ملف العدد

المغاوير: لا تخافوا فالجيش أقوى بكثير ممّا تظنون


وسط غبار المعارك رفقة سلاح وإلفة ومعنويات
مرّة جديدة ينفّذ فوج المغاوير بثقة واندفاع وإصرار، مهمّة دقيقة دعمًا لقطع أخرى من الجيش في طرابلس وعكار. العنوان الرئيس لهذه المهمّة كان ضمان أمن المواطنين وسلامتهم ومواجهة الإرهابيين والمخلّين بالأمن، الذين اتخذوا من السكان دروعًا بشريّة. لقد أثبت جيشنا أيضًا وأيضًا أنه أكثر فطنةً من أن ينجرّ وراء إرادة هؤلاء إلى إشعال الفتنة، فهمّه الأساسي هو حماية المواطنين والقضاء على كل ما ومن يعبث بأمنهم وأمانهم، ومن أجلهم هو مستعدّ لبذل الغالي والنفيس.

 

الحسم بالتلاقي
«كان القرار حسم المعركة بأقل خسائر ممكنة ضدّ الإرهابيين و«الزعران» في التبانة وشوارع طرابلس»... بهذه الكلمات وصف قائد فوج المغاوير العميد الركن شامل روكز هذه المعركة. وعن طبيعة هذه المنطقة وتنفيذ العمليات فيها يقول: «هذه المنطقة دقيقة جدًا نظرًا إلى اكتظاظها بالسكان، وبسبب وضع المباني والبنى التحتية فيها. أمّا في بحنين والمحمرّة فالعمليات كانت مختلفة لأنها كانت تجري في بساتين ومناطق متباعدة نعرفها حقّ المعرفة منذ معركة نهر البارد... ولكن في الحالتَين كان التعامل سريعًا وحاسمًا».
ويشدّد العميد الركن روكز على أن القوة التي تواجدت في عكار لم تسمح بأي تحرّك أو هروب للإرهابيين والمجموعات المخلّة بأمن هذه المناطق. «والأهم هو أن الحسم كان بالتلاقي بين الجيش والأهالي كون منطقة عكار هي خزّان الجيش، فقد أكّدت فعاليات المنطقة كما أهلها التعاون معنا لإنهاء هذه الحالة الشاذّة. ونحن لا ولن نسمح بأي تعرّض للجيش في أي مكان وخصوصًا في عكار، التي تشكّل خطًّا أحمر بالنسبة لنا».
وعن أداء العسكريين يقول قائد الفوج: «لقد كان عسكريّونا مرتاحين في هذه المهمّة، فغالبيتهم من الشمال واستطاعوا أن يكونوا حازمين حاسمين حيث تطلّب الأمر، وتصرّفوا بأخوّة وتعاطف مع الأهالي حيث يجب. وقد استعدنا زمام الأمور جنبًا إلى جنب مع أهالي الشمال، من أيدي العابثين بأمنه ومسبّبي المشاكل والتوتّر والويلات لأهله، من هنا كــان وجود الجيــش إيجابيًــا ومريحًــا ومُرحَّبًا به، ويظهــر ذلــك من خــلال ردود فعل المواطــنين ومســاعدتهم لنــا».


عملية محدّدة ودقيقة
بماذا تختلف هذه المهمة عن غيرها من المهمات التي اعتاد فوج المغاوير تنفيذها؟
سؤال لا بد أن نعرف جوابه من ضباط وعناصر الفوج الذين ما إن يناديهم الواجب حتى يسارعوا إلى الإلتحاق بمراكز عملهم بكل اندفاع ورضى، همّهم الوحيد القضاء على كل ما يهدّد أمن الوطن.
آمر سرية من فوج المغاوير يشرح أن هذه المعركة لم تكن على جبهة حرب محدّدة، بل جرت في منطقة صديقة وسكانها ليسوا هم العدو، العدو كان متغلغلاً بين المواطنين لذا لم نستطع التعامل بحسمٍ عسكري بل كانت عملية محدّدة ودقيقة. لقد كانت العملية ممتدّة على قطاع واسع شمل جميع القرى العكارية وجرود الضنية ووادي جهنّم وطرابلس، وتضمّنت تحركات في الأماكن المبنية والمأهولة، وفي الجرود على حدّ سواء. وانقسمت المهمّة إلى قسمَين انطلاقًا من طبيعة مسرح العمليات: القسم الأول كان عبارة عن عملية بحث عن العدو حيث كُلِّف الفوج تمشيط نقاط مشبوهة، والقسم الثاني ارتكز على ملاحقة الفارّين والإرهابيين في الجرود.
طبّقنا كل الأسس والتدريبات التي نتابعها باستمرار ولكن مع مراعاة خصوصية المنطقة... فإذا أُطلق علينا النار من مبنى معيّن، كان علينا تحديد النقطة والمنزل الذي أُطلِقَت منه النار، بكلّ دقّة، حتى لا تقع خسائر مدنية. وقد شدّدت القيادة في هذا المجال على الحفاظ على أمن المواطنين وسلامتهم، الأمر الذي يُعتبر في أساس أخلاقيات الجيش اللبناني.
ويُجمع عناصر الفوج على أن الأصعب في هذه المهمّة كان وجود المدنيين، أولاد البلد، في مكان الاشتباكات وحرص الجيش على سلامتهم وعلى عدم أذيّتهم. «مهمّتنا كانت استعادة استقرار المدينة وفضّ الإشكالات والمخالفات فيها»، يقول رقيب أول من سرية الدعم. «كنا في منطقة دوّار أبو علي حيث كلّفنا بصدّ أي هروب أو هجوم من قبل الإرهابيين وبتوقيف المطلوبين».
رتيب آخر من الفوج شارك في المهمّة التي نُفِّذَت في جرود عكار، يقول: «كنا ننفّذ الدوريات المؤللة ونقوم بالمداهمات وملاحقة الفارّين». كان يتكلّم بكل هدوء وثقة وكأن المهمة دورية في نهار عادي... من جهتنا كنا نعلم أن الكفاءة والخبرة والإندفاع هي ما تجعل الصعب يبدو سهلاً لهؤلاء العسكريين...
سرية الاستطلاع كانت تنسّق مع السيسنا للمراقبة، وكانت تستخدم أجهزة متخصّصة لهذه المهمة، وقد كان دورها تأمين أماكن تمركز السرايا وتحديد الهدف والتوجّهات والمحيط في وادي جهنّم، بالإضافة إلى تأمين التواصل بين مختلف السرايا وتأمين الاتصال عند انقطاعه. وهذا ما ساهم في نجاح المهمة وتحقيق المطلوب.

 

تعاون مدني واضح
إبن الأربع سنوات كان يقول «الله يحمي الجيش»... والده يدلّنا على أحد المشبوهين... أمّه تدعو للجيش لينتصر ويخلّصنا من هؤلاء الفالتين... مظاهر كلّها دلّت على التربية التي نشأ عليها أهل المنطقة والتي تأبى إلاّ أن تدعم الجيش في مهمّاته التي تهدف لحمايتهم.
إنه خير مثالٍ للإجابة على سؤالٍ عن مدى التعاون الذي لمسه عسكريّو فوج المغاوير عند أهل طرابلس والقرى العكارية مع الجيش. «لقد كان القسم الأكبر متعاونًا معنا، يطيع الأوامر ويمتثل لحظر التجوّل أو ضرورة الإخلاء، والقليلون القليلون هم الذين لم يتعاونوا معنا لاعتبارات ونزعات شخصية. لقد كانت القرى الشمالية كلّها مرحّبةً بوجود الجيش على الأرض وهذا الأمر سهّل مهمّتنا... حتى أنّ البعض استقبلنا برشّ الأرز، وآخرون قدّموا لنا العسل!».
«لقد أعطى وجودنا انطباعًا وشعورًا عند المدنيين بأن الدولة حاضرة بهيبتها «فأخذوا روح» كما يُقال باللهجة اللبنانية... لم يحضنوا الإرهابيين وكانوا يدلّوننا على أماكن تواجدهم وتنقّلهم ومخازن سلاحهم ونقاط تمركز قنّاصيهم. وكما أنّ الجيش اعتاد تنفيذ مثل هذه المهمات، كذلك أصبح للسكان خبرة، فبادروا إلى الإخلاء عندما تطلّب الوضع ذلك، وتفهّموا ضرورة حجزهم في منازلهم من دون أي اعتراض، حتى يمكننا القول أن 60% من نجاح المهمة كان بفضل تعاونهم. وقد تبيّن أن الإرهابيين لم يكونوا لبنانيين بمعظمهم، بل من جنسيات أخرى وبخاصة من اللاجئين السوريين الرازحين تحت الفقر والعوز ويتمّ استغلالهم ماديًا لغايات سياسية وطائفية»، يخبرنا ضابط من الفوج.


حزم ولباقة
آمر سرية من الفوج يشيد بأداء العسكريين الذين التحقوا بالخدمة بسرعة قياسيّة عندما تمّ استدعاؤهم من مأذونياتهم، ما يدلّ على جهوزيّتهم التامة لتنفيذ أي مهمّة. والأهم أنهم ينفّذون المهمات بحزم ولباقة، فعسكريّو فوجنا أصبحوا يتمتّعون بخبرة قتالية عالية والدليل على ذلك عدد الإصابات القليل الذي يقع في صفوفنا وفي صفوف المدنيين أيضًا، على الرغم من دقّة المعارك التي نخوضها في المدن والشوارع الضيّقة. نقاتل المخلّين بالأمن وفي الوقت عينه نؤمّن حماية المواطنين واللاجئين وانتقالهم وعدم التعرّض لهم، ونؤمّن أيضًا انتقال العسكريين المتواجدين في المنطقة كي لا يتعرّضوا للخطف أو الاعتداء.
لقد جمعت هذه المعركة خبرات قتالية متنوّعة، وتطلّبت بقاء العسكريين في الخدمة لأكثر من 12 يومًا، وعلى الرغم من ذلك فإن عسكريي الفوج يؤكّدون أنهم لا يأبهون للتعب، يفرحون بتنفيذ المهمات والتعايش مع كل الظروف، فهم مؤمنون بأنّهم ينفّذون أوامر القيادة ومستعدّون للبقاء على أتم استعداد للدفاع عن أرضنا ومواطنينا حتى لو بقينا 12 سنة في المهمّة! نحن مع الجيش حتى آخر نقطة دم، وننفّذ كل ما يُطلب منّا من دون أي تراجع أو تلكّؤ. عقيدتنا هي الوطن وهمّنا أن يعيش الناس بسلام حتى لو استشهدنا!

 

رفقة السلاح و«غبرة» المعارك
لقد أعطى الجيش للصداقة معنًى جديدًا، فرفقة السلاح هي أعمق من كل أنواع الصداقة، نعيش ونمضي من الوقت معًا أكثر ممّا نعيش في بيوتنا، وهذا الأمر يخلق بيننا وحدة حال و«غبرة معارك» واندماج وألفة... هكذا يفهم عسكريّو فوج المغاوير معنى الصداقة، وانطلاقًا من هذا المفهوم، فإنّ استشهاد أحد رفاق السلاح يكون مؤلمًا ولكن...
هذه ليست المرّة الأولى التي ننفّذ فيها مثل هذه المهمّات، وشهداؤنا الذين يسقطون فداءً للوطن وأهله هم محفّز لنا، يضاعفون معنويّاتنا فنزداد شراسةً... نتأثّر باستشهادهم ولكن ذلك يدفعنا لأن نكون أكثر إصرارًا على القضاء على الإرهابيين والإنتقام لدمائهم. وحين نقابل أهاليهم نشعر وكأنّهم رأوا أولادهم في وجوهنا وهذا يحمّلنا مسؤولية كبيرة تجاههم وتجاه عائلاتهم.
واستنادًا إلى أقوال القائد، يعيد العميد الركن روكز التأكيد: «نقول للشعب اللبناني لا تخافوا ولا تهتمّوا، فالجيش أقوى بكثير ممّا تتصوّرون، وعندما نخفّف زخمنا في المعارك فإن ذلك لا يكون ضعفًا بل مداراةً لأقل خسائر ممكنة... ولكننا لن نقبل بأيّ تعدٍّ على المؤسسة العسكرية والشعب اللبناني، فوجودنا هو لراحة الشعب في كل المناطق اللبنانية».