محطة

المغاوير كانوا هناك... إنه العيد

منذ سنوات طويلة كانت تلك الأرض بانتظار خطواتهم...
حين كان الخوف يأكل الناس أيام الحرب، كان الرجال يقولون للصغار: غدًا يأتي الجيش، لا تخافوا... وحين كان يستعصي على الفتيات تحمّل تعب العمل في زراعة التبغ، كانت الأم تقول لإبنتها: «الله يبعتلك عسكري يريحك من تعب هالأرض».
أما الشباب فكان تطوّع الواحد منهم وعودته بالبدلة العسكرية، عيدًا له ولعائلته وللبلدة. قد لا تختلف بلدتي عن بلدات أخرى كثيرة في معظم جوانب ما ذكرته. غير أنها وربما أكثر من بلدات أخرى كثيرة انتظرت يومًا تستفيق فيه على دعسات عسكريي الجيش اللبناني يحلّون في أرجائها لتلاقيهم بالزغاريد والأرز، وتمسح الكثير من الدموع والأوجاع التي حفرت عميقًا في نفوس أبنائها.
بعد اندحار العدو الإسرائيلي العام 2000 بدأت طلائع العسكريين تصل إلى العيشية لتخلص أراضيها من قنابل ومتفجرات خلّفها العدو. المهمة نفسها نفذها الجيش مرة أخرى عقب حرب تمور 2006. لكن حلم الأهالي كان وما زال وجود مركز دائم للجيش فيها: بدلة العسكري تشعرهم بالأمان. ووجود الجيش في بلدة ذاقـت مرارات التهجير والإحتلال يعيد إلى بيوتها وطرقاتها حرارة الحياة.
بالأمس فتحت العيشية ذراعيها وقلبها وزغردت... فالمغاوير كانوا هناك... صحيح أن القادمين لم يأتوا ليقيموا، كانت زيارتهم في إطار تواصلهم مع المواطنين، وأحد أشكاله تلك العروض القتالية التي يقدمونها في مختلف المناطق، فيحلون ضيوفًا أعزاء في كل مدينة وبلدة وقرية.
لكــن لهــذه الزيــارة فـي نفــوس أبنــاء البلــدة مـن التقديـر والفخـر والترحـاب ما لا يدركــه إلاّ مـن يـعرف حجـم انتظـار الأهالـي وشوقهـم إلى «طلـة» العسكـر فــي ساحــة بلدتهــم.
بالخطــوة المرصوصـة أطـل المغاويــر وكانــت طلّتهـــم بهيــة وخطواتهـم هـادرة. الأهالـي احتشــدوا لملاقاتهــم والترحيب بهـم. العجـز والأقـل تقدمًا في العمر، الشباب والصبايـا، والأطفـال، كلهم كانوا في باحة الكنيسة.
كان الفرح كبيرًا والتأثر عميقًا والدموع في معظم العيون.
قدّم المغاوير عرضهم بكثير من الحماسة والإندفاع وشعر كل منهم أنه بين أهله وناسه، محاط بدفق من الحب والإعتزاز والشكر...
في نهاية العرض لم يستطيعوا أن يقاوموا رغبة الأهالي في التقاط الصور التذكارية معهم، ولا في استبقائهم للإفطار. وفي بادرة محبة وتقدير قدّم رئيس البلدية هدية رمزية إلى قائد فوج المغاوير العميد الركن شامل روكز تسلمها بالنيابة عنه، الرائد عباس عقيل.
انتهى ذلك اليوم الجميل، عاد المغاوير إلى ثكنتهم ومهماتهم. وعادت البلدة تحلم من جديد بـ«طلة العسكر».


...إلهام