نحن والقانون

المفهوم القانوني للإرهاب
إعداد: نادر شافي
محام بالإستئناف

لا يعتبر الإرهاب ظاهرة حديثة على المجتمع الدولي، بل يعود انتشار الأعمال الإرهابية الى تاريخ قديم، حيث كان الإرهابيون يقومون بعمليات القرصنة البحرية واختطاف الطائرات والسفن واحتجاز الرهائن والإعتداء على السياسيين والديبلوماسيين. وقد أدى تفاقم النشاطات الإرهابية وشدتها وحداثة تقنياتها الى اهتمام المجتمع الدولي بمكافحة هذه الظاهرة، فانعقدت المؤتمرات وتم التوقيع على المعاهدات والاتفاقيات، وصدرت القوانين والتشريعات والقواعد القانونية العديدة لتجريمها وملاحقة فاعليها واتخاذ الإحتياطات اللازمة لاكتشافها والحؤول دون وقوعها.

 

 لمحة تاريخية

 كان المؤتمر الدولي الأول لتوحيد القانون الجنائي الذي عقد في وارسو في تشرين الثاني من العام 1927، أول مؤتمر يتعرض لما يمكن تسميته، في ذلك الوقت، بالنشاط الإرهابي عبر استعمال عمدي لوسائل من شأنها خلق خطر عام، تبعته مؤتمرات أخرى: بروكسل عام 1930، وباريس عام 1931، ومدريد عام 1935، وكوبنهاغن عام 1935، حيث تم الإتفاق على أهمية مواجهة الأفعال التي ينشأ عنها خطر عام يخلق حالة من الرعب بقصد ادخال تغيرات أو اضطرابات في عمل السلطات العامة أو العلاقات الدولية أو الإعتداء على حياة رؤساء الدول والديبلوماسيين وأسرهم وضرورة محاكمة مرتكبي تلك الجرائم في محكمة ذات طابع دولي. ويعدّ الإعتداء الذي وقع في مرسيليا بتاريخ 9 /10 /1934، على حياة ملك يوغوسلافيا السابقة ألكسندر الأول، نقطة التحول في القانون الجنائي الدولي لمواجهة الإرهاب، حيث تم العمل على إعداد اتفاقيتين في هذا الشأن، وتم التوقيع عليهما في عصبة الأمم في جنيف بتاريخ 16 /11 /1937. الإتفاقية الأولى تتعلق بتجريم الإرهاب الدولي، والإتفاقية الثانية تتعلق بإنشاء محكمة دولية تتولى محاكمة مرتكبي الجرائم الإرهابية. لكن هاتين الإتفاقيتين لم تحصلا على التصديق اللازم عليهما من الدول لتدخلا حيز التنفيذ، ويعيد المحللون ذلك الى أن تعريف الإرهاب لم يكن محدداً بشكل واضح. فقد عرفت الفقرة الثانية من المادة الأولى من اتفاقية جنيف أعمال الإرهاب، بأنها أعمال إجرامية ترتكب ضد دولة ويكون الهدف منها أو من طبيعتها نشر الرعب لدى شخصيات محددة أو مجموعات محددة من الأشخاص أو من الجمهور، مما يظهر عدم شمول هذا التعريف على جميع مظاهر الإرهاب.

 بعد الحرب العالمية الثانية، صدرت عن منظمة الأمم المتحدة توصيات عديدة لمواجهـة ظاهرة الإرهـاب، وعُقدت مجموعة من الإتفاقيات التي تناولت بعض جرائم الإرهاب الخطيـرة، مثل الإعتداء على الطيران المدني وخطـف الديبلوماسيين والرهائن والسفن. وتهـدف هـذه الإتفاقيات الى اعتبـار بعض الأفعـال جرائم دوليـة يتعين تجريمهـا بالقـوانـين الداخليـة للدول الأعضاء، على أن تلتزم هذه الدول بمحاكمة مرتكبـي هذه الجرائم أو تسليمهـم وتوقيع العقاب عليهم إذا ثبتـت إدانتهـم، والتزام الدول بالتعـاون والأخـذ بمبدأ عالمية القانون الجنائي حتى لا يفلت المجرمون من العقاب، خاصة بعد تزايد العولمة واستغلال الإرهابيـين التكنـولوجيا والإتصالات والموارد المتطوّرة لتحقيـق أهدافهـم الإجراميـة.

 

اتفاقيات الحماية

أهم الإتفاقيات الدولية لحماية الملاحة الجوية، اتفاقية طوكيو لعام 1963 واتفاقية لاهاي لعام 1970 واتفاقية مونتريال لعام 1971 والبروتوكول التكميلي لاتفاقية لاهاي عام 1988. وقد ظهرت هذه الاتفاقيات على أثر جرائم الإعتداء على سلامة الطيران المدني، خصوصاً جرائم خطف الطائرات واحتجاز رهائن وتدمير الطائرة المختطفة، والتي حصلت بداية الستينات في أنحاء مختلفة من العالم. وتهدف هذه الإتفاقيات الى ملاحقة الأفعال التي من شأنها أن تعرض أو يحتمل أن تعرض للخطر سلامة الطائرة أو الأشخاص أو الأموال الموجودة فيها، وعلى الأفعال التي يقوم بها أي شخص على متن أي طائرة مسجلة في دولة متعاقدة أثناء وجود هذه الطائرة في حالة طيران فوق سطح أعالي البحار أو فوق أي منطقة أخرى تقع خارج إقليم أي دولة. وكذلك قمع الإستيلاء غير المشروع على الطائرات بواسطة القوة أو التهديد باستعمالها أو باستعمال أي شكل آخر من أشكال الإكراه للاستيلاء على الطائرة أو السيطرة عليها. ولا تطبق هذه الإتفاقيات على الطائرات المستعملة في الأغراض الحربية والجمركية أو خدمات الشرطة.

عقدت اتفاقيات دولية عدة لحماية الديبلوماسيين، أهمها: اتفاقية الدول الأميركية الموقعة في واشنطن عام 1971 بشأن منع ومعاقبة أعمال الإرهاب التي تأخذ شكل الجرائم ضد الأشخاص وأعمال الإبتزاز المرتبطة بها ذات الطبيعة الدولية، واتفاقية نيويورك عام 1973 بشأن منع ومعاقبة الجرائم الموجهة ضد الأشخاص المتمتعين بحماية دولية، بعد العديد من الإعتداءات الإرهابية على الديبلوماسيين ورؤساء الدول ورؤساء الحكومات والوزراء وأعضاء أسرهم. وهناك أيضاً اتفاقية نيويورك عام 1979 لمناهضة خطف الرهائن عند قيام أي شخص بالقبض على آخر أو احتجازه وتهديده بالقتل أو بالإيذاء أو الإستمرار في احتجازه لإجبار شخص آخر (سواء أكان دولة أم منظمة دولية أم حكومية أم شخصاً طبيعياً أم معنوياً أم مجموعة من الأفراد) ، على القيام بعمل أو الإمتناع عنه كشرط صريح أو ضمني للإفراج عن الرهينة.

وعُقدت الإتفاقيات والمعاهدات الدولية لقمع القرصنة البحرية، أو ما يُعرف بالإرهاب البحري، وأهمها: معاهدة واشنطن عام 1922 بين الولايات المتحدة الأميركية والأمبراطورية البريطانية واليابان وفرنسا، واتفاقية لندن عام 1930 بين الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا واليابان وفرنسا وإيطاليا، ومعاهدة نيون عام 1937، واتفاقية ستراسبورغ عام 1977 لقمع الإرهاب وتسليم الإرهابيين، وإتفاقية روما عام 1988 لقمع الأعمال غير المشروعة ضد الملاحة البحرية، وإتفاقية نيويورك عام 1999 لقمع تمويل الإرهاب.

الى ذلك اتخذ مجلس الأمن قرارات عدة في هذا الصدد أبرزها القرار رقم 1267 /1999و1363 /2001 و1373 /2001 و1390 /2002 و1455 /2003و1456/2003 المتعلقة بإنشاء لجنة مكافحة الإرهاب، وإجراءات مكافحة الإرهاب وتمويله ودعمه وإرتكابه وإيواء الإرهابيين وتسليمهم ومحاكمتهم، وتعاون الدول والمنظمات المحلية والإقليمية والدولية في تلك المكافحة، وتوسيع نطاق حوار الحضارات، ومنع الإستهداف العشوائي للأديان والثقافات المختلفة، ومحاربة أنواع الإرهاب كافة.

وقد شكّلت أحداث 11 أيلول 2001التي وقعت في نيويورك وواشنطن وبنسلفانيا، منعطفاً دولياً بارزاً في تزايد الجهود الدولية لمحاربة الإرهاب ومعاقبة مرتكبيه، فصدر على أثرها عن مجلس الأمن القرار رقم 1373بتاريخ 28 /9 /2001لإدانة الهجمات الإرهابية، ومنع ووقف تمويل الأعمال الإرهابية، وتجريمها، وتجميد أموال الأشخاص الذين يقومون بنشاطات إرهابية ومنع تقديم كافة أنواع الدعم لهم، واتخاذ الخطوات اللازمة لمنع إرتكاب الأعمال الإرهابية، وعدم توفير الملاذ الآمن للإرهابيين ومنع تحركاتهم وتقديمهم للعدالة، وتبادل المعلومات العملية المتعلقة بتحركاتهم أو بالشبكات الإرهابية، والتعاون على منع وقمع الإعتداءات الإرهابية والجريمة المنظمة وجرائم المخدرات وتبييض الأموال والإتجار غير المشروع بالأسلحة والمواد النووية والكيميائية والبيولوجية وغيرها، وإنشاء لجنة خاصة من جميع أعضاء مجلس الأمن لمراقبة تنفيذ كل ذلك.

 

محاولات تعريف الإرهاب

بالرغم من تعدد الإتفاقيات والمعاهدات لقمعه، لم يتم الإتفاق على تحديد المفهوم القانوني للإرهاب، وذلك بسبب المظاهر المختلفة للأعمال الإرهابية وصعوبة وضع تعريف عام شامل للإرهاب. وقد تعددت تعريفات الإرهاب وفي ما يلي أهمها: الدكتور سالدانا (Saldana) أستاذ القانون الجنائي في جامعة مدريد، اعتبر أن الإرهاب، في مفهومه العام، كل جنحة أو جناية، سياسية أو اجتماعية، يؤدي ارتكابها أو الإعلان عنها الى إحداث ذعر عام يخلق بطبيعته خطراً عاماً. واعتبر الفقيه الفرنسي دونديو دي فابر (Doundio De Vaberes) أن الإرهاب هو أفعال عصابة، غالباً ما تكون ذات طبيعة دولية، ويكون من شأنها نشر الرعب باستخدام المتفجرات وتدمير خطوط السكك الحديدية وقطع السدود وتسميم المياه المعدّة للشرب ونشر الأمراض المعدية، بما يؤدي الى خلق حالة من الخطر العام. وأما الفقيه الفرنسي دايفيد (David . E.)

فقد عرّف الإرهاب بأنه كل عنف مسلح يرتكب لأهداف سياسية أو فلسفية أو إيديولوجية أو دينية، مخالفاً بذلك قواعد القانون الإنساني التي تمنع استخدام الوسائل الوحشية والبربرية لمهاجمة أهداف بريئة أو أهداف ليس لها أهمية عسكرية. ويرى الأستاذ جورج ليفاسير (George Levasseur) أن الإرهاب يعني الاستخدام العمدي والمنظم لوسائل من طبيعتها أن تنشر الرعب للوصول الى أهداف محددة، كاستخدام التخويف لتعجيز الضحية أو الضحايا ومهاجمتهم، أو نشر الرعب باستخدام العنف، كالإعتداء على الحق في الحياة أو الحق في سلامة الجسم، أو التعذيب أو ارتكاب جرائم عنف عمياء بواسطة القنابل أو السيارات المفخخة أو إرسال طرود ملغمة، أو الإعتداء على الأموال بالحريق أو التفجير لتحقيق طلبات الجناة الإرهابيين. ويعتبر الأستاذ بولوك (.Bouloc. B) أن الإرهاب هو كل عنف يرتكب ضد الأشخاص أو الأموال أو المؤسسات وتكون له طبيعة سياسية، ويستهدف الحصول على استقلال إقليم معين أو قلب نظام الحكم أو التعبير عن اعتراض على بعض مظاهر سياسة الدولة.

وعلى الرغم من المحاولات المختلفة لوضع تعريف للإرهاب، هناك شبه إجماع على صعوبة وضع تعريف له. هذا بالإضافة الى سعي الدول العظمى الى إبقاء مفهوم الإرهاب غامضاً لكي تبقى لها الحرية المطلقة في إطلاق تهمة الإرهاب على الحركات التي تعارض سياستها، كالمقاومة أو التحرير الوطني، كما هي الحال في محاولة إسرائيل إلصاق تهمة الإرهاب بالمقاومة اللبنانية والفلسطينية ضد الكيان الإسرائيلي الغاصب الذي يستخدم وسائل تتسم بالوحشية والبربرية لمهاجمة أهداف مدنية وبريئة بشكل يمثل خرقاً لأبسط القيم الإنسانية.

من الناحية الأخلاقية، يعتبر الإرهاب صورة من صور العنف في المجتمع المعاصر، وعادة لا يطلق من يرتكبه على نفسه صفة الإرهابي، كما يرى البعض أن ثمة إرهابيين يباشرون الإرهاب لا لأنهم وجدوا لذة في ذلك، بل لأنه لم يبق أمامهم سوى أعمال العنف لمواجهة الشعور بفقدان العدالة، إذ أن الظلم أحياناً كثيرة يولد الإرهاب.

 

مفهوم الإرهاب في التشريعات الداخلية

حدد المشترع الفرنسي، في القانون رقم 86-1020، مجموعة من الجرائم وأخضعها لنظام قانوني أكثر شدة إذا ارتكبت في ظروف معينة، معتبراً أنه عندما تكون الجرائم متعلقة بمشروع فردي أو جماعة بقصد الإضرار الجسيم بالنظام العام عن طريق بث الخوف أو الرعب، تُحرّك الدعوى الجنائية ويتم التحقيق والمحاكمة وفقاً لقواعد صارمة. وتلك الجرائم تتعلق بتصنيع الأسلحة والمؤن الحربية والمواد المتفجرة وتركيب وتصنيع وحيازة وتخزين ونقل الأسلحة البيولوجية والسامة وغيرها. وقد عرّف المشترع الفرنسي الإرهاب في قانون العقوبات الجديد رقم 92-686، معتبراً أن الجرائم تعدّ إرهابية عندما تتعلق بمشروع فردي أو جماعي بقصد الإضرار الجسيم بالنظام العام عن طريق بث الخوف أو الرعب، ويتوفر فيها القصد الخاص. وأضاف الى الجرائم السابقة الجرائم التي تقع في مجال الكومبيوتر والجرائم الخاصة بالبيئة، كتلويث الفضاء وأعماق الأرض والمياه وما يعرض صحة الإنسان والحيوان للخطر، وشدد العقوبات لهذه الجرائم بدرجات معينة.

كما عرّف المشترع المصري الإرهاب في المادة 86 من قانون العقوبات رقم 97 لعام 1992، بأنه كل استخدام للقوة أو العنف أو التهديد أو الترويع، يلجأ إليه الجاني تنفيذاً لمشروع فردي أو جماعي، بهدف الإخلال بالنظام العام أو تعريض سلامة المجتمع وأمنه للخطر، إذا كان من شأن ذلك إيذاء الأشخاص أو إلقاء الرعب بينهم أو تعريض حياتهم أو حريتهم أو أمنهم للخطر، أو إلحاق الضرر بالبيئة، أو بالإتصالات أو بالمواصلات، أو بالأموال أو المباني، أو بالأملاك العامة أو الخاصة أو باحتلالها أو الإستيلاء عليها أو منع أو عرقلة ممارسة السلطات العامة أو دور العبادة أو معاهد العلم لأعمالها، أو تعطيل تطبيق الدستور أو القوانين أو اللوائح. وشدد القانون المصري العقوبات المقررة لبعض الجرائم إذا ارتكبت لغرض إرهابي، وتتراوح العقوبة بين السجن والإعدام بالإضافة الى الغرامة والحل والإغلاق والمصادرة وحظر الإقامة في مكان معين أو منطقة محددة أو الإلزام بالإقامة في مكان معين وحظر التردد الى أماكن أو محال معينة لمدة لا تزيد على خمس سنوات.

كذلك جرّم المشترع المصري القيام بعمل قيادي لجماعة مخالفة للقانون أو الإنضمام إليها أو الترويج لأفكارها أو إنشاء أو إدارة أو تأسيس أو تنظيم جمعية أو هيئة أو منظمة أو جماعة أو عصابة خلافاً للقانون، أو استعمال الإرهاب لإجبار الأشخاص على الإنضمام الى الجماعات غير المشروعة أو لمنعهم من الإنفصال عنها، أو السعي لدى دولة أجنبية أو التخابر مع جهات يكون مقرها خارج الدولة أو الإلتحاق بالقوات المسلحة لدولة أجنبية أو التعاون معها أو مع جهات إرهابية أو الإلتحاق بها، وخطف وسائل النقل الجوي أو البري أو المائي، والإعتداء على الحرية الشخصية، وتمكين المقبوض عليه من الهرب، والتعدي على أحد القائمين بتنفيذ القانون. كما أخضع المشترع المصري الجرائم الإرهابية لإجراءات خاصة، وأخرجها من الجرائم التي تتقادم الدعوى الجنائية الخاصة بها، وجعل الإختصاص القضائي للنظر في جرائم الإرهاب لمحكمة أمن الدولة العليا بدائرة محكمة استئناف القاهرة.

 

ماذا يقول القانون في لبنان؟

في لبنان، تخضع الأفعال الإرهابية للمادة 314 وما يليها من قانون العقوبات الذي صدر بتاريخ 1/3/1943، حيث عرّفت المادة 314 المذكورة، الأفعال الإرهابية بأنها جميع الأفعال التي ترمي الى إيجاد حالة ذعر وترتكب بوسائل من شأنها أن تحدث خطراً عاماً. وعلى الرغم من غموض هذا التعريف، يعتبر القانون اللبناني من أبرز القوانين التي جرّمت الإرهاب قبل غيره من القوانين التي لم تنص بشكل مطلق على جريمة الإرهاب أو جرّمتها في وقت متأخر.

 وقد أدت الأحداث الأليمة التي وقعت في لبنان عامي 1957 و1958 وما رافقها من تفجيرات وحوادث قتل وعنف حصدت آلاف الضحايا من أرواح اللبنانيين الأبرياء، الى حمل المشترع اللبناني على وضع قانون خاص بتاريخ 11 /1 /1958 علّق العمل ببعض نصوص قانون العقوبات بصورة مؤقتة واستثنائية. وكانت المادة 315 من قانون العقوبات تنص على أن المؤامرة التي يقصد منها ارتكاب عمل أو أعمال الإرهاب يعاقب عليها بالأشغال الشاقة المؤقتة، وكل عمل إرهابي يستوجب الأشغال الشاقة المؤقتة لمدة خمس سنوات على الأقل، وهو يستوجب الأشغال الشاقة المؤبدة إذا نتج عنه التخريب، ولو جزئياً، في بناية عامة أو مؤسسة صناعية أو سفينة أو منشآت أخرى، أو التعطيل في سبيل المخابرات والمواصلات والنقل، ويُقضى بعقوبة الإعدام إذا أفضى الفعل الى موت إنسان، أو هدم بناء فيه أشخاص. غير أن المادة السادسة من قانون 11 /1 /1958 شددت عقوبة الإرهاب ونصت على أن كل عمل إرهابي يستوجب الأشغال الشاقة المؤبدة، وهو يستوجب الإعدام إذا أفضى الى موت إنسان، أو إذا نتج عنه التخريب، ولو جزئياً، في بناية عامة أو مؤسسة صناعية أو سفينة أو منشآت أخرى، أو التعطيل في سبل المخابرات والمواصلات والنقل. وعاقبت المادة السابعة من القانون المذكور بالأشغال الشاقة المؤبدة، من أقدم على مؤامرة بقصد ارتكاب الأفعال الإرهابية المذكورة. وأعطت المادة الثامنة من القانون نفسه، صلاحية النظر بالجرائم الإرهابية للمحاكم العسكرية.

كما نصت المادة 316 من قانون العقوبات على أن كل جمعية أنشئت بقصد تغيير كيان الدولة الإقتصادي أو الإجتماعي أو أوضاع المجتمع الأساسية بإحدى الوسائل المذكورة في المادة 314، تحل ويقضى على المنتمين إليها بالأشغال الشاقة المؤقتة، ولا تنقص عقوبة المؤسسين والمديرين عن سبع سنوات. ثم أضيفت فقرة الى المادة 316 بموجب القانون رقم 553 تاريخ 20 /10 /2003، اعتبرت أن كل من يقوم عن قصد وبأية وسيلة مباشرة أو غير مباشرة بتمويل أو المساهمة بتمويل الإرهاب أو الأعمال الإرهابية، يعاقب بالأشغال الشاقة المؤقتة لمدة لا تقل عن ثلاث سنوات وبغرامة لا تقل عن مثل المبلغ المدفوع ولا تزيد عن ثلاثة أمثاله.

وبذلك يعتبر الإرهاب في القانون اللبناني جناية مشددة أصلاً، ومن صلاحية القضاء العسكري.

وفي الختام، نشير الى أن الحروب التي نشبت ولا تزال بين عدد كبير من الدول وبين المنظمات والعصابات الإرهابية، تدل على أن المواجهة في هذا المجال لم تفلح حتى الآن في تسجيل انتصار حاسم على الإرهاب. فما أن يتم القضاء على منظمة من المنظمات الإرهابية، حتى تبرز منظمة أخرى وتنشأ شبكة بديلة وتفتح قناة جديدة أكثر تطوراً، وكلما ازداد تصميم المجتمع الدولي على كسب المعركة، كلما ازداد تصميم العصابات والمنظمات على المضي قدماً في المواجهة، وتسخير كل طاقاتها وتفكيرها لابتكار وسائل إرهابية جديدة، أكثر حداثة وتطوراً، فأصبح الإرهاب كالأخطبوط البشري كلما قُطع منه رأس نبتت مكانه رؤوس جديدة. وهذا يدفع الى زيادة الجهود الدولية المبذولة ومراجعة التدابير المتخذة والسياسات المعتمدة لوضع حد للنشاطات الإرهابية.