وجهة نظر

المفاهيم الأساسية في إستراتيجية الأمن الوطني
إعداد: ندين البلعة

يشمل مفهوم "الأمن القومي" الدفاع الوطني والعلاقات الخارجية، ولهذه المهمة مفاهيم أساسية تناولها العميد الركن المتقاعد أنطوان كريم في محاضرته بعنوان "المستوى الإستراتيجي، مفاهيم أساسية"، في قاعة المحاضرات بكلية فؤاد شهاب للقيادة والأركان، وحضرها ضباط دورة الأركان الثالثة والعشرين.

 

الأمن الوطني وعناصر القوة
قدّم العميد الركن كريم محاضرته انطلاقاً من تحديد «الأمن الوطني»، وشدّد على عناصر القوة الوطنية التي تشمل كل الموارد وأدوات السلطة التي يتواصل بعضها مع البعض.
واعتبر أن القوة الوطنية تنبع من مجموع عوامل، منها:
المدّ الجغرافي، السكان، القدرة الإقتصادية للدولة، العلوم والعلاقات مع الدول الأخرى، الإدارة الوطنية، الدعم الداخلي لسياسة الحكومة وفعالية التوجّه الوطني...
هذه الموارد تحدد أدوات القوة الوطنية التي يمكن وصفها بالإقتصادية، الدبلوماسية، الإعلامية والعسكرية.

 

إستراتيجية الأمن الوطني
إستراتيجية الأمن الوطني هي فن وعلم تطوير واستعمال موارد السلطة الوطنية في السلم أو في الحرب لتأمين الأهداف الوطنية، فالعلاقات الدولية يجب النظر اليها على أنها تدخل في تنفيذ الإستراتيجيات الوطنية لمختلف الدول في العالم، متصارعة حيناً ومتناغمة أحياناً، عبر استعمال وسائل السلطة الوطنية المتوافرة والتي تخدم الأهداف المعدّة لها.


القدرة العسكرية ومجالات استعمالها
في إطار عمل الإستراتيجية الوطنية، تحظى القدرة العسكرية بتطبيقات عديدة. فبحكم وجودها يمكن للدولة التي تمتلك قدرة عسكرية مقبولة أن تسمح بتطويرها وأن تؤثر بها على العلاقات مع باقي الدول. كما يمكن إستعمال القدرة العسكرية إما عنوة أو سلمياً لتحقيق مكسب سياسي.
وقال المحاضر إن إحدى الإستعمالات الأساسية للقدرة العسكرية هي إقامة نظام مقبول، دولياً أو محلياً، ويمكن تصوّر إستعمال القدرة العسكرية من خلال النهايات (أهداف وطنية): كالدفاع عن الدولة والشعب والمؤسسات ضد الإعتداءات، أو تعديل سياسات حكومة غير صديقة، أو دعم حكومات صديقة، أو السيطرة على الفوضى وغياب القانون، أو أعمال مدنية وإنسانية...
ويمكن توظيف القدرة العسكرية في أساليب العمل كاستعمال القوة في مجال سعي الدولة الى تحقيق مصالح وطنية غير قادرة على بلوغها بوسائل أخرى. والإستعمال السلمي للقوة العسكرية في مجال السعي الى تحقيق أهداف وطنية (تقديم العون في المجال الإنساني، التهديد باستعمال القوة الذي يراوح بين الخداع وإظهار القوة خلال العمليات العسكرية، الإنتشار وتمركز القوى...). وأشار الى الوسائل (الموارد المتوافرة) التي تتضمّن الخدمة الفعلية (القوى واللوجستية الجاهزة)، الإحتياط (عناصر الإحتياط الذين أنهوا خدمتهم، المخزون الإحتياطي للحرب)، القدرات والقوة الكامنة (التعبئة البشرية، الصناعة، التكنولوجيا، البنى التحتية وقاعدة تعبئة العتاد)، التحالفات (القوى الحليفة ودعمها ومساندتها). كما تناول المحاضر العوامل والظروف التي تقيّد الأعمال العسكرية وتطرق الى مجال العمل العسكري الذي يقع ضمن فئات ثلاث: الدعم، العمليات والحملات. إضافة الى الإستعمال الإستراتيجي للوقت، وهو من أهم العناصر المكوّنة لأي إستراتيجية.

 

الإطار السياسي: الحرب والسلم
في العلاقات بين الدول، يُعتبر السلم هو الوضع الطبيعي والحرب هو الإستثناء. وبين «السلم» و«الحرب» مجال واسع من الإستعمالات المستقبلية للقوة العسكرية، لذلك على المسؤولين عن تقديم المشورة الإستراتيجية للقيادة الوطنية، أن يدركوا الإنعكاسات السياسية للأعمال العسكرية في أثناء الحرب والسلم.
أمّا المسؤولون عن تطوير القدرات العسكرية وإداراتها فيجب أن يدركوا الإطار السياسي - العسكري الذي ستستعمل فيه تلك القدرات. عموماً، يمكن وصف الحرب على أنها الإستعمال المنظم والهادف للقوة المسلحة من قبل دولة أو مجموعة دول، لتحقيق وضع سياسي أفضل... فالحرب في معناها الخاص هي خيار سياسي قائم بحد ذاته في التعاطي الدولي، ويعتبر في المصاف الأول للسياسة والإستراتيجية الوطنية.
ففي العلاقات الدولية عدة إستعمالات للأعمال العسكرية، ولا يمكن اعتبار أي عمل عسكري ذي حجم هام إعلان حرب.
وأردف قائلاً:  في العلاقات السياسية والدولية، توصف الأعمال العسكرية في إطار الخيارات السياسية على أنها إما حرب، أو عمليات عسكرية غير الحرب. تغطي هذه العمليات العسكرية المجال الواسع للأعمال العسكرية المفروضة وغير المفروضة، في الداخل أو في الخارج، وذلك في ظل ظروف لا تتطلب إعلان حرب أو لا تسمح بهذا الإعلان.

 

المفاهيم العسكرية الأساسية
في إستراتيجية الأمن الوطني ودور القدرة العسكرية في تطبيقها، يجدر التعرّف الى بعض المفاهيم العسكرية الأساسية التي تنظم العمل العسكري وبالتالي تنظيم التطبيق العملي للإستراتيجية.
أبرز هذه المفاهيم الآتي:


الأهداف: تركز الأهداف للأعمال العسكرية. في المعنى المجازي، الهدف هو التأثير المطلوب. في المعنى الملموس، الهدف هو الشيء المادي للعمل المتخذ.
يتطلب اختيار القصد تفكيراً واضحاً ومنطقياً. يجب أن يكون الهدف واضحاً ومباشراً وأن يفسّر سبب القيام بالعمل العسكري.


• المهمات والواجبات: الواجب هو عمل أو وظيفة تعطى للمرؤوس من قبل سلطة أعلى. المهمة هي الواجب الذي، مع السبب، بإمكانه أن يشير بوضوح الى العمل الذي يجب القيام به. في أثناء ديناميكية الصراع، يسيطر السبب على الواجب.


• حرية الحركة: هي القدرة على التصرّف وفقاً للإرادة، حرية حركتنا السياسية والعسكرية هي مفتاح النجاح في الصراع. لذلك يكون القصد التركيز على الإحتفاظ بحرية الحركة للصديق ومنعها على العدو.


• السيطرة: في المعنى العسكري السيطرة على بقعة أرض أو على نشاط ما يمنع القوة المسيطرة حرية إستعمالها ومنعها عن العدو. في الحرب أو في العمليات المحدودة، يمكن اللجوء الى العمل العسكري، ليس للسيطرة على بقعة أرض أو نشاط فحسب، بل للمساهمة ايضاً في إرساء السيطرة السياسية وذلك بهدف مساعدة السكان على التغيير بطرق تحسّن النظام الداخلي والدولي.


الهجوم والدفاع: هي الأشكال الأساسية للعمل العسكري. الدفاع هو حماية شيء ما - صد الضربة. الهجوم هو إطلاق الضربة - نقل المعركة الى أرض العدو. لا يمكن اعتبار كل من المفهومين مستقل عن الآخر فهما متكاملان.


• العمليات واللوجستية: العمليات هي ترتيب أنظمة القتال المتوافرة في نموذج منسق من الأعمال وتوجيهها كرد على متطلبات الإستراتيجيا واللوجستية. أحياناً، تفرض اللوجستية مجرى الأمور على العمليات، إذا كان النظام اللوجستي بحاجة الى قاعدة تمركز أو مركز إتصالات أو محور، يجب أولاً الحصول عليها ومن ثم المدافعة عنها.
اللوجستية هي ترتيب أنظمة الموارد (التموين، النقل، الصيانة، البناء، الطبابة،... الخ). التحضير اللوجستي الجيد ينتج ليونة عملانية. لذا يجب تنسيق المسعى العملاني واللوجستي، وتلك هي مسؤولية القيادة.


• الخداع: هو أي عمل يستهدف العدو من خلال التأثير على فهمه للوضع. يعرف عنه على أنه تلك الإجراءات المتخذة لتضليل العدو بواسطة التلاعب، التحريف أو تزوير الوقائع بهدف إقناعه ودفعه الى ردات فعل تناقض مصالحه. وهناك مقاربتان أساسيتان للخداع، الأولى تكمن في زيادة عامل القلق والشك بهدف منع العدو من التحرك في الوقت المناسب، والثانية هي تضليل العدو عن محور عمل يدعم قضية الصديق.


• العوامل الإنسانية: يتطلب الفن العسكري تفهماً للطبيعة الإنسانية، الصديقة والعدوة على السواء، خصوصاً في إطار الأعمال الحربية.

 

أهمية المفاهيم العامة
ختم العميد الركن المتقاعد أنطوان كريم محاضرته بملاحظة أكّد فيها على أهمية المفاهيم العامة للإستراتيجيات كافة، وقال:
إن المشاكل التي تواجه الدولة، خصوصاً على صعيد الأمن الوطني هي عديدة ربما لا تنتهي وتتغير باستمرار. لذلك لا يمكن تزويد الطالب وصفة حل لكل مشكلة يواجهها. ولكن ما يمكن عمله هو تحضيره لمواجهة هذه المشاكل وحلها في هذا الإطار العالمي المتغيّر، وهذا ما يتطلّب القدرة العملية لتقدير الوضع وذلك بهدف التوصل الى قرار لما يجب عمله وكيف يجب تنفيذه.
إن عبارة «تقدير» تعني جدارة وكفاءة. إنها عملية تقويم، حيث معظم الوقائع تكون مجهولة أو منقولة بصورة مشوّهة من قبل مكتشفيها. إنها وسيلة لاستخلاص قرار ملموس، تساعد الفكر البشري على توضيح المشكلة والتوصّل الى حلول مقبولة، وعندما تصبح تلك العملية عادة، يكون مالكها قد تزوّد إطار عمل لتفكير منظم حتى تحت ظروف تجربة. إنها طريقة لتخفيف المفاجآت أو الصدمات وتحويلها الى حواجز قابلة للمعالجة، يمكن استعمالها على المستويات التكتية والعملياتية والإستراتيجية كافة، والتي يجب متابعتها مع الوقت وفي وجه المتغيرات المستمرة. لذلك فالأسئلة الأولى التي تطرح خلال كل تقدير لأي موقف هي: ماذا تغيّر؟ وما هي التأثيرات الممكنة الناتجة عن هذا التغيّر؟