كلمات ليست كالكلمات

المقاومة... قضية وممارسة
إعداد: العميد الركن اليـاس فرحـات
مدير التوجيه

يستعيد الناس ايامهم واعيادهم، بالقداسة والاحتفالية والحبور، ومع مرور الزمن «تتخصص» الأعياد وتتقاسم مريديها، فهذا عيد عائلي تجلس فيه العائلة كاملة الى مائدة العشاء، وذاك عيد يخرج الناس خلال ساعاته الى الشوارع، وعيد آخر تزدهر فيه الحفلات، واعياد واعياد تحمل العروض والزينة والمظاهر متعددة ومتنوعة...
اما عيد المقاومة والتحرير، وإن يكن حديثاً في العمر، فهو عميق الأثر في الذاكرة الوطنية، راسخ في الوجدان الشعبي بأكمله. تتشكل يوماً بعد يوم طقوسه وعاداته وانماط احتفالاته. ورغم الطابع  التذكاري لهذه النشاطات، فإنه، من دون أي شك، مميز في مضامينه، حافل بدلالاته ومعانيه.
العيد هو للمقاومة، المقاومة التي ضحّت وقاتلت رغم اقتناعها بالتفاوت الكبير بينها وبين العدو في الوسائل والإمكانيات، ورغم ضآلة احتمالات النصر، ورغم  تجارب قتال مع العدو لنحو خمسين عاماً لم تكن مشجعة في معظمها، ما خلا بعض الوقائع البطولية على ارض فلسطين وبعض الجبهات العربية الإسرائيلية. مع ان العلّة في النتائج المخيبة لم تكن في الاشخاص المقاتلين، ولا في النوايا والمقاصد، وانما في الظروف والاعتبارات العامة التي لا تخفى على لبيب في التاريخ.
كانت فكرة المقاومة بحد ذاتها صعبة وقوية ولا تخلو من المغامرة. لقد جرّب غيرنا الكثير ولم يتوصل الى نتيجة، وقد حصل قتال هناك واشتباكات هنالك، ولم تنفع في شيء كبير... كلها امور لاحت في اذهان من ناقش الفكرة قبل انطلاقها. ورغم هذا الحساب الصعب، والتوقع غير الراجح، انطلقت المقاومة بزخم وحيوية، واستمرت وضحّت، واستشرس العدو الاسرائيلي في التصدي لها ومواجهتها، فارتكب المجازر، ودمّر المنازل، وهدم الجسور ومحطات تمويل الكهرباء، وهجّر السكان، أملاً في تشكيل قوة ضغط شعبية لبنانية تقول للمقاومة: كفى، لن تستطيعي تحقيق شيء، أوقفي محاولاتك، لم نعد نستطيع التحمّل. رغم ذلك استمرت المقاومة واستطاعت، مع كل التضحيات والخسائر الوطنية، تحقيق إجماع شعبي قلّ مثيله حول دورها الوطني، وحول قضيتها التي هي قضية الوطن برمته. لقد تمكنت من تحقيق الالتفاف الشعبي العام حولها بفضل الاخلاقية العالية التي تحلّى بها ابناؤها، فباتوا أمثلة تحتذى في المروءة والمناقبية ونكران الذات. لم يتوسلوا اجوراً، ولم يسعوا الى مناصب، بل كان همهم دحر العدو، والحاق الخسائر بصفوفه، وإرغامه على الاندحار والانسحاب. لم يتطلعوا الى دنيا الغنائم المعنوية او المادية، ولا الى استخدام الانتصار في السعي الى تسلّط هنا وهيمنة هناك. كل ذلك كان له وقع هائل لدى أبناء الشعب اللبناني وعموم العرب والعالم، من هنا جاء التمسك بالمقاومة واجباً وطنياً، وكان الدفاع عنها سبيلاً لا يتطلب البحث عن مبررات او حجج.
واليوم، والمقاومة تتعرض لهجوم سياسي من بعض القوى، ومن بعض الدول التي تحاول إلصاق خطأ ما بها فلا تجد، والتي تفتش عن سبب غير اخلاقي يدينها فلا تعثر إلاّ على القيم العالية، فإن تهمة الإرهاب التي توجّه ضدّها، من دون إبراز دليل، ترتد على اصحابها، وتبقى هي عروس الشعب، وزهرة امانيه.
الإجماع حول المقاومة لافت للنظر، والهجوم عليها لافت هو الآخر. واهداف الهجوم واضحة، انها خدمة اسرائيل لا أكثر ولا أقل. لا شيء يتعلق بالأمن ولا بالاستقرار ولا بالنهوض ولا بالإعمار. لم تكن المقاومة يوماً إلاّ داعمة لكل بناء، حريصة على الحريات من كل نوع بما في ذلك حرية من يحاول انتقادها. ولم تكن المقاومة يوماً إلاّ موضع احترام الناس ومحبتهم وتأييدهم. يفتش الأعداء عن ثغرات في كل مكان، لكنهم لا يعثرون إلاّ على الفضائل الحميدة. هذه هي المقاومة التي نحتفل بعيدها، والتي انتصرت وحرّرت، والتي لن يصيبها الفشل طالما انها تسير على درب الأخلاق والترفع عن الصغائر.
عيد المقاومة والتحرير في لبنان ذكرى للأعياد، وتعزيز للإيمان بقدرات الشعب اللبناني، وجميع الشعوب صاحبة القضايا العادلة والمحقة، والتي تخلص في الدفاع عن حقوقها مهما بلغت الصعوبات، ومهما تطلّب النضال من تضحيات.