويل بيته الى متحف صغير بعدما رمى سلاحه الموسيقي منذ بداية الحرب اللعينة التي عصفت بلبنان بدءاً من إذاعته الرسمية ­ إذاعة لبنان من بيروت ­ التي كانت تضج بالغناء الأصيل الى جانب أخواتها: هنا دمشق، هنا بغداد، هنا القاهرة...

وأكثر ما يترحم عرموني على الغناء المباشر في الإذاعة. الغناء غير المسجل حين كان المطرب يظهر كما هو، يطلق صوته مع الموسيقى بكل ثقة، والمستمع لم يكن يرحم أحداً آنذاك. السمع كان موجهاً للأذن وكانت الأذن حاسة للسمـع آنذاك. لم تكن العـين تنافـس الأذن في السمـع، ولا اللمس باليديـن والقدمـين كان يفعل ذلك.

ويذكر عرموني، بكثير من الأسف والحرج والفخر في نفس الوقت، حين انتقل مرة من أغنية الى أُخرى عن طريـق الخطأ لأنهما كانتا من نفس النغم الموسيقي، فأنقذتـه الفرقـة الموسيقيـة بأنغامها، والمخرج الإذاعي حين أحضر نص الأغنية على عجـل ووضعه أمامه، فيما كان هو يردد يا ليل... يا ليل، في محاولة لإخفاء المشكلة عن آذان المستمعين.

 ويقول عرموني إن الفاعلين في هذا العصر يدّعون العمل من أجل أغنية عربية خفيفة تريح المستمع وتفرحه، وإن ما مضى كان ثقيلاً متعباً مملاً، ويسأل: ألم تكن"بحبك يا ولفي" أغنية خفيفة، ومع ذلك لم تقطع الصلة بالأصالة، ولم تفسد الذوق ولم تخرّب الوجدان؟

 ناصيف عرموني من مواليد حيفا في فلسطين سنة 1918, والده من آل شيبان بلبنان، من هنا لقبه: عرموني.

 أولى خطواته الفنية كانت نجاحه في مباراة غنائية أقيمت في أحد المقاهي المجاورة لمنزله. بعدها انتمى الى نادي الموسيقى الحيفاوي الذي كان يديره الملحن سليم الحلو، ثم تعاون مع محطة إذاعة القدس عبر الملحن يحيى اللبابيدي والملحن حنا الرومي (حليم الرومي لاحقاً) والشاعر فطين عساف، وفرقة جميل عويس عازف الكمان المعروف.

 سمعه المطرب والملحن المصري محمود صبح فشجعه على الاستمرار في الغناء: "دي الحنجرة حافظ عليها".

 سنة 1938 التحق بذويه في بيروت وعمل في إذاعة لبنان (راديو الشرق آنذاك) أربع سنوات، عاد بعد ذلك للعمل بمحطة الشرق الأدنى في يافا، وقد استمر تعاونه مع هذه المحطة بجميع مراكزها: يافا، بيروت، قبرص.

 انتقل الى التلحين لاحقاً، وممن غنوا ألحانه: نجيب السرّاح، محمد غازي، عزيز شيحا، حنان، سامية كنعان، سميرة توفيق، صباح، كروان، زهور، ميشال بريدي، نصري شمس الدين، أجفان الأمير، فائزة أحمد، نور الهدى.