دراسات وأبحاث

الملف النووي الإيراني
إعداد: د. أحمد علو
عميد متقاعد

بين الحقائق العلمية والوقائع السياسية

«تتحدث الأسلحة الى الحكماء، ولكنها عمومًا تحتاج الى مترجمين...».
(بيندار..شاعر يوناني قديم)
 
في 24 تشرين الثاني2013، وُقّع «اتفاق نووي» بين مجموعة الدول الكبرى(5+1) وإيران في جنيف بسويسرا. وقد نصّ الاتفاق الذي سمي «اتفاق جنيف المؤقت» (Interim Geneva Accord) على تجميد قصير المدى للبرنامج النووي الإيراني في مقابل تخفيض العقوبات الاقتصادية المفروضة على إيران، بينما تعمل البلدان الموقّعة على اتفاق آخر طويل الأجل. ويعتبر هذا الاتفاق هو الاتفاق الرسمي الأول بين إيران والولايات المتحدة منذ 34 عامًا.


مرحّبون ومتحفّظون
نشر الأميركيون تفاصيل الاتفاق الذي جرى التوصل إليه بين إيران والقوى الكبرى في جنيف في الساعات الأولى من صباح الأحد 24 تشرين الثاني 2013، والذي وصفه الرئيس الأميركي أوباما بـ«الخطوة الأولى المهمة».
وقد ذكرت وكالة «الأسوشيتد برس» للأخبار (في تشرين الثاني 2013) أن مسؤولين في إدارة الرئيس أوباما اجتمعوا سرًا مع الإيرانيين وجهًا لوجه، خمس مرات خلال العام 2013، في دولة عمان في محاولات لإيجاد مخارج لأزمة البرنامج النووي الإيراني. كما ذكرت الوكالة أن الرئيس اوباما قد أطلع بنيامين نتنياهو على نتائج هذه الإجتماعات السرية في أثناء زيارة الأخير لواشنطن في نهاية أيلول 2013.
من جهته، رحّب أمين عام الأمم المتحدة بان كي مون بحرارة بهذا الاتفاق واصفًا إياه بـ«التاريخي»، كذلك صرّح مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية «يوكيا أمانو» بأن الاتفاق خطوة مهمة في إطار الاتفاق الذي أبرم بين الوكالة وإيران، والقاضي بزيادة زيارات المفتشين الدوليين إلى المنشآت النووية الإيرانية. واستجابةً للاتفاق، أعلن الاتحاد الأوروبي تخفيضًا لعقوباته المفروضة على إيران ابتداءً من كانون الأول المنصرم، بينما قال رئيس الوزراء الكندي إن بلاده ستحتفظ بالعقوبات إلى حين التوصل لاتفاق نهائي.
ورأى وزير الخارجية الصيني أن الاتفاق «سيساعد مختلف الأطراف على التعامل بشكل عادي مع إيران مما سيساهم في تأمين حياة أفضل للإيرانيين».
وأصدر مجلس الوزراء السعودي بيانًا جاء فيه أن هذا الاتفاق يمكن أن يمثل «خطوة أولية في اتجاه التوصل لحل شامل للبرنامج النووي الإيراني، فيما إذا أفضى إلى إزالة جميع أسلحة الدمار الشامل، وخصوصًا السلاح النووي في منطقة الشرق الأوسط والخليج العربي».
أما رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو فقد قال «إن ما تحقق في جنيف ليس اتفاقًا تاريخيًا بل هو خطأ تاريخي»، وقال أيضًا «اليوم أصبح العالم مكانًا أكثر خطورة لأن «أخطر نظام في العالم» اتخذ خطوة مهمة صوب الحصول على أخطر سلاح في العالم»، وربما هذا ما قرّبه من الموقف السعودي المبدئي الرافض حيازة إيران السلاح النووي.
بشكل عام، رحّبت معظم الدول بالاتفاق بين إيران والدول الكبرى وإن بدرجات متفاوتة، ولكن الرأي العام العربي يجمع على ضرورة توقيع اسرائيل ايضًا على معاهدة لإخلاء الشرق الأوسط من أسلحة الدمار الشامل وبخاصة الأسلحة النووية.
ويهدف هذا الاتفاق إلى وضع حد لطموحات إيران النووية مقابل وقف جزئي للعقوبات الدولية والغربية المفروضة عليها، وستشهد الفترة المحددة بـستة أشهر تبدأ مطلع العام 2014 مراقبة دولية دقيقة للنشاط النووي الإيراني ولمدى التزام طهران بنوده.

 

بنود الاتفاق
حسب الاتفاق (مع تفاصيل كثيرة للبنود الواردة)، تلتزم إيران الآتي:
- وقف تخصيب اليورانيوم لنسبة أعلى من 5 بالمائة.
- التخلص من كمية اليورانيوم المخصبة إلى نسبة 20 بالمائة.
- وقف أي تطوير لقدرات تخصيب اليورانيوم.
- عدم زيادة مخزون اليورانيوم المخصب إلى نسبة 3.5 بالمائة.
- وقف أي نشاط في مفاعل آراك ووقف أي تقدم في مجال تخصيب البلوتونيوم.
- الشفافية التامة في السماح للوكالة الدولية للطاقة الذرية بالتفتيش المفاجئ واليومي لمنشآت إيران النووية، بما في ذلك مصانع أجهزة الطرد.
أما التزامات القوى الكبرى فتتمثل بتخفيف «محدود ومؤقت وقابل للتغيير» لنظام العقوبات على إيران، مع الابقاء على الهيكل الأساسي للعقوبات كما هو خلال فترة الستة أشهر، ويتضمن ذلك:
- عدم فرض أي عقوبات جديدة إذا التزمت إيران بما تم الاتفاق عليه خلال فترة 6 أشهر.
- تعليق العمل بعقوبات محددة مثل العقوبات على التعامل في الذهب والمعادن وقطاع السيارات الإيراني وصادرات إيران البتروكيماوية بما يوفر لها 1.5 مليار دولار من العائدات النفطية، والسماح بإصلاحات واعادة تأهيل بعض خطوط الطيران الإيرانية.
- الإبقاء على مبيعات النفط الإيرانية عند مستواها المنخفض الحالي (الذي يقل بنسبة 60 بالمائة عن مستويات 2011)، والسماح بتحويل 4.2 مليار دولار من عائدات تلك المبيعات إلى إيران على أقساط بالتزامن مع التزام طهران بتعهداتها في الاتفاق.
- السماح بتحويل 400 مليون دولار من أصول إيران المجمدة لتغطية نفقات دراسة الطلاب الإيرانيين في الخارج.
وفي الإجمال، ستستفيد إيران بنحو 7 مليارات دولار لكن القدر الأكبر من احتياطاتها الأجنبية (نحو 100 مليار دولار) سيظل مقيدًا بالعقوبات، وستبقى العقوبات مفروضة على مبيعات الطاقة الإيرانية (ولن يسمح بزيادة الصادرات) وكذلك على البنك المركزي الإيراني وعدد من البنوك والمؤسسات المالية الأخرى.
كذلك ستستمر العقوبات على أكثر من 600 من الشخصيات والكيانات الإيرانية التي لها علاقة بالبرنامج النووي وبرنامج الصواريخ. إضافة إلى العقوبات الأساسية على قطاعات أخرى مثل التصنيع العسكري والشحن، والعقوبات الدولية وتلك المتعلقة بوضع إيران كـ «دولة راعية للإرهاب».

 

الملف النووي الايراني: من التعاون إلى الصراع
تم إطلاق برنامج إيران النووي في خمسينيات القرن العشرين بمساعدة من الولايات المتحدة وذلك في إطار برنامج «الذرة من أجل السلام»، حيث شاركت الولايات المتحدة والحكومات الأوروبية الغربية في هذا البرنامج إلى أن قامت الثورة الإيرانية العام 1979 وأطاحت بشاه إيران.
وقّعت إيران معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية (NPT) العام 1968، وصدقت عليها العام 1970 مما جعل البرنامج النووي الإيراني موضوعًا للتحقق من قبل الوكالة الدولية للطاقة الذرية (IAEA).
بعد الثورة الإسلامية (1979)، أمر الإمام الخميني بحل أبحاث الأسلحة النووية السرية للبرنامج، إذ كان يعتبر هذه الأسلحة محظورة بموجب الأخلاق والفقه الإسلامي. ولكنه أعاد السماح بإجراء بحوث صغيرة النطاق في الأسلحة النووية، وسمح بإعادة تشغيل البرنامج خلال الحرب الإيرانية العراقية، وقد خضع البرنامج لتوسع كبير بعد وفاة آية الله العام 1989.
وقد شمل البرنامج النووي الإيراني عدة مواقع بحث هي: منجما يورانيوم، مفاعل أبحاث، ومرافق معالجة اليورانيوم التي تشمل محطات تخصيبه الثلاثة المعروفة.
يعتبر مفاعل «بوشهر» أول محطة للطاقة النووية في إيران، وقد اكتمل بمساعدة كبيرة قدمتها وكالة روساتوم الروسية الحكومية. وقد افتتح رسميًا في 12 أيلول 2011. وأعلنت إيران أنها تعمل على إنشاء مصنع جديد للطاقة النووية في دارخوين قدرته 360 ميجاوات. كما أعلنت شركة Atomenergoprom (شركة هندسية روسية مقاولة) بأن محطة بوشهر للطاقة النووية ستصل لكامل طاقتها الإنتاجية بحلول نهاية 2012، وأوضحت إيران أيضًا بأنها ستسعى لتصنيع محطات متوسطة الحجم لإنتاج الطاقة واستكشاف مناجم اليورانيوم في المستقبل.

 

بحوث وتجارب!
في تشرين الثاني 2011، انتقد مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية إيران، بعد تقرير للوكالة خلص إلى أن إيران قد أجرت على الأرجح البحوث والتجارب الرامية إلى تطوير قدرات الأسلحة النووية قبل العام 2003.
وقد ذكر عدد من الخبراء النوويين الغربيين بأنه كان هناك القليل جدًا من الجديد في هذا التقرير، وأن وسائل الإعلام أعطته أهمية مبالغ فيها، وقد رفضت إيران تفاصيل التقرير واتهمت الوكالة الموالية للغرب بالتحيز، وهددت بخفض تعاونها معها.
في الواقع ذكرت الوكالة الدولية للطاقة الذرية في تقريرها (2003)، ولأول مرة، أن إيران لم تعلن مساهماتها النووية الحساسة وأنشطتها في التخصيب والمعالجة، والتي يمكن استخدامها لتخصيب اليورانيوم ولإنتاج وقود للمفاعلات (في مستويات أعلى من التخصيب) لصنع أسلحة. بينما قالت إيران إن برنامجها النووي هو لأغراض سلمية، وإنها قامت بتخصيب اليورانيوم بنسبة أقل من 5?، بما يتفق مع وقود لمحطة الطاقة النووية المدنية. وأكدت أنها اضطرت إلى اللجوء إلى السرية بعد عدة ضغوط أميركية.
طالب مجلس محافظي الوكالة الدولية بأن تعلّق إيران أنشطة تخصيب اليورانيوم، في حين أن الرئيس الإيراني في ذلك الوقت محمود أحمدي نجاد صرّح بأن العقوبات التي تفرضها «قوى الاستكبار» هي «غير قانونية»، وأن إيران قررت متابعة مراقبة برنامجها السلمي بنفسها ومن خلال «المسار القانوني المناسب».
بعد مزاعم عامة حول أنشطة إيران النووية غير المعلنة سابقًا، أطلقت وكالة الطاقة الذرية تحقيقًا في تشرين الثاني 2003 خلص الى أن إيران قد فشلت في تلبية التزاماتها المنصوص عنها في اتفاق ضمانات معاهدة حظر الانتشار النووي، على الرغم من أنها أقرت بعدم وجود أي دليل على برنامجها للأسلحة النووية. تأخر استنتاج مجلس محافظي الوكالة حول عدم امتثال إيران لمعاهدة حظر الإنتشار النووي حتى أيلول 2005، ورفع تقريره حول الموضوع إلى مجلس الأمن الدولي في شباط 2006.
إثر ذلك طالب مجلس الأمن في قراره الرقم 1696 (تاريخ 31 تموز 2006) إيران بتعليق برامج تخصيب اليورانيوم، وفرض عقوبات عليها بموجب القرار الرقم 1737 (23 كانون الاول 2006) بعد أن رفضت القيام بذلك.

 

إيران ترفض التخلي عن برنامجها
في مقابل وقف برنامجها لتخصيب اليورانيوم، عرض على إيران «ترتيب شامل وطويل الأجل من شأنه أن يسمح بتطوير العلاقات والتعاون على أساس الاحترام المتبادل وبناء الثقة الدولية في الطبيعة السلمية الخالصة للبرنامج النووي الإيراني». ومع ذلك، فقد رفضت إيران التخلي عن برنامجها لتخصيب اليورانيوم، معتبرة أنه ضروري لأمن الطاقة لديها، ولأن «الترتيبات الشاملة على المدى الطويل» لا يمكن الاعتماد عليها في حد ذاتها... في حزيران 2009، وعقب الإنتخابات الرئاسية فيها، وافقت إيران مبدئيًا على اتفاق للتخلي عن مخزونها من اليورانيوم منخفض التخصيب مقابل الحصول على وقود لمفاعل الأبحاث الطبية، ولكنها بعد ذلك تراجعت عن الصفقة.
ولتبديد المخاوف من أن برنامجها لتخصيب اليورانيوم يمكن تحويله إلى استخدامات غير سلمية، عرضت إيران وضع المزيد من القيود على برنامجها لتخصيب اليورانيوم بما في ذلك، على سبيل المثال، التصديق على البروتوكول الإضافي للسماح بعمليات تفتيش أكثر صرامة من قبل الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وتشغيل منشأة تخصيب اليورانيوم في «ناتانز» كمركز وقود متعدد الجنسيات بمشاركة الممثلين الأجانب، وإعادة معالجة البلوتونيوم، وتحويل اليورانيوم المخصب إلى قضبان لوقود المفاعل. كما عرضت إيران فتح برنامجها لتخصيب اليورانيوم لمشاركات أجنبية خاصة وعامة، استجابة لاقتراحات لجنة خبراء الوكالة الدولية، والتي يمكن أن تسهم في تخفيض القدرات الوطنية لإنتاج الأسلحة النووية وقد أيد بعض الخبراء الامريكيين، غير الحكوميين، هذا النهج.
أصرت الولايات المتحدة على أن تلبي إيران مطالب مجلس الأمن الدولي بوقف برنامجها لتخصيب اليورانيوم، لوجود شك بأن ايران تقوم بعمليات تخصيب سرية أو إعادة معالجة.
وقد أشار بيير غولدشميت، نائب المدير العام السابق ورئيس قسم ضمانات الأمن في الوكالة، وهنري سوكولسكي، المدير التنفيذي لمركز تعليم سياسة حظر الانتشار، إلى حالات لم يتم الإبلاغ عنها أبدًا لمجلس الأمن. فكوريا الجنوبية، مثلاً تقوم بتخصيب اليورانيوم إلى مستويات قريبة من درجة إنتاج الأسلحة، وقد أبلغ هذا البلد بنفسه طوعًا عن نشاطه، وقال غولدشميت: «أدت الاعتبارات السياسية أيضًا دورًا مهيمنًا في قرار المجلس بألا ترفع الى مجلس الأمن نتيجة رسمية بعدم الامتثال».
في 23 آذار 2012، اقتبس الكونغرس الاميركي تقرير خدمة أبحاث شهر شباط لعام 2012 العائد لتقرير الوكالة الرابع والعشرين قائلاً إن إيران قد خزنت 240 باوندًا من اليورانيوم بنسبة تخصيب 20% - وهو مستوى التخصيب اللازم للتطبيقات الطبية - وذلك في إطار الدلالة على قدرتها في بلوغ مستويات أعلى.
وقد قال مسؤولو وكالة المخابرات الامريكية الذين قابلتهم صحيفة النيويورك تايمز في آذار 2012؛ إنهم واصلوا تقييم وضع إيران، وهم يعتقدون أنها لم تعاود تشغيل برنامج التسليح الخاص بها، والذي كانت قد أوقفته العام 2003، وعلى الرغم من ذلك فقد وجدت أدلة على أن هناك بعض الأنشطة العسكرية ذات الصلة مازالت تجري، كذلك ورد أن الموساد الإسرائيلي يشارك في هذا الاعتقاد.

 

مجلس الأمن والأزمة
أصدر مجلس الأمن الدولي عددًا من القرارات تتناول أزمة الملف النووي الإيراني ومعظمها ورد تحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة وهي:
- القرار الرقم 1696 تاريخ 31 تموز 2006، ويتعلق بطلب تعليق تخصيب اليورانيوم تحت مندرجات الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة.
- القرار الرقم 1737 تاريخ 23 كانون الاول 2006، يتعلق بفرض عقوبات على إيران لعدم امتثالها للقرار السابق.
- القرار الرقم 1747 تاريخ 24 آذار 2007، ويقضي بتوسيع العقوبات والترحيب بمبادرة الدول الخمس الكبرى + المانيا للتدخل في حل المشكلة الايرانية.
- القرار 1803 تاريخ 3 آذار 2008، يتضمن توسيع العقوبات ومنع تصدير بعض المنتجات التي يمكن أن تساعد البرنامج النووي والصاروخي الإيراني.
- القرار 1835 تاريخ 27 أيلول 2008، يؤكد القرارات الأربعة السابقة، وهو القرار الوحيد بين القرارات السبعة الذي لم يرد تحت الفصل السابع.
- القرار الرقم 1929 تاريخ 9 حزيران 2010، قضى بوقف تصديرجميع انواع الأسلحة إلى ايران التي لها علاقة بالصواريخ البالستية وتفتيش السفن التي تنقلها واحتجازها، وتجميد أرصدة اعضاء الحرس الثوري، وخطوط النقل البحري.
- القرار الرقم 1984 تاريخ 8 حزيران 2011، ويقضي بتمديد العمل بالقرار السابق لمدة 12 شهرًا اضافيًا.

 

النووي الايراني بين الحقائق العلمية والوقائع السياسية
يتميز الملف النووي الإيراني عن غيره من ملفات الأزمات والنزاعات الدولية المعاصرة بكونه يقوم على الكثير من عناصر الشك في النوايا والقليل من الوقائع والحقائق العلمية الملموسة والمؤكدة بشكل قاطع. وهذا ما وسع مساحة الجدل الأمني والصراع السياسي والاقتصادي المثار حوله والمستمر منذ اكثر من عقد من الزمن ما بين إيران وجيرانها في الإقليم (دول الخليج وإسرائيل)، وكذلك مابينها وبين الدول الكبرى وبخاصة الولايات المتحدة الاميركية.
بات من المعروف أن للدول الحق في تخصيب اليورانيوم حتى درجة 5% لإنتاج الطاقة المدنية كالكهرباء وهذا ماتكفله معاهدة عدم الانتشار النووي (NPT) تحت إشراف الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وكذلك حتى 20% لإنتاج بعض المواد الشعاعية لمعالجة بعض الأمراض كالسرطان مثلاً. ولكن استخدام هذه الحقوق خاضع لقواعد وأصول وتدابير حماية تتكفل الوكالة الدولية للطاقة بمراقبتها المستمرة من خلال مفتشيها والوسائل المحددة لذلك. ولما كانت معاهدة عدم الإنتشار قد منعت على الدول انتاج اسلحة نووية، فإن أي دولة تزيد من نسبة تخصيب اليورانيوم فوق حد العشرين بالمئة تعتبر أنها تسعى لإنتاج السلاح النووي والذي يمكن الحصول عليه بعد تخصيب اليورانيوم فوق نسبة 80 الى 90 في المئة. ومعلوم أن ذلك يستلزم عملية علمية معقدة وتجهيزات فنية وامكانات باهظة الثمن وفترات زمنية تطول أو تقصر وفق إمكانات هذه الدول وخبراتها.
اعتبرت إيران دولة تسعى لامتلاك السلاح النووي من خلال بعض المؤشرات والدلائل العلمية وذلك بسعيها إلى تخصيب اليورانيوم إلى نسبة تفوق ال 5% وقد وصلت الى نسبة 20% وفق بعض التقارير الاستخبارية وتقارير بعض مفتشي الوكالة الدولية الذين منعتهم إيران أحيانًا من الوصول إلى منشآتها النووية، مما رفع من درجة الشك في برنامجها النووي ودفع بالدول الكبرى وبخاصة الولايات المتحدة ودول الخليج واسرائيل، إلى رفع صوتها بوجه هذا التخصيب والمطالبة بوقفه. وقد وصلت الأزمة الى حد التهديد بضرب هذه المنشآت أو شن الحرب عليها من قبل إسرائيل وحتى من قبل الولايات المتحدة الأميركية. وكانت إيران تتمسك بحقها القانوني في التخصيب وتعلن عدم نيتها في انتاج السلاح النووي. لكن بين الشك الغربي في نوايا إيران النووية والإنكار الإيراني لهذه الشكوك والاتهامات، كانت الهوة تتسع ما بين إيران والدول الكبرى التي استخدمت مجلس الأمن الدولي ونفوذها السياسي لفرض عقوبات على إيران أثرت بشكل فاعل في الإقتصاد الإيراني وانعكست على الحياة السياسية والإقتصادية فيها وعلى إدارة ملفها النووي. والسؤال البديهي هنا هو: لماذا تمنع الدول الكبرى إيران من امتلاك السلاح النووي وتتدخل لمنع عملية التخصيب ولم تتدخل في حالات مثل اسرائيل والهند والباكستان وكوريا؟ وهل القضية هي قضية تخصيب اليورانيوم والسلاح النووي أم أن للقضية أبعادًا أخرى؟.

 

اتفاق أم صفقة؟
أدارت إيران هذا الملف بطريقة راوحت ما بين التصلب في الحفاظ على حقها في التخصيب والدبلوماسية في محاولات الوصول إلى حل لا ينفي هذا الحق أو يلغيه مع اعلانها الدائم عن سلمية برنامجها النووي والرغبة بإقامة أطيب العلاقات مع جيرانها.
ومع المتغيرات الجيوبوليتيكية التي طالت الواقع السياسي في الإقليم والمحيط، وتبدّل موازين القوى الجيوستراتيجية بين أطراف النظام العالمي المتغير، ومع بروز الإرهاب كرافعة لكثرة من حركات التغيير في المنطقة، وبروز إيران كلاعب إقليمي «بأذرع كثيرة»، مؤثر وفاعل على المسرح الجيوبوليتيكي والجيوستراتيجي الممتد من افغانستان وحتى البحر المتوسط، رأت الدول الكبرى أن تصل إلى «اتفاق مناسب» معها (التقاء المصالح)، فكان اتفاق جنيف المؤقت هذا تعبيرًا عن رؤية جديدة وبراغماتية في حل الأزمات الدولية المعقدة بالطرق الدبلوماسية، والذي قد يؤسس لتفاهمات دولية قادمة تتناول حل أزمات أخرى مزمنة كقضية فلسطين،أو حديثة كأزمة سوريا، والعراق، أو ربما مواجهة مخاطر أكثر تعقيدًا وإلحاحًا مثل الإرهاب الديني والحركات التكفيرية الصاعدة في المنطقة بما يهدد مصالح الدول الكبرى ذاتها.
كما أن هذا الإتفاق قد ينعكس إيجابًا ويخفف من حدة الإحتقان في المنطقة ما بين إيران ودول الجوار وبخاصة المملكة العربية السعودية، وما بين إيران والولايات المتحدة الأميركية ومن خلفها اسرائيل والقضية الفلسطينية، وما يتصل بها من أزمات تتشابك، ومصالح تتقاطع فوق مسرح الشرق الأوسط الكبير (من شمال افريقيا و مصر إلى اليمن، ومن مضيق هرمز والخليج الى البحر المتوسط عبرالعراق وسوريا ولبنان، وامتدادا إلى تركيا وبحر قزوين، ومنه إلى افغانستان ودول آسيا الوسطى فالصين وروسيا).
كذلك قد يدفع الإتفاق الإيراني – الأميركي (تحديدًا)، أو دفع بعض المتضررين منه إلى إقامة تحالف مناوىء للحد من مكاسب إيران الاستراتيجية في المنطقة، وهذا ما بدأت خفاياه و تباشيره في الظهور...

 

المراجع:
• en.wikipedia.org/.../Geneva_interim_agreement_on_Iranian_nuclear_pr
• www.stratfor.com/weekly/israelis-saudis-and-iranian-agreement‎