- En
- Fr
- عربي
قضايا معاصرة
ان قصص الحرب والغنائم والشرف والطمع التي تنبثق من الصناعة العسكرية الخاصة ينظر إليها وكأنها فيلم هوليوودي، فهي تتراوح ما بين قصص الإثارة المعلبة من مدافع للايجار «لطرد حشود المتمردين» في العراق إلى فريق من الطيارين الخاصين القابعين في الأسر في كولومبيا بعد أن تخلى عنهم رؤساؤهم في الولايات المتحدة، إلى الفضيحة في احدى دول افريقيا وتورط ابن رئيسة وزراء بريطانيا السابقة فيها، إلى اتهامات باستغلال الحرب والإثراء منها، طاولت البيت الأبيض نفسه.
وكما تبدو هذه القصص غير معقولة، فإن الصناعة العسكرية الخاصة ليست خيالاً علمياً، فهي أصبحت لاعباً مرموقاً في النزاعات حول العالم، لا تقوم بتأمين الأرزاق فحسب، بل تؤمن خدمات القتال كافة.
كذلك، فإن الأحداث الأخيرة التي فضحتها وسائل الإعلام من سجن «أبو غريب» حتى «زيمبابوي» ألقت الضوء على دور هذه المؤسسات غير المسبوق وقوتها في الحروب. إن الشركات العسكرية الخاصة (Private Military Firms,PMFs) تبقى ظاهرة غير مفهومة وغير معلومة، يحيط بها الغموض والأسرار ونظرية المؤامرة، تاركة صانعي السياسات والرأي العام في موقف خطير من الجهل.
وتبقى الأسئلة الكثيرة بدون اجابات: ما هي هذه الصناعة؟ من أين أتت؟ وما هو دورها في مشروع الولايات المتحدة في العالم؟ وخصوصاً في العراق؟ ما هي حدود نشاطاتها الواسعة ودورها؟ ما هو دورها في تغيير الحكومات وأنظمة الدول، ودورها في رسم السياسات الخارجية؟
إن هذه القوة الصاعدة باتت خطرة إلى درجة أصبح من الضروري الإمساك بها، وإلا تحولت إلى قوة مدمرة للكثير من الدول الديمقراطية في العالم، فما هي هذه المؤسسات؟
قطاع خاص ذو منفعة عامة!
الشركات العسكرية الخاصة، هي شركات تزود الحكومات بخدمات احترافية ترتبط حصراً بأعمال الحرب، انما بكلمات أخرى، تمثل التطور المعقد لمهنة المرتزقة وهذه الشركات كيانات تعاونية تقدم مجالات واسعة من الخدمات، من العمليات التكتيكية للمعركة والتخطيط الاستراتيجي إلى الدعم اللوجستي والمساندة التقنية.
نشأت الصناعة العسكرية الخاصة الحديثة مع بداية تسعينيات القرن الماضي موجهة بثلاث قوى دينامية، تتداخل في ما بينها:
1- نهاية الحرب الباردة.
2- التحول في طبيعة الحرب التي حجبت الحدود ما بين المدنيين والعسكريين.
3- الاتجاه العام نحو التخصصية وتخفيف الأعباء عن الحكومات حول العالم.
على اثر انتهاء الحرب ما بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي، تم خفض حجم الجيوش المحترفة في مختلف دول العالم، وفي الوقت نفسه، فإن عدم الاستقرار العالمي المتزايد خلق طلباً على زيادة عناصر القتال، كذلك فإن الحرب في عالم يتطور أصبحت أكثر فوضوية، أكثر تشوشاً وأقل احترافية، وتتراوح القوى المنخرطة فيها ما بين أسياد الحرب والجنود الأغرار، في حين أصبحت القوى الغربية أكثر ممانعة للتدخل فيها. في الوقت نفسه، فإن التقدم العسكري نما باضطراد، معتمداً على مخزون تقني تجاري، ومصاناً ومحرّكاً بواسطة الشركات الخاصة. وأخيراً خضعت عدة حكومات لتوجه ايديولوجي نحو التخصصية في العديد من مهماتها، وهكذا فإن حزمة من المسؤوليات السابقة للدولة كالتعليم والشرطة وإدارة السجون تحولت إلى عالم التجارة والتعهدات والمقاولات.
ان شركات الأمن الخاصة (PMFs) والتي صعدت كنتيجة لذلك ليست كلها متشابهة، ولا تقدم كلها الخدمات ذاتها، فهذه الصناعة موزعة على ثلاثة قطاعات أساسية:
1- شركات التموين العسكرية (military provider firms)، وتعرف أيضاً بـ«شركات الأمن الخاصة»، وهي تؤمن المساندة العسكرية التكتية بما فيها خدمات المعركة المعاصرة، للزبائن.
2- الشركات الاستشارية العسكرية (military consulting firms)، والتي تستخدم الضباط المتقاعدين لتقديم النصائح الستراتيجية والتدريب العسكري.
3- شركات المساندة العسكرية (military support firms)، والتي تؤمن: التموين اللوجستي، المعلومات الاستخبارية، خدمات الصيانة للقوى المسلحة، بما يسمح للجنود الجدد بالتركيز في المعركة ولحكوماتهم بخفض الحاجة لتطويع عناصر اضافية أو استدعاء احتياط اضافي.
وهكذا أصبحت أكبر القوى العسكرية في العالم (USA) تعتمد بشكل متزايد على هذه الشركات (PMFs)، فقد عقدت وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) أكثر من 3000 عقد خلال العشر سنوات المنصرمة.
لا تقتصر هذه الصناعة وزبائنها على أميركا وحدها، فهذه الشركات الخاصة عملت في أكثر من 50 دولة، ولا تزال تعمل في كل القارات ما عدا القطب الجنوبي، فمثلاً: ان القوات العسكرية الأوروبية التي أخذت على عاتقها العمل ما وراء البحار تعتمد على شركات الـ«PMFs» في نقلها وتموينها وتزويدها بحاجاتها. لقد اعتمدت هذه القوات عند الانتقال إلى أفغانستان على شركة اوكرانية من خلال عقد بقيمة تزيد على 100مليون دولار بواسطة الطائرات السوفياتية سابقاً، كذلك فإن القوات العسكرية الانكليزية، قامت (متتبعة خطوات البنتاغون) بالتعاقد مع «هاليبرتون» للتزود بحاجاتها اللوجستية.
دور هذه الشركات في العراق
لم يظهر دور هذه الشركات أكثر تكاملاً أو إثارة للجدل كما ظهر في العراق. ليس بسبب أن العراق اليوم يمثل الموقع الذي تظهر فيه القوة الأميركية العسكرية بأوسع آفاقها خلال أكثر من عقد، بل لأنه أيضاً أوسع سوق لعمل هذه الشركات من خلال نشرها أكبر عدد من مقاوليها وعناصرها فيه، فهناك أكثر من 06 شركة تعمل الآن في العراق، وتستخدم أكثر من 000.02 عنصر يقومون بمهمات عسكرية (وهذا العدد لا يشتمل على آلاف الأشخاص الذين يقومون بأعمال البناء غير العسكرية وخدمات النفط)، ويكاد يقارب العدد الذي قدّمته دول التحالف غير الأميركية مجتمعة، فقد تحوّل هذا التحالف (كما يقال في أميركا) من «ائتلاف الدول الموالية» إلى «ائتلاف الدول المقاولة».
لقد استجلبت هذه الأعداد الكبيرة أخطاراً كثيرة، فقد خسر المقاولون العسكريون نحو 175 قتيلاً و900 جريح في العراق أخيراً (الاعداد الدقيقة غير متوافرة لأن البنتاغون لا يتعقب الاصابات غير العسكرية) وهذا العدد هو أكثر من الاصابات في فرقة عسكرية أميركية، وأكثر من بقية دول الائتلاف مجتمعة في العراق.
ان ما يشكل أهمية ليس في هذا العدد «الفج»، بل في المجال الواسع للأعمال الخطرة التي يقوم بها المقاولون في العراق أكثر من أي حرب سابقة، يضاف إلى ذلك التحضير للحرب والتدريب للقوات الأميركية قبل الغزو، فإن أفراد هذه المؤسسات تولّوا عمليات التموين اللوجستية والدعم خلال الإعداد للحرب. ومخيم «ضحى» في الكويت الذي استخدم كنقطة انطلاق للهجوم على العراق، لم يبنَ بواسطة احدى هذه الشركات فقط، بل جهّز وفعّل وحمي بواسطة احداها أيضاً.
كذلك خلال غزو العراق، فإن الشركات المقاولة أمّنت إعداد وصيانة وشحن الكثير من أنظمة الأسلحة الأميركية المتطورة والمعقدة كطائرات ب-2 (الشبح) القاذفة والطائرات المروحية (الاباتشي)، كذلك ساعدت في تزويد أنظمة المعركة العسكرية كبطاريات الصواريخ (باتريوت) وأنظمة الصواريخ الدفاعية البحرية (Aegis) بحاجاتها من هذه الصواريخ وذخائرها.
إن هذه الشركات «المقاولة» (PMFs)، من الشركات القديمة مثل شركة «Vinnell» و«MPRI» إلى الشركات الحديثة كشركة جنوب افريقيا «Erinys» الدولية، لعبت دوراً كبيراً في التحضير لغزو العراق واحتلاله وفي التصدّي لأعمال المقاومة العراقية، كما أن الشركات مثل «هاليبورتن»، «كيلوغ»، «براون» و«روث» هي أكبر الشركات العسكرية الخاصة في العراق اليوم، وهي التي تؤمن كافة حاجات القوات وصيانة المعدات من خلال عقود بقيمة تزيد على 31 بليون دولار (وهذا يمثل مرتين ونصف ما دفعته الولايات المتحدة في حرب الخليج عام 1991 ويكاد يساوي ما دفعته في حرب الاستقلال وحرب المكسيك عام 2181 والحرب الاسبانية الأميركية مجتمعة).
كذلك، فإن بعض هذه الشركات تساعد في تدريب القوات المحلية (جيش العراق الجديد) والشرطة الوطنية، كما تقوم بأدوار عسكرية تكتيكية مختلفة.
ويقدر أن نحو 0006 «مقاول» غير عراقي يقومون بالمهمات التكتية العسكرية في البلاد، ويعرفـون باسم «حـراس الأمن» (Security guards)، ويقومون بحماية المنشآت المهمة كالمنطقة الخضراء في بغداد وبعض المرافق الخاصة بالأميركيين. كما يقومون بحماية بعض الشخصيات المهمة (عندما كان بول بريمر حاكماً للعراق كان يقوم بحراسته فريق «Black Water» الذي كانت له طائراته الطوافة المسلحة). كذلك يتولى هؤلاء مواكبة وحماية القوافل وهي مهمة صعبة نظراً لكمائن الطرق وهجوم المقاومين.
تشكل هذه الشركات أهمية للولايات المتحدة الأميركية في عملها في العراق، فهي تسد العجز في عديد قواتها هناك، وتقوم بأعمال ومهمات لا ترغب القوات الأميركية القيام بها، وهذا ما جعل عناصر هذه الشركات يتورطون في أعمال من أكثر مظاهر الحرب اثارة للجدل (متاحف بغداد والمكتبات والآثار وطبعاً تعذيب السجناء وخصوصاً سجن أبو غريب).
تعريب بتصرّف عن
~ FOREIGN AFFAIRS
Volume 84, No 2 - March - April 2005.
~ OUTSOURCING WAR
by: P.W. Singer.