أفكار وابتكارات

المهندس عماد عادل جشي موهبة تحويل اللاشيء إلى قطع فنية
إعداد: جان دارك أبي ياغي

صنع موقعًا عسكريًا بكامل مستلزماته

 

في حوزته حوالى 433 قطعة من مختلف الأشكال، تشمل كل ما له علاقة بالاستعمالات العسكرية اليومية. بدأت هوايته منذ الصغر وكبرت معه حتى باتت هاجسه اليومي. يعامل تحفه كأولاده، ويحرص على كل قطعة حرصه على نفسه، لأنها مصدر سعادة له.
مجلة «الجيش» التقت المهندس عماد عادل جشي صاحب هذه المجموعة الكبيرة من الابتكارات، وأضاءت على موهبته الفذّة وإبداعاته الفنية.

 

المخيّلة المشاكسة
من مواليد العام 1960 في جويا- قضاء صور. تلقّى علومه الجامعية في الجامعة العربية حيث تخصص في حقل الهندسة المعمارية.
منذ صغره، كان يهوى الأشغال اليدوية وصنع المجسّمات الفنية بشكل عام، والعسكرية بشكل خاص. ولتحقيق أهدافه، لطالما استحوذ على ألعاب إخوته الصغار، ليعمل على تفكيكها، ومن ثم إعادة خلقها في شكل فنيّ رسمته مخيلته. هذا الأمر لم يكن ليعجب كثيرًا المقرّبين، وخصوصًا إخوته ووالديه. لكنّه تابع ولم تنل الاعتراضات من حلمه، ومن إرادته في رسم مشوار فنيّ خاص به.
البداية الجديّة كانت عندما بلغ عمر الـ 17 عامًا. يومها، صنع مجسّمًا للمدفع 106 على عربته، أما العمل الثاني، فكان منصة صواريخ مضادة للطائرات يمكن تشغيلها عن بعد بواسطة الريموت كونترول. وقد حرص في صناعة هذه القطع على أن تكون صالحة للتشغيل، فالمدفع يمكن أن يرمي كما لو أنّه مدفع حقيقي، وكذلك معظم القطع الباقية.

 

قطع فريدة
إذا تجولنا بين قطعه نجد أن حجم أكبرها لا يتجاوز الـ 40 سنتيمترًا، وهي لا تشبه غيرها من القطع. فهي مصنوعة من مواد لا يخطر بالبال أنها يمكن أن تصبح جزءًا من قطعة فنية. ومن جهة أخرى لأن تصاميمه تتميّز بطابع فريد، علمًا أنه لا يضع التصميم على الورق قبل تنفيذه.
يتحدّى جشي أيًّا كان أن ينجز ما أنجزه من أشكال متعددة. ويشير إلى إحدى الدبابات التي صنعها منذ 18 عامًا، وهي من عمر ابنه، كان يضعه في أحضانه خلال عمله على إنجازها. من مواصفاتها، أنها مجهزة بطريقة تقنية تمكّنها من قذف صاروخين معًا، وهو يبدو فخورًا بها.

 

لماذا القطع الحربية؟
هوايته محصورة فقط بالقطع الحربية، فلماذا؟ يقول: لأنها تستهوي معظم الناس وتلفت الأنظار، مؤكّدًا أن هذا الأمر لا يرتبط بأي شكل من الأشكال بشيء يمت إلى العنف بصلة، وإنما مجرد شكل من أشكال استثمار طاقة فكرية. ويضيف أن هوايته المفتوحة على مصراعيها لا تقتصر على بعض الاختراعات، فهدفه أن تشمل كل أحرف الأبجدية، أي أن يكون لكل حرف اختراع أو أكثر.
تضم مجموعته تشكيلة واسعة من المجسّمات: دبابات، طائرات، قطع حربية مع عدة صيانتها (كاراج، صيانة دواليب، ونش لنقل الآليات، دهان...).
في عداد المجموعة أيضًا، 4 مدافع ميدان من بينها واحد يمكن أن يقصف إذا زوِّد قذائف خاصة به، وملالات مدولبة تحمل إحداها راجمة وأخرى رشاشًا مزودًا مكبرًا للصوت، وهي مجهّزة بالإضاءة للمهمات الليلية.
طائرة من دون طيار، وصواريخ مضادة للطائرات تعمل إلكترونيًا، وطائرة حربية مجهّزة بإضاءة ومركّبة من 500 قطعة مختلفة الأشكال مع أسلحتها وعدّتها... قاعدة لراجمة صواريخ، طويلة ومتوسطة المدى. أصناف من الدبابات والرافعات، والآليات التي تستعمل للحفر والهدم وتنظيف الحقول من الألغام وتركيب الجسور مع كامل أكسسواراتها، شاحنات عسكرية على أنواعها لنقل الأفراد، وحقن أدوية منتهية الصلاحية، وصولاً إلى أسلحة كيمياوية (مواد لها رائحة نافذة حقيقية، ومضخات لتعبئة المواد الكيمياوية...).
اللافت في المجموعة سيارتا الإسعافات الأولية (إحداها عسكرية مصفّحة والثانية عادية) مع كامل التجهيزات (كريم الإلتهاب، بيتادين للجروح، كريم للحساسية، شاش للعيون...).

 

مستشفى ميداني
ننتقل إلى المستشفى الميداني العسكري المصنوع من شاحنة بلاستيكية (لعبة) تمّ تفكيكها إلى جزيئيات. بعد عملية تنظيف البلاستيك قام بتركيب ألواح من الزجاج مع إدخال بعض التعديلات على الهيكل... يضم المستشفى إلى طاولة العمليات الميدانية، جهازًا لتخطيط القلب، ضمادات للجروح، علب أدوية حقيقية، أكياس مصل مصنوعة من عبوات بلاستيكية موصولة بأنابيب رفيعة بطريقة حِرفية.
تتمركز قطع المجموعة ضمن موقع عسكري متكامل، استخدم في صنعه بلوكات هندسية مجهّزة بإضاءة، وهو يحتوي على: شاشة رادار، أجهزة اتصالات لاسلكية، مستودع مصفّح لإدارة العمليات الخارجية، وغير ذلك...

 

آلية تصنيع القطع
يستعمل المهندس عماد موادًا متنوعة المصادر يطوّعها لتصب في خدمة القطع التي ينفذها، إذ تجد مكانًا لها في كل شكل من الأشكال الهندسية (من بين هذه المواد مثلاً: أزرار التلفون، مفاتيح الآلة الحاسبة، نظارات، ورقيات، حشوة الألعاب النارية، غطاء القلم، القداحات البلاستيكية، الراسورات...).
يتّسم عمله بالدقة وبالسرعة في التنفيذ، وجميع أعماله مؤرشفة بحسب الترتيب الأبجدي، وقد حرص على تصوير المراحل التي تمر بها القطعة وصولاً إلى شكلها النهائي، لكنه لا يحبّذ الشرح المفصّل في هذا المجال، ويترك للزائر متعة اكتشاف تركيبة كل قطعة.
يستهويه العمل في فترة المساء، يسهر في غرفة نومه التي تحوّلت إلى مشغل دائم، وأحيانًا يبقى حتى انبلاج الفجر. أما الوقت المستغرق في تنفيذ كل قطعة فيراوح بين 10 دقائق وأسبوع، وذلك وفق حجم القطعة.
من المفارقات التي حصلت معه أنه أعجب مرة بهيكل إحدى الدبابات في محل للألعاب في صور، ولم يكن في المحل إلا قطعة واحدة. فطلب من صاحبه التواصل مع الوكيل لشراء المزيد، وقد استغرقت القصة حوالى 8 أشهر من دون نتيجة. وشاءت الظروف أن يسافر إلى أوكرانيا للسياحة، هناك وجد في محل للألعاب ما كان يبحث عنه، تلك الدبابة اللعبة، التي أصبحت تحمل صاروخين على متنها...
لكن أين يضع هذه القطع؟ إنها تسكن معه في بيته، وهي موضبة جيدًا في علب محكمة الإغلاق، تنتظر دعمًا يخرجها إلى النور، كوضعها في متحف مثلاً...